الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في شرط بناء دولة الحداثة والمواطنة

ماجد الشيخ

2009 / 2 / 17
المجتمع المدني


في العديد من بلدان العالم، باتت "الخلافات الإنتخابية" على ما يبدو، واحدة من سلوكيّات قد تعود إلى ممارسة ما قبل دولتيّة، وقد ترقى إلى وجود خلل في النظام السياسي؛ ومن ثمّ الإنتخابي، ما يفرّغ العمليّة الإنتخابيّة من جوهرها الحقيقي، ويساهم في إبتعادها وإبعادها عن مجال العمل الديمقراطي، وحيّزات النظام الديمقراطي المنشود. علاوة على كل ذلك فإن ما يظهر من "خلافات إنتخابية" بعد إنجاز عملية الإقتراع، يبدو أنها باتت مظهرا مرافقا للعمليّة الإنتخابيّة، جرّاء قوانين الإنتخاب من جهة، وآليات الإنتخاب من جهة أخرى، كما وجرّاء ضعف تقاليد ديمقراطيّة في بنى الدولة والمجتمع في العديد من بلدان؛ يفترض أنّها في تجاربها وخبراتها المكتسبة أعرق من بلدان ما زالت تحبو؛ رغم مسيرتها وتجاربها الإنتخابيّة العريقة.
في تلك البلدان، وفي غيرها، لا يبدو أنّ الدولة في سبيلها لأن تنجح في إنجاز مهمّتها الأشدّ إلحاحا؛ إذا ما أرادت أن تلبس لبوس الدولة، ألا وهي تحقيقها لمسألة المواطنة المشتركة، بما هي المصهر الوطني الذي ينجح في إعادة دمج المجموعات القبليّة والعشائريّة أو الطائفيّة والعرقيّة في الإطار الوطني، إطار الوطنيّة الجامعة؛ لدولة، إحدى سماتها الأبرز؛ إنتظامها وإحتكامها للدستور والقانون وللعقد الإجتماعي والسياسي، وإلاّ فإنّ مسببات الخراب التي تشكّل بنتائجها آليّة الخروج من حضن الدولة إلى إحتضان السلطة، مع ما يرتبّه ذلك من استطراد المفاهيم، بحيث تنحاز قوى في المجتمع السياسي والأهلي لفرضها أمرا واقعا وبالقوّة العارية أو الإنقلابيّة، بما يعكس شكلا لجوهر كان ينبغي أن يكون ديمقراطيّا، جرّاء عمليّة إنتخابيّة كانت وتكون بنتائجها أكثر من ملتبسة، أو هي في إلتباسها تنحو، وقد نحت؛ نحو خلق مقدّمات أو مقوّمات تنازع أهلي، قد تكون الحرب الأهليّة إحداها، إن لم يجر وضع حدّ لهذه أو تلك من المقدمات والمقوّمات؛ الباقيّة إرثا تقليديّا من تراث الماضي التكويني لمجموعات قبليّة أو عرقيّة أو طائفيّة، بدأت تتكوّن على هيئة شعب أو شعوب؛ لم تعرف الدولة أو الأمّة نطاقا لإجتماعها بعد.
من هنا نشوء الحاجة الأكثر إلحاحا لوحدة كيانات شعوبنا إنطلاقا من مكوّناتها الأصغر، على أن مكوّنات الشعب الواحد أمست أكثر إحتياجا إلى ما يوحّدها في وطنيّة جامعة، حتّى الدولة القطريّة أو الوطنيّة أمست في وضع يؤكّد يوما بعد يوم؛ ضرورة العمل لتجسيد وحدتها الوطنيّة الجامعة، الوحدة التي لا تنفصم عراها أمام تدفّقات الأفكار الأيديولوجيّة؛ الدينية منها وغير الدّينية؛ الساعية إلى فصم عرى المجتمع الوطني، والمجتمع الأهلي، بما بات يعنيه من تقسيم للدولة الوطنيّة إلى فئويّات متعادية، متنافسة، متعارضة، متناحرة، متناقضة.. إلخ من تمظهرات إنتاج أو تسييد أشكال توليديّة من فصامات وإنفصامات المجتمع الأهلي المتواجه مع ذاته.
لذا.. فإن غياب مجتمع مدني فاعل، ومتفاعل مع مكوّناته الوطنيّة في إطار الدولة الوطنيّة، أعاق ويعوق نشوء دولة حديثة، كما أن معوّقات نشوء الدولة الحديثة هي ذاتها معوّقات عدم نشوء مجتمع مدني حديث. هذه العلاقة الجدليّة لشرط وجود الدولة /الديمقراطيّة/المجتمع المدني، لا يمكن فصمها قي سياق مهمة العمل على توحيد مكوّنات الدولة الوطنيّة، وصولا إلى بناء الدولة الحديثة، وطنيّة أطلق عليها و/أو قوميّة، ذلك أن نموذج بناء الدولة الوطنيّة بات يشكّل النموذج الأمثل لبناء نموذج الدولة القوميّة التي لا يمكن نشدانها كنموذج جاهز، دون المرور في طور الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة المولّدة من داخلها لديناميّات إنتاج أو إطلاق مجتمع مدني، يساهم مساهمته الفعّالة في توحيد مكوّنات مجتمع أهلي وتطوير حيّزاته الخاصة باتجاه إدماجها في الحيّز العام للمجتمع المدني.. كما وللدولة.
لقد حوّلت السلطة القهريّة والأنظمة السلطانيّة والإستبداديّة وبيروقراطيات الأجهزة الأمنية والعسكريّة الحاكمة، السياسة في المجتمعات التي هيمنت أو تهيمن عليها، إلى مرتع لها ولأجهزتها، بعد إطاحتها والإستيلاء عليها وسلبها صبغتها الإجتماعيّة والمجتمعيّة، ليتمّ تحويلها إلى سلطة بصيغة المفرد الفرد؛ فردانيّة الزعيم أو الفئة الطبقيّة، كما وفردانيّة النخبة أو النخب التي عاندت مواقعها وغادرتها نحو الدائرة الأشد حلقيّة ونرجسيّة وأنانيّة وزبائنية، في خدمة سلطة القهر والغلبة السياسيّة كما والدينيّة؛ سواء بسواء، فالسلطة هنا هي المشترك الأوحد الذي أمست تتّجه إليه جهود العديد من السياسيّين، كما ومن المثقّفين أو المشتغلين في الحقل الثقافي، وذلك حين يجرى إلحاق الثقافة، ليس بالسياسة بمفهومها البدائي، وإنّما بالسلطة، التي عملت على اطاحة السياسة وإستولت عليها، وعمدت لإقصاء كلّ ما عداها, في عمليّة إحتكار لها، بل واعتقالها واستمرار حشرها في الفضاء العام للسلطة القهريّة.
في أجواء كهذه، نمت وتنمو فيروسات تحويل الهويّة الوطنيّة الجامعة، هويّة المواطنة الواحدة إلى هويّات متذررة، سياسويّة وطائفيّة، وذلك على حساب وجود الدولة؛ الضامن الوحيد لوحدة الهويّة الوطنيّة، والفاعل الأكثر تاثيرا في حماية المجتمع والثقافة من صرعات وإصطراعات التبديد، وحماية المجتمع الأهلي والمدني وسلمهما وإستقرارهما، وإبعاد أشباح التحاصص والتقاسم الفئوي وتقسيمهما؛ مرة بإسم أسطورة التعايش، ومرات بإسم التوافقات الفوقيّة، البعيدة كلّ البعد عن ثقافة الديمقراطيّة، وديمقراطيّة الثّقافة التي تشمل بعقدها حتى الدولة نفسها، عبر إلتزامها الدستور والقانون والقيم الأخلاقيّة والثقافيّة المؤسّسة لإجتماع المواطنين في إطارها الموحّد لمكوّناتها كافة، وإلاّ فإن مجتمعا بلا دولة، ودولة بلا مواطنة مشتركة، ومواطنة بلا هويّة وطنيّة؛ لا يمكن أن تؤصل لبناء ديمقراطيّة الدولة الوطنيّة. وبالطبع لا يمكن أن يجري التأصيل بالتالي لبناء دولة قوميّة، ذلك أن ديمقراطيّة الدولة الوطنيّة هي الأساس الجنيني الذي لا يمكن أن ينمو أو تقوم أعمدته دون الإستناد إلى نطفة الدولة/الثقافة/ الهويّة المشتركة.
هنا تنشأ بل تتأسس ماهيّة الدولة الوطنيّة، بل الوطنيّة المؤسسة لطبيعة الهويّة الجماعيّة في إنتمائها الموحّد للدولة الوطنيّة، قبل إنتقالها إلى الطور الأخير من تحوّلها إلى دولة الحداثة القوميّة الديمقراطيّة الموحّدة والموحدة عمليّا، بمعنى إشتغالها في نطاقات وحدة ديمقراطيّة ووحدة الهويّة كهويّة وطنيّة و/أو قوميّة جامعة في إطار الدولة/الأمّة، وذلك كخيار نهائي وأخير لصقل بناء دولتي جمعي، ينتصب شامخا بديمقراطيّته أمام بيسماركيّة الهلام القومي، ويقوم سدّا حاجزا ومانعا أمام أيديولوجيّات التفتيت والتذرير الدينويّة- السياسويّة الممسكة بخناق مجتمعاتنا وبعض سلطاتنا، والتأثير فيها، إلى حدّ صبغها بصبغة الهويّات الجزئيّة العابرة للوطنيّات القائمة، وتلك اللاثقافيّة؛ المؤسسة أساطيرها الخاصّة على قاعدة تلك الإساطير القديمة التي طوّرت خرافات يستحيل التعامل أو التعاطي معها، ولو بتلك العقلانيّة البدائيّة التي كفّت عن طرائق إشتغالها في إطار عقلاني بالمطلق، ذلك أن العقلانيّة الحداثيّة اليوم هي العقلانيّة النقدية لا غير. على أن الحداثة بحدّ ذاتها ليست ترياقا أو حلاّ إستثنائيّا، يمكن الإنحياز إليه فجأة، وإعتباره الحلّ الأمثل لمشكلات واقعنا، فمسيرة الحداثة - كما الدولة - المنشودة في بلادنا، إنّما هي مجموعة من سيرورات إجتماعيّة وتاريخيّة، تحمل من التحوّلات ما لا يحصى وعلى الأصعدة كافة، بما أنّ الحداثة ليست عمليّة إنقلابية، يمكنها أن تحلّ أو تهلّ علينا بين ليلة وضحاها، أو غب ّ الطلب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا