الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة ...

شامل عبد العزيز

2009 / 2 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذه المقالة من الاوراق المبعثرة لديَ ولاأعلم من هو صاحبها . أرتايت نشرها أتمنى أن تنال إعجابكم..
المعاني والمباديء والمفاهيم:
الليبرالية مصطلح لابد أن نقول منذ البداية بانه لايمت لا للعروبة ولا للاسلام بصلة ابداً .. فهو حال بقية المذاهب والافكار والنظريات الوضعية التي تعد حصيلة ماوصل اليه الانسان في العصر الحديث .. وللمفهوم ترجمته بعالم الحريات وقد وردت تعريفات لهذا المفهوم في أبرز الموسوعات العالمية منها تعريف مختزل يقول بان الليبرالية مذهب فكري وسياسي ينادي بالحرية المطلقة في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . ويقوم مرتكز الليبرالية على مبدأ الاستقلالية للافراد والمجتمعات والدول ومعناه الحقيقي التحرر التام من كل انواع الاكراه الخارجي والداخلي سواء كان دولة أم جماعة أم فرداً . ثم التصرف وفق مايمليه قانون النفس ورغباتها والانطلاق نحو تكريس الحريات ضمن عقد اجتماعي تتفق عليه الاغلبية بكل صورها المادية والمعنوية بين الدولة والمجتمع ..
الليبرالية وراء انتاج الظواهر التاريخية الكبرى:
أن الليبرالية ايضا هي ذلك الاسلوب الذي يعد حصيلة لصراع الانسان ازاء اضداده بعد كسبه لتجارب لاتحصى كي يصل الى هذا المستوى من التفكير بعيداً عن أية قيود تُعيق تقدمه وأنطلاقه .. وعليه فالليبرالية حصيلة لكل ماتعلمه الانسان عبر القرون وأنتهى الى سن قوانين وضعية تُراعي الظروف التي انتهى الانسان اليها وخصوصاً منذ تراكم حصيلة الظواهر البشرية الكبرى سواء في الاستكشافات الجغرافية في القرن 15 أو الاصلاح الديني لمارتن لوثر وكالفن في القرن 16 أو في الثورة الاقتصادية الماركنتاليه العالمية لدول المدن في القرن 17 أو في الثورة الفكرية والبحث عن روح القوانين والحريات في القرن 18 التي تكللت بالثورة الفرنسية .. أو في حركات الاستنارة الفلسفية ويوتوبيا التفكير والثورة الصناعية في القرن 19 التي أوصلت الاستعمار الى أوج قوته .. أو في الثورة الشيوعية والصراع ضد الامبريالية وعصر التكنولوجيا في القرن العشرين وانتهاء بثورة المعلومات والكومبيوتر والعولمة الكابيتاليه في القرن 21 .. أنني أقول بان الانسان ماكان ليصل الى كل ماوصل اليه عبر هذه الظواهر الكبرى بسلبياتها وايجابياتها لولا المناخ الليبرالي الذي اوجده.. وتحطيمه كل القيود التي كانت مسيطرة سيطرة عمياء ليس على موارده أو مكانه أو زمانه .. بل كانت تحتكر عقله وذهنه ومشاعره وعلاقاته وتفكيره . أن مساحة الحريات التي توفرت للانسانية كي تجد فرصتها من اجل الابداع لم تكن سائبة بل محددة بقوانين وأطر وأهداف وجملة من التقاليد والاعراف الدنيوية...
الليبرالية انتاج فلسفي معقد :
لقد عرف جان جاك روسو الحرية الخُلقية كما يُسميها فقال ( الحرية الحقة هي أن نطيع القوانين التي أشترعناها نحن لانفسنا) فهي بحسب هذا المفهوم عملية انكفاء على الداخل ( النفس) وعملية انفتاح تجاه القوانين التي تُشرعها النفس فالانكفاء على الداخل تمرد وهروب من كل ماهو خارجي والانفتاح طاعة القوانين التي تُشرعها النفس من الداخل . ويمكن أن تمثل الليبرالية حالة انكفاء على استقلالية النفس مع الانفتاح على اتباع قوانين الدولة واحترام طقوس المجتمع . أن جوهر الليبرالية كما تقول احدى الموسوعات يتمثل بالتركيز على اهمية الفرد وضرورة تحرره من كل انواع السيطرة والاستبداد وأن الليبرالي يصبو على نحو خاص الى التحرر من سطوة التسلط بنوعيه . تسلط الدولة ( الاستبداد السياسي) وتسلط الجماعة ( الاستبداد الاجتماعي) ويمكن صياغة فهم ذلك من خلال توفير الحريات السياسية والفكرية والشخصية للانسان من خلال دستور يحدد واجباته ويمنحه حقوقه كاملة .. ويحسن أن ننبه الى أن الليبرالية كنظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع لم تتبلور على يد مفكر واحد بل أسهم عدة مفكرين في اعطائها شكلها الاساسي .. ففي الجانب السياسي يعتبر ( جون لوك) 2361-4071 أهم واول الفلاسفة إسهاماً . وفي الجانب الاقتصادي ( آدم سميث) 3271- 0971 وكذلك كان لكل من ( جان جاك روسو) 2171- 8771 ( وجون ستيورات مل) 1800 – 3781 إسهامات واضحة في سبيلها وصولا الى مفكرين ومنظرين غربيين في القرن العشرين .. وقد تقدم أن الليبرالي مذهب قضيته الانسان وعلى ذلك فكل المذاهب التي أختصت بهذه القضية كان لها من إسهام واضح في تقرير مباديء الليبرالية .. أن أغلب المفكرين والفلاسفة المحدثين في القرن التاسع عشر والعشرين وبضمنهم كارل ماركس وانكلز وماكس فيبر وهيوم كانوا قد خلقوا افكارهم في ظل عالم ليبرالي ومن خلال ادوات ليبرالية ( أي تحررية) في أن يغدو العالم الحديث بمثل كل هذه الاساليب الحديثة اليوم . من هنا ندرك بان لاليبرالية من دون ديمقراطية حقيقية اذ تقترن هذه الاخيرة بتوفير الحريات والالتزام بالدستور الذي لابد أن يتضمن مضامين مدنية بحتة توفر حقوق وواجبات المنظومة البشرية ولقد ارادت الاحزاب غير الليبرالية أن تلبس نفسها بالديمقراطية وتوهم الناس بمشروعها الانساني ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً لانها لم تؤمن بالديمقراطية ولم تُطبقها البتة اصلاً..
الوهم الذي يعيشه العرب :
ولعل من أخطر مايكبل مجتمعاتنا التي تطمح للسعي نحو النهوض والتقدم وهي تراوح في مكانها ولاتقدر الا على التراجع انما يمكن في بعض الافكار الخاطئة التي ابتلت الامة بها ابتلاءاً عقيماً .. كون الحريات والليبرالية هما ( كما يقولون) من نتاج اليهود اذ يوكدون ( ومن اراد أن يعرف دور اليهود في ترسيخ هذه الافكار وتوجيهها لمصالحهم يمكنه أن يقرأ ذلك في القسم الخاص بالاخطبوط اليهودي لاسيما بروتوكولات حكماء صهيون)..
ولايمكن ابداً لمجتمعاتنا العربية المتنوعة أن ترضخ لهذه المقولة التي لم يثبت العالم صحتها ومجتمعاتنا بالذات ازاء حالتين أثنتين اولاهما أن مجتمعات وشعوباً أ خرى بدأت تتقدم وتزدهر نظرا لتوفرها على عالم ليبرالي حر أخصب مجتمعاتها بعد أن عاشت منغلقة على نفسها زمنا طويلاً وثانيهما أن مجتمعاتنا وشعوبنا ماعاد باستطاعتها البقاء دون منتجات علمية وصناعية وتكنولوجية وفرها لهم عالم ليبرالي حر فلماذا ياخذونها ويستخدمونها من دون أن يشعروا بالاخطبوط اليهودي الا في مباديء حقوق الانسان والمؤسسات الليبرالية وتوفير الحريات ؟؟ ألا تجدون معي أن ثمة عوائق لاأساس لها من الصحة وأختلاق متناقضات تقف جداراً عازلاً بين واقعنا وتقدمنا وبين حاضرنا ومستقبلنا....
المباديء الليبرالية الاساسية : اولا : العلمانية.. التي تعني اصطلاحاً فصل الدين عن السياسة كما تعني مضمونا فصل الدين عن النشاط البشري بعامة وعلى مثل هذا المبدأ يقوم المذهب الليبرالي في كافة المجالات : السياسية والاقتصادية والفكرية .. بل لاتكون الدولة ليبرالية الا من حيث تكون العلمانية ولاتكون علمانية الا حيث تكون ليبرالية فمن السخف بمكان أن تمارس عملية انتخابية سياسية وانت مُقيد دينياً .. الليبرالية لاتنفي الدين ولا تحاربه ولاتحجر عليه كالشيوعية مثلاً بل تجعله ركناً سامياً له خصوصيته كونه يختص بعلاقة روحانية جلية بين الانسان وربه ولايمكن أن ينزل الدين من عليائه ليمارس دوره في أي واقع سياسيء مليء بالموبقات والمشكلات التي ربما لاتجد علاجاتها في الحلول الدينية في كل الاديان ..واذا صلحت السياسة الدينية في مجتمع أحادي العناصر فسوف لن تنفع ابداً في مجتمع له تعيقداته وتنوعاته ومشكلاته اذ ستزيدها تلك السياسة الدينية تعقيداً ..
وعليه فلا بد من الفصل بين المؤسسة الدينيةعن بقية المؤسسات السياسية والقضائية والادارية ومؤسسات المجتمع المدني باعتبارها مؤسسات مدنية لادينية ولايمكن أن تحتكر من قبل أي مؤسسة دينية لايجتمع فيها كل الشعب .. والا فان جحيماً من المشكلات سينفجر ولايمكن علاجه ابداً .. وستتوالد معضلات لاقبل للاجيال القادمة بحلها .. وهنا لابد للانسان أن يقرا تطبيقات مثل هذا المبدأ التي يقر الفصل بين سلطتي الدين والدنيا من خلال نماذج تاريخية حتى في تاريخنا الاسلامي وعليه فان من أهم المباديء الليبرالية ماكنت قد أسميته ب ( الاهلنة) أي بناء مؤسسات المجتمع الاهلي المدنية التي تستمد مشروعيتها من القوانين المدنية ..
ثانياً : العقلانية : تعني الاستغناء عن كل مصدر من اليوتوبيا ( التي نسميها في فكرنا الحديث بالطوباوية التي تعني الخيالية) في الوصول الى الحقيقة الا عن توظيف العقل الانساني واخضاع كل شيء لحكم العقل لاثباته أو نفيه أو معرفة خصائصه ومنافعه والعقل المحكم هنا هو عقل الانسان .. أن العقل ( اللوغوس) قد لايرتقي الى السمو والعلو ولكنه قطعاً سيعمل من خلال الوعي بالذات والتجربة والقواعد والتفاعل السياسي للوصول الى قناعات لايمكن أن تغدو ثوابت الا بعد استخدامها ومعرفة السوالب من الايجابيات مقارنة بما يفعله الطوباويون الذين لاعمل لهم الا تقليد النصوص او عيادتها كونها مسيطرة عليهم فمناخ العقل يوفر محاولات وفرص النجاح بالتجربة ومناخ يوتوبيا تقليد النص يغلق الحياة من دون أن يتنفس المجتمع .. وهكذا تقوم الليبرالية على مبدأ أن العقل الانساني بلغ من النضج العقلي قدراً يؤهله أن يرعى مصالحه ونشاطاته الدنيوية دون وصاية خارجية..
ثالثاً: الانسانية : تؤمن بالدفاع عن حرية الفرد وترعى مصلحته وكفاءته في وطنه أو حتى في العالم أن المبدأ الانساني الذي اكد عليه الفلاسفة الالمان يمنح الثقة بطبيعة الانسان وقابليته للكمال من خلال تشجيعه وتوفير كل الفرص امامه للابداع وتجعله ينطلق من اجل ان يوفر كل المنافع للانسانية قاطبة من دون ان يحتجز ماينتجه لنفسه او لقومه انه اذا انسان يترفع عن صغائر الاشياء الى عظائم الامور والانسان هذا الكائن الجميل لابد ان تراعى مشاعره وصحته وإبعاده عن الكوارث وعن الاضطهاد وعن القتل وعن الاعتقال وعن كل مايقف امامه . ان حقوق الانسان ضرورة كبرى في أي مناخ ليبرالي حقيقي لامزيف وأن أخطر مايقف ضد هذا المبدأ العبودية والتعصب والتطرف والشوفينية والحكم المطلق والكراهية والارهاب .. الخ
رابعاً : النفعية :كمبدأ تراعى فيه مصالح الافراد والنخب والفئات والمجموعات ونقل لتصل الى الطبقات وهنا تصطدم الليبرالية بالشيوعية التي تبني نظريتها على الصراع الطبقي لمصلحة او منفعة الطبقة العاملة من خلال سيطرة الدولة في حين ان الليبرالية تبني نظريتها على راسمالية المجتمع وانها تجعل من نفع الفرد والمجتمع مقياسا للسلوك وان الخير الاسمى هو تحقيق السعادة لاكبر عدد من الناس دون الالتفات الى حجم الضرر الذي سيصيب مجتمع بكامله او طبقة بعينها او خسارة جماعات . ان النفعية التي تضخم مبدؤها في المجتمعات الليبرالية كي تصل الى مايسمى بالنفعية البنتهامية تتمثل بالاستحواذ على وسائل ربما غير مشروعة من اجل النفع الخاص وهذا مالايمكن قبوله ابدا او كخصلة من سوالب الليبرالية بحيث نجد مدن كبرى او مجتمعات معينة القوي فيها ياكل الضعيف...
الليبرالية الجديدة : ماهيتها : لاتختلف الليبرالية الجديدة عن الليبرالية القديمة ابداً الا في الوسائل والادوات . فالمباديء نفسها ولايمكن التراجع عنها ابداً بل يمكن أثراؤها بالمزيد من التجارب واذا كانت القديمة ترتبط بالفكر الاوربي ونتائجه فان الجديدة ترتبط بالفكر الامريكي وممارساته وخصوصا بعد أن غدت الولايات المتحدة الامريكية تستحوذ على القطبية الواحدة في العالم ... أن مطاليب الولايات المتحدة من العرب مثلاً تتمثل باجراء الاصلاحات الجذرية التي من ابرز مقوماتها اشاعة الليبرالية الجديدة في الحياة العربية كي تبدا الانطلاق من جديد وتبني الاجيال القادمة نفسها على قيم سياسية ودستورية جديدة. لقد استمر الليبراليون الاحرار في كل العالم مع كل تموجات العالم بايدلوجياته الراديكالية العقائدية التي ذهبت وهم الذين بقوا منذ ثورة كرومويل بانكلترا في القرن 17 ومنذ عصر الاستنارة الفكرية بفرنسا القرن 18 ومنذ عصر العقل والديالكتيك لدى كل من ( كانت وهيغل ) بالمانيا في القرن 19 أنهم قد تعلموا من كل تطورات الفكر السياسي لمانهايم وماكس فيبر في القرن 20 نعم بقوا يطورون الاليات والاعراف السياسية والتقاليد الفكرية منذ تضاعيف العصر الحديث وحتى اليوم في حين سقط كل من الطوبايين والمثاليين والدينيين والاشتراكيين والتعاونيين والشيوعيين وغيرهم...
الليبرالية بين النقلة النوعية والتوحش : نعم .. اليوم تنتقل الليبرالية الى مرحلة جديدة يُسميها بعضهم ب ( الليبرالية الجديدة) ويعتقد العديد من الكتاب الغربيين ومن ورائهم العرب والمسلمين انه: اذا كانت الليبرالية الاولى نقلة نوعية ( بالنسبة لاوربا) في قضية حقوق الانسان وتطور العالم فان الليبرالية الجديدة تعد حسب نظرتهم القاصرة انتكاسة حقيقية لحقوق الانسان تحت سمع وبصر العالم الذي لم يعد متطوراً بل في غاية التوحش ليس الانسان الغربي فحسب بل الانسان الشرقي والشمالي والجنوبي . أن مثل هذا التفسير المؤدلج تنتجه أفكار تصل حدود كراهيتها للولايات المتحدة الامريكية الى الذروة في حين أن الاوربيين قد طوروا الممارسات الليبرالية سواء في منظومتهم الوطنية أو في منظومتهم الاتحادية الاوربية وأن الليبرالية الجديدة اول ماوجدناها تحتل مواقعها وتمتد بمناخاتها في عالم اوربا الشرقية إثر إنهيار الاتحاد السوفيتي....
مستلزمات التحول الليبرالي: لايمكن ابداً أن تقرن الليبرالية الجديدة التي تطمح الى بناء عالم جديد بما تقترفه الولايات المتحدة الامريكية أو غيرها من ( المؤبقات) وخصوصاً باستخدام القوة العسكرية لغرض الهيمنة والافكار والتقاليد . أن عصر العولمة لم يبدا بعد حتى يقال بانه قد أنتهى وبناء عليه فانهم يقولون بان لم يعد للحريات الانسانية أي مكان وكانهم كانوا يعيشون في حريات تامة يمارسونها في ظل حكومات دستورية أتى بها الشعب وأن هناك تطبيقات كاملة للمباديء الليبرالية التي ذكرناها حتى ينتقد اولئك الليبرالية الجديدة التي تبلورت بعد سقوط الانظمة الشمولية في العالم وخصوصاً كتلك التي مارست إنغلاقاً وأُحادية وتعصباً واضطهاداً وقمعاً وسيطرة على كل من المجتمع وموارده مثل الاتحاد السوفيتي ورومانيا والمانيا الشرقية والبانيا وبلغاريا وغيرها من دول اوربا ومثلها أو أتعس منها في العراق وغيره من البلدان العربية التي لم تعرف الليبرالية ابداً أو أنها كانت لها تجارب ليبرالية قبل اكثر من خمسين سنة وأغتالتها الانقلابات العسكرية والحركات الدينية أو الدكتاتوريات الشمولية....
الليبرالية السالب والموجب : انني لاأقول بان الليبرالية الجديدة لها تجلياتها وأنه عالم نزيه وله طقوسه المثالية ولكنه يُحقق النصيب الادنى لحقوق الانسان والمجتمعات أن نجحت الشعوب بالوعي به وأنتصرت في ممارسته وتطبيقاته على أفضل وجه . وربما تلحق اضراراً آية تجارب ليبرالية نظراً لضعف التوازن بين عالمين أثنين .. عالم يسعى للنمو وعالم متقدم ولايملك أي عالم يسعى للنمو امام القوة الهائلة للعالم المتقدم الا الخنوع والرضوخ لارادتها وتنفيذ كل مايطلب منها ليس من أجل تنفيذ مأربها بل من أجل كسب المزيد من التجارب لبناء المؤسسات في دواخلنا والتمرس على العلاقات مع العالم . أن معادلة هذه المرحلة تسير وفق التصور التالي:
الليبرالية الجديدة = تجديد المؤسسات + تحرير الاقتصاد + الحريات وخلق سياسيات جديدة وليكن معلوماً أن كل الايدلوجيات تصادر سلطة المؤسسات وكل المجتمع على عكس الليبرالية التي تُتيح تداولاً للسلطة وتقضي بالمشاركة في السلطة وهي ترضى أن تبقى خارجها مراقبة أو معارضة....
اغتيال الليبرالية العربية : لقد كانت للعرب تجاربهم المتواضعة لليبرالية القديمة التي طبقوها أبان النصف الاول من القرن العشرين وخصوصاً في مصر والعراق وسوريا ولبنان وتونس والجزائر والمغرب ولحقت الاردن والكويت بهما ولكن كان للمؤدلجات الثورية الماركسية والقومية دورها في خنق التفكير الليبرالي فضلاً عن أحادية الاحزاب والحركات الفاشية والسلطات الفردية والزعامات الشمولية والدكتاتورية دورها في قتل الحياة الليبرالية كما وكان للانقلابات العسكرية في كل من مصر والعراق وسوريا دورها في اغتيال الممارسات الليبرالية العربية التي قلبت الحياة في المجتمعات الثلاثة را سأ على عقب والتي أخرجتها من سيرورة التاريخ لخمسين سنة الى الوراء بتقييد الفكر وخنق الحريات وتجميد الاحزاب وإيقاف الانتخابات العامة . الليبراليون العرب لاينكرون أنهم استلهموا الفكر السياسي الحديث من الاوربيين كما استلهم كل البشر وسائله وعلومه ومعارفه وصناعاته منهم وكان عليهم أن يطوروا تجاربهم فيه لولا الاسباب التي ذكرناها والتي خنقت ليبراليتهم القديمة...
الليبراليون العرب القدماء: لقد وُلد الليبراليون العرب ( والعراقيون الجدد على وجه التحديد) ليس من فراغ تاريخي اذ لم تخلقهم امريكا هكذا فجاة فضلاً عن أن وجود الليبراليون العرب الجدد اليوم امتداد للاباء والاجداد في الماضي القريب . آلم تولد الليبرالية العربية في مصر وتونس والعراق وبلاد الشام منذ القرن التاسع عشر ؟؟ فليس هناك أي علاقة تربط الليبراليين العراقيين والعرب الجدد بالولايات المتحدة الامريكية وسياساتها؟ وليس لهم أي علاقة بالمكارثية الجديدة؟ فلقد عرف العرب انتخابات دستورية منذ أن كانوا جزءا من الامبراطورية العثمانية وانتخب عن ولاياتهم العديد من النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني سواء في عهد المشروطية الاولى عام 1876 ثم كان هناك انتخابات في عهد المشروطية الثانية عام 1909 ثم توالت الحياة الدستورية الليبرالية على امتداد النصف الاول من القرن العشرين واليوم ... آلم يوجد لبنانيون وعراقيون ومصريون وسوريون وسعوديون وتوانسة ليبراليون جدد ؟ الخ ؟ اذن لماذا كل هذه الهجمة على الليبراليين الجدد ؟
وأخيراً طريقنا نحو المستقبل:
أما بصدد الليبراليين الجدد فهل الليبرالية الجديدة تنحصر في امريكا ومشروعات امريكا السياسية ؟ آلم يكن هناك ليبراليون جدد في اوربا الغربية ومابعد سقوط جدار برلين في اوربا الشرقية ؟ أنني أسالكم هل كان فولتير ومونتسكيو وجان جاك روسو من الليبراليين الامريكيين ؟ هل كان كرومويل في انكلترا من الليبراليين الامريكيين ؟ اذا كان معارضو الليبرالية جهلاء في التاريخ وأغبياء في السياسة والاعلام فلماذا يبيعون الاخضر بسعر اليابس ؟ ولماذا ينطلقون من أجندة خبيثة ضد مقومات الاصلاح والتحديث والعالم كله يُدرك بان لااصلاحات أساسية في أي مكان من العالم مالم تتمتع كل المجتمعات بالليبرالية ؟ ليتأمل المرء أن ماحصل من تحولات اثر سقوط الكتلة الاشتراكية عند نهاية القرن العشرين قد جعل أغلب الشيوعيين يهرلون الى الليبرالية وهكذا بالنسبة الى القوميين والوطنيين وعليه فلا مناص امام القوى والاحزاب الدينية الا الليبرالية مجالا رحبا لها للعمل فلقد كانت كل التيارات والاتجاهات في الماضي القريب ضد الليبرالية ولم تستقبلها أو تجعلها تمارس حقها في الوجود في حين تُرحب الليبرالية الجديدة اليوم بالجميع ليمارسوا ادوراهم في رحابها. إن الاعلام العربي المعاصر الذي تختفي من ورائه قوى سلطوية أو جماعات دينية أو تيارات شوفينية يحاول أن يشوه القيم الحقيقية والمباديء الاساسية للحياة الليبرالية العربية وتقدمها انهم يريدون مستقبلها في المنطقة بواسطة البعض من الاعلاميين التلفزيونيين والكتاب الصحفيين والمثقفين الشوفينيين والساسة البدائيين كي تبقى المنطقة متخلفة وعاجزة ومنغلقة وكسيحة ومستهلكة وغير متحررة تحرراً فعلياً أو منتجة ومبدعة أساساً ... فهل سيتغير القوم عندما يشعر الناس بقوتهم من دون خوف ؟؟ وهل تضمن دساتير مدنية جديدة وتكفل حقوق الانسان وواجباته ؟ وهل سيبدأ العرب وشركاؤهم بتغيير مناهجهم وأساليب تفكيرهم وإعادة تركيب ذهنيتهم وتبدأ بالنجاح أولى التجارب الليبرالية الجديدة في المنطقة ؟؟ أم أنهم سيغتالونها عمداً عن سبق اصرار وترصد ؟ هذا ماستكشفه الايام القادمة علما بان العالم كله يتحول لانتزاع حقوقه بالوسائط السلمية وانه يتغير كما هي سنة الحياة من اجل إيجاد فرص أفضل....
فهل سيحقق العرب تطلعاتهم في مثل هذه العتمة والقيود والعمى ؟ إن أسلم طريق أمامهم هو إنفتاح الابواب على مصراعيها وأن يشعر الناس أنهم يتمتعون بطعم الحرية وأن يقولوا كلمتهم في مايريدون وما يرفضون في إطار دستوري حديث ....
فهل سيتحقق ذلك عند العرب ؟؟؟ أنني أشك في ذلك على المدى المنظور ............








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
ابراهيم علاء الدين ( 2009 / 2 / 22 - 21:49 )
الاستاذ الصديق شامل
بكل تقدير وامتنان لجهودك قرأت باهتمام هذا الموضوع القيم، الذي يلخص بقدرة فائقة مضمون الحرية والعدالة والسلم الاجتماعي، وشروط التطور الانساني.
وقد لفت نظري الجملة الاخيرة في المقال -فهل سيتحقق ذلك عند العرب؟؟؟ والاجابة عليه -انني اشك في ذلك على المدى المنظور...؟
فمن حيث الاطلاق فان من المؤكد ان ذلك سيتحقق عند العرب بمقتضى السيرورة التاريخية للتطور الانساني، وتاثر الشعوب ببعضها وميلها الطبيعي للتطور والتاثر بما هو متقدم عليها، هكذا يبلغنا التاريخ بشكل جازم.
اما ما اذا كان ذلك سيتحقق في المدى المنظور ..؟ فان ذلك يتطلب نضالا قد يطول وقد يقصر، ولما كان هدفنا الا يطول والا نركن الى المطلق او التطور الطبيعي فان ما تقوم به حضرتك وعشرات الالاف من الخيرين من ابناء الشعوب العربية ما هي الا محاولات لتحقيق ذلك في المدى المنظور، ولكن يبدو ان تشكك نابع من ضعف القوى الساعية لتحقيق التغيير من ناحية، وفداحة التخلف في كافة الميادين من ناحية اخرى والتي تشكل عوائق ضخمة في وجه محاولات الاصلاح والتغيير.
لذا فاني اعتقد انه اذا بذلنا المزيد من الجهد في التعبئة السياسية والفكرية واتساع جهود التنويريين وتضافرهم وتمكنهم من وضع برامج تنموية واقعية وعملية للاقتصاد والفن مسرحا وغ


2 - بين التشاؤم والتفاؤل
مختار ( 2009 / 2 / 22 - 23:13 )
أستسمحك، أخ شامل، في أن أبدأ من حيث انتهيت، رغم إيماني بحاجتنا في الحوار المتمدن إلى مقالات تعليمية تطيح بكثير من المسلمات المغلوطة حول اللبرالية. وعليه سأبدأ من زفرة التشاؤم التي أطلقتها في آخر المقال. فهل فعلا يجب التشاؤم أم التفاؤل؟ للإجابة ارتأيت أن أعرج في عجالة على مسيرة اللبرالية في عالمنا العربي.
اللبرالية العربية التي كان طه حسين من روادها، وكان يمكن أن تكون مصر الآن، لو نجحت، في مصاف الدول المتطورة مثل اليابان، أو على الأقل كوريا الجنوبية، ولكانت جرت وراءها كل المنطقة العربية لولا أن تكالبت عليها قوى متعددة يمينا ويسارا.
يمينا كانت هناك من جهة القوى الدينية المتمثلة في الأزهر والإخوان المسلمين الذين شعروا عن حق بأن الأرض سوف تزلزل من تحتهم لو نجح ذلك المشروع. ومن جهة ثانية لم يكن هناك وجود حقيقي للقوى الاجتماعية البرجوازية الرأسمالية العصرية السند الحقيقي لهذا المشروع، كتلك التي قادت الثورة ضد الإقطاعية وحليفتها الكنيسة في أوربا. فقط كان هناك إقطاعية متخلفة من ملاك الأراضي خارجة من قرون الانحطاط، لبست ثوب البرجوازية وارتادت الصالونات العصرية في عملية مثاقفة غربية شكلية، رغم أن فرديات منها حاولت الذهاب بعيدا في الإصلاح الاجتماعي كمشروع تحرير المرأة الذي قاده قاسم أمين


3 - الفكر اللبرالي
خالد عبد الحميد العاني ( 2009 / 2 / 23 - 02:46 )
الأخ شامل
تحياتي
يبدو لي من مقالك أنك مغرم بالفكر الليبرالي وتعتبره هو الطريق للخلاص مما تعانيه مجتمعاتنا العربية والأسلامية من هيمنة الفكر الأصولي الديني وإعاقته لمجمل التطور الذي تنشده مجتمعاتنا سواء في المجال الثقافي والفكري والأقتصادي والسياسي والأجتماعي. أنا أتفق معك حول اللبرالية في المجال الفكري والثقافي حيث تطلق اللبرالية العنان لدور الفرد وحريته الفكرية والثقافية في تطور المجتمع الفكري والثقافي بما تمنحه من حرية التفكير والأنطلاق في رحاب الفكر والثقافة إلا أن اللبرالية في تطبيقاتها السيسية والأقتصادية هي ليست كذلك فاللبرالية في التطبيقات السياسية والأقتصادية تمنح الحرية للمستغلين ( بجر الغاء) في إستغلال الطبقات المسحوقة فالفكر اللبرالي لم يحرر الأجراء من سطوة رأس المال كما أنه لم يمنح الفقراء الفرصة لتولي رئاسة الدول الرأسمالية. الفكر اللبرالية في السياسة والأقتصاد ليس سوى تنفيسا لسطوة النظام الرأسمالي. هل سمعت أن فقيرا وهنا أقصد بالفقير الذي ربما يملك مليار دولار يستطيع أن يصل الى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟ أو حتى يحلم بإدارة وزارة؟ في الغرب اللبرالي تستطيع أن تفعل ما تشاء إلا أن تهدد النظام الرأسملي فسوف تسحق بدون رحمة ومن يقول لك أنه توجد ديمقراطية سياسي


4 - هل اللبرالية نظام مثالي؟
مختار ( 2009 / 2 / 23 - 09:35 )
الأخ خالد عبد الحميد العاني يطرح بعض عيوب اللبرالية، وهي حقيقية، ولكنه يقدم حلا بديلا أسوأ، جُرّب وفشل فشلا ذريعا بعد ما عانت منه جميع طبقات الشعب، فلاحين، عمال، مثقفين، فنانين، معارضة جرى التنكيل بها أو نفيها وهلمجرا... فلماذا فشل رغم أنه حظي في البداية بتأييد وتعاطف جماهيري لا نظير له لم تحظ به اللبرالية؟ والسبب واضح، فهي أقامت نظامها على الاستبداد واستفراد حزب واحد بالسلطة التي راحت تضيق حتى وقعت بين يد شخص واحد، نصب نفسه على الناس وتعامل معهم بأبوية كانت تبدو مريحة بالنسبة للضعاف، لكنها كممت أفواه الأذكياء والعلماء وحرمت المجتمع من نعمة النقد الحر الكفيل وحده بتصحيح الأخطاء في وقتها المناسب، كما حرمت المجتمع من إمكانية معاقبة الحكام الفاشلين بتغييرهم عن طريق الديمقراطية والتداول على السلطة وهي بهذا ادعت العصمة لأفكارها ولقادتها من خلال تقديمها كنظريات علمية لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها شأنها شأن الأديان والأنبياء، وبالتالي قضت على العوامل التي ساهمت في نجاح اللبرالية وهي إطلاق الحريات المختلفة: حرية النقد، الحرية الاقتصادية، الحريات الدينية، السياسية، الحزبية، النقابية، الفنية، ...
اللبرالية لم تكن كلها خير ولا كانت كلها شر، ولن تكون كذلك في المستقبل، فهي لم تكن


5 - على شط بحر الهوى رسيت مراكبنا
علي السعيد ( 2009 / 2 / 23 - 11:35 )
جزء مهم واساسي في ديمومة تخلفنا...أن يخالف المسلمون كل مايمت لليهود بصلة ..!(هذا ماتوصي به الكثير من الاحاديث النبوية )وهذا بالتأكيد أحد الجدران التي شيدوها لتزيدنا انغلاقا وعزلة .الموضوع يحفز الاذهان على التمعن والدراسة لماضي مبهم وحاضر مستبد..شكرا استاذ شامل ويرجى الابحار باستمرار فيما يخص هذا الجانب ..جانب الليبرالية والتجديد .


6 - شكراً سادتي الافاضل.
شامل عبد العزيز ( 2009 / 2 / 23 - 17:13 )
اقدم جزيل شكري وامتناني للجميع .أنا حقيقة سيدي خالد أميل الى ماتفضلت به ولولاه لماقمت بنشر المقالة . ليس هناك شيء كامل وكما قال الاستاذ مختار حيث ان الفضاء الليبرالي خلافاً للفضاءات الشمولية أنه يسع المتناقضات جميعها مادام لدى أهل هذه المتناقضات رغبة في التعايش المشترك والاحترام المتبادل والاختلاف الاساسي بين الفضاء الليبرالي والفضاءات الشمولية أن في هذا الفضاء حقاً ما يسمح لان يحيا الاسلاميون كاسلاميين والشيوعيون كشيوعيين والقوميين كقوميين وكل صاحب رأي كما يحدثه عقله..وبمقارنة بسيطة بين الدول التي تُسمى ليبرالية وبين غيرها فسوف نجد الفرق الشاسع . وانا معك سيدي ابراهيم في مسالة المدى المنظور الذي قد يختلف واكيد لابد من صراع مرير ونضال طويل وان للسيرورة التاريخية للتطور الانساني دورها وليس من باب التشاؤم ولكن من باب امعان النظر انها ليست في الوقت القريب لوجود كثير من العوامل التي تعيق ذلك مع التقدير والاحترام د

اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني