الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعوبة ألا تكون سوى نفسك!

إكرام يوسف

2009 / 2 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما تختار ملء إرادتك ألا تصبح سوى نفسك؛ كن مستعدا لدفع ثمن كونك لست على فاتورة أحد، ومن ثم فأنت عرضة لسهام الجميع دون نصير. وقتها لن يحق لك أن تشكو أو تتململ، أنت من اختار!.
فإذا استخلصت مما قرأته من دروس التاريخ أن مصر كانت عبر الزمان درع جيرانها، الذين شكلوا طوال التاريخ السند والمدد لمنعتها. ورأيت ضرورة قيام تكامل وتحالف بين بلدان العرب، وطالبت بأن تسعى المحروسة لاستعادة دورها في لم شمل محيطها، سرعان ما تجد الاتهامات جاهزة: امسك.. قومجي! رغم أن درس الاتحاد الأوروبي مازال شاهدا على فعالية التكتلات اٌلإقليمية، دون أي اتهام للأوروبيين بالعنصرية أو الشوفينية.
وإذا ما رأيت في دعاوى التناحر الطائفي، دينيا كان أو عرقيا، كعب أخيل الذي يكمن فيه مقتل الأمة، ودعوت لوطن يتساوى فيه الجميع على أساس المواطنة، كانت الصيحة جاهزة: امسك ..علماني يكره الإسلام!
وعندما ترى في تدهور أحوال البلاد، نتيجة عقود من حكم فاسد ومستبد، أتاح لحفنة من مصاصي دماء الشعوب اكتناز الثروات دون ضابط على حساب لقمة عيش الفقراء، وفرصهم في التعليم والعمل والعلاج والسكن؛ لا تنس أن تهمتك جاهزة ومعلبة منذ زمن: امسك.. شيوعي!
وحين تشتد المأساة لتتجسد في صورة آلاف من الشهداء والجرحى ضحايا عدوان صهيوني همجي على اخوتنا في غزة، ويرى البعض أن اللوم يقع على حماس وأنصارها، ويسارع للهجوم عليهم أثناء القصف، فترى أن الوقت ليس للمساءلة وإنما لتقديم العون، بعدها يصبح لكل حادث حديث، يشار إليك بإصبع الاتهام: امسك.. إسلاموي، مدافع عن الفاشية الدينية!
وعندما تبدأ التهدئة وتجد الوقت مناسبا كي تؤكد إيمانك بحق الشعوب في المقاومة بكافة أنواعها، وتنتقد في نفس الوقت حرص تيار على الاستئثار بالسلطة وإقصاء الآخرين، وقصر المقاومة وتضحياتها وشهدائها إعلاميا على حماس فحسب دون بقية فصائل المقاومة. وعندما تختار الصراحة مع النفس وتقول إن العدوان الأخير لم يشهد انتصارا للمقاومة الفلسطينية التي تتمنى من صميم قلبك انتصارها؛ ولكنك تكشف عيوبا ينبغي معالجتها، أبرزها التناحر الفلسطيني الفلسطيني،على سلطة وهمية، بينما كان الأولى توجيه الجهود ـ والسلاح ـ نحو الأعداء، سرعان ما تجد من يصنفك في صفوف المتأمركين والمتصهنيين، بل وربما تتهم بالخروج من الملة باعتبار أن "حماس" مقدسة منزهة عن الخطأ، وأن معارضتها محاربة للإسلام في حد ذاته!
وإذا قلت: يا قوم! هناك فرق بين النظام المصري والشعب المصري، ولم يضبط النظام يوما مهموما بمصالح المصريين، حتى نطالبه بالدفاع عن مصالح الأشقاء!. وإذا أبديت غضبا لأن من الأشقاء غوغاء تجاوزوا الهجوم على مصر "الرسمية"، ليتطاولوا في الفضائيات والصحف ومواقع الإنترنت على مصر "الشعبية"، ويعاني المصريون العاملون في بلاد الأشقاء المهانة وجرح الشعور والهجوم المبتذل، فيكتب أحدهم في سياق هجومه"المصريون كلهم فراعنة إلا من أدبه الله بالإسلام"، أو يهان زميل ويصفه أحد الأشقاء بأنه "ابن القاهرة"! ، ويكثر الاستشهاد بمقولة نسبت لعمرو بن العاص يسب فيها شعب مصر رجالا ونساء، وعندما يستشهد أحد بقول الرسول الذي هو سيد عمرو بن العاص في "أقباط مصر"، يسارعون للتشكيك في صحة الحديث بينما يتمسكون بصحة أحاديث البول والرضاع!. وحين تظهر استياءك من سب الغوغاء لأهلك ، تجد إصبعا مرفوعا في وجهك: امسك.. أنت إذا تدافع عن حكم فرعوني عميل!
وفي الحقيقة لا أرى مفارقة بين كونك تعارض النظام الحاكم في مصر وترى فيه أعلى مراحل الفساد والاستبداد والتفريط في حقوق الوطن والعباد، ثم ترى في نفس الوقت أن الإخوان ليسوا البديل الصحيح، لكنك ترفض تزوير الانتخابات ضدهم ومحاكمتهم عسكريا. وليس هناك تعارضا بين الإيمان بحق الشعب الفلسطيني في ممارسة كافة أشكال المقاومة لتحرير أرضه، وبين التحذير من استئثار فصيل واحد بالقضية والتعمية على تضحيات الآخرين واختزال القضية الفلسطينية كلها في قطاع غزة؛ والتنبيه إلى أن سياسة الإقصاء التي يحرص عليها هذا الفصيل لن تسفر إلا عن مزيد من التمزق وفقدان البوصلة الحقيقية للمقاومة والتحرير.
ولا يوجد تناقض بين معاداة الرأسمالية المتوحشة وربيبتها الصهيونية، وبين إصرارك على أن التجربة أثبتت عجز السلطة الفلسطينية الحالية، عن تحقيق آمال شعبها وانتشرت روائح الفساد والتفريط بين صفوفها، فيما حركة حماس، وإن اكتسبت شرعية في قطاع غزة وحده، يصر قادتها على فرض توجههم بالقوة على مجمل فصائل المقاومة الأخرى وعلى الشعب الفلسطيني بأسره. والاثنان؛ السلطة وحكومة حماس ليسا سوى ثمرة أوسلو التي أثبتت فشلها، فيما يحتاج الشعب الفلسطيني إلى بديل ثالث يحقق تطلعاته للحرية على كامل ترابه.
في مقال سابق ورد إلي تعليقا متتاليان ح أحدهما لقارئ يهاجمني بشدة لأنه رأى أنني أؤيد حركة حماس وحذرني من أن الحماسيين رجعيون وعندما يصلون إلى السلطة لن يسمحوا لأمثالي بالظهور بلا غطاء على الشعر، وجاء التعليق التالي ـ على نفس المقال ـ ينتقدني لأنه رأى أنني أهاجم حماس، و ـ يالسخرية القدر ـ ادافع عن الحكومة المصرية!.. ولم أعرف في الحقيقة، هل أنا لهذا الحد فاشلة في توصيل الفكرة أن أن بعض القراء يصدر أحكامه مسبقا قبل القراءة معتمدا على ما يتوقعه ـ هو ـ من أفكار أدعو إليها؟
التناقض الحقيقي الذي يلمسه كل من اختار ألا يكون سوى نفسه، أن بين المعارضين من هم أكثر ديكتاتورية من الحكام، فهم لا يقبلون سوى انضمامك للقطيع، ولا يهتمون بمناقشة رأيك بقدر ما يبددون الوقت تفتيشا في بطاقة هويتك، وبعدها يحددون ما إذا كانوا سيؤيدون أو يرفضون ما تقول من أفكار قبل أن يقرأوها!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقوق النقد محفوظة
النيل - حابي ( 2009 / 2 / 22 - 22:45 )
بل يقرأوها ..
ويقراوها جيدا
ويناقشوها بالعقل والمنطق ..الا لو كان لكل انسان منطق خصوصي- ملاكي --
فكيف لا تكون لهم آراؤهم هم ايضا ؟؟
أكثر من معلق علق وشرح وباستفاضة .. عن موضوع غزة وموضوع الصحفي أبو قندرة !!! وشرحوا ووضحوا
ولكن هناك منطق يحكم علي الدمار والهلاك الذي حدث في غزة انه كان بواااااادر انتصار !!! وعلي يد من هذه البوااادر الموهومة ؟ علي يد جماعة دينية أكثر خطورة من الرجعية ومن الاستعمار ومن الصهيونية . لانها ستعيد التاريخ بنا للوراء 1400 سنة
من حق كل انسان ان أراد ألا يراجع أفكاره . هذا حقه . وليدع للآخرين حقهم في التعقيب عليها طالما انها تنشر علي الملأ .. وطالما انه لا يوجد مساس بشخص الكاتب


2 - سيدتي كوني نفسك فأنتي حرة
سامي المصري ( 2009 / 2 / 23 - 06:35 )
سيدتي أولا أحييك على كتاباتك المتميزة والتي تدل أولا على ثقافة عالية، ولغة متمكنة، كما تدل على نفس تتمتع بالحرية الداخلية القادرة على الرؤية الواضحة للحقيقة، حيث لا يستطيع أن يدركها الكثيرون في ظلمة هذا الزمان الرديء.

أكتب لأوضح لك أن كتاباتك واضحة جدا ومفهومة تماما لكن مشكلتنا اليوم أننا نعيش في زمن أصابه العقم والبلبلة، فالمقاييس اختلت وما تعارف عليه الناس أصبح في حاجة لتعريف والعقد الاجتماعي بين البشر انهار. فهل يعقل أن الوطني في هذا الزمان التعس يسمى قومجي أو يتهم بالفاشية. فالخائن للوطن والعميل أصبح له لغته التي تمكنه من أن يتهكم على الإنسان لمجرد أنه يريد أن يحمي بيته ووطنه. إننا نعيش في زمن تمكن فيه الاستعمار من غسل أمخاخ البشر بشكل لا يصدق. ويبدو أن كارثة العراق لم تكن مجرد استعمار للأرض بل كانت بالأكثر استعمار فكري ونفسي وهذا هو أكثر صور الاستعمار شراسة وخطورة

رغم كل هذه الظلمة المدلهمة ما زلت أؤمن بالإنسان المصري البسيط وقيمه الجميلة التي نبعت منها كل حضارة على الأرض.

سيدتي كوني نفسك فأنتي حرة والحر لا يملك إلا أن يقول الحق. ومقولة الحق هي أروع صور الحرية


3 - حول النظام المصري والشعب المصري، والحكومة الفلسطينية
صائب خليل ( 2009 / 2 / 23 - 10:27 )
السيدة العزيزة والصديقة إكرام يوسف لك مني تحية ومودة
أتفق معك في معظم ما جاء في مقالتك واهميتها، ولدي رتوش صغيرة هنا وهناك، إن سمحت بها:

أتفق معك تماماً على فصل السلطة المصرية عن الشعب المصري، فصل السجانة عن المسجونين، واعتقد أن هذا الخلط كان منسقاً من قبل الحكومة المصرية نفسها، فقد لاحظت أن الدفاع عن النظام المصري في أزمة غزة كان يتحول فوراً إلى -الدفاع عن مصر- وهي ستراتيجية ذكية بلا شك من قيادة مصر أو من ينصحها من خارجها. لا استبعد أن يشارك بعض شديدي الحماس وقليلي الدقة والحذر ، بلا روية في هذه المؤامرة. إنما، ملاحظتي هنا هي أعتقد أن الحديث عن استعادة مصر لقيادتها للأمة العربية يجب أن يؤجل حتى تستعيد مصر قيادتها على نفسها، وإلا فهو لايعني حالياً ضمن النظام المصري الحالي سوى -(استعادة) إسرائيل لقيادة الأمة العربية. لذا أرى أنه من صالح -السجناء- أن يعزل سجانوهم، ولا يمنحوا أية قيادة.

بالنسبة لقيادة السلطة الفلسطينية، مثلما تطالبين بالتمييز الدائم بين حكام مصر وشعب مصر، يجب أن لا ننسى أننا نتعامل في الموضوع الفلسطيني مع حكومة منتخبة -مغضوب عليها من الغرب- من جهة, ومجموعة لصوص ومنتهكي دستور من الجهة الثانية. ويبدو لي أن هذه الحومة شريفة إلى درجة بعيدة وإلا لما أصر -ال


4 - هل ننآكل الأمة
Mohamed Elgarawany ( 2009 / 2 / 23 - 11:11 )
أطيب تحياتى

مع تتالى الأحداث خصوصاً بعد سبتمبر 2001 لا أجد فى عقلى مكاناً لما يمكن أن يطلق عليه طاقة نور أو مخرج لنفق التخبط والضعف الذى سيطر على كل مواقف الجميع ، فالمشرق العربى كان وسيظل مهموماً بأسهل الطرق للحفاظ على ثروته وتنميتها مستخدماً فى ذلك أساليب ونظريات فاقت بمراحل ماتباهى به ميكيافيللى وتابعيه ، والمغرب العربى حدث ولا حرج فالخطاب الرسمى كله من نوع – كبر دماغك – للأسف
أما الأخت الكبرى فقد اجتهدت كل القوى الإستعمارية خلال النصف الأخير من القرن العشرين وطوال الحقبة الحاليه على تلقيمها طعماً خرجت على إثره من الماء لتجد نفسها ترساً فى ماكينة تدار طبقاً لنظريات وتخيلات وخطط صاغها غلاة الإستعماريين لتنفيذ المخطط المحبب لهم بتفكيك الأمة العربية ، وللأسف قامت مصر بدورها على أحسن وجه وبمهارة أزعم أنها فاقت الدور المرسوم .
كل ما سبق ينطبق على كل النظام الرسمى العربى وأجهزته وأبواقه الإعلاميه بكل تشكيلاتها خصوصاً الحديث منها وأقصد بذلك الفضائيات أحدث مااستخدمته الأنظمه للتباهى بوطنية البعض وعمالة وخيانة البعض الأخر رغم اشتراك الجميع فى الركوع والزحف بدرجات مختلفة كل حسب الدور المرسوم له والذى يستطيع أن يجيده
ولن نتحدث عن النخبة أو المثقفين فالصفوف مرتبكة والكث

اخر الافلام

.. هل يستطيع بايدن ان يجذب الناخبين مرة اخرى؟


.. القصف الإسرائيلي يدمر بلدة كفر حمام جنوبي لبنان




.. إيران.. المرشح المحافظ سعيد جليلي يتقدم على منافسيه بعد فرز


.. بعد أدائه -الضغيف-.. مطالبات داخل الحزب الديمقراطي بانسحاب ب




.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية وتوسع استيطانها في الضفة الغ