الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي حوار مع -عقل- لا يقبل الحوار مع مختلف

ماجد الشيخ

2009 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تصدر "أفكار" التكفير، وما ترتبه من عنف إرهابي أعمى عن أزمة، بل أزمات عميقة، لدى مجموعات، فقدت كل إمكانية بقيام التماثل او التكيف مع واقع مجتمعاتها او شعوبها وحتى عائلاتها. فكان خروجها من بوتقة الانتماء الجامعة تلك، إيذاناً بالخروج عن كل رشد وكل عقلانية، وتجاوزاً للمنطق وإبتعاداً عن الانسجام او الاحتكام للعقل. بل ان العقل التبسيطي الساذج الذي يسم ويحكم أرباب هذه الظاهرة، ويدفع بهم إلى مجاهل غيبوبة من عتم الاظلام المطلق، لا ولن تعينهم إلاّ في رؤية ذواتهم وسط شبكة عنكبوتية من الاعداء القريبين منهم والأبعدين.

إن عقلاً كهذا لا يقبل التحاور، بل هو في الاساس لا يقبل الحوار مع مختلف، إذ كل مختلف عدو، وكل عدو ينبغي إستئصاله عبر مواجهته بالعنف الارهابي الهادف للقتل، وإن لم يفلح فبالانتحار وقتل النفس مع الرغبة بقتل أنفس أخرى هي المشار إليها على أنها العدو.

رواد هذه الظاهرة التكفيرية وزبائنها، ليسوا قمينين بالانتماء؛ إلى فضاء آخر غير الفضاء الذي حشروا ويحشرون ذواتهم، ويريدون حشر كل المريدين فيه: فضاء التكفير والعداء للآخر، كل آخر خارج تنميط عقلهم التبسيطي وسذاجة الفكرة التي تصدر عنها حلقية الفسطاط والقلعة المحاصرة. لذا لا جامع وطنياً او قومياً يمكنه ان ينظم عقد رواد هذه الظاهرة التكفيرية وزبائنها، فبالقدر الذي تنطلق منه فكرة التكفير وإتهام الآخر على أنه العدو، بالقدر الذي تتحول الفكرة ذاتها إلى فكرة لا تستطيع العيش إلاّ خارج السياق المحلي او الوطني او القومي، لتضحي فكرة عابرة، معولمة، تضع منظّريها وروادها وأصحابها بالاساس خارج اي سياق محلي او وطني او قومي، وبالتالي خارج اي همّ او قضية، سوى هم وقضية التكفير وإستعداء الآخر، بل كل الآخرين الذين يقفون موقف المستنكر لظاهرة تستحق الاستنكار بإمتياز، كونها لا تصدر عن اي هم وطني او قومي، علاوة على بعدها عن أي هم ديني مشغول بروح التقوى والصلاح والاصلاح ومعاداة الاستبداد الذي تكرسه الظاهرة كأسطع ما يكون التسلط.

وإذا كانت الامبراطورية الاميركية قد أعلنت عن فوضاها "الخلاقة" المدمرة للنظام الدولي، فإن "أمراء الخلافة" التكفيرية وإذ يعلنون عن فوضاهم المدمرة والهادمة للوحدة الوطنية في كل بلد دخلوه او أدخلوه في مجالهم المغناطيسي الجاذب للتفتيت السياسي والمجتمعي والعائلي، وتذرير الدول والسلطات وإقتسامها وإدخالها حظيرة هذا الفسطاط او ذاك، فإن التبادلية الفوضوية "الخلاّقة" التدميرية لفسطاطي الارهاب الامبراطوري الدولي المعولم والارهاب المحلي ولكن العابر في بلداننا العربية، تكون قد أكملت او تسعى لإستكمال دورتها الوحشية الاجرامية، في نقلنا من مجال الوضوح الفاقع للمفاهيم، إلى مجاهل الاعتام او الاظلام الكامل لتلك المفاهيم وخلطها وتشويهها وإعادة تصديرها، في ظل سيادة أجواء قد تؤدي بالمجتمعات والشعوب والدول إلى فقدان مناعاتها الوطنية، والكثير من الاسس التي تمكنها من مواجهة النخب التي أضحت تلك الظاهرة تجارتها الرائجة.

ولهذا ما عاد ممكناً معالجة الاسباب التي تؤدي إلى الارهاب في عالم غير متوازن، يتيح للقوى الكبرى المهيمنة، كما وللإحتلال ان يمارس ما يحلو له من ممارسات إرهابية، في ظل إختلاط المفاهيم وصراعاتها وإصطراعاتها، وسط حاجة الشعوب والقضايا إلى التمييز الحاد والواضح بين المقاومة والارهاب، تلك التي باتت تشكل مطلباً راجحاً ووازناً على حساب الخلط الفاضح والمتعمد بينهما.

وفي هذا الصدد تتأكد يوماً بعد يوم إلحاحية حاجة مجتمعاتنا العربية ومثيلاتها من مجتمعات تعاني ذات المعضلات، الى مقاومة الارهاب – كل أشكال ممارسة الارهاب – بدءاً من إرهاب الدولة او الدول المهيمنة وحلقاتها الوسيطة من دول وأنظمة تسلطية وأجهزتها الامنية والقمعية، وصولاً إلى إرهاب المجموعات المتطرفة - التكفيرية – وهي الفاعل الرئيس العامل على تمييع مفاهيم الصراع داخل المجتمعات الوطنية، وتشويه أوجه نضالات الشعوب السياسية والاجتماعية والوطنية ضد الاحتلالات الاجنبية، كما وضد أنظمة الاستبداد والتبعية.

ولهذا... يمكن القول ان محرضات الارهاب، لا تكمن لدى جانب واحد من جوانب صراعات النفوذ والهيمنة، تلك السائدة اليوم في عالم ما بعد الحرب الباردة. إن تلك المحرضات تكمن في مسوخ الافكار والمفاهيم وتعبيراتها المصلحية والمنفعية وهي تتحول إلى دوغما أيديولوجية، كما وفي الممارسة العملانية لتلك "الافكار" المسبقة عن الآخر، فأفكار التعصب الديني والتطرف القومي الشوفيني، إنما قادت وتقود إلى الارهاب فكرة وممارسة، كما ان "الافكار" التي توالدت منها سياسات الاستشراق قديماً وسياسات الهيمنة والاحتلال وفرض الرؤى الاحادية ورؤية النرجسيات لذاتها راهناً، إنما تقود هي الاخرى إلى الارهاب كممارسة أكثر عملانية ضد آخر يجري خلقه وتجسيده في صورة عدو ينبغي مواجهته، قمعه وإرهابه وإستئصاله.

وهنا تحديداً تقع النرجسيات الذاتية في بوتقة التنميط الهروبي، في محاولة تصوير واقعة ان المجتمع واحداً في خضوعه لنمط واحد في شكله وجوهره وسلوكه ومفاهيمه وقيمه وأخلاقياته، وحتى إستخدامه لتعابير تتعدد دلالاتها، او محاولة تصوير الثقافة وكأنها واحدة في نمطيتها، رغم سيادة مناهج التأويل والتفسير، وتحميل المحمولات ما لا تحتمله من حوامل، لا شأن للنص او النصوص بها، كون هذه الاخيرة تتعدد مدلولاتها بتعدد مفسيرها ومؤوليها، دون ان تبلغ اي دلالات قطعية مطلقة لدى فريق او تيار من هنا او هناك، في إطار الدين الواحد او الطائفة الواحدة، وربما المذهب الواحد أحياناً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية حارة للفكرة
خالد عبد القادر احمد ( 2009 / 2 / 28 - 14:11 )
عزيزي ماجد
تحية وبعد
لا شك انك اجدت تحليل وتحديد العلاقة ومباشرتها بين الفكر والفعل وعلى ذلك احييك تحية الاعجاب . غير انه لا بد من المطالبة بتبسيط اللفظ المستخدم حتى تصل الفكرة الى مدى اوسع من القراء تحياتي ونتظر مني وقتا مسروقا لك وحدك

اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa