الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى نفي الشيشان والإنجوش في المرحلة الستالينية

أمين شمس الدين

2009 / 3 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد أدّى تهجير الشيشان عن بكرة أبيهم، وغيرهم من شعوب الاتحاد السوفييتي إلى مأساة لم تعرفها البشرية من قبل، عانى منها مئات الآلاف من الناس الأبرياء.
إن يوم الثالث والعشرين من شهر شباط، بقي في أذهان الشعب الشيشاني كيوم حداد إلى يوم يُبعثون. وحتى هذا اليوم لا يزال في عداد الأحياء المقاتلون والمدافعون الشيشان الأمجاد، الذين شاركوا الجيش السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، بشكل لائق، مساهمين في الانتصار على ألمانيا الفاشية. لا يسعنا إلا أن نحني رؤوسنا تبجيلاً واحتراماً لمآثرهم الخالدة. وإلى اليوم أيضاً هناك من بين أؤلئك، الذين تم نفيهم وهم أطفال صغار، وجدوا أنفسهم ضمن ضحايا نفي، متَّهَمين بـ "أعداء الوطن".
تم نفي الشيشان والإنجوش في الساعة الخامسة من صباح يوم الثالث والعشرين من شهر شباط لعام 1944م، حشروا في قاطرات مخصصة لنقل الحيوانات. وصلوا إلى أصقاع شديدة البرودة، ليس معهم شيئا من متاع الحياة حتى أبسطها، وعند أقوام لا يعرفونهم ولا هم يعرفون عنهم شيئاً سوى أنهم مهجَّرون من ديارهم، كونهم "أعداء للأمة والوطن". وتم قتل الكثيرين وهم في بيوتهم، وحرق قرى بأكملها مع من فيها.
ومن جهة أخرى، انتشرت في مدن وقرى بلاد الشيشان المهجورة، عمليات السلب والنهب. فقد تم نقل كل شيء يمكن الاستفادة منه، إضافة إلى الكتب، والمخطوطات المهمة، واللوحات الفنية القيمة، تماما، كما هو الحال في كل الحروب الشيشانية. وستبقى أسماء قتلة الأمم مثل ستالين و بيريا و سيروف و كابولوف في أذهان الشعوب المنفية تلعنهم إلى أبد الأبيد.

1- القانون الذي صدر في النفي.
بعد مرور سنتين على عملية النفي وفي 25/6/1946م، أصدر مجلس السوفييت الأعلى مرسوماً، يتهم فيه الشيشان، وتتار القرم، بالتعاون والتواطوء مع العدو الألماني، الذي دخل البلاد، واحتل عمق الأراضي السوفييتية. ونشطت الإشاعات حول نيّة هذه الشعوب، لاستقبال هتلر، على حصان أبيض، وسرج ذهبي. سنختصر الحديث هنا عن الشيشان والإنجوش فقط. علماً بأنه كان من ضمن المنفيين في تلك الفترة حوالي عشرة ملايين روسي، وخمسة ملايين أوكراني، ومليوني مولدا في، ومليوني ألمان سوفييت، إضافة إلى البولونيين، والكوريين، واليونانيين، والأتراك، والأكراد، واليزيديين، والليتوانيين، والليتوفيين، والاستونيين، وكذلك البلقار وتتار القرم والكراتشاي والكالميك.
فيما يلي، القانون الذي تم بموجبه، إقرار المراسيم، التي صدرت بحق الشيشان- إنجوش في النفي وفي إلغاء الجمهورية:
قانون
عن إلغاء جمهورية الشيشان-إنجوش السوفييتية الاشتراكية، ذاتية الحكم، وإعادة تشكيل جمهورية القرم السوفييتية الاشتراكية، ذاتية الحكم، بحيث تصبح مقاطعة القرم
" ..إن كثير من الشيشان، وتتار القرم، قد انخرطوا في فصائل تطوعية ، قام بتشكيلها الألمان، وقاتلوا مع الجيوش الألمانية ضد الجيش السوفييتي. وشكلوا وحدات، للقيام بأعمال التخريب ضد السلطة السوفييتية من الداخل، وبأن الغالبية العظمى من شعب جمهوريتي الشيشان- إنجوش، والقرم، السوفييتيّتين، ذاتيّتا الحكم، لم تتخذ أي إجراءات، لمنع تلك الأعمال.. وبناءً على ذلك " - تم تهجير الشيشان، وتتار القرم، إلى مناطق أخرى من الاتحاد السوفييتي، حيث خصصت لهم الأرض، وقدمت المساعدة الاقتصادية اللاّزمة، من قبل الدولة. وبتنسيب من هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية، وبموجب قرارات، ومراسيم هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي، فقد تم إلغاء جمهورية الشيشان- إنجوش السوفييتية، ذاتية الحكم. أما بالنسبة إلى جمهورية القرم السوفييتية، ذاتية الحكم، فقد تم إعادة تشكيلها، بحيث أصبحت مقاطعة القرم.
وبناءً على ذلك، تقرر هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية روسيا الفيدرالية ما يلي:
1 - المصادقة على مرسوم إلغاء جمهورية الشيشان- إنجوش السوفييتية ذاتية الحكم، وإعادة تشكيل جمهورية القرم السوفييتية ذاتية الحكم إلى مقاطعة القرم.
2 - إجراء التغييرات والإضافات اللاّزمة، إلى المادة رقم 14، من دستور جمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية.
رئيس هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية
أ . فــــلاسوف
سكرتير هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية
ب . باخمـــــوروف
موسكو ، الكرملين / 25 حزيران 1946م
----------------------------------------
المصدر: جريدة " غرزْنِينّسْكي رابُوتشي " الصادرة بتاريخ 3/7/1946م ، غروزني، مجموعة قوانين جمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية، ومراسيم هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية 1936-1964م ، موسكو، 1946 ، ص46

على الرغم من استبداد سلطة ستالين، وأعوانه، كان الشيشان والإنجوش يلاقون مساعدات أخوية، من قبل شعوب الكازاخ، والقرغيز، والروس، والأوكران، والألمان، واليونان، الذين كانوا يعيشون معهم. وكذلك قبائل الدونجا، والأويغور، وممثلي الشعوب الأخرى.
ولا يمكن أيضاً أن ننسى الأدباء الكبار، ذوي الرجولة الحقة، والشجاعة النادرة ، الذين وقفوا بجانب الشيشان في محنتهم، وقضيتهم، مثل أبناء الشعب الجورجي الصديق ف. موراديلي، و ج. مْدِيفاني، وغيرهما. لقد قام هذان الفنانان بوضع مسرحية أوبرا "الصداقة العظيمة"، جسّدت بحرارة، بطولات شعوب شمال القوقاز، وشجاعتهم، ومن ضمنها الشعب الشيشاني- الإنجوشي، وما قدمت من أجل دعم السلطة السوفييتية، وما اتصفت به هذه الشعوب من روح التضامن، والصداقة الأممية.
ويقدّر الشيشان- إنجوش كذلك، مواقف الشاعر والعالِم الكازاخي المعروف أولْجاس سليمانوف، صديق الشيشان والإنجوش، الذي قال في قصيدة له: "أوكرانيا، أيها الإنجوش سامحوا أرضي.." - فهو لم يتحمل مآسي ومصائب شعب مهجر بالقوة، وبأن أرضه كازاخستان، شاء القدر أن تصبح مكانا لنفي الشعوب.
وهنا، لا يجب أن ننسى الدور الكبير، الذي لعبه لافرينتي بيريا- مفوض الشعب لوزارة داخلية الاتحاد السوفييتي، والمفوض العام للأمن القومي، الصهيوني، الذي تم إعدامه لاحقاً (بعد موت ستالين)- في التنسيب بالنفي، والإشراف عليه، وفي ظلم الشعوب. وهو لا يختلف عن بيريزوفسكي وغيره من الصهاينة القابعين في موسكو الذين لعبت أموالهم وأموال غيرهم من تجار الحروب دورا كبيرا في تسعير الحرب الشيشانية الأخيرة.
في حقيقة الأمر، لا يمكن أن يَتهم الشعوب بأكملها سوى النظم الاستبدادية. وطبيعي بأنه لم يكن هناك أعداء للشعب والوطن في جملة الأقوام. إلاّ أننا لا ننكر تواجد معارضين وبالذات في ذلك الوقت، كما هو حاصل بين كل الأقوام والشعوب. كما وتشير بعض المصادر، إلى تواجد مجموعات قامت باستمرار، بانتفاضات مسلحة، خلال حكم القياصرة الروس، وكذلك أيضا ضد النظام السوفييتي منذ نشوءه باستحسان الدول المحيطة، كالدولة العثمانية، وبدعم دول أوروبية كفرنسا وإنجلترا وألمانيا وفرنسا، ذات الأطماع المبيتة في منطقة القوقاز. لم تُنجز كل تلك الانتفاضات شيئا سوى ظهور الفتن وقتل الناس الأبرياء والتأخر لعدة قرون للوراء.
ذلك من جهة. ومن جهة أخرى فإن الأكاذيب الملفقة تحت مسمى "العصابات الشيشانية" و "المتعاونين"، والوشايات الأخرى العارية عن الصحة، كانت تَلزَم بيريا لاستخدامها كحجج تدعم نواياه ونوايا ستالين السيئة. لقد اتضح الآن، وبلا ريب، وحسب معطيات الأجهزة المختصة لوزارة الداخلية، بأن عدد المنتفضين المسلحين آنذاك لم يتجاوز 335 شخصا. ووصلت إلى بيريا ومنه إلى ستالين، عن طريق الوشاة، معطيات كاذبة تشير إلى اعتقال خمسة آلاف من المجموعات المسلحة التي كانت تعمل في جبال الشيشان- إنجوش (حسب عبد اللاييف زياء الدين).
هناك كذبة أخرى شاعت في فترة النفي بالذات عن "الحصان الأبيض"، الذي وكأن الشيشان أو الإنجوش أو والقبرطاي أرادوا إهداءه إلى أدولف هتلر. واستخدمت مثل هذه الأساليب "كورقة لعب مهمة" في دعم نواياهما الخطيرة لتهجير الشعوب. علما بأن الألمان لم يصلوا حتى إلى حدود الشيشان.
وبصدد جعل الاتحاد السوفييتي يركع على ركبتيه، ومن ثم العالم كله، صرح زعيم النازية أدولف هتلر يوماً: " كلما كانت الكذبة أكبر، كلما تقبل الناس على تصديقها بشكل أسهل".
إن ستالين وبيريا نشرا أكاذيبهما لغايات تبرير هزائمهما في المراحل الأولى للحرب مع ألمانيا النازية، أما بالنسبة إلى هتلر، فقد كان الكذب مطلوباً بهدف إضعاف عزيمة الجيش السوفييتي وكل قادته العسكريين.
وبرأيي لا يمكن التخطيط لنفي شعب ما بالكامل من موطنه، إلا لغرض إسكان شعب آخر مكانه. وإذا علمنا بأن ستالين وبيريا وغيرهما من الرؤوس المدبرة كانوا من اليهود الصهاينة الجورجيين، فأعتقد بأن الغاية واضحة. إلا أن الشيشان ثبتوا متحملين كل المآسي والأهوال خلال ثلاثة عشر عاما، ولم يفقدوا الأمل في العودة إلى وطنهم الغالي. وبإرادة الله القوي، وشدة صبرهم، وتعلقهم بأرض الأجداد مكنهم من العودة وبناء حياتهم من جديد.
ولكي نؤكد حقيقة انتماء عامة الشيشان والإنجوش لبلادهم، ووطنهم الاتحاد السوفييتي، ومساهمتهم في بنائه والمحافظة عليه، وليس في هدمه وتخريبه، كما يدّعون، لا بد وأن نعيد إلى الأذهان، وقائع ونتائج مشاركة هذا الشعب البطل، في الدفاع المستميت عن بلاد السوفييت، وفي بنائها:
بم ساهم الشيشان والإنجوش؟
في الحرب الأهلية ( بدايات الثورة الاشتراكية في روسيا ) - قدم الشيشان أكثر من عشرة آلاف قتيل، في حروبهم من أجل السلطة السوفييتية، ضد الجيش الأبيض، وخاصة القوزاق وجيوش دِينيكِن المعادية. كما تم في نفس الفترة تدمير 24 قرية جبلية شيشانية، إضافة إلى موت 30 ألف من سكانها، نتيجة الجوع والمرض. حين قدم الإنجوش في هذه المعارك خمسة آلاف قتيل، ودمرت 13 قرية جبلية إنجوشية، وقضي على أكثر من 800 شخص، فتكت بهم الأمراض الوبائية.
.. لقد قدم الشيشان والإنجوش خيرة أبنائهم، فداءاً للوطن، أيام الحرب الأهلية - فالبطل المعروف أصلان بك شريبوف، هو أول مؤسس للجيش السوفييتي في بلاد الشيشان، الذي ناضل ببسالة، من أجل تثبيت الحكم السوفييتي، وقتل أثناء سير المعارك شاباً.
إن موقعة تشيتشين أُوْيْله المشهورة يوم 5/10/1919، وكذلك المعارك التي جرت في قرى الشيشان الأخرى، مثل قرى عَلْخان- يورت وغُوْيْطا وتسُوْتسِي- يورت، لهي دلائل قاطعة على وقوف الشعب الشيشاني بأبطاله مثل عصام يوسوبوف، والأخوة بوراخا وخالد عَلييف، والأخوان محمد وأحمد مجامادوف، وكذلك بورغش وأرْساجير إيدِل جِيرييف، وغيرهم الكثيرين، الذين سقطوا دفاعاً عن قراهم ضد قوى دِينيكِن المعارِضة، والجيش الأبيض.
وقامت في مدن نصير- كورْت، وإيكاجُوفو، وسُورْخو- خي، الإنجوشية، انتفاضات مسلحة كبيرة، على أعداء الثورة، وخصوصا انتفاضة حزيران عام 1919م، المعروفة في البلاد. انطلقت الانتفاضة من بلدة غالاشْكي، إلا أنها قُمعت من قبل جحافل دِينيكِن. انتقل بعد ذلك مركز القيادة في البلاد، إلى بلدة شاتوي الشيشانية.
وفي الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) - حمَل السلاح كل من استطاع، من الرجال، والنساء، في جمهورية الشيشان- إنجوش. وكانت الجمهورية خلال سنوات الحرب، تزود البلاد السوفييتية بالنفط، وتقوم بتمويل جبهات القتال بالمواد الغذائية، وبالعتاد اللاّزم. وساهمت بقسط لا يستهان به، لتحقيق النصر في هذه الحرب الضروس. لقد كان الشيشان، والإنجوش، أشداء، ضمن من دافع عن قلعة بريست الشهيرة، أمام ألمانيا النازية. وكان من ضمن حامية القلعة 300 مقاتل شيشاني وإنجوشي (حسب المؤرخ خالد أشاييف في كتابه: قلعة بريست- جوزة لا تُكسر). علما بأن كل من دافع عن القلعة لقب ببطل الاتحاد السوفييتي. والشيشان- إنجوش مٌجّدوا نتيجة مآثرهم البطولية، كما مجدوا لما أظهروه من بسالة، وشجاعة نادرة، في معارك أوكرانيا، وحول لينينغراد وموسكو وستالينغراد، وفي الشمال الأقصى، وشواطئ البحر الأسود، وفي براغ، ووارسو، وبرلين، ثم في دحر الغزاة اليابانيين. وعند سقوط برلين أمام الجحافل السوفييتية، كان من بين الذين غرسوا علم النصر السوفييتي فوق مبنى الرايخ الألماني، أحد المقاتلين الشيشانيين، واسم عائلته إسماعيلوف.
لقد شارك في الحرب العالمية الثانية حوالي 40 ألف مقاتل من الشعب الشيشاني- الإنجوشي. قتل الكثيرون منهم، وهم يؤدون واجبهم الوطني، والعسكري، حتى النهاية.
.. هكذا نرى بأن محاولات إلصاق التهم والكذب، على عامة الشعب، وبث الافتراءات عنه، لا أساس لها من الصحة. فقد قدم الشيشان- إنجوش، أكبر التضحيات، وكافحوا كفاحا مريرا، دفاعا عن شرف الأمّة، واستقلال البلاد السوفييتية بأسرها.
وكما هو الحال عند الأقوام والشعوب السوفييتية الأخرى، لازال الشيشان والإنجوش، يتذكرون أبطالهم الشجعان، الحائزين على لقب بطل الاتحاد السوفييتي، كالأبطال خانْباشا نورالدّيلوف ، والطيارون: ر. أخرييف، و أ. أحمادوف، وأ . مالْساجوف، و آخرون.. وكذلك جُنْد الدبابات الأبطال أ. مَزاييف، و خ. عَليروي، و م. مالْساجوف، والقناص، بطل الاتحاد السوفييتي، أبو-حجي إدريسوف، وكذلك القناص م. أماييف، وبطل الاتحاد السوفييتي، القناص م . أ . وِيسيتوف ، الذي خاض المعارك من نهر تيرك، في القوقاز، حتى وصل جبال الألب. وكذلك البطل د. اينجينوييف، من فرسان خيالة الجيش السوفييتي، والحاصل على أوسمة المجد والشهرة . والمقاتل خ . داتشييف، بطل الاتحاد السوفييتي، و أ. بِيبُولاتوف، و خ . مجاميد مِيرزوييف . وفي مؤخرة جبهة العدو الهتلري، قاتل بكل شجاعة، وإقدام، كل من الفدائيين، ورجال الاستخبارات الشيشان، والإنجوش - س . مِيداييف ، و أ. تساروييف ، و ج. إينارْكاييف، و أُ . ساتوييف، و ك . أبالوفا وغيرهم الكثيرين. منح كل هؤلاء أوسمة الإقدام والشجاعة، ونال معظمهم لقب بطل الاتحاد السوفييتي.

2- قانون إعادة الاعتبار وعودة الحياة..
في عام 1953م، وبعد موت جوزيف ستالين، تم إعدام مساعده الأول لافرينتي بيريا، الذي كما ذكرنا سابقاً، لعب دوراً أساسيا في التنسيب بالنفي. وفي عام 1957م، وفي عهد خروشوف، عاد الشيشان والإنجوش إلى بلادهم الأصلية. وبقي في المهجر من طاب له البقاء، بعد أن أسس هناك حياته، وكوّن عائلته، وأصبح من سكانه، يعيش مع شعوبها جيرانا، وأخوة. وفيما بعد، صدر مرسوم سوفييتي، يعيد اعتبار الشيشان، والإنجوش، و يُلغي جميع ما جاء من اتهامات، وافتراءات باطلة، بحق الشعب الشيشاني- الإنجوشي.
فيما يلي، القانون الذي تم بموجبه، إقرار المراسيم، التي صدرت بخصوص إعادة تشكيل جمهورية الشيشان - إنجوش، وإعادة اعتبارهم، وحقهم، في العودة إلى الوطن:
قانون
إقرار المراسيم الصادرة عن هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، حول إعادة تشكيل حكم ذاتي للبلقار، والشيشان، والإنجوش، والكالميك، والكاراتشاي
قررت هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية ما يلي:
مادة1. المصادقة على المراسيم الصادرة عن مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي، في التاسع من شهر كانون الثاني، عام 1957م، كما هو وارد أدناه:
- " إعادة تشكيل جمهورية الكباردين ( القبارطاي)، لتصبح جمهورية كباردِينو- بَلْكاريا السوفييتية الاشتراكية ذاتية الحكم ".
- " إعادة تشكيل جمهورية الشيشان- إنجوش السوفييتية الاشتراكية، ذاتية الحكم، ضمن كيان جمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية ".
- " تشكيل مقاطعة الكالميك، ذاتية الحكم، ضمن كيان جمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية ".
- " إعادة تشكيل مقاطعة تشِيرْكِيسْكْ، ذاتية الحكم، لتصبح مقاطعة كَراتشاييفو- تشيركيسْك، ذاتية الحكم ".
وبناءً عليه، إجراء التعديلات والإضافات اللاّزمة على المادة 22، من دُستور الاتحاد السوفييتي.
مادة 2. المصادقة على المرسوم الصادر عن هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية، في الحادي عشر من شهر كانون الثاني، عام 1957م، حول " نقل جزء من أراضي محافظتي دٌوشيتْسْكي و كَازْبيكْسْكي، التابعتين لجمهورية جورجيا السوفييتية، إلى جمهورية روسيا السوفييتية الفيدرالية الاشتراكية ".
رئيس هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية
ك . فوروشيلوف
سكرتير هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى لاتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية
أ . غورْكــين
موسكو / الكرملين ، 11 شباط 1957م
-------------------------------------

تلك هي بعض الوقائع والاتجاهات السلبية لحكم ستالين وأعوانه للبلاد السوفييتية، وما لحق جراء ذلك بالشعوب السوفييتية، ومن ضمنها الشعب الشيشاني- الإنجوشي، من مآسي في تلك المرحلة المشؤومة من تاريخ الاتحاد السوفييتي.
ومن جهة أخرى، لا يمكننا دحض الإنجازات الكبيرة التي حققتها الشعوب السوفييتية في المجالات - الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، وخصوصا خلال المراحل الخالية من الحروب. علما بأن كثيراً من الشعوب السوفييتية، ومن ضمنها الشعب الشيشاني، لم تسنح لها الفرصة لتطوير، وتنمية، حياتها الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، أيام حكم القياصرة.
وتحديدا، بالنسبة إلى الشيشان، لم يتم وضع أسس اللغة الشيشانية، وأصولها، إلا في الحقبة السوفييتية من تاريخه. ولا شك، بأن الثقافة الروسية برموزها المبدعة عالمياً، قد لعبت دورا مهما في تطور وازدهار ثقافات الشعوب السوفييتية كلها، كما لعبت الإبداعات الثقافية لتلك للشعوب أيضا دورها في تطور الثقافة الروسية بحد ذاتها.
لا بد اليوم من الاعتراف بالواقع الآني للظروف، وأن نتكلم بموضوعية درءاً للفساد والفتنة، وحفاظاً على الشعب من أن تلحق به مصيبة متعاقبة، هو في غنى عنها. بهذا الصدد يقول وزير العلاقات الخارجية للجمهورية الشيشانية شمسائيل سارالييف (2009): على جميع شعوب روسيا الاتحادية أن تتطلع أو أن تسعى إلى مخرج مشترك لإبصار الماضي ورؤيته. والشيشان يعرفون كغيرهم من الشعوب المظلومة كيف أن العمل حسب مبدأ "المسؤولية الجماعية المزعومة" هو أمر خطير وظالم. وخصوصا عندما يتخذ الاضطهاد والتنكيل صفة - أهلية عامة – ، وبهذا الخصوص من المهم الإشارة إلى أن الشيشان حتى الآن لم يتعلموا اتهام شعب من الشعوب في أنه كان سببا في مأساتهم. وأن كل ما يوصف به الشيشان من عدوانية وغيرها من السلبيات، ليس سوى افتراء وكذب.
الشيشان في بلادهم يحاولون دائما تذكر الأحداث المأساوية التي أصابتهم ليس من أجل التحريض وإثارة الذاكرة من صفحات تاريخهم المظلمة، ولكن من أجل إدراك وتفهم تلك الأحداث، ووضع تقييم صحيح وموضوعي لها.
واليوم في الشيشان يؤكدون بأن المطلوب من الأجيال الحالية، إرساء أساس متين وأمين، من أجل تلافي تكرار لأية مآسي على شعبهم. وهم يعتقدون أيضا بضرورة الاهتمام بشخصيات تستطيع أن تأخذ على عاتقها مسؤولية مصير شعبها في أحلك الظروف واللحظات.
أما في المهجر، ومن أجل تدارك توتر الأوضاع وتأجيج النزاع في كل مرة وبث روح التفرقة بين الشيشان في وطنهم وفي خارجه، ومن أجل تدارك نشر سوء التفاهم والضغينة بين شيشان المهجر أنفسهم وبينهم وما بين شيشان القوقاز، علينا أن نوازن الأمور، وننظر إلى ما يريده الشيشان القاطنون في بلادهم، والذين يعملون ويكدون على ترابها. وأن نتمنى لهم الخير والسلام والعمل المنتج والإبداع، تماما كما نتمتع به نحن في البلاد التي نعيش فيها ونعمل.
لقد عانت جمهورية الشيشان في تسعينيات القرن المنصرم من حربين مدمرتين للشعب الشيشاني، وحملتا معها آلاما وجراحا لا تُنسى للأمهات الشيشانيات والروسيات على حد سواء. ويعتبر الشيشان بأن ما لحقهم من خسائر مادية وبشرية في هاتين الحربين تفوق تلك الخسائر التي ألمت بهم في سنوات النفي إلى سيبيريا. لقد تم خلال الحربين الأخيرتين استدراج جمهورية الشيشان بالقوة من قبل أعداء الشيشان وأعداء روسيا في آن معاً، لمجابهة مباشرة مع روسيا الاتحادية، معروفة سلفا نتائجها.. وحصل ما حصل. أضحى خلالها الشعب الشيشاني رهينة مغامرة تالية، قادته نحو تقديم ضحايا هائلة، وتدمير البلاد. مما يُضيف أهمية كبرى لدراسة الأوضاع ليس من وجهة نظر إدراكية علمية فحسب، ولكن أيضا من حيث أهميتها العملية والتطبيقية.
واليوم، جمهورية الشيشان ماضية للأمام رغم كل الصعاب، وبثقة، على طريق الاستقرار والإبداع.. على طريق السلام. والشعب الشيشاني اليوم يحكم نفسه بنفسه. وهو على أرضه راض بالواقع، ويحاول أن يحسن التعامل مع هذا الواقع، من أجل أبنائه وبناته وذويه. وكما نلاحظ من خلال البث التلفزيوني المباشر من الجمهورية ومن أحاديث الغادي والرائح، ومن ملاحظاتنا بأنفسنا، فإن الحكومة الحالية تبذل ما بوسعها لبعث الجمهورية من جديد، على مبدأ الوطنية لعموم روسيا الاتحادية، والأولويات الأهلية الشيشانية، وإعادة إحياء المقومات الروحية- الأخلاقية للمجتمع الشيشاني. وكل هذا أدى ولا يزال يؤدي إلى عودة معظم قادة المعارضة وصفوفها، وانضمامهم إلى أبناء الشعب في بناء الجمهورية وازدهارها.
علينا توخي الحيطة والحذر من مروّجي الإشاعات والشعارات الكاذبة، التي تخفي وراءها منافع ومصالح ذاتية صرفة.. من أولئك الذين لا تهمهم المصالح العليا لشعوبهم، وعلى رأسها - أن تكون شعوبهم أو أن لا تكون! أن نأخذ دروسا وعبر من تاريخنا الطويل، المليء بالحروب الدموية، التي أوصلتنا إلى درجة الانقراض، ولم تؤد سوى إلى الهلاك والتدمير والتشرذم! والقضاء على خيرة أبناء شعبنا! أن ننبذ التطرف الأعمى، وأن نتجه أكثر نحو العلم، والتعلم، والبناء، والتجديد. أن نقف دوما واثقين، وآمالنا كبيرة، رافعي الهامة، ومخلصين للشعوب التي نعيش معها، والشعوب التي تعيش معنا.
------------------------------------

المراجع
1- كشوف مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي، ص328، موسكو، 1957م
2- كشوف مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي، رقم 4 ، ص134،1957م
3- ز. غويغوفا، التنظيم الحزبي للشيشان والإنجوش في الصراع ضد الجيش الأبيض (1919-1920)/ مجموعة مقالات، المعهد الشيشاني- الإنجوشي للبحوث العلمية، جزء 9، ص91-111، غروزني، 1964م
4- م. أ. أبازاتوف، معركة تشتشين أويله مع جيوش دِينيكِن/ مجموعة مقالات، المعهد الشيشاني-الإنجوشي للبحوث العلمية، جزء 9، ص170-176، غروزني، 1964م
5- خالد أشاييف، السنوات المتّقدة/ رواية تاريخية في ثلاثة أجزاء، دار الشيشان- إنجوش للنشر، غروزني، 1988م
6- زياؤالدين عبد اللاييف، ذُعْر (روايات، أحاديث، مختارات)، دار الشيشان- إنجوش للنشر، غروزني، 1988م
7- س. تشاخكييف، حقيقة باسم الشعوب/ كتيب لاغاش، رقم 1، غروزني، 1990م
8- خِيزِر أحمادوف، الحقيقة والافتراء عن حرب الشيشان/ جزء1، موسكو، 1996م
9- أحمد كليماتوف، الشيشان- تحت براثن الشيطان أم على طريق التهلكة الذاتية/، موسكو، 2003م
10- شمسائيل سارالييف، على هامش مؤتمر "ذكرى نفي الشيشان"،غروزني، http://www.grozny-inform.ru،غروزني إنفورم، 2009
* * *








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا