الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والسلطة

امنة محمد باقر

2009 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين جاء بريمر الى العراق وتعرف الى القيادات العراقية الجديدة والاحزاب الجديدة فأن احد الامور التي عرفها هو ان هذه الاحزاب الجديدة هي ليست وليدة الساعة ، بل هي عبارة عن تأريخ من صراع طويل من اجل نيل الحرية ومقارعة الدكتاتور ، لذلك احترم العديد من تلك القيادات ، وذهب الى بلده يمتدح اولئك القادة وايديولوجية تلك الاحزاب ، ورغم كل الويلات التي جرتها المرحلة الجديدة للعراق ، لابد للمنصف من ان يقول الحق ، ان الذي جاء بهؤلاء ليست الدبابات الاميركية ولكن تاريخ من نزاع طويل انتهى اخيرا الى طلب المساعدة من دول العالم للتخلص من هدام ، رغم صعوبة هذه النظرية وتعقيداتها
خذ مثلا الحزب الشيوعي العراقي : كثيرون كانوا يتهمون الشيوعية بالالحاد ، لكن تلك الفكرة هي عبارة عن تنميط stereotype ، هؤلاء الناس في الحزب الشيوعي مثل بقية العراقيين ضحوا فلذات اكبادهم من اجل العراق ، واعدم هدام منهم الكثير من عباقرة العراق ، وكون الحزب لايؤمن بالدين لا يعتبر اليوم الحادا بل يعتبر علمانية ، والعلمانية لها انصار كثر هذه الايام ، تجد العديد من المتدينات الشديدات الالتزام بالاسلام يؤمن بالعلمانية ، هذا من ناحية الفكر النسائي ، واما الرجال فترى اليوم حزب المجلس الاعلى يتحالف مع حزب الوفاق الذي ينحى نحو العلمانية بكل صراحة
واللافت للانتباه في الحزب الشيوعي العراقي هو تلك الكثرة من الاصدقاء التي كانت ولازالت تسنده ، لانه حزب الطبقة العاملة وهؤلاء ليسوا كلهم غير متدينين ، في مدينة العمارة مثلا ترى الحزب يصادق شيوخ الحوزة والمحجبات والكادحين والارستقراطيين وغالبية الناس تمدح فيهم فكرة الثقافة والنبوغ وحب المعرفة وهذا هو المحور الثاني الذي يعرفه اي عراقي حين تسأله عن الحزب الشيوعي ، اولا يقول لك انه حزب الثقافة والمثقفين وثانيا يقول انه ابعد مايكون عن الدين !
اما حزب الدعوة الذي باتت الاشاعات اليوم توضع للحط من قيمته فهو حزب المفكر العظيم محمد باقر الصدر انه ابن العراق البار الذي خاطب يوما ما العراقيين بكل اطيافهم : قائلا يا ولدي او يا أخي في خطاباته في الاقامة الجبرية وقبل اعدامه وهو من تنبأ بسقوط الصنم وشاء الله ان يقع صنم هدام في يوم 9 نيسان وهو يوم استشهاد الشهيد محمد باقر الصدر رمز الشيعة ودستور حبهم للمرجعيات الدينية ، والرجل الاخر السيستاني الذي انقذ البلاد من ويلات الفتن ، فتراه اليوم حكيم العراق الاوحد في الدعوة الى السلام والمحبة وترك النزاعات الطائفية ، ولك ان تتخيل ماذا يحدث لأمة بأكملها حين يتم تفجير اعظم مرقدين من مراقدها ، لكن كل شئ كان تحت يد هذا الرجل ، وانظر ماذا فعل ، بكلمة واحدة قال للناس : كفى فسكتوا واحترموا كلمته ، فأي قائد يستطيع ذلك ، لولا التسديد الالهي لفعلت بنا الطائفية مافعلت.
والمجلس الاعلى والاحزاب العلمانية كلها امتداد لهذين النموذجين ، طبعا خلا بعض اذناب هدام وحزب البعث الذين خلقوا قوائم لا ادري تحت اي ذريعة دخلت الى البرلمان ، واخرها قيام احد القوائم البعثية بتمويل ارهابيين لتفجير البرلمان ، فانظر الى اي مدى وصل التسامح بقياداتنا من اجل الديمقراطية الى الحد الذي وجد فيه الارهابيين من البعثيية فرصتهم في دخول البرلمان وسرقة اسماء الناخبين لقوائم وهمية ليس لها اي وجود او تاريخ سياسي سوى التمويل من بنات هدام واعوانه من الحاقدين على بلد الخيرات الجريح.
محور البحث هو كيف استطاعت السلطة ان تغير قيادات جاهدت وضحت بارواحها من اجل الوطن وصنعت منهم اليوم حكومة فاسدة ؟ وكيف استطاعت السلطة ان تغلب الدين ، بل وغلبت حتى مبادئ الاحرار الذين ليس لهم دين ؟ كيف من الممكن لاسماء كحزب الدعوة والحزب الشيوعي والمجلس الاعلى والاحزاب العلمانية الاخرى والقيادات الكردية ، كيف من الممكن ان تصل الى هذا الحد من اللامبالاة حين تصل الى السلطة ، الى درجة بات الناس يقارنون بين هذه القيادات وقيادة هدام ، كيف يصبح الضحية وريثا للجلاد ؟؟ ويحذو حذوه !!
انها السلطة ، وكيف من الممكن للقيم التي زرعها الدين في احزاب حملت اسمه ، ان تجعل من الدين اضحوكة ؟؟ ان حب الدنيا والسلطة هو رأس كل خطيئة في علم الاخلاق ، وهارون الرشيد قالها يوما لولده : الملك عقيم لو نازعتني عليه لقتلتك ، ومحمد باقر الصدر قالها يوما لاتباعه قبل استشهاده :: كيف بكم لو جاءتكم دنيا هارون ؟؟
الواجب الوطني يحتم على كل الاحزاب ان تحترم العراق وشعبه ، بلد الخيرات الجريح ليس كنزا للسرقة ، والسلطة لست وسيلة لخداع الشعب ، كل شخص يجلس على ذلك الكرسي يمارس الهيمنة على رقاب الناس بدلا من ان يتذكر انه تم تفويضها اليه تفويضا ، وحتى الخالق المبدع حين خاطب الناس في القرآن الكريم ، قال لهم : وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم !! اي ان المسألة ومافيها تخويل ماعلى الارض لبني ادم جميعا فهم لايملكون من حطام الدنيا شيئا ! والسلطة هي الاخرى تخويل من الناس الى الحاكم باسم الدستور !! السلطة منحة من الشعب الى الحاكم ، لكن الظاهر ان ذلك الكرسي عبارة عن مرض خبيث ، اي كرسي السلطة ، كل من جلس عليه فتن !!
وحين تأتي النظرية الاسلامية بمسألة الدين كنظام شامل للحياة ، من الممكن ان يمارس سلطة كسلطة محمد صلى الله عليه واله وسلم ، فانها من ناحية اخرى تريد حاكما عادلا كمحمد وليس خليفة فاسد كخلفائنا الفاسدين الذين غص بهم التاريخ ، والعرب والمسلمون جميعا يعرفون كيف حكم بعض الاوغاد باسم الاسلام وكيف نهبوا بيت مال المسلمين حين خدعوا الناس بان وجودهم امر رباني !!
وانا ارى ان الدين حين يريد ان يمارس السلطة ،عليه ان يقف في مفترق طرق : سائلا السؤال التالي ::: الذي وجه يوما لاحد عباقرة الحوزة العلمية في النجف الاشرف ، فقيل له من هو الاصلح حاكم عادل كافر ، ام مسلم ظالم ؟؟ فاختار الكافر لان الكافر على نفسه ، لكن عدله للملايين التي تحت سلطته ، لكن المسلم الظالم خطير جدا جدا ، هو ظالم لنفسه وظالم لغيره !!
فما اروع فلسفة الاسلام !! وحري بكل الاحزاب الاسلامية ان تختار مرشحين يلتمسون العدل في الرعية ، وكذلك الاحزاب العلمانية ، لان السؤال هو ليس ان يعيب احدنا نظرية الاخر ، انا اقول انت اسلامي حرامي وانت تقول انا علماني نزيه !!!
وانا اقول فكري يصلح الدنيا وما فيها ، وانت تقول : الاسلام سنة عفا الله عليها قبل الف واربعمائة سنة
ان كل الانظمة ستمارس نظرياتها في الحكم والسلطة و قد شاهدنا كيف سقطت الاشتراكية ، ونشاهد اليوم ازمة الرأسمالية ، فحري بنا جميعا ان نجنح الى الخط الوسط ، الذي يجمع بين النظامين لاهو بجاعل السلطة بيد فرد يجعل الاخرين خدما وعبيدا وهو يتخم بالثروة ، ولاهو ينسي الفرد نفسه وينهي وجوده في سبيل الشيوع او المجموع او الشعب !! اين نحن من الجادة الوسط !!!
ولابد ان يأتي يوم نكتشف فيه ايضا ويلات الديمقراطية !! وكشفناها باكرا !! ولكنها ايضا ليست النموذج الامثل ، انت لاتستطيع ان تطبقها على الولايات المتحدة والعراق بنفس الميزان ، لقد ارتكبت الديمقراطية في العراق اخطاءا دامية مثلما ارتكبتها الثورة الفرنسية في فرنسا يوم نادوا بالحرية واخذت المقصلة في النهاية حتى الاشراف ، وعلى حد قول احد الفلاسفة : الثورات يخطط لها العقلاء ، وينفذها الغوغاء ، ويتسلم حكمها المجانين !!
العيب ليس في الدين ، العيب فيمن يمارسونه ، والعيب ليس في التدين العيب في النماذج المتدينة ، حين تحشر نفسها في السلطة وهي ليست اهل لها ، وذات الامر ينطبق على العلمانية ، فكما تدين تدان !! واين هو ذاك الذي يضع العراقيين فيه ثقتهم ، اين نحن من الحكم العادل الرشيد ، اين !! واذا كانت العلمانية هي نظرية النجاح ، فان فيها جناحا متطرفا ايضا ، اذا كان الخلاص في فصل السياسة عن الدين كما فصلت اوربا الكنيسة التي اذاقت شعوبها الويلات عن السلطة ، فان هذه الريسيبي او هذه الطبخة ليست صالحة للتطبيق في المطبخ العراقي ايضا ، العراق هو مصدر الاشعاع الديني في العالم الاسلامي منذ فجر الاسلام !! ودين المسلمين اجمعهم لا اعتقده تضمه كعبة مكة مثلما يضمه علم العلماء في العراق !! لذا فان العلمانية لاتستطيع وحدها ان تنجح في العراق ، والاسلاميين لن يستطيعوا بمفردهم قيادة البلد ، هنالك الكفاءات ، هنالك التكنوقراط ، هنالك علماء الاقتصاد والساسة الذين درسوا نظريات تتعارض مع الاسلام والتدين ، فاين هو الحل الوسط الذي يأتي بالعراق الى شاطئ النجاة ؟؟
اعتقد ان المسألة كلها مهما اختلفت التيارات والاحزاب والديانات ، اعتقدها كلها مرتبطة بشئ واحد : النزاهة والعدالة !! كلمتان كبيرتان ، لكن على كل سياسي ان يحاسب نفسه اليوم حسابا عسيرا ، قبل ان يقف بين يدي الله ، او قبل ان يأتي يوم يقف فيه في محكمة مثل محكمة هدام وبرزان ، تفصل الرأس عن الجسد ، بجرة حبل بسيطة !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran