الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعالوا نتعلم لذة الحياة

محمد شرينة

2009 / 3 / 6
التربية والتعليم والبحث العلمي


ما هو العامل الأهم لكون الحياة في هذا العالم سعيدة أو على الأقل ذات لذة؟ هل هي التضحية أم القناعة أم معرفة الهدف أم وضوحه؟
لما كانت كل عملية شراء هي عملية بيع و العكس بالعكس. فمن المهم أن تكون راضيا عن البضاعة المشتراة بمعنى المقابل الذي ستحصل عليه من عملية الشراء أو التبادل.
و لكن من المهم أيضا أن تكون راضيا عن عملية البيع المواكبة بمعنى قانع بالثمن الذي ستدفعه، ستتخلى عنه مقابل الشيء الذي ستحصل عليه.
وبما أنه لا يوجد شيء مجاني فعندما تحصل على شيء فأنت تفقد آخر، حتى خارج عمليات البيع و الشراء التقليدية وبالتالي كل كسب يقابله خسارة. فحتى تحصل على المال أو الخبرة يجب عليك أن تخسر وقتك، لتحافظ على صحتك في حالة جيدة يجب أن تتخلى عن بعض المتع من طعام وشراب و غيره.

الإنسان السعيد بطبعه أو الذي يميل لأن يكون سعيدا هو فرد لديه وضوح وفرق كمون عالي ، اقصد هو يرغب أشياء بشدة وهناك أشياء لا يهتم لها أو لا يرغب بها أيضا بوضوح(بشدة) وبالتالي هو قادر على إتمام المبادلة أو المقايضة(البيع والشراء) بشكل يحقق له رضا كبيرا.
فإذا لم يعرف المرء ماذا يريد بدقة وأنه سيكون راضيا إلى درجة كبيرة بهذا الذي يريده، وماذا يمكن أن يدفع مقابل ذلك وأنه سيكون سافطا(راضيا بالتخلي) بالذي دفعه، وأنه بالتالي قادر على دفع ثمن ما يريد، فمن الصعب عليه أن يحقق أي شيء.
قد يكون العجز عن تحقيق التبادل هو أن لا يملك الشاري الثمن، ولكنه قد يملكه ولا يكون راضيا إذا هو دفعه وفي الحالتين هو غير قادر على دفعه.
إن الدخول في عمليات التبادل أو البيع والشراء بدون وضوح كبير مكلف، فقد تبدأ بالعملية ثم لا ترغب في إتمامها وهنا فانك عادة لا تكون قادر على استعادة ما أنفقت، وتخسر خسارتين، لا تحصل على ما تريد لأنك لم تدفع كامل الثمن، ويضيع الجزء الذي دفعته من الثمن غالبا. وهذه خسارة مضاعفة.
وقد تتم العملية وبنفس الوقت تشعر أن ما دفعته أكثر قيمة عندك من الشيء الذي حصلت عليه وبالتالي أنت خاسر.
لذلك لا يتوقف النجاح في هذه الحياة ولا السعادة فيها على الكم المنجز من العمليات بقدر ما يتوقف على مقدار الربح الصافي وهو الفرق بين الربح و الخسارة.
من ملاحظتي أن أكثر الناس معاناة في هذه الحياة ليسوا هم الذين لا يعملون بل هم الذين يعملون بشكل خاطئ.
فالذي لا يعمل لا يدخل في عمليات تبادل أصلا وهو على الأقل يحافظ على وضعه الأساسي، حتى لو لم يحقق أي ربح، هو على الأقل لم يبذل أي جهد ليتوقع الحصول على ربح.
أما الذي يدخل عمليات تبادل محصلتها رابح فيحصل على هذا الربح مقابل عناؤه.
لكن من يدخل عمليات تبادل خاسرة يبذل جهده مقابل مزيد من الخسارة.
نستطيع أن نعزو الجزء الأكبر من هذه العملية مضاعفة الخسارة،ليس إلى العجز عن العمل ولا إلى العجز عن الحصول على الأشياء مقابل العمل المبذول، بل إلى العجز عن دفع الثمن.
وهذا يحصل بطريقتين:
طريقة كمية كما أسلفت فعندما تبدأ بالدفع من أجل الحصول على شيء فأنت مطالب بدفع الثمن كاملا مع ما قد يستجد من زيادات هنا وهناك ربما لم تحسبها، وعجزك عن إتمام العملية حتى النهاية يعني خسارة مضاعفة كما أسلفت.
وطريقة معنوية وهي قد تكون الأهم في مثل هذا النوع من الخسارات، وهي أنك بعد أن تعقد الصفقة وتبذل في سبيلها قيمة ما، من جهد أو وقت أو مال أو غيره، ثم تحصل على ما اشتريته؛ تشعر أن ما تدفعه أهم عندك من الذي تحصل أو تتوقع الحصول عليه.
إن المعضلة الأخيرة غاية في الأهمية وهي السبب المباشر لكم كبير من الخسائر المادية والمعنوية.
الفرد الذي يتم عمليات التبادل الناجحة(وكل الحياة عمليات تبادل)يعمل غالبا باتجاه واحد وليس باتجاهين فهو عندما يعقد صفقة ما، ينسى ما دفع ويفكر بالذي حصل عليه على أنه الشيء الوحيد الذي هو له، وأن الثمن لم يعد ملكه أصلا وبالتالي هو عادة لا يتردد لا ماديا [أن يحاول التراجع عن الصفقة والتراجع عن صفقة ناجزة يرافقه على الأغلب خسارة]،ولا نفسيا بأن يشعر بالغبن وعدم الرضا لأنه اشترى الأدنى بالأعلى.
هذا الشخص بالطبع يعقد صفقات غير موفقة ولكنه يتقبلها، ينهيها، وفي صفقة قادمة يسعى للحصول على وضع أفضل وبالتالي فان أسوء ما يمكن أن يواجهه هو الخسارة لا الخسارة المضاعفة.
بينما الشخص الآخر يحاول أن يفض الصفقة بعد أن عقدها وهذه خسارة مضاعفة كما أسلفت، أو هو يتم الصفقة وهو غير راض عنها وبالتالي إذا لم تكن سعيدا بما حصلت عليه فالحل هو استبداله(بيعه مقابل ثمن أو شيء آخر) ولكن كيف يمكنك أن تسوق لبضاعة أنت غير راض عنها في الأصل، إذا لا بد من خسارة مضاعفة أيضا.

عمليات التبادل التي هي الحياة في غالبها(دائما هناك استثناءات) تشبه رحلة يوم في البحر في الزمن القديم، فماذا يعني هذا؟
لنتصور أننا نعيش على جزيرتين يتم التعامل بينهما والمسافة من إحداهما إلى الأخرى تستغرق حوالي 12 ساعة أي نهار بطوله، ولما كنا في الزمن القديم البدائي فليس هناك بوصلة ولا منارة ولا أي شيء.
ينطلق المسافر صباحا بعد أن يكون قد أمضى ساعات الفجر يجهز قاربه وحمولته،وإذا غير رأيه في الساعة الأولى من انطلاقه يكون قد خسر ما كان يتوقعه من ربح نتيجة الجولة، مع ما أنفقه وسينفقه من جهد ووقت ومال حتى يعود إلى نقطة انطلاقه(ليس الشاطئ الذي انطلق منه، بل حتى يفرغ الحمولة التي لم يكن هناك من حاجة لتحميلها ويعكس كل عمل قام به، فقد يكون القارب موضوعا في مكان بعيد قليلا عن الماء لحمايته، فعليه أن يعيده إلى هناك)وهذه خسارة مضاعفة و لكنها في الحد الأدنى.
إذا أبحر المسافر حتى الظهر ثم بدا له أن يعود فربما يتأخر في الوصول حتى الظلام و لكنه على كل حال يشاهد الشاطئ قبل الظلام و بمشقة يتدبر طريقه إليه، ناهيك عن عناء التفريغ في الليل البارد المظلم.
إذا أبحر المسافر حتى العصر ثم غير رأيه فالاحتمال كبير في أن يضل طريقه ولا يصل أبدا إلى أي من النقطتين.
الشخص الذي يوصف بأنه موفق عادة يتابع سيره إذا انطلق(عادة وليس دائما).
هناك عاملين فارقين بين الشخصين هما:
الصبر و التقبل، فمن لا يتقبل الأشياء لا يمكنه الصبر عليها، فعندما تعتقد أنك يجب أن تحصل على علامة 60 يمكنك الصبر والتعايش مع و ضع تمنح فيه علامة 50أو55 أما إذا كنت تظن أنك يجب أن تحصل على علامة 95 فأنت لا تتعايش مع ذلك الوضع، نفس الكلام ينطبق على كونك تحصل على 20 وأنت تتوقع 50 علامة.
يتم تعليم الناس(الأطفال)كلهم نفس المبادئ وتعليم الطفل العادي الطموح يجعله طموحا بينما تعليم الطفل الطموح، الطموح يجعله شديد الطمع.
يمكنك ما شئت استخدام مبادئ متناقضة لوصف الحياة وطرق النجاح فيها، وبنفس الوقت يمكنك أن تتأكد من صحتها جميعا.
الحكمة هي التروي أحيانا وهي التردد أحيانا، والشجاعة هي الإقدام أحيانا والتهور أحيان أخرى.
و ليس صحيحا بالمطلق أن الفضيلة هي وسط بين رذيلتين، هذا يصح كثيرا و لكن كثيرا ما يكون أحد الطرفين هو الفضيلة، الإقدام هو الفضيلة الوحيدة بعد أن التحم الوغى، والشح هو الفضيلة الوحيدة إذا احتجت لأكثر مما هو متوفر لديك.
الحكمة ليست في الوسط وإلا لسهل أمرها، بل الحكمة هي أن تعرف أين الحكمة.
بالنسبة للذين يكثرون من الخسائر المضاعفة الشيء الأهم بالنسبة لهم هو تعلم التضحية والقبول، فما بذلته مات ويجب أن تنساه، وما قبلته(اشتريته) هو حظك و يجب أن ترغب به.
في دورة ثانية تستطيع أن تصلح الخلل الذي أصابك في سابقتها، ولكن بشرط أن تعمل كما سبق، فإذا تعلقت بالثمن الذي دفعت فأنت غالبا تلغي الصفقة، وإذا لم تستطع إلغائها ولم يعجبك الذي حصلت عليه، فلن تكون مسرورا لاحتفاظك به، وان أردت مبادلته كنت أعجز الناس عن تسويق بضاعة تعتقد أنها سيئة، وبالتالي فأنت تجد نفسك تبيعه بثمن بخس.
لطالما ظننت أنني لا أجيد الشراء،وإذا بي لا أجيد البيع، هذا ما قاله لي رجل مرسته الحياة يوصف بأن حظه عاثر، رغم أنه يشهد له بالكفاءة .
إذا لم يكن عندك شيء لا تحبه أو دعنا نقول لا تريده، أو على الأقل يسهل عليك التخلي عنه! فكيف تتوقع أن تبيع وتشتري؟
أن تحصل على كل شيء؟ هذا غير ممكن.
من لم يتقن فن الدفع لا يقدر أن يتعلم القبض.
من لا يجيد العطاء فلن يحسن الأخذ، من أجل أنفسنا و في سبيل سعادتنا و ليس من أجل الآخرين يجب أن نتعود العطاء.
كيف يشعر بلذة الحياة من لم يتعلم لذة العطاء، والحياة إنما هي أخذ و عطاء، بل العطاء فيها أكثر؛ فلن تأخذ حتى تعطي وتعطي وتعطي.
فإذ شعرت بالغبن كلما أعطيت، لا محالة أنك تشعر بالتعاسة حتى متى تأخذ، ألا يجب أن أأخذ أكثر؟!
أن تعتاد شيئا، يحتاج لأن تتعلمه و تتقبله و تعمله،وكل واحدة تحتاج الكثير من الجهد، والمنطلق الرضا، فالراضي يمكنه تعود العطاء ولا يقدر الساخط على ذلك، وهذا ما يعبر عنه علم الإدارة الحديث بالموقف الايجابي(الرضا)والموقف السلبي(السخط).
في عصر المعلومات يُعتبر الاستثمار في التعليم أفضل استثمار،وبما يتفق معه هذه المقولة فقد علمني نصف قرن من مكابدة الحياة أن أفضل ما تستثمر فيه هو تعلم العطاء.(ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
دائما أقول لنفسي يجب أن أتذكر أن التسامح وتقبل الآخر، هو عطاء بل هو جوهر العطاء؛ فإذا كنت أظن نفسي(أو معتقدي) كاملا وأعتقد أن الآخرين لا يمكن أن يكونوا على صواب فهذا يعني دون شك أنني الأفضل. كل محاولة لإخفاء هذه النتيجة بنوع من التواضع الخداع الموارب هو كذب فاضح. وفي هذه الحالة كيف يكون من الممكن لي أن أعطي السيئ وهو بعطائي له يزداد قوة أي يزداد سوءا. لا يمكن أن يجتمع العطاء واحتقار الآخر معا أبدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة