الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمناسبة عيد المرأة العالمي ، الصابئة المندائيون والعنف ضد المرأة

فائز الحيدر

2009 / 3 / 6
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


يعيش الأنسان اليوم ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين عصر التكنولوجيا والعولمة ، وقد حققت الحضارة الأنسانية تقدما" هائلا" في المجالات العلمية والأقتصادية والأجتماعية والحياتية ، ومع كل هذه التطورات الهائلة لم يتوصل الأنسان الى العيش بسلام ومحبة ووئام مع الآخرين فهناك الكثير من مظاهر العنف والتخلف الأجتماعي والجهل وقلة الوعي الثقافي من سمات القرون الغابرة لا زالت مترسخة في النفس البشرية لغاية اليوم ، ومن أهم هذه الظواهر هي ظاهرة العنف ضد الفئات الضعيفة في المجتمع وخاصة المرأة .

يعتبر العنف ضدّ المرأة ظاهرة مزمنة في المجتمع البشري ومنتشرة منذ قرون عديدة في كل المجتمعات والدول المتطورة والدول النامية ، ويعتبر اخطر مظاهر انتهاكات حقوق الإنسان والأتفاقيات الدولية التي تخص المرأة . وتشير الدراسات الأجتماعية وتقارير الأمم المتحدة بأن العنف ضد المرأة هو الخطر الأكبر الذي يهدد حياة أغلبية النساء في العالم . ونتيجة لضخامة هذها الخطر الذي يواجه المجتمع البشري اعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم ( 54/134 المؤرخ 17 كانون الأول / ديسمبر1999 ) واعتبار يوم 25 تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة ، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم أنشطة في ذلك اليوم تهدف إلى زيادة الوعي العام لتلك المشكلة .

أختلف علماء الأجتماع والباحثين في كيفية نشوء العنف ضد المرأة فقسم من الباحثين يرجعه الى عوامل غريزية لدى الأنسان منذ القدم حيث التسلط والبقاء للأقوى وفق شريعة الغاب بحكم التركيب الفسيولوجي لجسمي الرجل والمرأة ، و يعتقد البعض الآخر الى ان العنف ناتج عن التربية العنيفة التي ينشأ عليها الطفل والتي تولد لديه طبيعة العنف ويصبح ذو شخصية ضعيفة يستقوي على الأضعف منه وهي المرأة ، في حين يعزوها البعض الى التفسيرات الدينية المتخلفة أوالثقافة العشائرية والقبلية المسيطرة على المجتمع والمبنية على مجموعة من الذرائع والأسباب تحاول أن تثبت أن المرأة إنسان ناقص بالولادة ( ناقصة عقل ودين ) ، دماغها أصغر من دماغ الرجل ، عاطفية ، طائشة وغيورة ..... وغيرها .

وبناء على ما سبق فهناك اكثر من تعريف يخص العنف ضد المرأة وحسب ما يعتقد كل باحث ... ولكن يمكن ان نختار اهم التعاريف التي يتفق عليها معظم علماء الأجتماع والباحثين وهو :
(( هو أي عمل عنيف عدائي أو مؤذ أو مهين تدفع إليه عصبية الجنس يرتكب بأي وسيلة كانت بحق أية امرأة لكونها امرأة ويسبب لها أذى نفسي أو بدني أو جنسي أو معاناة بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة ))

المرأة العراقية والعنف

لقد عانت المرأة العراقية من الاضطهاد والعنف ومآسي الحروب ، ولم تكن بعيدة عن ساحات النضال الوطني فقد دخلت السجون والمعتقلات وتعرضت للملاحقات والتعذيب والموت من أجل الدفاع عن حقوقها المشروعة التي غيبتْها الحكومات المتعاقبة ، كما وشاركت في الانتفاضات الوطنية والمظاهرات وحمل السلاح في كردستان العراق وفي العمل السري ولمعت اسماء العديد من الشهيدات حيث اصبحن رمزاً من رموز العراق الوطنية وستبقى على مر الاجيال باقية في الذاكرة العراقية . ومع كل هذا الدور النضالي للمرأة العراقية فلا زالت تتعرض للعنف في حياتها اليومية سواء في البيت او الشارع او المدرسة او في مجال العمل حيث تغتصب حقوقها من قبل غالبية المحيطين بها ان قضية المرأة وحقوقها ووقف العنف ضدها هي من حقوق الشعب وقضيته في الحرية والديمقراطية ولا يمكن الفصل بينهما .

المرأة المندائية والعنف

لقد عاش المندائيون منذ مئات السنين قرب الأنهار في مدن وقصبات جنوب العراق ذات الأغالبية المسلمة حسب ما تتطلبه طقوسهم الدينية وبسبب الأحتكاك المباشر مع محيطهم الأسلامي وصعوبة الحياة وتعرضهم للأضطهاد الديني والأجتماعي وضعف التعليم أخـذ البعض منهم مع الأسف الكثير من التقاليد الأسلامية والعادات العشائرية المتخلفة والبعيدة كل البعد عن الديانة المندائية وتعاليمها واخذ البعض بتطبيقها عمليا" ومنها النظرة الدونية المتخلفة للمرأة ومعاملتها في الحياة اليومية واجبار البنات على لبس الحجاب ومنعهن من الذهاب الى المدارس أو مواصلة العمل وبقي هذه السلوك مع الأسف متوارث حتى بعد انتقالهم الى دول اخرى .
وهنا يأتي السؤال هل الديانة المندائية تحث على العنف ضد المرأة ....؟ لنرى ما تقوله كتبهم المقدسة بخصوص المرأة ......

المرأة في الديانة المندائية

لقد اعطت الديانة المندائية الكثير من الحقوق للمرأة تفوق ما اعطته الديانات الأخرى لها ، وتحث على نبذ العنف وبأي شكل وتؤكد على الأحترام المتبادل بين افراد العائلة ، ويعتبر الزواج في الشريعة المندائية من أكثر الأمور أحتراما" وقدسية . وعادة ما تأخذ اجراءات طقوس الزواج ساعات طويلة من النهار ، وقد نص الكتاب المقدس للمندائيين ( الكنزا ربا ) على أحترام المرأة والرابطة الزوجية المتكافئة وحرص على ديمومتها والألتزام بها .. وان الأخلال بهذا التكافئ سيؤدي بالتالي الى المشاكل اليومية التي عادة ما تنتهي بالعنف .

ومن وصايا الكتاب المقدس ... ( يا رجال ويا نساء إن نويتم الزواج أظهروا المحبة الصادقة وأختاروا وأشبكوا ، فاذا كتب لكم ذلك وملأ الحب قلوبكم تزوجوا ، ولكن أذا لم تختاروا وتزوجتم فليتحمل أحدكم الأخر كالمريض على فراش المرض ، فأذا عملت أعمالا" كريهة غير مألوفة لنفسها أبتعدوا عنها ولا تمنحونها الثقة لأنها تشبه المرض العضال الذي لا شفاء منه ) .

ويقال للعريس عندما يتصافح مع عروسه في أثناء مراسيم الزواج .... (( حلفت بالحي العظيم وملائكته الأطهار ألا تنقض وعدك ولا تنكث عهدك وتحافظ على قرينتك ، تعزها وتكرمها ، لا تأكل ولا تشرب بدونها ، كن عصاها التي تتوكأ عليها أيام المحن ، أبتعد عن الخمرة والسرقة والكذب لأنها تدمر حياتك الزوجية ، هذا ما أمرني به ربي وأنا آمرك أن تلتزم به . أما قَسم الزوجة أن تحافظ على زوجها في السراء والضراء والغيبة والحضور وفي ماله وعرضه )) .
وهنا نلاحظ إن الرباط الزوجي في الدين المندائي متين ومقدس ، فبواسطته تبقى روحا الزوجين مرتبطان في الدنيا والأخرة إلا في حالتين هما من أرتكب الزنا أو من خرج من الدين المندائي ففي كلا الخطيئتين يحذف إسمه من بيت الكمال وينقطع رباطه المقدس لأنه دنس هذا الرباط وخان الثقة التي منحت له وحنث بالقسم الذي قطعه على نفسه .

ورغم ما ذكر من وصايا حول الزواج وقدسيته بالنسبة للمندائيين ولكون الى ان الدين المندائي دينـا" سمحا" لا يـؤمن بالعنف والأضطهاد والأكراه وخاصة في الزواج نلاحظ إن العنف ضد المرأة في المجتمع المندائي لا زال موجودا" ويمارس مع الأسف حتى من قبل البعض من المندائيين فقرائهم وأغنيائهم ، المثقفين وغير المثقفين وهناك أمثلة لا تحصى على هذه الممارسات اللاأنسانية ضد المرأة التي تتخذ أشكال مختلفة ...... ترى ما هي الأسباب التي تشجع على العنف ضد المرأة والديانة المندائية كما أسلفنا تحترم المرأة وحقوقها وتقدس الزواج وتنبذ العنف .

يصنف علماء الأجتماع العنف الى عدة انواع ولكننا نتطرق الى أهمها :

ـ العنف المعنوي :

ويعتبر من أخطر أنواع العنف ، لكونه غير ملموس مثل ( السب والشتم ) والكلام الجارح او استخدام الاطفال كوسيلة للعنف ضد المرأة وذلك اما بضربهم أو إهانتهم وسبّهم أمام أعين المرأة قصد تعذيبها نفسياً. ولا يترك هذا النوع من العنف أي أثر له واضح على الجسم وهو شائع في جميع المجتمعات ومنها المجتمع المندائي فهناك الكثير من النساء المندائيات يتعرضن لهذا النوع من العنف يوميا" .

ـ العنف الجسدي

ويقصد به الإيذاء البدني والجنسي مثل الضرب والتحرش الجنسي والخطف والاغتصاب وإحداث العاهات الدائمة والحرق والقتل غسلا" للعار . ويكون هذا العنف واضحا" ويترك آثارا" بادية للعيان وتستخدم فيه وسائل مختلفة. وهذا النوع من العنف لا زال شائع في المجتمع المندائي أيضا" حيث تتعرض الكثير من النساء المندائيات الى الضرب والأهانة سواء من الأب أو الزوج أو الأخ أو من قبل اهل الزوج وامام زوجها الذي لا يحرك ساكنا" ويرى انها مسألة طبيعية يتطلبها العرف العشائري . ومع الأسف ان الكثير منهن يتحملن هذا التعدي تهربا" وخوفا" من الطلاق في مجتمع يدينها وحكومة ذات تفكير جاهلي وقوانين لا تنصفها وطائفة دينية مضطهدة ليس لها حقوق . ويمكن القول ان هناك المئات من النساء المندائيات في داخل الوطن وفي بلدان المهجر ضحايا لهذا النوع من العنف الذي ترك آثارا" واضحة على جسم المرأة المندائية وأصيب قسم منهن بعاهات مستديمة مثل الأصابات بالكسور والحالات الصحية ذات والعقلية الآلام المزمنة يدفعن ثمنها لحد الأن في بلدان المهجر .

ويؤكد بعض علماء الأجتماع ان المرأة نفسها تعتبر أحيانا" أحد العوامل الرئيسية لبعض أنواع العنف والاضطهاد، وذلك لقبولها له واعتبار التسامح والخضوع أو السكوت عليه كرد فعل لذلك ، مما يجعل الآخر يأخذ في التمادي أكثر ، وقد تتجلى هذه الحالة أكثر عند فقدان المرأة لمن يقوم بحمايتها .

اسباب العنف ضد المرأة

يجب ان لا ننسى ان العنف ضد المرأة لا يرتبط بعامل اجتماعي وحيد، بل يرتبط بشبكة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ، تتشابك فيما بينها لتولد الأسباب المؤدية للعنف ضد النساء ، ويبين الباحثين إن الاختلاف في المستوى الثقافي بين الزوجين يعتبر عامل اساسي في العنف خاصة إذا كانت الزوجة هي الأعلى مستوى ثقافيا" قد يولد نوعا" من التوتر لدى الزوج في محاولة لسد هذا النقص في اي مناسبة سانحة له . كما ان العادات والتقاليد البالية المتجذرة في ثقافات الكثيرين والتي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية المتخلفة لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي ذلك إلى تصغير الأنثى ودورها وتكبير الذكر ودوره في المجتمع . حيث يعطى الحق دائما" للمجتمع الذكوري للهيمنة والسلطة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه لكونها أنثى .
كما ان ثقل الأزمات الاقتصادية الخانقة وتداعيات الحروب وما تخلفه من ثقافة للعنف وشيوع للقتل وتجاوز لحقوق الإنسان ، وبما تفرزه من نتائج مدمرة للاقتصاد والأمن والتماسك والسلام الاجتماعي ومن عنف عام بسبب التضخم والفقر والبطالة والحاجة تسبب ضغوطا" كبيرة تؤثر على المستوى المعاشي للأسرة ويصعب بذلك الحصول على لقمة العيش مما يؤدي الى ان يصب الرجل غضبه على المرأة مستعملا" العنف ، ومن الطرف الآخر تتقبّل المرأة هذا العنف لأنها لا تتمكن من إعالة نفسها أو إعالة أولادها . وهذا العنف اصبح ما يشبه لعادات وتقاليد موروثة تتوجه نحو التفكك الأسري ومن ثم الى الطلاق المحرم أصلا" في الديانة المندائية . وتشير سجلات المحكمة الشرعية المندائية التي تأسست في يوم 11 / 11 1996 ان المحكمة نظرت خلال سنتين فقط من تأسيسها بما مجموعه 150 حالة غالبيتها تشهد على ممارسة العنف ضد المرأة ومن هذه الحلات التالية : ( حضانة أطفال 6 قضايا ، التفريق بين الزوجين 50 قضية ، المخالعة بين الطرفين 13 قضية ، حالات الطلاق 24 قضية ، نفقة أطفال 33 قضية ، مشاهدة اطفال 6 قضايا ، المطاوعة 3 قضايا ، الزواج 8 قضايا ، اسقاط حضانة 6 قضايا ) ومع الأسف ليس لدينا أحصائيات عن عدد الحالات التي نظرت بها المحكمة الشرعية المندائية بعد عام 1996 ونعتقد انها زادت في السنوات الأخيرة بحكم الظروف الصعبة التي مر بها الوطن .

اما بعد سقوط الصنم وازدياد العنف ضد العراقيين كافة وتجسد بشكل أكبر ضد الأقليات الدينية ومنهم المندائيين فعمليات القتل والخطف ولبس الحجاب والتحول للدين الأسلامي وغيرها دفعت الألاف من العوائل المندائية الى الهرب لدول الجوار ينتظرون عطف دول اللجوء في ظروف أقتصادية يرثى لها مشكلة ضغوط نفسية هائلة توسعت تدريجيا" لتصبح عنف منظم ضد النساء المندائيات من قبل أزواجهن بشكل خاص أو احد افراد العائلة وهناك امثلة عديدة مسجلة بخصوص اختراقات حقوق المرأة المندائية الأنسانية وممارسة العنف ضدها للأسباب السابقة .

أما في بلدان اللجوء حيث المجتمع الجديد فبرغم الضغوط النفسية الناتجة عن الحياة المعقدة والبطالة فالعنف ضد المرأة بين المندائيين عادة ما يكون أقل حدة بحكم الوضع الأقتصادي المستقر نوعا" ، ولكن هناط عوامل أخرى قد تسبب العنف وعادة ما تكون نتيجة الأختلاف بتربية الأبناء في المجتمعات الجديدة المنفتحة على الجنس والتدخين والمخدرات والزواج من الأديان الأخرى وتناول المشروبات ومخالفتها للتقاليد المندائية والعلاقات الأجتماعية ، وفي هذه الحالة يكون الأطفال المندائيين وحدهم هم الخاسرين في عملية الهدم العائلي المبني على أساس العنف ضد المرأة والذي عادة ما يحول سعادتهم وآمالهم في الحياة الى جحيم ويقضي على أحلامهم البسيطة في أن يعيشوا في كنف جو عائلي مستقر مثل بقية أقرانهم .

وبعد كل ماسبق تواجه المرأة المندائية في الوطن كبقية نساء العراق اليوم القهر والحرمان بعد أن غيبت عنها كثير من حقوقها في الدستور العراقي التي كانت تتمتع بها منذ عقود وسط سلطة الأحزاب الدينة المتخلفة المهيمنة على مقاليد السلطة ، ومع ذلك فهي لا زالت تواصل نضالها ومصرّة على نيل حقوقها ودحر الفكر الجاهلي المتسلط ، على المرأة إيصال صوتها إلى العالم بواسطة التثقيف بحقوقها الأنسانية وعدم التسامح والتهاون والسكوت في سلب هذه الحقوق ، ومعبر نشر ثقافة احترام وتقدير المرأة ونبذ العنف ضدها وهذا يتطلب مساهمة وسائل الأعلام المختلفة ومؤوسسات المجتمع المدني والمثقفين والباحثين والكتاب في ذلك .

فتحية للمرأة العراقية بيوم الثامن من آذار ، اليوم العالمي للمرأة

تحية اجلال واحترام لشهيدات الحركة النسوية

المصادر ......

ـ الطلاق والشريعة الصابئية المندائية ، صفحة 12 ، مجلة آفاق مندائية العدد التاسع / السنة الرابعة / كانون الثاني 1999


كندا
آذار / مارس / 2009










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. باحث في التاريخ القبطي: المسيحية ساوت بين الرجل والمرأة في ا


.. قصة ربيع أبو سنة.. تزوج 33 امرأة ولديه 35 ابنا و64 حفيدا




.. -فلسفة القائد أوجلان مفتاح الحل لكافة القضايا العالقة-


.. المعرض الدولي يسلط الضوء على واقع أدب الخيال العلمي وعلاقته




.. شذى الرعيني رسامة ومبدعة في الرسم