الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى الجلاد وما بحكمه

مصباح الحق

2009 / 3 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



في البدء كانت الكلمة، وبها بدأ الإنسان بالتعبير عن أفكاره التي تخدم تصوراته البدائية عن الكون والحياة وما بعد الموت. والكلمة إن اكتسبت طابعاً مقدساً تخيف الناس وترعبهم وتشل قدرتهم على إعمال العقل والفكر في فحواها ومغزاها وجدواها، وتفقد دلالتها اللغوية التي هي أساساً من اختراع البشر، خاصة إذا ما كانت الكلمة مدسوسة في كتاب أحكمت آياته وفرغت من إنسانيتها في دعوة مفتوحة للتقاتل والاقتتال.

وبشكل مشابه، إذا توجه النقد الفكري نحو الدين، قفل المؤمن أي خلية في دماغه واعتبر النقد كهجوم غوغائي همجي يستهدف التحقير وازدراء المقدس والمساس بالذات الإلهية (لا نعلم شكلها)، ويكتفي بإطلاق تلك الصفات على من تجرأ على التفكير دون العناء في التمعن بما جاء به من رأي مغاير. والناقد لا يختلق الأمور بل يستخرجها من أمهات الكتب والمراجع الدينية، بصرف النظر عما إذا كانت مفبركة أو منحولة أم لا، فما يهمه في المقام الأول هو استمرارية تداولها كأنها حقائق مطلقة لا غبار عليها. وأي سكوت على وهمية الأديان كما وصلت إلينا والابتعاد عن نقدها لا يخدم أي تنوير فكري يرتجى على الأمد البعيد تمهيداً لحياة خالية من زعاف الوهم الديني.

والحال كذلك، سأدلكم أيها الجلاد وعصابتك على تجارة توفر عليكم عناء التخريب الفردي، تغيرون على المواقع الدينية وما أكثرها، وتبيدونها عن بكرة أبيها، ولا تأخذكم بها رأفة أو رحمة (ولا حتى شحمة أو لحمة) نكالاً من عند الله، لما فيها من مصادر تسيء لدينكم الحنيف وتضعف جهودكم في مؤازرة هشاشته وعدم جدواه.

ما اقترفتموه حتى الآن من تخريب للبريد الإلكتروني لأي فكر حر ومواقع لبيرالية وعقلانية – بل حتى مواقع سنة وشيعة في حرب طائفية سجالية- لا يشكل مقدار ذرة مما أقترفه محمد (صملعم= صلى مردوخ ....) من أفعال مقرفة تذكرنا من باب السخرية بمصاب أم قرفة التي أمر الرسول الكريم (مع قشدة بالحليب) بفلقها إلى نصفين. وما ترسلونه من تهديد وترهيب لا يهز الفكر الحر والعارف بأن كلمته وصلت إلى هدفها- أنتم- من هذا التنوير حول الاستيلاب الديني، فها أنتم الآن تعبرون عن صدمتكم مما طفح على السطح من خبايا الكتب الصفراء التي طالما كانت حكراً على فقهاء المشايخ وجهابذة الفكر الإرهابي- المعاصر خاصةً- والذي أنتم نتاجه ونتائجه. ولكن هيهات أن تناولوا ما تصبون إليه من تستر على فضائح عاشت لقرون في شبه ظلام مع وجود الانترنيت الذي سهل للمرء الأمر وجعل نقد الدين ينتشر كالنار في الهشيم، ولن يعلو شيئاً على النقد من الآن فصاعداً.

رسولكم المحصن من الله لم يستطع تحمل نقد شاعرة حرة وكريمة وأصيلة، فأمر بقتلها ولما صار له ذلك قال عبارته المفعمة بالشهامة البدوية (لا ينتطح بها عنزان)! لم لا وعصماء بنت مروان قالت شعراً أصاب محمد بأذى بليغ وزعزع عرش الله الذي لا يقبل نقداً لأفعال أكرم البشر. إليك أيها الجلاد ما قالته هذه الشمطاء وكانت مكافأتها سيف "عمير بن عدي" ينفذ من ظهرها وهي ترضع صغيرها، تماماً كما نفذت وأصحابك إلى عناويننا الإلكترونية ومدوناتنا لتخريبها بينما نحاول إرضاع الجيل الجديد قليلاً من النقد في المقدسات:

فباست بني مالك والنبيت وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم أتاوي من غيركم فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس كما يرتجى مرق المنضج

http://sirah.al-islam.com/Display.asp?f=mga1182

ولكم بالطبع في رسولكم أسوة حسنة، وأعمالكم هذه ترجمة عصرية لما ذكر أعلاه، ولن تتوقفوا عن هذه الأفعال المخزية ما دمتم تتعايشون من تراثكم المثخن بالدم والفتن والبغض والإرهاب. وأنتم مفلسون تماماً وولائكم التعصبي الطائفي الدموي لا يفيدكم، بل يزيدكم غلواً في التصحر الوهابي الذي يبتعد عن أي سمة تسامح وتعايش مع الآخر، ومنهم المهرطق والكافر صاحب هذه السطور، لأنكم لا ترون الدنيا والأخرى (التشكيل لكم) سوى من حذاء محمد كما عبر عن ذلك فقيه لكم تداوى في بلاد الكفر لعدم اقتناعه بالطب النبوي!

إن أي نقد للديانات عموماً والإسلام خصيصاً لا يهدف جوهراً وأساساً لإشاعة الكراهية لابتعاده ضمنياً عن الطائفية والعرقية واهتمامه بالإنسان كغاية الحياة ومنتهاها- بدون مواخير وخمور سماوية أو شواء سرمدي- فلا تأخذوا نقدنا على محمل شخصي، بل في نطاق التفاعل الفكري؛ وبالتالي ردوا علينا بالحجة والسبب بدلاً من السباب والتخريب والقتل والإرهاب الذي وسم كل الأديان.

تحرير الفكر من الموروث الديني والمجتمع الأبوي السلطوي المصاب بالدرن والمدعوم ببترودلاور الدول الوهابية يستوجب- من باب التنوير الفكري- نقد كل شيء وإن كان على حساب مقدسات تشكلت بصيرورة تاريخية إلا أنها تتهاوى في كل يوم أمام تقدم العلوم والاكتشافات العلمية. وفي هذا الإيقاع السريع والكوني، لا يسعفكم شن حروب أو غارات إلكترونية تكاد أن تكون عشوائية ولا جدوى منها، ولا نسف أبراج أو نثر الانثراكس على مبدأ "عبد الله النفيسي" (بن لادن الجديد كما سماه شاكر النابلسي) حيث لن تفلتوا هذه المرة من رد الفعل المضاد الذي تتسببون بإفرازه، بل يتوجب عليكم إعادة التفكير في النصوص الدموية النابذة للآخر [أينما وجدت] ووضع شاهد عليها وقراءة الفاتحة أو صلاة جنائزية عليها- كل حسب رغبته- للتطلع إلى بناء عالم أكثر إنسانية وأمناً وديمومة.
-------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يسلم فمك وفكرك .
ياسمين يحيى ( 2009 / 3 / 7 - 21:04 )
أستاذ مصباح الحق لا أعرف كيف أعبر لك عن مدى أعجابي بفكرك ومقالاتك الرائعة . انا قرأت لك جميع ماكتبت وأستفدت جدآ من مقالاتك الجميلة والعميقة وأكثر مايعجبني في كتاباتك هو أنفعال الهادئ في نقدك للدين . انا ايضآ أبغض الدين جدآ ولا أعرف كيف كنت يوما ما مؤمئنة به والأدهى هو أيماني بالدين الوهابي السلفي الذي لايرى مني سوى جسدي . لما عرفت حقيقة الدين شعرت وكأني كنت تائهة ووجدت نفسي . وشعرت أيضآ بكرامتي وعزتي كأنثى عكس ماكنت اعتقد في السابق وقت أيماني بأنني مذنبة لأنني أنثى واني لا شي سوى خادمة للرجل . تبآ للأديان. شكرآ ألف شكر لك يا أستاذ مصباح الحق.


2 - أحسنتم يا سيدي
أمير ماركوس ( 2009 / 3 / 8 - 01:23 )
تحية متجددة نكرر توجيهها كلما فاجأنا كاتبنا بمقال جديد نحو مزيد من التنوير


3 - تقدير للقراء
مصباح الحق ( 2009 / 3 / 8 - 06:06 )
أشكركم جزيلاً وأقدر لكم تشجيعكم المعنوي، بعيداً عن التركة الموروثة في عقول صدئة، وتحية للقارئة الكريمة ياسمين يحي على متابعتها الحثيثة لمقالاتي وكذلك مقالات الكاتب الهام أحمد سردار وباقي الكتاب الأحرار الذين لا يتاونون أبداً عن نقد الوهم وانعكاساته في حياتنا المعاشة التي لا تمت للحياة بصلة، واعتبر ياسمين قدوة لباقي النساء للانعتاق من عبودية الدين ولها دور كبير ستقوم به من خلال التربية والتوعية وكافة الطرق الأخرى التي ساعدتها على قول ما يجول بخاطرها بجراءة ووضوح . لكم انتمائي


4 - شكرآ لك أستاذي مصباح الحق
ياسمين يحيى ( 2009 / 3 / 8 - 09:05 )
أشكرك ياأستاذي مصباح الحق على كلامك الجميل وتشجيعك لي . وأوعدك بأني سأعمل بكل أستطاعتي على توعية الآخرين وأظهار الحقيقة لهم رغم عدم رغبتهم برؤيتها وفهمها . فأنا دآئمآ أحاول أن أتكلم مغ أختي الكبيرة الدكتورة في بعض الأمور الدينية الظالمة والغير منطقية لأبين لها أن هذا ظلم ولا يمكن أن يأتي من اله مالك لهذا الكون ولاكنها لاترغب حتى مجرد الحديث وتقول لا أناقش في أحكام الله ولا أعترض عليها . أذن المشكلة هي ليست عدم الفهم بل عدم الرغبة بالفهم فأختي هذه شغوفة بالعلم والتحصيل العلمي وهي تترقى دائمآ بمهنتها وانا لا أملك الا الثانوية العامة ورغم ذالك هي لاتفهم هذه الخدعة وانا عرفتها وفهمتها والفرق بيننا هو أنها لاتريد أن تفهم ومقتنعة جدآ بقول شيوخها السلفيين بأن العقل قاصر وأيضآ المرأة قاصرة ولا أحد كامل غيرهم . أما انا فمنذ كنت طفلة بفطرتي السليمة قبل أن تلوث بأفكار السلفيين كنت أنتقد بيني وبين نفسي طقوس الصلاة المضحكة وتعدد الزوجات والحجاب ولاكنها كانت مجرد أنتقادات بلا أستيعاب وفهم وكنت أخاف جدآ من أن يعرف الله بما يجول في داخلي لأن هذه أوامره كما كنت أسمع . أما الآن فليسمع الله وجميع البشر كل أنتقاداتي له وللدين بلا خوف من نار أو سراط مستقيم أمشي عليه بيوم القيامة فهذا السراط كان يرعبني


5 - أحسنت
جهاد نصره ( 2009 / 3 / 8 - 09:29 )
أحسنت يا قوال الحق


6 - معاً نحو عالم أفضل
مصباح الحق ( 2009 / 3 / 8 - 12:26 )
أشكركم جميعاً مرة أخرى ووفقت يا زميلة ياسمين في تحليل المشاكل من نوع أختك التي تتطلب صبراً في الإقناع المنطقي ومثابرة في الكشف عن أوهام وخرفات الميتافيزيقيا.
وأقدر الإطلالة البهية والجليلة للأستاذ جهاد نصره ونشكره على مؤازرته الطيبة الأثر..


7 - مصباح وإرث
جحا القبطي ( 2009 / 3 / 8 - 15:58 )
مصباح للحق في مواجهة إرث الحقد

اخر الافلام

.. من يدمر كنائس المسيحيين في السودان ويعتدي عليهم؟ | الأخبار


.. عظة الأحد - القس تواضروس بديع: رسالة لأولادنا وبناتنا قرب من




.. 114-Al-Baqarah


.. 120-Al-Baqarah




.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم