الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التأهيل النفسي والاجتماعي والدولة المدنية العراقية العصرية

حسن الشرع

2009 / 3 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمر الشعوب والجماعات البشرية بظروف قاسية كالكوارث والحروب والأوبئة ،ولعل الشعب العراقي هو احد هذه الشعوب التي كثيرا ما قاست من تأثير هذه الظروف إن لم يكن الأكثر تعرضا لها على مدى تاريخه البعيد، ومن الصعب القول بان هذا الشعب كان يتجاوز تأثيراتها دون أن تترك عليه ما طبعته بصفات أصبحت مميزة لطبيعته ،فقد أشار المهتمون بان تقلب المزاج وخلع بيعة الحاكم والحزن هي من بين ابرز نتائج تك الظروف..وسواء كنا نتفق مع هذا الرأي أو لا فلا بد إننا جميعا نرى بان من الضروري جدا أن نعالج الآثار التي أفرزتها الظروف التي مر بها العراق وشعبه خلال نصف القرن الماضي في ضوء المعرفة العلمية التي يتوافر عليها العلماء في جميع أنحاء الأرض ومنها علماؤنا في العراق كونهم الأكثر تفهما للطبيعة البشرية العراقية من جهة فضلا عن معايشتهم ومعاناتهم لتلكم الظروف من جهة أخرى.
لقد آن الأوان أن يسدى علمانا ومثقفونا النصح السيد والرأي الرشيد لحكومة بلدهم ن كما أن من واجب هذه الحكومة الاستماع والعمل حيثما أمكن .
إن التأهيل النفسي والاجتماعي لا يقل أهمية عن تأهيل البنى التحتية المادية في البلاد وهذه وظيفة أجهزة الدولة الثقافية والعلمية والمنظمات والأحزاب وأجهزة الإعلام وهى كثيرة ومتعددة وبإمكانها عمل الكثير في هذا الشأن.قد تستغرق العملية وقتا طويلا نلكن يجب أن تبدأ لعملية منذ الآن.
لقد تعاملت السلطات في المراحل السابقة بأشكال شتى مشاكل الشعب العراقي الاجتماعية والنفسية والمادية بناء على ايديولجياتها وفهما لطبيعة الشعب وتلك الظروف الأمر الذي مكنها من حسم الصراع على حساب الأمة ومصالحها الوطنية والحياتية ولفترات متباينة ..وما المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد بأهلها وقادتها إلا فرصة أخرى قد تؤسس فهما جديدا لطبيعة وسلوكيات المجتمع العراقي المتنوع اثنيا وعقائديا .
ويمكن التأسيس على ظاهرة الشعائر الحسينية كإحدى المظاهر الدينية ذات الامتدادات الاجتماعية .لقد ورد ذكر هذه الشعائر في الدستور العراقي وتجري ممارستها في الوقت الحاضر بكل حرية وغالبا ما يكون تدخل السلطات في هذا الشأن امرأ تنظيميا أو امنيا ولا تخفي السلطات مباركة هذه المواسم ،في حين تكون للناس وجهات نظر متباينة إزاء هذه المواسم والزيارات تتراوح بين التأييد والمباركة والإسناد وبين التدخل بالقوة المسلحة لمنعها كما تفعل تنظيمات القاعدة ومؤيدها أو الإنكار أو السكوت على ابسط تقدير...إن هذه المواقف بكل تجاذباتها ماهي إلا مظهر من مظاهر الصراع السياسي على السلطة في العراق التي أخذت وتاخد أنماطا متباينة من الظهور ،ويمتد التباين في المواقف إلى القادة الروحانيين فمثلا لا تتحمس بعض المرجعيات الدينية في العادة في إظهار مواقفها في هذا الشأن حتى وان كان يبتنى على أسس شرعية تتبناها خشية السقوط في معتركات العمل السياسي وغرفه الزرقاء ،على الرغم من أنها مشاركة فيه من النواحي العملية حتى وان لم يكن ذلك رغبة منها ،في الوقت الذي يعلن البعض الآخر تأييدها الشديد أو رفضها الأكيد لتلك الشعائر.
لقد مرت القوى الأمنية الغضة التكوين بابتلاءات كثيرة لم تكن أولها ذكرى عاشورا ولم يكن آخرها الزيارة المليونية الأخيرة لسامراء ،فمن المعروف إن شيعة العراق هم شيعة امامية في معظمهم وهذا يعنى إنهم يؤمنون بعصمة أئمتهم الاثنا عشر(ع) فضلا عن الرسول(ص)وابنته الزهراء(ع).إذا استثنينا الإمام المهدي الذي يرى الشيعة غيبته فان الأمر يقتضى وجود سبع وعشرين مناسبة تستدعي الحشد والإحياء في اقل تقدير وإذا ما أضيفت لها مناسبات أخرى لا تقل أهمية مثل بيعة الغدير والإسراء والمعراج وغيرها فان القوات الأمنية ستضل في حالة إنذار دائم حتى يخرج المهدي فيملا الدنيا قسطا وعدلا وينصف هؤلاء المساكين الباحثين عن لقمة العيش من خلال تطوعهم وانضمامهم للقوات المسلحة!
من الناحية الأخرى فان الناس سيستنزفون جسميا وعاطفيا إذا استمرت وتيرة الفعل كما ذكرنا ،فالناس كانوا قد خرجوا من ظروف صعبة تضمنت حروبا كثيرة استمرت لعشرات السنين وحارا قاسيا عرضهم للجوع والمرض ثم وصلوا إلى مرحلة الاحتراب والشديد والجذب الداخلي كل ذك يجري في ظل غاب الخدمات الأساسية من مياه صالح لشرب أو غير صالحة للشرب أو انقطاع الكهرباء لمعظم ساعات اليوم فضلا عن قصور شديد في الخدمات الطبية ولتعليمية وتفشي ظاهرة البطالة .إذن فليس القوات المسلحة لوحدها بحاجة إلى تأهيل نفسي وجسمي واجتماعي بل إن المجتمع العراقي بأسره بحاجة إلى هذا النوع من التأهيل.
يدرك العقلاء إن ليس من وظائف الدين سد الحاجات المادية للإنسان ،بل على العكس فلطالما استغلت القضية الدينية لتمرير رؤى معينة من قبل القائمين بالأمر فيما مضى فرجال الكنيسة في أوروبا عملوا بجهد في الضد من مصالح الناس المادية ،وقد مارس الكثير من الشيوخ الإسلاميين نفس الدور وخلال فترات عديدة ،نعم ربما كان للدين تأثيرا ايجابيا في التزام قيم الفضيلة والحق والصبر إلا إن الوعد بالجنة لم يكن ليسقط حسابات الفرد في حياة كريمة تحت طائلة الوعود بالفوز الأخروي..يقول النص القرآني في سورة القصص(وابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك).
إذن يتعين على الحكومة إن تعمل كل ما في وسعها من اجل وضع الخطط التي تستهدف تفكيك حالة التوتر النفسي والاجتماعي التي يعاني منه الفرد العراقي والمجتمع العراقي.إن ذلك لا بد إن يتم بالرجوع إلى أهل الدراية والمعرفة والتخصص من أساتذة الجامعات والأطباء النفسيين والباحثين الاجتماعيين.
تلعب الفنون والآداب والرياضة والسياحة و النوادي والجمعيات الثقافية والعلمية والاجتماعية والمهرجانات والعروض الفنية والمسرحية والسينمائية دورا كبيرا في التأهيل النفسي والاجتماعي ولا بد من إعداد البرامج والخطط وتخصيص الموارد اللازمة لها.
إن نجاح تجربة التأهيل هذه جنبا إلى جانب إعادة تأهيل البنى التحتية المدنية سيكون لها ابلغ الأثر في إعادة صياغة الفكر التحرري الديمقراطي الذي ينشده دعاة قيام الدولة المدنية للمرحلة اللاحقة ،وهي ضرورة ملحة لابد منها نتمنى جميعا النهوض بها رغم العوائق التي قد تواجها وبخلافها ستعمل الظروف السائدة حاليا عمل ماكنة تفريخ لدكتاتوريات دينية أو قومية أو مذهبية ،وعلى المثقفين العراقيين داخل البلاد وخارجها إن يطلقوا حملة التأهيل هذه إلى جانب مشروع الدولة المدنية العراقية العصرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟