الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرقة الأسئلة .. أو قراءة في المشهد الثقافي الكويتي

كريم الهزاع

2009 / 3 / 12
المجتمع المدني


في قراءة للانتخابات التي جرت في رابطة الأدباء أخيرا وجاءت بوجوه جديدة إلى جانب وجوه متمرسة في الفعل الثقافي، نقول إن كلمة «التفاؤل» شيء جميل للغاية. لكن المحزن في الأمر أن مجموع أصوات الانتخابات الكلية كانت 447 صوتا فقط، حتى إن الرقم لم يصل إلى ألف صوت. وكم تمنينا أن هذا العدد 447، هو عدد أصوات حصل عليها المرشح الأخير في الانتخابات مثلاً. لهذا كان تعليق البعض من خارج دائرة الأدباء بهذا الشكل «ياه 447 صوتا فقط هو مجموع أصوات الناخبين التي تفرقت على المرشحين للانتخابات ؟». وهذا يدعونا إلى التساؤل: ما السبب الذي يجعل عدد أعضاء الرابطة بهذا العدد القليل؟ ما المعوقات؟ ما العمل لكي يكون منتسبو الرابطة أكثر من هذا العدد المخجل حقاً؟
من هنا أقول يقع على مجلس إدارة الرابطة الجديد حل تلك الإشكالية، وللأمانة وأنا أكتب هذه المقالة تذكرت مقالة الصديق محمد النبهان المنشورة في «القبس» يوم الانتخابات، التي ذكر فيها انتخابات أيام زمان مع الانتخابات الحالية والوجوه التي مرت على مجالس الرابطة طوال الأعوام الماضية. إلى جانب ذلك لو توقفنا في حالة تأمل للمشهد الثقافي الكويتي، نراه يفتقد لروح التحاور عند البعض لدرجة وجود حالة جزر معزولة فيما بينهم وتحتاج إلى جسور. ولربما هذه الجسور هي إحدى العوامل التي تسهم في تفعيل المشهد الثقافي وتحل معضلة عدد المنتسبين إلى رابطة الأدباء أوالمنتسبين إلى ملتقى الثلاثاء أو ملتقى حوار أو مجموعة أوراق أو السهروردي أو التشكيلات الأخرى، وكل ذلك بحاجة إلى فعل مكاشفة. وكتبت ذات مرة أن فعل المكاشفة هو كتابة فوق الكتابة، والكتابة فوق الكتابة على حد قول رولان بارت، فن صعب للغاية. لذا هناك من يجوس النص و يغوص في معانيه، من يبحث عن درجاته أو تدرجاته التراكمية، إلى أن يصل إلى درجة الصفر صعوداً نحو فيوضات النص.
لهذا السبب يظل فعل المثاقفة (القراءة و الكتابة والمتابعة للمشهد السوسيولوجي والسسيوثقافي) صعب للغاية على من لم يكن مهووساً به لدرجة الجنون، لأن في داخل كل مجنون ما ينهشه من الداخل « دودة» كما قال الروائي من البيرو، ماريو فارغاس يوسا، وعلى من يمارس فعل المثاقفة، أن يقف ولو لمرة واحدة ضد نفسه، بعد مشروع طويل من النبش والحفر والتبئير، ليتخلص من هواجسه ولينصص ذاته بعد كل مرحلة، لربما يقف يوماً ما في المنتصف ما بين الإيديولوجيا – كل خطاب لا يخلو من أيديولوجيا حتى خطاب الأنا – وما بين الفن.
إن المبدع الحقيقي، أو المثقف المريض بهكذا هواجس، له في فعل الإزاحة والانزياح طاقة، ومن يؤمن بفعل الاشتباك والمشاكسة وتتلبسه روح التمرد، يشتغل عنده المتخيل، باحثاً عن إرهاصات جديدة، تحولات للفكرة منذ تاريخها الأول – الأسطورة – من هنا يظل يتتبع أحافيرها، أنساقها، وزعزعة الأساسات لقناعات تكاد تتحول إلى جدران أسمنتية، وإلا سيظل دائماً محكوماً بالأسلبة، مستلبا لسقف أو حفرة عميقة خائر القوى ، لا يستطيع أن يحمل صخرة سيزيف ولا حتى محاولة الخلاص.
ودائماً في كل مشهد ثقافي هناك حالات ثلاث، لأصناف ثلاثة من البشر: المثقفون، أنصاف المثقفين، أشباه المثقفين. وهناك بشر من الفئة الثانية والفئة الثالثة لا تكرمنا بسكوتها فقط، بل تطلب منا أن نصمت، وإذا قلنا لهم «لا»، أمطرونا في نصائحهم التي لا تسمن ولاتغني من جوع، ويحاول هذا البعض أن يستكثر علينا الحيادية في الطرح، ويستكثر علينا نبش هذا المشهد الثقافي من جديد، لأنه فقط لا يتوافق مع مسطرته ومصالحه الخاصة، ولأننا لم ندخل في
«الشلة»، التي يريدنا أن نكون من أعضائها، ويظل دائماً ساقطا في فخ «الوهم» بأننا نقف ضده، أو أننا نقف مع من يقف ضده.
وعن هذه الأوهام يقول علي حرب : « إنها أوهام تستوطن الذهن وتعرقل عمل الفكر ونشاط الفهم، الأول هو الوهم الثقافي ويرتبط بمفهوم النخبة، والثاني هو الوهم الأيديولوجي ويرتبط بمفهوم الحرية، والثالث هو الوهم الأناسي ويرتبط بمفهوم الهوية، والرابع هو الوهم الماورائي ويرتبط بمفهوم المطابقة، والخامس هو الوهم الحداثي ويرتبط بمفهوم التنوير». لذا نحن مشغولون بكل تلك الأوهام، ونحاول نبشها وتفكيكها، ولسنا وحدنا في ذلك، وسنظل نحاول قدر المستطاع إشراك الآخر معنا من خلال فعل طرح الأسئلة، وجمع الإجابات من كل الأطراف، لنخلق نوعا من الجدلية، التي تعطينا في نهاية الأمر نوعا من الحراك، وفي ذلك النوع من الطرح لا نتعامل بقلوبنا، بمعنى آخر ليس في دواخلنا ضد أي أحد شيء من أوهامه.
لكننا مازلنا مصابين بالدهشة تجاه ما يحدث من خلال قراءتنا لهذا المشهد، إذ نجد الشللية، ونجد سعي المثقف لنفي مثقف آخر. كما أن جمعيات النفع العام في حالة من الجزر المعزولة، إذ تغيب عنها حالة التناغم، وأيضاً حالة التفاعل مع ما يحدث في العالم، أو في البلاد من أحداث، وهذا يحدث أيضاً ما بين المثقفين حملة الأقلام والمبدعين بكل أطياف المشهد، والذي يصيبنا بحرقة أكثر عدم تجاوب البعض مع الهواجس التي تشغل هويته الثقافية أو الإبداعية، وكأنه غير معني بها تماماً. ولتلك الأسباب وغيرها تواجه الأفكار إشكالياتها، ما يسبب فيما بعد ضعفا في الديمقراطية وتراجعا في التنوير وتشظيا للحالة العقلانية. والمفكر أو المثقف الذي لايستطيع تغيير العالم أو محيطه، فكرياً، بتجديد أفكاره، أو بتغيير طريقته في التفكير، أو بابتداع ممارسة فكرية جديدة، لن يغير شيئاً، ذلك أن المفكر فاعل اجتماعي لكونه فاعلاً فكرياً قبل أي فعل آخر.
والمثقف والمبدع الحقيقي لا يكتفي بالفن فقط، إذ يجب أن تشغله قضية الحقوق والحريات، أو تهمّه سياسة الحقيقة، أو يلتزم بالدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية أو الكونية، بفكره وسجالاته وكتاباته ومواقفه ومشاركته في الإحداث والمحاور الجدلية. فهذه صفته ومهمته، بل مشروعيته ومسؤوليته. بهذا المعنى، فالمثقف هو الوجه الآخر للسياسي، والمشروع البديل عنه، وعلى عاتقه تقع مسؤولية «الدفاع عن المجتمع» على حد قول ميشال فوكو.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البوصلة
مخلص ونوس ( 2009 / 3 / 12 - 00:18 )
هكذا أنت ياكريم دائما ، قدرة على على توضيح وجهة النظر

ووضوح للرؤيا ،حتى في قلقك -الذي يميزك- تمتلك البوصلة

بوركت على إجمالك لدور المثقف الحقيقي، بل على هذه

الكشوفات الجميلة والحيوية في هذا السياق المعرفي

عندما انتهيت من قراءة مقالك، وحديثك المهم عن دور المثقف

:ذكرتني بكلمات لمظفر النواب في تمهيده لإحدى أمسياته

، في رموز القصيدة تختلط الذات بالمرأة بالوطن بالشجرة-

-ذلك لأن النظرة السياسية بالنسبة لي قضية حياتية عامة

....انتهى كلام مظفر

وعليه كم يلزم مبدعينا من شعراء وقصاصين ورسامين

وموسيقيين والخ من إعادة نظر في المفاهيم الكلية والأساسية

كي يقبضوا على جمرة الخلق، ويمارسوا دورهم الفعال ليس على
الصعيد الفني فحسب، بل على الصعيد الاجتماعي والسياسي

....وربما هذا ما أردت التأكيد عليه في مقالك ياكريم ياابن الكرام

المخلص
12-3-2009
الثالثة فجرا


2 - الله يامخلص ونوس
كريم الهزاع ( 2009 / 3 / 12 - 16:40 )
صديقي الرائع الشاعر الجميل الانسان مخلص ونوس بقدر مافرحت بهذا الرد الرائع بقدر ماأبكت جسدي في ثيابي وانتابني الشعور بالوحشة .. مخلص نفتقدك كثيراً ... يجلدنا كل يوم الحنين إليك ، أني أعرف ياصديقي ماذا يفعل الاغتراب والوحشة من تشظي وعزلة لكن ردك منحني البشارة بأنك معافى وأدرك بذرة جلجامش ستنقذك وستمنحك العبور .. بانتظارك أن تعبر لنا يامخلص فهل ستفعلها من أجل قلوب تشتاقك أيها الجميل ..كن بخير ولك محبتي البهية بانتظار إيميل منك بأنفاس بيل جيتس الذي فك لغز الأثير ودحر البيروقراطية العربية التي ضيعت كثير من رسائل أصدقائي وأحبابي كما حدث مرات كثيرة مع حبيبنا المشترك أبوعادل مظفر النواب .. محبتي البهية

اخر الافلام

.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين


.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر




.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة