الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تدمير الإسلام من الداخل .. أوهام الإرهاب الأصولي

نجيب غلاب

2009 / 3 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من يتابع إنتاج القاعدة الفكري والعملي سيجد أنه قوة تدميرية للإسلام ولمصالح المسلمين، هذه المنظومة المخلّقة بذكاء أصبحت تعيد إنتاج نفسها تلقائياً وتبرر فعلها:
أولاً: بالاعتماد على مقولات أصولية منتقاة معزولة عن سياقها العام وعن الرؤية الكلية للإسلام وتاريخه لتصبح هي جوهر الدين وأصله، والمهم لديها أن تؤصل لعقائد تبرر صراعهم مع الواقع ورفض كل طرح لمعالجة الواقع اعتماداً على العقل أو مؤسس على الواقع الموضوعي. لأنه مختلف مع طرحهم وفهمهم العقائدي.
وكل فهم مخالف لعقائدهم يمثل لديهم فهماً مناهضاً للحقيقة الربانية حتى وإن كان فيه الخير للناس ويحمل في سياقات حركته العاقلة والمتزنة تقدم الأمة وترسيخ قوة الإسلام وتعزيز وجوده على مستوى عالمي.
وثانياً: بالاستناد على فكر إسلاموي إيديولوجي أنتجه العقل الحركي للحركات الدينية أثناء صراعه مع واقعها، وهذا الفكر الذي أنتجه البشر يمثل السند العقلي والحركي للتيارات الدينية وتتعامل معه الحركات الدينية كحقائق موازية للأصول، بل إن هذا المنتج العقلي المستند على النص أصبح موازياً للأصل ومتطابقاً معه لدى البعض منها، وبالنسبة للقاعدة يتحول إلى أصل مكتمل حيث يتم إعادة صياغته من قبل منظّري القاعدة ليتوافق مع المقولات الأصولية التراثية المعزولة عن الزمان والمكان ومع فهمهم للعالم المتأثر بتجربتهم القتالية ونزوعهم المعادي للعالم ونبذ وتكفير كل من يتحدى طريقتهم.
والمتفحص للقاعدة لابد أن يصل إلى نتيجة أنها لا تعبر عن الإسلام ولا علاقة لها بالواقع الإسلامي وحاجاته وإنما هي أداة تدميرية تم تخليقها بدقة متناهية وأصبحت تتحرك بفاعلية ذاتية وتنتج نفسها، وعندما نقول مخلّقة هنا لا نتحدث عن مؤامرة خفية، بل عن مؤامرة واضحة تشبه الاستراتيجيات العظيمة التي تتبناها القوى المتنافسة لتدمير الخصم.
فالقاعدة منظمة أسهمت في صناعتها - بشكل غير مباشر ودون أن يعي حتى من يعمل في منظومتها - قوى استخباراتية محترفة تمكنت من دراسة الفكر الأصولي واستوعبت قضايا ومشاكل الأمة، ونتيجة خوفها على مصالحها واستمرارية هيمنتها في منطقة مهمة ومؤثرة في صراع المصالح العالمية فإنها بحاجة إلى مبرر لمحاصرة أية تحولات لتحقيق الاستقلال ومبرر لتدخلاتها المعيقة لأية نهوض حتى تتمكن من فرض مصالح بدون مقاومة فاعله وحقيقية.
أدركت مراكز البحوث أن الحضارة الإسلامية لديها إمكانية استيعاب الحداثة الغربية وهضمها في حالة حدوث استقرار وسُمح لمبدعيه بالتفكير الحر وتم بناء علاقات إيجابية ومنفتحة على الحضارة المعاصرة، لذا فإن إعادة الفاعلين في هذه الحضارة إلى الماضي وتركهم يعيشون فيه من المداخل المهمة لمحاصرتهم، وبالتالي بقاء هذا العالم راضخاً وتابعاً لهم على كافة المستويات، فالعيش في الماضي يجعل الحضارة الإسلامية تكرر نفسها بإعادة إنتاج الماضي في عالم بحاجة إلى التجدد.
ودفع المنطقة للصراع من خلال رؤية دينية متطرفة مهم لأن الماضي مطلباً ومع الهزائم المتلاحقة يزداد طلب الماضي والنتيجة تخلف عام يصيب الأمة بكافة شعوبها، ونتائجه، الفعلية أن الواقع المادي للمسلمين يدمر في الداخل وهذا مهم حتى تتحول الشعوب إلى مستهلك لمنتجات الغرب ويعيق أي محاولات لإنتاج العصر وهذا يسهل تحويل موارد الشعوب إلى وقود لتعمير قوة الرأسمالية وقيمة الموارد التي تبيعها الشعوب تتحول إلى قوة داعمة للإنتاج الغربي عبر استهلاكها.
في المراحل الأولى للتحرير برزت قوى عصرية منفتحة ومتماهية مع العصر وحاولت جاهدة أم تقلد النهوض الغربي بآليات العلم والمبادئ الإنسانية التي أنتجتها الحضارة الغربية، وقد أدركت مدارس التنمية الغربية والتي لها علاقة أو أخرى بالقرار الرسمي للمصالح الغربية أن مرحلة تقليد الغرب عبر التحديث وليس التغريب ليست إلا الخدعة التي تمارسها هذه المنطقة في المواجهة وأنها بحكم روحها الحضارية المتحفزة والباحثة لنفسها عن مكان في المنظومة العالمية لابد أن تستوعب لاحقاً عصرها بكل إيجابيته حتى وإن كانت مراحلها الأولية متخبطة وعشوائية ولكنها متعقلة والاستقلال والتحرر جوهر فاعليتها، فقوى التحرر والاستقلال رغم انبهارها بالغرب إلا أنها تنهض بمصالحها وتؤسس لمشاريع وطنية مخلصة لشعوبها، ومستقبلاً بعد أن تستوعب حضارة العصر لابد أن تعود إلى جذورها التي تمثل جوهر الحياة الفعلية لهذه المجتمعات.
وهنا لابد من ملاحظة مهمة أن التجربة التاريخية للشعوب كتركيا مثلا تؤكد أن تقليد الحضارة الطاغية في المراحل الأولية لنهوض الأمم شكل مقدمة ضرورية لنهضة تلك الشعوب، حيث تعود إلى ذاتها ـ بعد أن تمر من مرحلة التقليد ـ بخلق جديد يبدو كنور طاهر من الأصالة الجديدة التي لا تتجاوز لب وجوهر ثقافة الأمة، ولتوضيح الفكرة ففي لحظات الهزيمة الناتجة عن طغيان الجديد على العقول وعلى الواقع بمنتجاته المتنوعة والمتلاحقة ونتيجة عجز الأمة عن إنتاج المناهج والفكر القادر على التعامل مع الجديد تلجأ بعض الأمم إلى ماضيها لحماية ذاتها والمشكلة أنها تنتجه عقلياً من خلال تجربتها الحاضرة فتقدم الماضي بطريقة مغايرة لما كان عليه فتقاتل الحاضر بالماضي المزور لتنتج مستقبلاً لا علاقة له بالماضي ولا بالحاضر فيظهر مشوها متخلفاً عاجزاً فتتلاحق هزائمها وتصبح من حيث الواقع تابعة لقوى الهيمنة رغم مقاومتها الشكلية عبر الصراخ ومقاومة كل جديد نافع.
ومع اكتساح العصر لتفاصيل الحياة واستخدام أدواته في المواجهة دون استيعاب روح الأداة تتحول المقاومة باسم مواجهة الغزو إلى قوة قاهرة لكل جديد بما في ذلك القوة المنطلقة من روح الثقافة الحضارية للمهزوم والتي تحاول وفق مناهج متنورة بالعقل تأسيس الحداثة في الثقافة المحلية لتجاوز حداثة الغرب بما يتوافق والثقافة المحلية ويجعلها حداثة إنسانية متنورة بالروح الحضارية لشعوبها. هذه الأمم كالأمة العربية والتي تتبع هذه الآلية غالباً ما تستمر هزائمها وتشبع أنانيتها المقهورة من خلال تقديم تضحيات انتحارية نكاية بالآخر ثم تصور لنفسها أنها منتصرة وأن الآخر المكتسح لكل تفاصيل حياتها مهزوم لا محالة وأنه سوف يفنى لأنه منحط أخلاقياً.
والمتابع للتاريخ الحديث سيجد أن بعض الشعوب والتي اختارت طريق التقليد المتحدي فنتيجة هزائمها وجدت نفسها منخرطة في حضارة العصر الطاغية مقلدة لها في تفاصيلها دون عقد بأنها منتج غربي، وهذا السلوك قد يبدو للمراقب الساذج أنه انتصار لمن أنتج هذه الحضارة وهزيمة لثقافة الأمة المقلدة، صحيح أن الاستغلال في المراحل الأولية قد يكون هو النتيجة إلا أن الحضارة المعاصرة تحمل في طياتها قوة جبارة لمناهضة المستغلين وهي متوائمة مع حاجات الشعوب وكرامتها وعزتها، لأنها في حقيقتها إنسانية، لذلك فإنها تتحول إلى قوة قاهرة للمستغل حتى وإن كان هو من أنتج هذه القيم، وفي طفرة التحرير والاستقلال المتحرك من قلب الحضارة المعاصرة تغادر هذه الشعوب التقليد وتعود إلى روحها التي تميزها عن غيرها وتجعل من القيم الإنسانية المعاصرة جزءاً من ثقافتها ومع الوقت والصراع الداخلي تتولد من قلب هذه الأمة حضارة معاصرة واثقة من نفسها وتسهم في تدعيم قوتها من خلال الإبداع في تطوير الحضارة الإنسانية، بل إن هذه الأمم تبرز في نضالها من أجل التقدم رؤى فكرية متجاوزة للحضارة التي أنتجتها أوروبا وتبدأ في محاكمة النزوع الانتهازي في الغرب لصالح الإنسان.
ما سبق توضيحه مهم لفهم واقعنا العربي ولفهم اللعبة الإستراتيجية التي تدار بتخطيط دقيق من قبل القوى الانتهازية الغربية المستغلة لمنطقتنا، حيث تصور لنا قوى المقاومة الماضوية أن قوى التحرر في العالم العربي تابعة للغرب، ولذلك بدأت هذه القوى في مواجهة هذه القوى المتحررة من أسر الماضي والباحثة عن الحياة لشعوبها، بدأت في مواجهتها بلغة الماضي، رغم أن كثيراً من قوى الاستقلال والتحرر - رغم أخطائها الكثيرة - كانت مرتبطة بالروح الثقافية للأمة بل ومتطرفة في عرضها لهذه الثقافة إلا أن التيار الماضوي أسهم في تدميرها. ومع التحولات الإيجابية وبروز ملامح النهوض أدرك الغرب الانتهازي أن نهضة هذه الشعوب قادمة وأنها في مساراتها النهضوية سوف تتمكن من استيعاب حضارة العصر وستعود إلى ذاتها وتصنع الاستقلال وهذا لا يتوافق مع نزعة الهيمنة التي تسيطر على الرأسمالي الغربي القذر الذي يرى أن الشعوب ستتمكن من منافستهم من خلال رؤية حضارية تجديدية تمكنها من استيعاب الحداثة الأوروبية وستتجاوزها على المدى البعيد بحكم الروح الحضارية للشعوب العربية والإسلامية.. واجهت القوى المستغلة في الغرب قوى التحرر بمحاصرتها وقتل روحها في الداخل بإدخالها في صراعات داخلية قاتلة من خلال صناعة الحروب وتدعيم القوى الماضوية المعادية للعصر وتحويلها في الوقت نفسه إلى شماعة لفرض إرادتها.
في اللحظة التاريخية التي اتخذت الولايات المتحدة قرارها بفرض هيمنتها العالمية بعد سقوط المنظومة الاشتراكية اتخذت الكثير من الاستراتيجيات كان أحدها تدعيم القوى الإسلامية المتطرفة وخنق أية تحولات حقيقية في العالم الإسلامي والدخول معه في صراع لقتل أي تقدم وإغراقه في أزمات متلاحقة، وتفجيره من الداخل لتبرير أي تدخل لها في شئون المنطقة لحماية الإنسان من الإرهاب الإسلامي حسب زعمهم.
ومن هذا المنطلق فإن القاعدة ليست إلا أداة من أدواتها التي تحولت إلى خنجر مغروس في قلب الإسلام وقوة خفية تبرر للقوى العالمية استغلال العرب والمسلمين وإدخالهم في صراع مع الحضارة الإنسانية، باعتبارها منتجاً غربياً كما يتصورون، وبالتالي جرهم إلى لغة الماضي لحماية أنفسهم ولنفي حضارة العدو، ومع توسع الصراع وتشعب مجالاته تتعمق عقدهم ومقاومتهم وتصبح الشعوب هي القوى القاهرة الرافضة للتقدم لأنها تنخرط في خطاب عاطفي ساذج يقوم على انتصارات التضحية المؤسسة على الوهم، وباسم المقاومة والانتصار للذات يتم محاصرة وتشويه كل القوى النهضوية المستوعبة لطبيعة الصراع والتي تدرك أن المقاومة بلغة العصر في ظل واقعنا هي الأكثر جدوى.
والخلاصة أن القاعدة لا تمثل المسلمين ولا مصالحهم وأنها مخلّقة لتدمير المجال الإسلامي المادي والمعنوي وسوف نستعرض هنا العديد من الدلائل التي تثبت ذلك في النقاط التالية:
أولاً: رغم قدرة القاعدة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية ولفت انتباه العالم لمقولاتها ولفعلها إلا أن مؤيدي القاعدة من علماء ومفكرين ومثقفين في العالم الإسلامي يمثلون قلة قليلة وأغلبهم مجهولون وغير معروفين وجزء منهم تراجع عن تأييده للقاعدة وتبرير أفعالها باعتبارها مخالفة للإسلام، ومن المؤكد أن هناك إجماعاً بين علماء الأمة الإسلامية بكافة مذاهبهم على أن سلوك القاعدة لا علاقة له بالإسلام، ولم تجمع الأمة الإسلامية على قضية كإجماعها على إبطال وتحريم استراتيجية القاعدة، صحيح أن بعض العلماء المسيسين لا يفندون مقولات القاعدة الأصولية المؤسسة لفعلهم الإرهابي إلا أن هذا البعض لا يوافق على التفسيرات التي تقدمها القاعدة ويعتبر القاعدة معول هدم للمقولات التي تنطلق منها. ورغم أن المجال الإسلامي نافٍ لفكر القاعدة إلا نتائجه على مستوى الصراع والهيمنة الناتجة تسير في اتجاهات العودة إلى الماضي وتنمية قوى متطرفة تعلي من لغة الماضي وتقاوم أي تحول عصري.

ثانياً: التأييد السابق للقاعدة والذي بدأ يتضاءل في الفترة الأخيرة لا يدل على موافقة المسلمين على فعلها بل هو نتاج الإحباط الذي هيمن على عقول الناس ونفوسهم ونتيجة للهجمة الغربية على مصالح الأمة، ففي لحظات اليأس وعندما تكون الكرامة مجروحة في العمق ونتيجة فقدان البديل العقلاني فإن الناس لا تهتم بالأبعاد المستقبلية ولا تهتم بالمحاكمات العقلية لفهم طبيعة الفعل ونتائجه وإنما تسيطر عليهم الرغبة بالانتقام ومواجهة الخصوم وإشباع الرغبة بالثأر للكرامة المنتهكة ومن واقع مخيب لآمال الجميع، إن الحالة أشبه بحالة المنتحر الذي أعياه واقعه ونتيجة خلل نفسي وعقلي أصبح الانتحار وسيلة لحل مشاكله.
ثالثاً: من يدرس القاعدة وتطورها التاريخي وبنيتها التنظيمية وصانعي الإيديولوجية لابد أن يلاحظ أن صانعي الإيديولوجية هم إما شخصيات قاتلت في أفغانستان وهي شخصيات حركية محترفة ولكنها مجهولة في الوسط الإسلاموي وبعض تلك الشخصيات معروفة لكنها اختفت وتظهر فجأة من خلال مؤلفات وفتاوى أو أنها مسجونة تظهر لها مؤلفات مؤصلة لفعل القاعدة باحتراف وببناءات فكرية متماسكة، وبعضها يعيش في الغرب ومن هناك يرسل الفتاوى ويعيد تعبئة الوسط المسلم بأفكار القاعدة، والبعض شخصيات مجهولة وغامضة تعيش في أماكن الصراع كالجزائر والفلبين، وتظهر بين الحين والآخر قوى شابة تلقت العلم الشرعي ولكنها معزولة عن العالم ويتم توظيف بعضهم بعد برمجة عقولهم بمفاهيم فكرية مؤدلجة في تدعيم البناء الإيديولوجي للقاعدة مستغلين قدراتهم الفقهية، وهؤلاء غالبا ما يتراجعون بمجرد محاورتهم من قبل علماء متمكنين في المجال الأصولي.
رابعاً: فيما يخص تكوينها التنظيمي فمن المعروف أنه أتى من وضعية غير طبيعية وبيئة غامضة في أفغانستان كما أن تركيبة القاعدة التنظيمية رغم صرامتها إلا أنها مائعة ومنتشرة، وآليات التواصل معقدة ومبنية على لقاءات ورسائل تقوم على السرية المطلقة، ولمواجهة المخاطر فإن التركيبة التنظيمية تعمل بالطريقة العنقودية أي أن الانفصال قائم بين أجزائها المنتشرة في العالم، وتتحرك بتوجيهات عامة تحكمها الإستراتيجية التي تؤسس للقاعدة والتي يمكن الإطلاع عليها من خلال الخطابات والمنشورات المختلفة على الشبكة العنكبوتية، هذا البناء التنظيمي من السهولة اختراقه من قبل الأجهزة الأمنية، أما إذا كانت بداية البناء مخترقة عند التكوين فإن المنظومة تصبح عرضة للاختراقات الفكرية وللخطط العامة الموجهة للتنظيم كله.
خامساً: الواقع والتاريخ أثبتا أن المحاولات الغربية لإضعاف هذا العالم من الخارج لم يزيدها إلا قوة وإصراراً على المواجهة، والمواجهة ساهمت كثيراً في إخراج الإسلام إلى آفاق عصرية تجديدية، واستطاعت بعض النخب من استيعاب الحداثة والسعي لتجاوزها لصالح رؤية إنسانية مؤسسة على الإسلام، والوقت كفيل بإحداث الثورة الفكرية الإسلامية لصالح العصر وليست التجربة التركية إلا المقدمة الأولى، وفي ظل معاناة المجتمعات الغربية وفي ظل غياب المعنى وأزمات الحداثة وما بعدها بدأ الإسلام على الأقل على مستوى الاستجابة لدى أبنائه يتحول إلى فاعل أساسي في المجتمعات الغربية.
ومع بروز اليمين المتطرف في الغرب وتخوف إسرائيل من المد الإسلامي ونتيجة حاجة المنظومة الرأسمالية ـ وفق القراءة المتطرفة التي يقدمها اليمين ـ إلى عدو، بدأت الدراسات الاستراتيجية تطرح العالم الإسلامي كعدو، وقد أوصلتهم الدراسات إلى خطة واضحة لمواجهة الإسلام والعالم الإسلامي وفرض الهيمنة عليه، جوهر الاستراتيجية يقوم على قتل الإسلام كرؤية حضارية وخنقه بأفكار أصولية متطرفة، والعمل على دفع الصراع مع المسلمين إلى حدوده القصوى، وخلال الصراع يتم تفعيل واستغلال الأفكار الأكثر تطرفاً والعمل على توليد قوة متمردة ومتوحشة من داخل الإسلام تتبنى مواجهة العالم الغربي وترفض كل منتجاته بالمطلق وتكفر محيطها الإسلامي وتتبنى القتل والتدمير كآلية لتحقيق أهدافها.
ويتم مساعدة الرؤى المتطرفة على التوسع والانتشار وتضخيم دورها، وبروز أصولية متمردة كالقاعدة كفيلة بإدخال مجتمعات العالم الإسلامي في صراعات لا نهائية بين القوى المختلفة في هذه المجتمعات، وكفيلة أيضا بتشويه الإسلام في العالم الغربي ووقف إمكانات التجديد، وبالتالي خنق العالم الإسلامي والحؤول دون تطويره للأفكار الكفيلة بمعالجة مشاكله ليظل في حالة من الصراع الدائم مع نفسه ومع الغرب المحتاج إلى عدو دائم.
كانت بداية التخلق الفعلي لمنظومة القاعدة في أفغانستان، حيث تمكنت المنظومة الرأسمالية من توظيف طاقة الأصولية في مواجهة الاتحاد السوفيتي أو الإمبراطورية الروسية التي انغلقت على العالم وخلقت رؤى مناهضة للرأسمالية من داخل الحداثة الغربية، وكان الغرب الرأسمالي يدرك الطبيعة الهشة للإمبراطورية الروسية وتمكن من تفكيكها لصالح المشروع الرأسمالي وإن ظلت القيم الحضارية لهذه المنطقة كامنة وقادرة على المواجهة.
ولم تكن مراكز الدراسات ودوائر المخابرات بحاجة إلى بناء إيديولوجية اسلامية لاختراق الإسلام من خلالها، فالمنتج الأصولي المنغلق على ذاته كان قد أنتج الفكر الجهادي المتمرد على الدولة والمجتمع، وكانت أفغانستان هي الحاضنة لهذا الفكر الذي تطور في اتجاهات قتالية محترفة، واستطاعت الإيحاءات الغربية أن تبني تصورات غيبية لدى القوى الجهادية ودورها في إسقاط القطب الشيوعي وإمكانية إسقاط الغرب من خلال القتال الدائم.

احتاج الأمر في إنتاج القاعدة إلى تركيبة سحرية تدمج بين السلفية التقليدية والأصولية الجهادية التي نمت في مصر وأفغانستان ودمجها بالآلية التنظيمية الحركية للأصولية الإخوانية التي تأثرت كثيراً بالأحزاب الشيوعية والفاشية والنازية.
وبعد أن أصبح تنظيم القاعدة قوة فاعلة وبفعل البناء الإيديولوجي الذي يستند عليه والذي لا يمكنه أن يقاتل إلا بالإرهاب، أصبح دور القوى الصهيونية هو اختراق التنظيم لتفعيل الايديولوجيا وتمكينه من تنفيذ استراتيجيته، وأعلى تجليات التدمير برزت في دستورها «إدارة التوحش» حيث تستند القاعدة على استراتيجية تقوم على القتل والتدمير ونشر الفوضى، والكتاب عبارة عن بناء فكري لا علاقة له بالإسلام وإن حاول أن يؤسس لنفسه على التجربة التاريخية للدولة الإسلامية، والقاعدة لا يمكنها أن تتوقف عن مواجهة العالم مادامت قادرة على الحركة، القاعدة فاعلية أصولية على مستوى العقيدة توظف آليات العصر للانتقام منه، صراع المصالح في بنائها الفكري ذو أبعاد عقائدية، لذا فإن تبريراتها السياسية في المواجهة لا معنى لها في ظل الايديولوجيا المحركة لها، إنها تقاتل الجميع المغاير لعقائدها، إنها تحمل رؤية شمولية للعالم أشد وطأة من النازية والفاشية، فلا يمكنها قبول المسلم السني المتعارض مع عقائدها أما الشيعي وأصحاب الاجتهادات من القوى الإسلامية الأخرى فكفار، وعلمانيي الأمة لا مكان لهم إلا القبور إن لم يؤمنوا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القاعدة ليست اسلامية وانما مختلقه ؟؟ هكذا !!!
ريما بسام ( 2009 / 3 / 12 - 21:11 )
لماذا لم تجرؤ ان تقول ان بن لادن و الظواهري عملاء للغرب؟؟؟
و من ثم الاسلام ليس بحاجة يا سيد ان يقوم احد بتدميره فنصوصه القرانية واحاديث محمدهم تكفي لتدميره اذ ان تطبيقها اليوم لم يعد صالحا الا لأصبح العالم خراب ودمار وجزية وذراري وجواري وقطع اعناق وايدي وارجل وسمل العيون.محاولاتك يا سيد بإبهاد القاعده عن الاسلام الحقيقي في الحقيقة هي محاولة فاشلة جداً ..سلام .


2 - اكتب للعقلاء المثقفين وليس لعوام المسلمين
Zagal ( 2009 / 3 / 13 - 00:22 )
ناقص تقول ان بن لادن اصله يهودى ... والقاعده اسرائيليات .

روح اسرح بعيد ياحبيبى .... هناانت تكتب للعقلاء المثقفين وليس لعوام المسلمين وهذه ليست صحيفه عربيه تداهن الواقع وتلعب بالحقائق لمصلحة دين او فئه ....


3 - خلق القاعده
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 13 - 05:36 )
القاعده والاصوليه الاسلاميه الارهابيه هي نتاج ارهاب دولة السعود المنغلقه العائشه في قرون ما قبل التاريخ دوله تطبق في احكامها قطع وبتر اعضاء الانسان دوله فيها ميليشيات للامر بالمعروف والنهي عن المنكر لمطاردة وقتل كل ماهو مبدع في حياة الانسان والا فانظر ممنوع الجمع من قبل باعة الخضره بين الطماطه والخيار لان الولى انثى والثانيه ذكر ؟؟اي الزلاطه ممنوعه؟ قتل الحلاقين لان الحلاقه حرام ؟؟ ممنوع استعمال التلفون فهو بدعه من بدع الشيطان؟؟؟ وغيرها وغيرها تدل على عقل صغير ليس منه عقل البشه كما يقول العراقيين


4 - باركك الله
أبوعبد الله الحمصي ( 2009 / 3 / 13 - 06:58 )
نعم يا أخي لقد حصل المتامرون على الأسلام على موطيء قدم من خلال دعمهم للقتل والقاعدة وهاهم اليوم يشحذون سيوفهم لمهاجمة الأسلام العظيم مستغلين افعال القاعدة القذرة التي دعموها ومازالوا يدعموها ولكنهم يتعبون انفسهم فالأسلام هو دين الله الباقي الى اخر الزمان والذي نراه يزداد قوة


5 - لقد ألقمتهم حجرا
محمد الزيدي ( 2009 / 3 / 13 - 08:01 )
انها الحقيقة الناصعة التي يخاف منها أعداء الأسلام ويريدون أن يخدعوا الناس ويقولوا لهم ان الاسلام العظيم هو القاعدة.كلا يا سادة ان الأسلام عكس القاعدة ولايرضى بأفعالها وانما انتم من أوجد القاعدة ودعمها ومايزال يدعمها ان القاعدة هي صنيعتكم والدليل ان تمويلها منكم كما انكم تحاربون الأسلام الحقيقي الكريم المتسامح ولم الحظ لحد الان اي منكم يتحدث عن القاعدة وأفعالها وتتحاشون المساس بها لأنها سلاح من أسلحتكم الخائبة


6 - وجدتها ووضعت يدك على الجرح
آمال ( 2009 / 3 / 13 - 13:24 )
الأستاذ الكاتب المحترم كتاباتك رصينة ومتينة وعقلانية وأتفق معك بما تقول راجيا أن اكون قد فهمت من مقالك الرائع أن الغرب قد حاربنا بسلاحنا وانت تعرف اذا اردت ان تنتصر على عدوك فحاربه بسلاحه فحسب مقالك أن القاعدة هو صنيعة الغرب وأجهزته المخابرتية فهو عمل بهذه المقولة مستغلاً عواطفنا وجهلنا مجندا هؤلاء لكسر حضارتنا كما تكتب أنت وهزيمتها لكن لي تساؤل هل قادة القاعدة سبق لهم أن ظهروا من خلال شاشات التلفاز ولن يسشهدوا بأعمالهم أنها مستندة إلى آيات من القرآن وأحاديث السنة..
عزيزي الفاضل بما أن نقطة ضعفنا أصبحت من خلال استغلال الاجهزة الاستخباراتية المختلفة في العالم وتجنيد أبنائنا المهوسيين إما حبا أو جهلا في دينهم وتشويه صورة الحضارة التي تدعيها، ألا آن الاوان إلى أن نصحوا ونتحضر ونضع حد لكل المتاجرين باسم الدين وأن تتغير دساتيرنا بفصل الدين عن الدولة لكي لا يصبح الدين كالشماعة ليعلق عليها كل ذو نزوة وشهوة وانانية وكفانا إدعاءً وتبجحاً مع شكري الجزيل لكتابتك لهذا الموضوع ولفت الأنظار إليه ودمتم..


7 - التحديث واجب
ابو عبدالله الحمصي ( 2009 / 3 / 13 - 14:43 )
ان العيش في الزمان والمكان واجب وليس على المسلم أن يعيش في العصور الماضية وأن ما يجب أن نأخذه من السلف الصالح هو جوهر الأخلاق وليس تفاصيلها وكما يقول الحديث لاتقسروا اولادكم على اخلاقكم فأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم . ولكن أن نصبح ملحدين فهذا ليس تحديث وانما عودة سلفية الى ماقبل الأديان لذا عليتا الألتزام بديننا الحنيف والعيش بالعالم والتواصل مع باقي الأديان والأمم واحترامها واحترام خيارات الناس

اخر الافلام

.. الأردن في مرمى تهديدات إيران وحماس والإخوان | #التاسعة


.. د. جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر والحديث:كانت هناك مقترحات




.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah