الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشائرية نتاج طبيعي لغياب مشروع الدولة الوطنية

وليد حكمت

2009 / 3 / 15
المجتمع المدني


عندما تمر الدولة المركزية بمرحلة الانحلال والتفكك وعندما تبدأ منظوماتها السياسية والتشريعية والإقليمية والقضائية والتنفيذية بالانحلال تدريجيا حيث تتحول إلى أجزاء مقطعة ومنفصلة وغير منسجمة مع بعضها البعض و في حال انسحابها من دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتحولها إلى سلطة مطلقة بأدوات سياسية استبدادية محتكرة لدى نخبة سياسية واجتماعية ارستقراطية محددة المعالم تمارس وظيفة الجباية ومتابعة الأمور الروتينية وتكريس السياسات الترقيعية بعيدا عن الخطط الاقتصادية العلمية والثقافية والسياسية الممنهجة وفي ظروف الأزمات الاقتصادية واستفحال الفساد المالي والإداري الذي يتشكل في جسم كبير يصعب مقاومته ومحاربته والقائمين عليه وفي حالة عدمية مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية والاكتفاء بإدارة الأمور بشكل اعتباطي وجزافي وممارسة الاجتهادات والمغامرات الاقتصادية المدمرة تتولد ظواهر اجتماعية كثيرة ومتعددة تكون نتاجا طبيعيا لتلك الحالة الرثة ,فتبدو الانقسامات الاجتماعية واضطراب التوازن الاجتماعي واضحة المعالم ويتقوقع الخطاب الاجتماعي وينحصر في دائرة ضيقة ومنظومة محدودة للغاية ألا وهي منظومة العشيرة التي تعد منظومة بدائية لا تشكل مشروعا حضاريا وهي بدورها التي ستعمل عملها في احتواء الفرد في ظل غياب دور الدولة أو مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية التي كان من الممكن أن تقوم بدورها الطبيعي في دمج الولاءات الصغيرة الضيقة المتناثرة والعشائر والتجمعات السكانية ضمن مشروع ولائي وطني يوفر الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأفراده و يحفظ ويبلور الهوية الوطنية لإفراد الشعب ويثريها فالدولة في مراحل معينة من ضعفها تنسجم مع ايدولوجية العشائرية وتدعمها وتتضامن معها وبذلك تقوم العشيرة او الوحدة العشائرية بدور المرتزقة لتوفير الأمن والنظام وجلب المطلوبين والقيام بوظيفة تقديم المعلومات الى اجهزة الدولة وخاصة شيخ ومختار العشيرة فهم بذلك يقدمون خدمات جلى للدولة في حالة تفككها ولذلك يبدو بان استفحال العشائرية يتناسب عكسيا مع قوة الدولة والنظام فإذا ضعفت الدولة المركزية تتقوى العشائرية وتصبح اداة رجعية تقف ضد تطور وتقدم المجتمع ، حينها يكون النظام غائبا والقوانين غير مفعلة او بالأحرى لا تستطيع الدولة لظروف بنيوية ان تفعل القوانين اوان تشكل منظمات ومؤسسات مجتمع مدني تقوم بدورها الاجتماعي والتاريخي في حفظ وتطوير المجتمع.
وينتج عن تلك الحالة من الهشاشة والتفكك ضعف الولاء الوطني وارتباطه بالولاء للعشيرة أو المنطقة الصغيرة أو الولاء لرموز حكومية مزمنة أو نخبة حاكمة معينة أو رموز قبلية عتيقة او رموز دينية معينة فيتم تشويه مفهوم الولاء للوطن فلا يعدو في نظرهم إلا أن يكون ولاء للحكومة الفلانية وأدواتها فيتم تخوين كل من ينتقد الحكومة أو بعض سياسات الدولة فيتشوه معنى الولاء والانتماء للوطن الذي يشكل الحالة التلقائية لكل إنسان يتولد في هذا الوطن ويمتزج به نفسيا لينحصر في دائرة التأييد والولاء والتطبيل والتزمير فيصبح الولاء للوطن بضاعة تعرض في الأسواق وملصقا شعاراتيا يمنح لفئات ويحرم على فئات أخرى ويصبح العمل في الاحزاب عارا وخيانة وانقلاب على ثوابت الدولة كما يصبح لشيوخ العشائر سلطة وديكتاتورية وفسادا كبيرا ذلك ان العشائري ينظر الى مصلحة عشيرته اولا وعندما يتضخم ينظر الى مصالحه الخاصة.

وفي الدولة الريعية يتناسب طبيعة الانتاج وهو الانتاج الريعي وبيع المواد الخام والاعتماد على الوظيفة البيروقراطية الخدمية مع هذا النمط من التركيب الاجتماعي المرتكز على البنية العشائرية كما ان الدولة الريعية المنغلقة على ذاتها والملغية لحقوق الفرد والقاتلة للمبادرة الحرة والإبداع الخلاق لديه تجعل الترقي على السلم الهرمي الوظيفي منوطا بالولاء المطلق للهيئة الحاكمة دون الالتفات إلى الكفاءة والإنتاج والفكر والإبداع ويتحدد المواطن ويعد ناجحا بقدر التزامه بالقوالب الإدارية البيروقراطية التي رسمت له من قبل تلك الهيئات ولذا تصبح هذه السلطة المنغلقة على ذاتها عاجزة عن دمج العشائر والأفراد في مشروع وطني منتج مبدع وخلاق وعاجزة عن خلق مشروع سياسي أخلاقي وعاجزة عن الالتزام بقضاياها وواجباتها القومية فتقف بينما تسير عجلة التاريخ إلى الإمام وتسير المجتمعات المتطورة الواثقة بنفسها وبأفرادها المنتمين إلى مراحل متقدمة رائعة فلا تعدو أن تتحول هذه السلطة فتغدو أداة تفريقية تحريضية لزرع الإحن والتناحر والفرقة والعنصرية بين العشائر والمناطق والأقاليم فتنمو العشائرية والإقليمية والجهوية والعنصرية في تلك المناخات الموبوءة بالكره والحقد والأنانية والفردية والبراجماتية وتصبح بديلا عن المشروع الأكبر والولاء الأوسع ذلك أن الفرد في تلك الحالة وفي خضم هذا الصراع يبحث عن منظومة للحماية والأمن والرعاية والاهتمام وتلبية الحاجات وتحصيل الحقوق.
فيتطلع الفرد ويتساءل هل من الممكن أن تحقق له الدولة الأمن والاستقرار والغذاء والعلاج ومستلزمات وشروط الحياة الكريمة وهل منظومة الدولة قادرة على أن تؤسس مشاريع وطنية سياسية وثقافية واقتصادية على مستوى عال بحيث يدخل الفرد في معادلتها بما يمتلك من مهارات وقدرات ومؤهلات ويأخذ مكانه ودوره الطبيعي في هذا البناء الكبير ويحقق ذاته وإنسانيته وهويته الوطنية ، فحين يجد أن الدولة تعجز عن توفير تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية وحين ينظر فيجد أن الظلم بكافة أشكاله وصوره هو الذي يطغى المشهد الاجتماعي والسياسي للبلد وحين يرى بعض العشائر الصغيرة التي تحظى برعاية الدولة تتغلغل في أجهزة الدولة والحكم وتحتكرها وتتقاسم النفوذ فيما بينها وتوزع المكتسبات والهبات والامتيازات في حين تستثنى الكفاءات وتستثنى قواعد شعبية كبيرة من تلك المعادلة يخشى الفرد على نفسه وأسرته فيلجأ إلى عشيرته ورابطة الدم والحلف لأنها هي القادرة تاريخيا من خلال التكتل الجمعي والسلطة الجماعية أن تحقق له الحماية أولا من الآخرين وتنتزع له حقه وتذود عنه في مجتمع شريعة الغاب ويتحول المجتمع إلى ساحة من الصراع على الموارد الشحيحة والوظائف المحدودة التي تذهب إلى تلك الفئات المتنفذة والباقون يلتحقون بجيش البطالة الاحتياطي وليذهبوا إلى الجحيم وتتعمق ظاهرة الولاء المزيف والشعارات الولائية الخالية من المضمون ذلك أن اقرب الطرق إلى اخذ الحقوق هو تقديم الولاءات بالجملة وبطريقة ساذجة وفجة ومع ذلك يحرم حتى الكثيرون من الذين يقدمون الولاءات ويلهثون ليلا ونهارا وراء الفتات ولقمة العيش وقد لا نلومهم لأنهم يريدون أن يعيشوا بأية طريقة ، ثم تتحول الساحات والمؤسسات المدنية والجامعات إلى ساحات صراع عشائري سواء في الانتخابات أو غيرها ويعيش المجتمع حالة مقرفة من العلاقات الاجتماعية الهشة القائمة على المصالح الآنية والتناحر ونلاحظ في هذا المشهد المأساوي بان النخب المتنفذة تعزز سياسة فرق تسد بين العشائروكافة المنظومات الاجتماعية لتتتحول بالتالي من مشروع الدولة الوطنية إلى مشروع السلطة المطلقة الاحتكارية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بالفعل
محمد عبد القادر الفار ( 2009 / 3 / 14 - 20:52 )
تحليل علمي ممتاز

ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن العشائرية في الأردن سابقة لقيام الدولة ولظهور نمط الإنتاج الريعي بصورته الحالية حيث كان نمط الإنتاج رعوياً وكانت العشائرية سابقة أيضاً لخلق طبقة بيروقراطية مستفيدة ... غياب المشروع الوطني الذي تتحدث عنه هو بلا شك مما تتغذى به العشائرية وتتقوى حيث تصبح هي الملاذ الأخير

وهنا لا عزاء لأصحاب العشائر الصغيرة،، أو من لا عشائر لهم !!

تحياتي لك أستاذ صالح



2 - ممتاز
سيف الدين ( 2009 / 3 / 14 - 23:27 )
عزيزي الكاتب
أشكرك على هذه النظرة الثاقبة في تحليلك للوضع العربي وخصوصا في الأردن الذي ستأسد فية المتنفعون تحت شعارات الوطنية وهم يقصدون الوطنية التي تطعمهم لبنا وعسلا


3 - اقتراح
حمود ( 2009 / 3 / 15 - 05:20 )
التحليل الذكي الذي قدمه الكاتب بحاجة إلى تعديل طفيف وهو استبدال كلمة الدولة بكلمة الطبقة


4 - البديل العشائري
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 15 - 06:17 )
في العراق اتخذ النفوذ العشائري صفة الحارس الامني في عهد الدكتاتوريه واصبح شيخ العشيره احد منفذي سياسة النظام والرقيب على مايعتبره النظام معارضه له داخل العشيره الان تاخذ العشائريه صفه سياسيه بالتحالف مع مرشحين او احزاب متنفذه من اجل السطوه والمال اما في مجالات العلم ومؤسساته كالجامعات فلا توجد اي مسحه عشائريه تذكر


5 - العشائر الاردنية تغيرت بفعل الظروف التاريخية
صالح ابو طويلة ( 2009 / 3 / 15 - 10:29 )
العشائر الاردنية قبل تأسيس الامارة كانت تنقسم الى ثلاثة اقسام العشائر البدوية التي لا تنتمي الى وطن بقدر ما تنتمي الى القبيلة فولاؤها وهويتها قبلية لا وطنية وهذا القسم اسهم كلوب باشا في توطينه وترويضه وادماجه في المؤسسة العسكرية لغايات ادماج جميع العناصر في مشروع الدولة التي اعتنى بها الانجليز لغايات بعيدة الجميع يعرفها، والقسم الثاني هو العشائر الفلاحية المستقرة وهي العشائر التي تحتل المساحة الاكبر والمضطهدة والمستغلة من قبل البدو والتجار الحضر سواء في فلسطين او الشام الو الحواضر الاردنية وهذه العشائر كان من مصلحتها ان يكون هناك دولة تحميها وترعاها فكانت تميل الى الاستقرار وتبحث عن الأمن وتطوير الانتاج ووهي العشائر التي انجبت السياسيين والمناضلين الحزبيين الاردنيين والقسم الثالث العشائر الحضرية وهي ذات نسبة اقل وكانت تتمتع باوضاع افضل في ظل الدولة العثمانية وكانت تجمع بين النشاط التجاري والزراعي وعلى العموم فإن المتابع لتاريخ العشائر في الاردن يجد البون شاسعا بين طبيعتها وكيانها ووجودها اثناء عهد الامارة حيث كانت لها مواقف ايجابية اكثر وكان النظام السياسي يحسب لها الف حساب ... بينما في وقتنا الراهن نجد العشائريين يجسدون الرجعية والتخلف والانانية والتبعية والانقياد وراء مصالحهم ال

اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط