الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القانون وعلم الأنماط

كريم الهزاع

2009 / 3 / 17
المجتمع المدني


كل تنوّع يبحث عن تجانس، وكل تنوّع يصبح تجانساً، وكل تغير يغدو ثباتاً، يؤدي إلى عقد اجتماعي اتحادي ملتزم، كما أوضحه لنا روسو. إذ يتضح لنا من صيغة هذا العقد الاتحادي أنها تنطوي على التزام متبادل من الشعب والأفراد، وأن كل فرد، وكأنه يتعاقد مع نفسه إذا صح القول، ومع هذا الالتزام تحدث حالة الانتقال. هذا الانتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية يُحدث في الإنسان تغييرا بارزا جدا باستبداله الغريزة في مسلكه بالعدالة، وبإضفائه على أفعاله الأخلاقية التي كانت تنقصها فيما مضى.
وإن الإنسان، الذي لم يكن حتى ذلك الحين يراعي إلا نفسه، وجد أنه بعدما خلف فيه صوت الواجب النزوة البدنية وحل الحق محل الجشع، مجبر على العمل بمبادئ أخرى وعلى أن يستهدي بعقله قبل الانصياع لنوازعه. إن ما يفقده الإنسان بالعقد الاجتماعي هو حريته الطبيعية وحق لا محدود في كل ما يغريه وما يستطيع بلوغه. أما ما يكسبه فهو الحرية المدنية، وملكية كل ما هو في حيازته. وحتى لا نخطئ في هذه التعويضات يجب أن نميز الحرية الطبيعية التي ليس لها من حدود سوى قوى الفرد، عن الحرية المدنية التي تكون محدودة بالإرادة العامة، وأن نفرق بين الحيازة التي ليست سوى نتيجة للقوة، أو حق المستولي الأول وبين الملكية التي لا يمكن أن تبنى إلا على سند إيجابي.
يمكننا أن نضيف إلى ما تقدم، على المكتسب في الحالة المدنية، الحرية المعنوية التي وحدها تجعل من الإنسان سيد نفسه حقيقة، إذ إن ثروة الشهوة وحدها هي عبودية وإطاعة القانون الذي نسنه لأنفسنا هي حرية بشكل آخر. ولهذا السبب على المشرع أن يدرس علم الأنماط typologie قبل أن يسن قوانينه الجديدة، وأن يتفهم المعنى الجديد للحريات، ومفهوم الملكية، ومفهوم الدولة وحرية الفرد، وبشكل كوني أو عالمي لكي لا يضع الدولة في مأزق في المحافل الدولية، ويضع المواطن موضع السخرية من قبل الشعوب الأخرى، حينها فقط على كل عضو من المجتمع يهب نفسه له بمجرد أن يتشكل، بالحال التي يوجد عليها عندئذ، هو وجميع قواه التي تعتبر الأموال التي في حيازته جزءاً منها.
ولا ينبغي بمقتضى هذا التصرف أن تتغير طبيعة الحيازة بتغير المالكين وتصبح ملكية من ممتلكات صاحب السيادة. ولكن، لما كانت قوى المدينة السياسية مما لا يقارن من حيث العلم بقوى الفرد، فإن الحيازة العامة تكون كذلك في الواقع، أقوى وأكثر أحكاماً، دون أن تكون أكثر شرعية. إن حق الاستيلاء، وإن كان أكثر واقعية من حق الأقوى، لا يصير حقاً حقيقياً إلا بعد تقرير حق الملكية. ولكل إنسان بصورة طبيعية حق بكل ما يكون ضرورياً له، لكن العقد الإيجابي الذي يجعله مالكاً لشيء ما، يستبعده من كل الباقي. إذا مادام قد حدد نصيبه فيجب أن يقتصر عليه، ولا يبقى له حق قبل المجتمع. هذا هو السبب الذي يجعل حق الاستيلاء، على الرغم من ضعفه الشديد في حالة الطبيعة، موضع احترام كل إنسان مدني. وبمقتضى هذا الحق يحترم المرء ما يكون للغير أقل من احترامه لما له وفق القانون، إذ إن «القوانين هي العلاقات الضرورية التي تشتق من طبيعة الأشياء»، كما يقول مونتسكيو في كتابه «روح الشرائع».











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين


.. موريتانيا تتصدر الدول العربية والا?فريقية في مجال حرية الصحا




.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين