الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المصلحة بين الدولة والدين

كاظم الحسن

2009 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ان ربط الدين بالدولة سوف يجعل الدولة لاتنظر الى مصالحها من خلال الربح والخسارة بل تكون نظرة هلامية عن الوقائع والاحداث وعرض مقولات كبرى عن التأريخ لتحل محل الانسان وذلك من نوع (العودة الى السلف والامة الدينية..)



وهذا ما يجري الترويج له عبر معظم الحركات الدينية في المنطقة.
في مثل هذه التصورات تكون قضايا مهمة وملحة للشعوب، مثل الدستور، البرلمان، العقد الاجتماعي، غائبة عن الوعي السياسي، والتي تمثل روح الدولة الحديثة ناهيك عن كون دمج الدين بالدولة سوف يجعل الكثير من اتباع الديانات الاخرى بلا حقوق ويعمل على تجزئة الدولة على اساس ديني.هذه الدعوات الاحادية تسهم في الحاق افدح الضرر بالطوائف والاعراف الاخرى، فهذا التصادم ليس من مصلحة البلاد، وسوف ينتقل الياً الى صعيد العلاقات الخارجية لانه لا يقر بحق الاخرين بالعيش معه على ذات الحقوق والواجبات.

ان التعايش بين الاعراف والاديان والمذاهب المختلفة يمر بالاعتراف بالاخر واحترام حقوقه نصاً ودستوراً وقولاً وسلوكا، ويتطلب المصالحة بين الاطراف المختلفة بعيدا عن روح التعصب والانغلاق ونبذ مظاهر التعالي وادعاء الكمال او امتلاك الحقيقة المطلقة والمصالحة مع الذات والتأريخ من الاهمية بمكان، حيث تسهم في الانتقال من الانسان المحلي ذي الصبغة الدينية الكلية الى الانسان الكوني ذي الصبغة الانسانية المنفتح على العالم وثقافاته والخروج من النص الى الواقع الذي هو في حالة صيرورة وتبدل والاستفادة من تجارب الاخرين وخلق نوع من التلاقح بين الثقافات تؤدي الى التعايش والتوافق والتوصل والتعارف والتضامن بدلاً من التصادم.

ان التعايش والتسامح في اوروبا الان لم يأت اعتباطاً اذ ان الحجر الاساس فيه هو مفهوم السيادة الشعبية وظهور العقد الاجتماعي وسيادة الدولة، حيث اصبح من حق الدولة ان تفرض سيادتها على كل المواطنين حتى لو كان دين البعض تابعاً الى دولة اخرى او رعايا دولة اخرى، هذا التحول في العلاقة بين المواطن والدولة جعل العملية السياسية منظمة وذات اطار قانوني ومؤسساتي بحيث لم تعد الاهواء او التقلبات النفسية او النزوات هي التي تراقب دستورية او قانونية الممارسات الحكومية واصبح المنصب مسؤولية واعباء ثقيلة فلم يعد هنالك تهافت على منصب رئيس الجمهورية او الحاكم.

ان قضية الهوية في عالم اليوم اصبحت ذات مكان وزمان تحددهما اللحظة الانية بعيداً عن الماضي السحيق او العرق النقي.
المواطنة تأخذ شرعيتها من مكان الاقامة او الميلاد ويظهر ان بعض الدول التي حازت على النجاح او التفوق لايبدو الماضي او الثقل التاريخي له دور مهم في حياة الشعوب لانها بذلك لا ترجع الى التاريخ لتبحث عن حلول للمشكلات والازمات التي نواجهها .
حينما يكون الدين هوية الدولة فان عدوها سوف يكون الشيطان وقد تتلبسه قوى عظمى، فتصبح الحرب على الشيطان دائمية وليست لها نهاية في الافق ففي المفهوم الديني لا توجد منطقة وسطى بين العالم المقدس والمدنس عالم الفضيلة وعالم الرذيلة.
حينما يعتمد منطق الدولة على المصالح والمنافع والمكاسب المادية ،فأنها بذلك قد تتعامل حتى مع الشيطان في سبيل بلوغ مصالحها وليس في هذا مثلبة في عالم السياسة.
فالدول تتعامل مع الارض، حيث الارقام والاخطاء والزيف والنفاق والاحتيال والرشوة اما السماء (عالم النقاء والطهارة، والكمال، والمثال) فهو لا يصلح الا مع حياة الانسان الخاصة وله الحق ان يعيش كما يشاء بلا فرض مايعتقده صحيحاً على الاخرين.
لذا نرى الدول التي فصلت الدين عن السياسة انصرفت الى الواقع وتعقيداته ومشاكله الملموسة وانتقلت الى مصاف الدول الاكثر تصنيعاً وتحضراً وينتج عن ذلك ادارة العالم وليس خلافته.
فالعالم اعقد من ان تفرض اية قوة رؤاه عليه لانه متنوع ومتعدد ومختلف فهو بحاجة الى التعايش وليس التباغض.
ومن الغريب وجود مفاهيم حقوق الانسان واحترام القانون والحريات والتسامح في دساتير امم وفي الوقت نفسه تصدر فتاوى بهدر دماء كاتب او مفكر ولا تلجأ الى القضاء في حسم القضايا العالقة.
ان قضايا التكفير الذي يعقبه القتل وسفك الدماء او التعدي على الحريات الشخصية من خلال المطالبة بانفصال الشخص الذي يتم تكفيره عن زوجته يمثل انتكاسة للدولة الحديثة في منطقة الشرق الاوسط ويهـدد المنطقة بحرب لا هـوادة فيها قد تكون دينية كمـا يبشر بها الظواهري وابـن لادن، وقـد يعرض ذلك حياة مليار مسلم الى الفناء باسلحة الدمار الشامل.
ان زرع ثقافـة التكفير والكراهيـة والانغـلاق فـي المجتمعات الاسلامية فضلاً عـن التكاثـر والتناسل بشكل يفـوق النمو الاقتصادي واستحالة التطوير السياسـي سوف يعزل هـذه الامـم عـن العالـم حتى لو كـان الى جانبهم الحق فـي الكثير مـن الصراعات والنزاعات فـي المنطقـة، فانهـم سوف يبـددون ذلك الحـق وتكون خسائرهـم ليس لها نهايـة فـي ظـل أنظمة تسخر هـذا العداء مـن اجـل اعـلان حالة الطوارئ والاحكام العرفيـة وكبت الحريات وانتهـاك حقوق الانسان ورفـض التداول السلمـي للسلطة بحجة المؤامـرة والعـدو الخارجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال أكثر من رائع
أنيس محمد صالح ( 2009 / 3 / 18 - 16:02 )
لا أملك أخي الكريم الأستاذ كاظم الحسن إلا أن أهنئكم على مقالكم الجميل هذا.
تقبلوا مني كل التقدير والإحترام

اخر الافلام

.. فنيش: صاروخ الشهيد جهاد مغنية من تصنيع المقاومة الإسلامية وق


.. الأهالي يرممون الجامع الكبير في مالي.. درّة العمارة التقليدي




.. 121-Al-Baqarah


.. 124-Al-Baqarah




.. 126-Al-Baqarah