الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان المستوحد بين جحيم الاخرين وجحيم الوحدة

كاظم الحسن

2009 / 3 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ا
شاعت كلمة (الاستوحاد) حسبما يقول قاموس (اكسفورد) بين (1570 ـ 1700) انها الفترة التي شهدت اعنف الجدل واشد الاقوال تطرفا وتناقضا. انها فترة تتصف بالتذبذب والتردد والتحفظ والرأي يحمل النقيضين وذلك حسب ما ترى جانيت ديلون في دراسة عن الاغتراب تحمل عنوان شكسبير والانسان المستوحد.
وقبل ذلك كان ينظر الى الانسان الذي يعتزل المجتمع وينسحب من الحياة العامة اما من منظور ديني ويعني ذلك حياة التقشف والزهد والتنسك وتلك كانت مقبولة من الناس اما العزلة لذات الانسان وعوامله الداخلية فقد كانت محل نبذ واستهجان الناس لانها لا تتفق مع معايير المجتمع.
ولذا فان مدح الوحدة في العصور الوسطى لا يوجد الا في الكتابات الدينية اما الوحدة في سياق علماني فليست الا موضع الشفقة والرثاء او تعد مظهرا من حالات العذاب كالحب او الجنون العميق او التوحش.

ويصف ارسطو الانسان المستوحد بأنه اما وحش او اله حيث يقول: (وكل من كان بطبيعته وليس عن حدث طارىء بلا دولة، فأنه انسان شرير او فوق البشرية انه اشبه بذلك الذي هو بلا (عشيرة) بلا قانون بلا نار منزلية والخارج على المجتمع طبيعيا انما هو محب للحرب ويمكن تشبيهه ببيدق معزول في لعبة الدامة.. وكل من كان غير قادر على العيش في المجتمع او لا حاجة به لذلك لانه مكتف بنفسه فانه اما وحش او اله وهو حتما ليس بعضا من الدولة.

وهكذا فان انصار المثل الاجتماعي يستنجدون بتعريف ارسطو بان الانسان بطبيعته (كائن اجتماعي) في حين دعاة الوحدة يلوذون بنصيحة شيشرون وسينيكا بان على المرء ان ينصاع لطبيعته (علينا ان نتصرف بحيث لا نعارض القوانين الكونية للطبيعة البشرية

تقول جانيت ديلون: ولقد كان في اواخر القرن السادس عشر في انكلترا ان بدأ التفضيل الشخصي وطبيعةالفرد الخاصة يحضيان بالاولوية على الواجب والانصياع لمبدأ الطبيعة الجماعي وهو القاسم المشترك الاكبر للخصائص التي هي الاعم بين الناس.

غير ان هذه الحركة يمكن ان نرى بداياتها في ايطاليا قبل ذلك بزمن طويل في القرن الرابع عشر في شخص الشاعر بترارك (1304 ـ 1374) كان بترارك في حياته وكتابته مجددا كبيرا وكان اول من كتب كتابا في (الحياة المستوحدة) حول ملذات الوحدة العلمانية.

واعتمادا على رسائل بترارك الى اصدقائه فأنه يحاول ان يصف العزلة التي يعيشها (ان حبي لبقعة تتناغم والفراغ الادبي ينبع ولا شك من حبي للكتب او لعلني اريد الهروب من حشود الناس بسبب اعراض فيَّ ناجم عن التباين في اذواقنا او لعلني بسبب حساسية في ضميري اود ان اتجنب شاهدا متعدد الالسن على حياتي).
ويفسر البعض العزلة على انها محاولةالمرء ان يبدو مثقفا (يتصور البعض انهم سيعدون سياسيين نادرين ورجال دولة باختيارهم الوحدة كمن يقول: انا رجل حكيم ، شجاع ، واسراري هي ملكي انا، ومن لا يعرف شغله فان حكمته عبث، وليس هناك من هو جدير برفقتي او صداقتي.
ولقد وصف فرانسيس بيكون عوالم الانسان الداخلية المنشطرة على نفسها بالقول: ان الازدواجية مبدأ اساسي في الطبيعة كلها وصنف الانفصام على انه بين الوجود الفردي المحتوي ذاته او مكتف (بذاته) والوجود في السياق (لانه جزء او عضو من الجسم الاكبر). مبدأ كهذا يعني ان الصراع القائم بين الدوافع المستوحدة والدوافع الاجتماعية قاعدة جوهرية في الطبيعة.
والاعتراف بالدوافع المتناقضة ومشاعر الانقسام بالرأي داخليا نراه جليا لدى الكتاب الانكليز كما هو الحال عند روبرت بيرتون الذي استهل كتابه (تشريح السوداوية) بتناقض واع لذاته:
رغبتي هي ان اكون وحيدا
بلواي الوحيدة هي ان اكون وحيدا
لا شيء اعذب من الكآبة
لا شيء احزن من الكآبة
وقد قال شكسبير في قصيدته العنقاء واليمامة: الاسم الثنائي للطبيعة المفردة / لم يدع واحد ولا اثنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغارديان تكشف نقاط ضعف في استراتيجية الحرب الإسرائيلية


.. تراجع مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين للمرة الثانية




.. حركة نزوح عكسية للغزيين من رفح


.. مصر تعتزم التدخل لدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام -الع




.. ديفيد كاميرون: بريطانيا لا تعتزم متابعة وقف بيع الأسلحة لإسر