الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة والتفسير الانتروبولوجي

عادل بوحجير

2009 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حفاظا على المسار الذي خطته لنفسنا منذ تأسيسها، أصدرت سلسلة عالم المعرفة إحدى أهم المؤلفات ذات الارتباط الوثيق بمجال العلوم الاجتماعية تحت عنوان "الثقافة: التفسير الانتروبولوجي" من تأليف د.آدم كوبر محاضر في الانتروبولوجية الاجتماعية في جامعة بورنيل البريطانية، وترجمة ذ.تراجي فتحي توفيق، ومراجعة د.ليلى موسى عيسى الموسوي.
يقدم لنا الكتاب الذي يقع في 318 صفحة مراجعة نقدية لمفهوم الثقافة في الفكر الغربي الحديث، والأمريكي المعاصر على وجه الخصوص سعيا إلى تقييم مصداقية استخدام مفهوم الثقافة كأداة تحليلية في العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجيا.
ويأتي اختيار هذا المؤلف لكونه يتعرض بالنقاش والتحليل لأبرز المفاهيم رواجا واستعمالا من طرف الأفراد والمجتمعات على اختلافهم وتنوعهم، ألا وهو مفهوم الثقافة، غير أن الملاحظ في هذا الصدد أن نسبة من يستهلكون مثل هذه المفاهيم ويتساءلون حول فحواها ومعناها على وجه التدقيق لا تزال ضئيلة وليس أدل على ذلك من شح الكتابات والمقالات في هذا الباب.
ومن هنا نجد د.كوبر يبدأ في تناوله لمفهوم الثقافة بوضع الحجر الأساس لربطه بمجال العلوم الاجتماعية، منتقدا قول روبي لوي الذي أعلن باكرا منذ العام 1917 أن الثقافة – بشكل حصري – هي بحق موضوع الاثنولوجيا الوحيد، مثلما الوعي هو موضوع علم النفس، والحياة موضوع علم الأحياء، والكهرباء فرع من علم الفيزياء.
ومستشهدا في انتقاده لروبي من جهة بإقدام قطاع مهم من الأكادميين الألمان إلى اعتبار أن مجال الثقافة هو العلوم الاجتماعية، وبملاحظة ستيوارت تشيس في العام 1948 إلى أن مفهوم الثقافة لدى كل من الانثروبولوجيين وعلماء الاجتماع أصبح ينظر إليه بوصفه حجر أساس للعلوم الاجتماعية. ومن جهة أخرى، كما عبر كل من ألفرد كروبر Alfred Kroeber وكلايد كلاكهون Clyde Kluckhohn سنة 1952 اللذان يعدان رائدي علم الانثروبولجيا في ذاك الحين، عن اعتقادهما أن مفهوم الثقافة، بالمعنى العلمي الأنثروبولوجي هو أحد المفاهيم الأساس في الفكر الأمريكي المعاصر.
ويبقى مفهوم الثقافة في نظر كوبر يطرح مشكلات أساسية لا يمكن حلها من خلال الالتفاف حوله، أو من خلال تنقيح التعريفات، وتتفاقم الصعوبات عندما تتحول الثقافة من شيء يمكن وصفه وتفسيره، وربما شرحه، ليتم التعامل معها كمصدر للتفسير في حد ذاته.
وضمن الصفحات الأولى لمقدمة الكتاب الطويلة، والتي تحمل أحد العناوين الكلاسيكية عند الحديث عن مفهوم الثقافة في وقتنا الراهن"الحروب الثقافية"، يبرز كوبر أهمية هذا المفهوم والاستعمال الواسع الذي يحظى به في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية فالأكاديميات الأمريكية تشن الحروب الثقافية، والسياسيون يحرضون على الثورة الثقافية، إذ يبدو أن هناك حاجة إلى إحداث تغيير ثقافي مزلزل لحل مشكلات الفقر والتعاطي مع المخدرات والجريمة واللاشرعية والتنافس الصناعي.
مبينا ذلك بالقول "عندما يفشل الاندماج بين شركتين يفسر ذلك بأن ثقافتيهما لم تكونا منسجمتين"، ومستغربا كيف أن الجميع يفهمون المقصود، إذ تقول إحدى الشركات البريطانية "شركة الحلول السيميائية" في هذا الصدد، حاولنا أن نسوق السيمياء، ولكننا وجدنا ذلك الأمر صعبا بعض الشيء، لذا فنحن نسوق الثقافة، فالكل يعرف الثقافة ولا يتعين عليك تفسيرها"، ليوضح أن هذه الدعوة لا تستهين بالثقافة، فنفس الشركة تدعي فإحدى كتيباتها الترويجية أن الثقافة تتحكم في كل ما يحفز سلوك المستهلك، فهي أكثر إقناعا من المنطق وأكثر جماهيرية من علم النفس، وهناك أيضا سوق ثانوي مزدهر في الخطاب الثقافي، والمقصود به هنا الدراسات الثقافية التي بوأتها دور بيع الكتب، الصدارة في منتصف التسعينات من القرن الماضي في المساحة التي كانت تحتلها من قبل كتب العهد الجديد، ومن قبل كتب تطوير القدرات الذاتية.
ويفسر مدير مكتبة أولسن في واشنطن العاصمة غاي بروسات هذا الأمر بقوله "إن المرء عندما يرى عنوان علم الاجتماع فإنه يعتقد أنها نصوص أكاديمية جافة، لكن حينما يقرأ دراسات ثقافية، يفكر: آه ثقافة، فهناك فرق سيكولوجي غير ملحوظ".
ويضيف آدم كوبر "إن في عصرنا هذا الكل مندفع نحو الثقافة فبالنسبة إلى علماء الأنثروبولوجية تمثل الثقافة اليوم مصطلحا من مصطلحات الفن، والآن يحاججهم السكان الأصليون بالثقافة أيضا، وأورد كوبر أن مارشال سالينز{انتروبولوجي أمريكي ولد عام 1930}، كتب أن لفظة Culture الانجليزية في حد ذاتها، أو أي مرادف باللغة المحلية، دارجة الآن على كل لسان، فالسكان الأصليون في التيبت وهاواي وقبيلة أوجيبواي وكواكيوتل والإسكيموا والقزق والمنغوليون، والسكان الأصليون في أستراليا، والبالينيزيون، والكمشيريون، وقبائل الموراي في نيوزيلاندا، كلهم اكتشفوا أن لديهم ثقافة.
ختاما يمكن القول إن الكتاب تجربة ثقافية وفكرية أتت من الضفة الأخرى لتسافر بالقارئ إلى عالم رحب يجد فيه العقل ذاته المسلوبة ليصافح النقد وبعانق القلم في محاولة لاجتراح الاشكالات التي تواجه الفكر الانساني على مر الأزمنة. أتمنى أن يكون هذا المقال التعريفي بكتاب "التقافة التفسير الانتروولجي"لأدم كوبر، مساهمة متواضعة في توسيع دائرة النقاش الثقافي العمومي خصوصا على مستوى الجامعة المغربية، وبالأخص في أسلاك الماستر المتخصص في قضايا العلوم السياسية، وبذلك نكون قد وضعنا لبنة فوق أخرى لنقرب المسافات، والتي ربما علة بعدها هي الثقافة نفسها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل


.. السيناتور ساندرز: حان الوقت لإعادة التفكير في قرار دعم أمريك




.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال