الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب-دوائر الخوف...لنصر حامد أبو زيد

مريم كنبور

2009 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مغامرة أن تدعي- خصوصا أمام الأصدقاء – أنك تقرأ كتابا فلربما تسأل عن خلاصة هذا الكتاب لتجد في النهاية أنك لم تخلص إلا إلى أسئلة جديدة.
بين دوائر الخوف و دوائر العقل

"العقل أعدل الأشياء قسمة بين البشر "
عن الفكر الإعتزالي
يبدو الجرح العربي مفتوحا كما هي الأزمة العربية مفتوحة منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية أو الرجل المريض كما كانت ترمز إليه القوى الإستعمارية التي تربصت تفسخ جسده لتعبث بالجغرافيا و الثقافة و الحضارة و الإقتصاد. و آخرا- ومن يدري- الإبادة الغير مسبوقة- في وسائلها- لفلسطنيي غزة في إصرار على تحويل السكان إلى ثرى ،أو رميهم إلى مزبلة التاريخ عبر تقليصهم إلى أقلية لا تتمتع بحقوق المواطنة .
ولعل الإسترشاد بشعار المعتزلة في مقدمة هذا المقال يجد مبرر توظيفه أولا من حيث هو –أي العقل – ليس منتوجا مستوردا دخيلا على الثقافة العربية الإسلامية .و تهمة العقلانية أصبحت تجر على من يتبناها تصنيفا و وابلا من النعوت الجاهزة تبتدئ بالإستغراب و لا تنتهي ...
وثانيا من حيث أن المعتزلة حين تحدثوا عن "عقل الإنسان " المتحرر من قيود الجنس و العرق و الثقافة و اللغة فقد تحدثوا عن الإنسان المطلق الذي أصبح هو حالنا الآن أكثر من أي لحظة تاريخية في الوجود البشري بدليل العولمة و العالم القرية شئنا أم أبينا ؟
لا يسع المقام لذكر السجالات التقليدية بين أهل العقل و أهل النقل بقدر ما سيسلط الضوء على العقل كضرورة و كنبتة تأصلت و شقت طريقها من داخل الثقافة العربية الإسلامية. وهو ما عبر عنه نصر حامد أبو زيد في كتابه"دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة"في فصل "المسلمون و الخطاب الإلهي حقوق الإنسان بين المثال و الواقع "يقول " إن إعلاء المعتزلة من شأن العقل و قيمة المعرفة كان عنصرا جوهريامن عناصر حداثتهم (...)كان محاولة منهم لإنهاء التفاخر بالأنساب و العصبيات و الأجناس ،و إحلال قيم العقل و المعرفة لتكون معيارا موضوعيا لتحديد قيمة الإنسان اجتماعيا و دينيا ".
و إذا كان احتكام العرب و باقي الأجناس التي دخلت الإسلام إلى "العقل "لإنهاء نزعة العصبية التي استشرت خلال العصرين الأموي و العباسي ،أنطلاقا من تفاخر العرب بنسبهم القح و بلغتهم لغة الوحي و اعتداد الفرس بفلسفتهم و حضارتهم ليعكس قيمة العقل كأداة تتمتع بالمصداقية في حدها الحد بين الجد و نقيضه و هو الجد الذي لقي حتفه على يد الخليفة العباسي الذي طارد العقل والمشروع الإعتزالي معه .
لا يمكن إغفال ثراء الثقافات الأخرى و تأثيرها بالتالي في التاريخ العربي الإسلامي خصوصا الفلسفة اليونانية التي أنتجت ابن رشد و الكندي و ابن سينا ..و أنتجت مناهج الإستدلال و البرهان .و لعل التناقض المحيرفي عصرنا الراهن هو الإفتخار باللحضة التاريخية للحضارة العربية في أوج انفتاحها و حوارها مع الأخر و في نفس الوقت الرفض المطلق لهذا الأخر مع استيباح استهلاك أدواته التكنولوجية و المعلوماتية و رفض أدواته الفكرية و النقدية .
و يخلص القارئ –لا إلى إجابات – بل أسئلة لم يتفاداها المفكر العربي برهان غليون في كتابه" اغتيال العقل" :
ماهو مصدر هذا التناقض ؟ هل الثقافة العربية أداة نهضة ؟أم أنها علة التأخر ؟هل هي قادرة على استيعاب الحضارة الحديثة ؟ما الحداثة و ما علاقتها بالنهضة ؟ما الهوية ....
و إذا كان نصر حامد أبو زيد قد أعلن في مقدمة كتابه دوائر الخوف مرجعيته الراسخة "التفكير بلا خوف ،ولا مناطق آمنة يرسمها البعض حفاظا على مصالحه "فقد نفذ في فصل "حواء بين الدين و الأسطورة " إلى المناطق الآمنة في التفسير . وفي تفسير الطبري خصوصا، في مبدإ اعتماده على بعض اليهود الذين أسلموا في شرح و تعليل قصة هبوط آدم و حواء من الجنة .وهو شرح و تعليل يحضر فيه التراث اللاهوتي اليهودي إلى جانب اللامعقول في إضافات لم ترد في منطوق القرآن الكريم.
و من التخوم الأمنة للتفسير إلى التخوم الأمنة للغة من حيث هي وعاء حامل للثقافة العربيةالتي يسمها المؤلف بسيمات الخطاب الطائفي العنصري ...
في الفصل الثالث "الواقع الإجتماعي بعد مفقود في الخطاب الديني" يمركز الكاتب هزيمة العرب في حرب 1967 كنقطة تراجع تراجعت معها "النهضة "الإقتصادية و الإجتماعية و الفكرية. وعلى نفس مطية التقهقر تقهقر مشروع العدل الإجتماعي الذي حاولته الثورة الناصرية و الذي اعتمد على تحالف قوى الشعب العامل في مواجهة الفردانية و التحالف مع الإقطاع و الإستعمار .وفي تعليقه على نفس الفترة الناصرية في مقدمته "ازمة التقدم العربي "يلخص برهان غليون النتائج :"هكذا حرمت الحركة القومية نفسها من منبعين عظيمين للتطور و التغيير ،منبع الفكر و حرية الفكر ،و منبع التنمية الإقتصادية و التصنيع السريع المتكامل و الضروري ".وفي خضم هذا الإنهيار هبطت إلى أدنى مستوياتها أسهم الحلقات الأضعف في المجتمع العمال و النساء و الفقراء .
وإذا كان هذا هو الإنطباع عن هزيمة 1967 و عن اللذين ذاقوا و لو مؤقتا طعم الأمل إبان موجات التحرر و الإستقلال ،و أوشكوا على اليقين بأن محنة الثقافة العربية قد وضعت قدمها على أول سلم الخلاص .فما يكون انطباع أجيال ولدت و ترعرعت في بؤرة النكسة و ما بعدها من تطاحنات داخلية و حرب الخليج بكل أكذوباتها و كوارثها و راهنا الإبادة في غزة .أجيال لم تدق طعم النصر و انتقل مذاق الهزيمة عندها من الطعم المر الآسن إلى الطعم العادي .و أصبح عاديا جدا أن ترشف فنجان قهوة الصباح و القنوات الفضائية تضع على مائدتك ضمن عدة الإفطار شهداء و هم يلفضون أنفاسهم الأخيرة أ و أطفالا مشوهين مضرجين مبتورين يلتقطون ما سقط منهم من أشلاء ..
سيكون ادعاءا كبيرا الحديث عن قراءة كتاب من أجل تحصيل جواب شافي على سؤال .لكن الكتاب بالمقابل يزحزح وداعة اليقينيات و يشرع عوض الأجوبة أسئلة .
صحيح أن النخب العربية قد أدلت بدلوها الكثير في مضمار النقد و وضع تصورات للخروج من حالة الإنسداد التاريخي لكن تأثير ذلك ظل رهين النخبة و الكتب و لم يمس باقي الأطياف المكونة للمجتمع العربي. و يهمنا في هذا المقام المواطن العربي –المفرد بالملايين -.ومن باب حق الرأي العام في المعرفة عند الدول الملتهمة للكتب، و من باب حق رجل الشارع عند الشعوب الحائرة تطرح مسؤولية المعرفة و الإجابات الشاملة للإنتقال على الأقل من الكتلة البشرية بالجمع إلى المواطن بالكم و الكيف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية