الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرسه والبيت قطبي منظومة التربية

فاطمه قاسم

2009 / 3 / 24
التربية والتعليم والبحث العلمي


جدلية البيت , بمعنى العائلة , والبيئة الأسرية , والحاضنة الأولى , والمدرسة بصفتها قاعدة التعليم والتعليم المنهجي الأولي , هذه الجدلية مستمرة منذ قرون , من أيام الحضارة الإغريقية حين كان الفلاسفة الكبار أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم , يفتحون أبواب الحوار على مصارعيها مع تلاميذهم , وطلابهم , وجمهورهم , بل كانوا يجوبون الأسواق العامة , وأروقة المعابد , وساحات الاحتفالات , ويمرون على الدكاكين الصغيرة لصانعي الأواني الفخارية ’ والآلات الموسيقية , والحدادين والنجارين وصانعي السفن , يسألون عن الحقيقة , عن المعرفة , عن الوعي متى يبدأ , وكيف يتكون , ومن هو الأولى البيت أم المدرسة ؟

منذ قرون والمشكلة مستمرة:
بل إنها تزداد تعقيدا مع تعقيدات الحياة المعاصرة , لأن البيت بمعنى العائلة والأسرة هو الحاضنة الأولى , وهو الذي يعلم الفرد الثوابت التي تكاد تصبح جينية في ثباتها , ونقلها , ووراثتها , مثل مفاهيم الجمال والقبح , الخير والشر , الفضيلة والرزيلة , الحلال والحرام , الصح والخطأ .... الخ
ولكن العائلة أو الأسرة , تشكل في كثير من الأحيان عزلة عن تيار الحياة نفسها , فيكتشف الفرد حين يخالط المجتمع الأوسع أن المفاهيم التي حملها من أسرته الصغيرة , ومن بيئته العائلية الأولى , ليست هي السائدة في المدى الأوسع , في المجتمع الأكبر , وحتى لو كانت العائلة تقدم للفرد الخبرات والمهارات المطلوبة , فإن هذه الخبرات والمهارات تظل بحاجة إلى اختبارها وسط مجالها الحيوي , وهو المجتمع , والحياة بكل حيويتها وحيثياتها, ومن هنا ربما نشأت فكرة المدرسة ’ وهي أن يتولى أناس مختصون بتربية الأجيال , وإمداد هذه الأجيال منهجيا بقدر مطلوب من المهارات والخبرات ’ ليس فقط في العلوم النظرية أو التطبيقية , ولكن المهارات والخبرات الاجتماعية نفسها , لأن الإنسان لا يحقق ذاته إلا بالشراكة مع الآخرين , وهؤلاء الآخرين من الضروري أن يكونوا مختلفين في الجنس أولا , رجل وامرأة , وفي العمر , صغير وكبير , وفي اللون ابيض وأسود , وفي الرغبات والطموحات والرؤى والأهداف , والمدرسة هي البيئة المخطط لها بدرجة عالية من الإتقان , لنقل هذه المهارات والخبرات – نظريا وتطبيقيا – وأجتماعيا , بشقيه السلوكي والنفسي , لكي يتمكن الإنسان من تحقيق ذلك , بأكبر قدر من المشاركة الإيجابية , أي الأخذ والعطاء , الانفعال والتأثير , والإرسال والتلقي , قبول الأخر والتعامل معه بوحدة المشاركة .

الأمم الأكثر تطورا وقوة ورخاء , نجدها أكثر اعتناء بهذه الجدلية بين البيت والمدرسة , ومساحة المجال الحيوي لكل منهما في منظومة التربية التي هي عماد التنمية البشرية , وهذا أمر طبيعي , لأنه حين يحقق المجتمع شروط الحد الأدنى للحياة , من أمن واستقرار وقدرة على الحياة الكريمة بتلبية احتياجات المأكل والملبس أي الاحتياج المادي , فان هذا المجتمع تتطور لديه الطموحات بنحو ما هو أفضل , ولذلك يعطي جهدا للحياة الديمقراطية وتتطويرها , ويعطي جهدا للتربية على اعتبار أن منظومات التربية والتعليم هي استثمار في أثمن ماتملكه المجتمعات وهو الإنسان , لذلك نرى جدية البيت والمدرسة تأخذ أشكالا وتجارب تطبيقية متعددة , ابتداء من تحديد السن الإلزامي للمدرسة الأساسية , وصولا إلى الحياة المدرسية وإثرائها بأنماط من الأنشطة اللامنهجية بالإضافة إلى تطوير المناهج المدرسية والتربوية .

في الوطن العربي بشكل عام :
تجرى محاولات متقطعة بين وقت وأخر لإطلالة على هذه الجدلية , البيت والمدرسة , وأولويات كل منها في المنظومة التربوية , ولكن هذه المحاولات ليس لها صفة الثبات والاستقرار , بل هي مجرد اضاءات سرعان ماتنطفيء , على اعتبار أن جدول الأولويات في الوطن العربي مازال مختلفا عنه في أمم وشعوب أكثر تقدما , فنحن مازلنا مع في حروب مع الأمية , حيث الملايين لا يذهبون إلى المدرسة أصلا , وبالتالي لا مجال أن يكونوا جزءا من جدلية البيت والمدرسة , كما أن معدلات الفقر وافتقار القوانين , وغياب الحكم الرشيد , كل ذلك يشكل عوائق أمام الاهتمام الحقيقي بالمنظومات التربوية وتطويرها , والإجابة عن تساؤلاتها المتعددة , كل ذك بالإضافة إلى الصراعات الداخلية طائفية أو عرقية أو عشائرية أو سياسية التي تؤدي إلى تأكل مجتمعاتنا العربية وتجعل التفكير في جدلية البيت والمدرسة نوعا من الكماليات البعيدة عن السؤال اليومي .

ولكن في نهاية المطاف :
فإننا جزءا من العالم, ولا يمكن أن نظل بعيدين عن تفاعلاته, واعتقد أن التنمية البشرية وقاعدتها المنظومات التربوية تظل أكثر الموضوعات إلحاحا في زماننا الحاضر. وقد أسعدني كثيرا أن موقعا إعلاميا ، يهتم إلى درجة انه يعطي الأولوية لموضوع حيوي، وملح كهذا الموضوع ،مما دفعني للمشاركة في تقديم رؤيتي الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلام عظيم
hussein fadel ( 2009 / 3 / 23 - 20:23 )
الاخت الفاضلة موضوع متميزجداوفى اعتقادى الشخصى لن نتقدم دون الاهتمام بالطفل سواء فى المدرسة اوالاسرة وللاسف العرب فى حالة من اللاوعى بخصوص تربية اطفالهم لحضرتك عظيم تحياتى مستشارحسين فاضل رئيس محكمة جنايات امن الدولة العليا مصر

اخر الافلام

.. بودكاست تك كاست | شريحة دماغ NeuroPace تفوق نيورالينك و Sync


.. عبر الخريطة التفاعلية.. كتائب القسام تنفذ عملا عسكريا مركبا




.. القناة الـ14 الإسرائيلية: الهجمات الصاروخية على بئر السبع تع


.. برلمانية بريطانية تعارض تسليح بلادها إسرائيل




.. سقوط صواريخ على مستوطنة كريات شمونة أطلقت من جنوب لبنان