الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تزول أية عقيدة، حتى لو كانت خرافية ، بالعنف والاضطهاد؟

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2009 / 3 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يوم الجمعة المصادف ليوم الثالث عشر من آذار عام 2009 انتظرنا قيام الساعة ، ولكن لحسن حظ أغلب الناس لم تتحقق هذه النبوءة التي يعتقد بها بعضنا بأن الجمعة إن صادفت يوم الثالث عشر من أي شهر ميلادي لوقعت الواقعة، وانقلبت الدنيا على عقب. ولكننا ها نعيش هذه الدنيا وهي باقية ونحسها بكل مشاعرنا وجوانحنا . إن هذه العقيدة الخرافية و وآلاف العقائد الأخرى التي يؤمن بها اتباع الفرق والديانات المختلفة سوف تبقى طالما ظلت داخل نطاقات العقيدة والإيمان الشخصيين ، ومادام القيمون عليها لا يقومون بفرضها على الآخرين، ولا يدار المجتمع وفق تعاليمها، فلذلك لا ضير منها مادامت لم تتجاوز حدودها العقيدية إلى السياسية والقضائية مباشرة .
عند اطلاعنا على مسير العقائد ، سواء كانت خرافية، أو علمية، نتأكد من مسالة واحدة في غاية الأهمية ،يمكن اعتبارها قاعدة ، وهي انه لم تكن ثمة عقيدة ، او إيمان ، قد انتهت بالعنف ضد معتنقيها وقتل المؤمنين بها ، بل أن العنف والاضطهاد و الملاحقة كان غالبا ما دافعا لأتباع بعض العقائد للصمود و ترسخ إيمانهم بها ، ومصدر الهام لهم ولغيرهم للاستمرار في الإبمان بها.
بعث محمد علي باشا اينه ابراهيم على رأس جيش جرار إلى الجزيرة العربية لقطع دابر الوهابيين ،فقام بالتنكيل بهم ، وذبحهم ، وارسال رؤوسهم إلى وجبة ، بعد وجبة وبعد كل معركة معهم، و نظرا لثقل هذه الأحمال من الرؤوس الوهابية التي انهكت عمال النقل والبريد ، غير أسلوبه ، بقطع آذانهم وارسالها ألى الباشا الأمير لخفة وزنها .
لكننا رأينا بعد أكثر من مئة عام يظهرون ثانية ، وبزدادون عددا في كل أنحاء العالم ، منها أوروبا.
قرأت قبل أيام خبرا يقول إن مؤسسة الأوقاف الحكومية قد أصدرت أمرا بقطع عدد من الأشجار المعمرة في قريتنا بذريعة مكافحة الخرافة والدجل ، لأن أهالي تلك القرية بعتقدون أن هذه الأشجار مقدسات ، وأنهن نمين من عظام موتاهم ، فيقدمون لهن القرابين ، وبقومون باداء طقوس العبادة والاحترام لهن . حسنا ، فلو كانت المسألة تقتصر على الحق في قطع رموز الخرافات ، وابادتها، فما الذي سوف يحدث للبشرية لو كانت هذه الرموز بشرا ؟ وهل علينا ذبحهم من الوريد الى الوريد؟ و ما ذا سوف يحدث إن تصور الآخرون أن الذين قطعوا هذه الأشجار يؤمنون بخرافات من نوع آخر ، فهل يحق ذبح الأخيرين أيضا؟ فمثلا ، أن المسيحيين في المنطقة التي أقيم فيها لاجئا ، لو اعتبروا كل العقائد غير المسيحية خرافة وبدعة ، فهل علينا اعطاءهم الحق في ذبحنا- نحن الذين لا نعتنق دينهم- ؟
لا تتصوروا أن ما أقوله هو من نسج الخيال ، و يخصنا فحسب، إذ أن في المدينة السويدية التي يقيم فيها أحد أصدقائي ، وزرته قبل حوالي شهر، ارشدني إلى أن في وسطها يقوم جبل يطل على وادي عبارة عن هاوية حادة عمودية إلى حد كبير . وعلمت ُ أن القساوسة في القرون الوسطى حيث كانت بيدهم السلطة السياسية بلا منازع ، قتلوا أربع مئة امرأة بتهمة السحر بالقائهن من فوق الجبل الى أسفل الوادي. و قد تبين فيما بعد ان معظم المغدورات كن عالمات و مثقفات و طبيبات ، زاحمن الكنيسة ورجالها بعلمهن ومعارفهن ، إذ كان المرضى يراجعونهن بدل زيارة الكنيسة و العلاج بوسائل الشعوذة و الدجل و الأدعية. والبوم نرى ونعيش أن رجال الكنبسة الدجالين انهزموا ، بعد أن فشلت كل وسائل الدجل والقتل والاضطهاد التي استخدموها ضد أهل العلم والمعرفة و الحق . فانحسرت سلطة الكنيسة اخيرا لصالح العلمانيين والعقلانيين والواقعييون الانسانيين.
وبعد كل هذه الانتصار و تحقيق مكاسب كبيرة للبشرية من تقدم علمي وتقني و ضمانات اجتماعية و صحية ، لم يقم أحد من التقدميين والعلمانيين بالهجوم على الكنائس و أماكن العبادة ، وبقيت مصانة من أعمال الانتقام ، مثل عمليات اشعال النيران فيها، والسطو النهب وغيرها، إذ تقدمت العلوم والمعارف بدون أية عمل انتقامي أو عنف أو انتهاك حقوق إنسانية، إذ أن قانون الحياة ، و استناد المؤمنين إلى العلم والانسانية و التقدم هو الذي وضع حدا لسلطة الكنيسة ورجالها. ليست ثمة عقيدة ، لنؤكد مرة أخرى، تفنى بالعنف، سواء كانت على حق ، أو باطل وخرافي.
كم أتأسى على أشجار قريتي !! لا لأن بعض سكانها يعتقدون بقدسيتها، بل بسبب الجريمة التي ارتكبت بحق البيئة ، و بسبب شيخوختهن أيضا ، والتي هي جزء من تاريخ قرية و يمنحها الفيء والظلال الوارفة و قد مددن فيها جذورهن ، و أساي أيضا بسبب جمالهن بلا أدنى شك والذي يضفي على القرية و اهلها جمالا من نور وتحولات بين كل اطياف القزح قزح. أتذكر أنه اهداني أحد الأصدقاء في السبعينات من القرن الماضي احد أعداد مجلة " الكاتب" المصرية صدر بالتحديد بعد انقلاب عبد السلام عارف على حلفائه البعثيين والحرس القومي ،وفيه مقال لكاتب نسيت اسمه ، تحت عنوان" البعث وطريق اللاعودة" ، يرجع سبب استحالة عودة البعثيين للحكم والمجتمع لسبب الفقر الإيديولوجي مكررا إياه ثلاث مرات. ولكننا رأينا عودتهم للسلطة عام 1986 ، و حكمهم البلاد حكما جائرا دمويا لأربعين عاما. فهل نفع العنف والطرد والكراهية في منعهم من العودة للسلطة ؟
إنني لا أرى سوى الأجواء اللاإنسانية المخيمة على المجتمع في مختلف مرافقه وانعدام بديل إنساني تقدمي أسبابا لعودتهم ، والتي هيأت الأجواء و المناخ الملائم لهافي ظل حكومات لايشعر المواطن الا بالكراهية تجاهها، وهو يرجو سقوطها بأي بديل عسى أن يكون خيرا من سابقاته. فالطائفية و الرجعية و الاسلام القومي السياسي أعجز ما بمكن أن يكون بديلا للبعث والنحل والملل القومية الأخرى.
العقيدة الأكثر إنسانية وتقدمية هي القادرة على إزاحة العقائد الارهابية والمتخلفة والرجعية ، ولكن للأسف فالأفكار الانسانية والتقدمية لا تزال مهمشة ، وضعيفة في يلادنا ، فتهيمن الأفكار الطائفية و القومية الرجعية والعنصرية على الميدان السياسي . من كل هذا يعلم المرء كم هي شاقة و منهكة مهمات الشيوعيين والاشتراكيين والتقدميين ، وخاصة في العراق و الشرق الأوسط والبلدان المسماة بالاسلامية!!!!

2009-03-24










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بديل البعث
عدنان عباس سكراني ( 2009 / 3 / 24 - 21:20 )
البعث حزب لا يؤمن بالدمقراطيه والتداول السلمي للسلطه واستيلائه على السلطه يتم بانقلاب عسكري يستخدم فيه الخديعه دائما مستغلا غباء كبار الضباط باعطائهم وعودا بتقاسم السلطه معهم ثم بعد الانقلاب العسكري ونجاحه يقوم بتصفيتهم اذن البيئه الدمقراطيه غير صالحه لعيش حزب البعث وحياته وهذا يعطينا كعراقيين املا كبيرا ان لا يستطيع حزب البعث النمو من جديد واستعادة قواه ما دام ترسيخ الدمقراطيه يستمر باضطراد


2 - نعم تزول
المعلم الثاني ( 2009 / 3 / 24 - 21:41 )
نعم تزول العقائد بالعنف والاضطهاد...بشرط أن يشتد هذان ويدوما عدة قرون فبدون مثابرة لا نصل إلى نتائج....بدليل اختفاء المسيحية من شمال افريقيا بسبب الاحتلال العربي الجاثم منذ قرون.. ومن آسيا الصغرى (المجتاحة من المغول العثمانيين) و اختفاء البوذية والهندوسية من باكستان وأفغانستان واختفاء الكثير الكثير من العقائد والاعتقادات القديمة...
العنف والاحتلال لعشرات السنين هو الحل الأمثل لمقاومة الارهاب...فالبعض يعتبرون فوزهم أو حتى افلاتهم من الذل في الحروب انتصار إلهي فلا يجدي مع مثل هؤلاء سوى تكبيدهم أشد هزائم لا يستطيعون معها ادعاء أي نصر إلهيا كان أو حتى شيطاني....

لا يردع هؤلاء سوى البطش بهم والإذلال التام لآلهتهم حتى يتركوا معتقدهم السقيم ...

انظروا ردة فعل اليابانيين الذين اعتقدوا بألوهة الامبراطور وكيف أن قنبلتان أدتا إلى اندحار الامبراطورية و زوال هذه العقيدة في أسبوع واحد...فاليوم الأمبراطور محترم من شعبه لكن لم يعد أحد يدّعي بألوهته

على الدول الكبرى ألا ترحم الارهابيين والمارقين ومن ساندهم من الدول...هكذا فعل بوتين مع العصابات الظلامية في الشيشان وقد اقترب من النصر وسينجح إذا صبر وثابر....إنما المشكلة في الدول (الديموقراطية) حيث يسهل لبعض مدّعي الفكر التأثير


3 - التعصب الديني والتعصب ضد الدين
سامي المصري ( 2009 / 3 / 25 - 02:45 )
ما الفرق بين التعصب الديني والتعصب ضد الدين؟ ما الفرق بين التعصب الديني والتعصب الإيديولوجي؟

التعصب هو التعصب ونتائجه المريرة واحدة.... دم... وظلم... وجرائم ترتكب ضد الإنسان تحت مسميات وهمية.

من أدراك يا من تؤمن بأي فكرة أن رأيك هو الوحيد الصحيح حتى تقتل كل من لا يؤمن به؟!!! من قال أن أمريكا كانت على حق في فيتنام أو غير فيتنام؟!!!!! ومن قال أن روسيا البلشفية كانت على صواب عندما ذبحت كل من لا يؤمن بالشيوعية؟!!!!
أمريكا صنَّعت الإرهاب وخلقت منظمة طالبان وسلَّحتها لضرب الشيوعية، لكن منظمة طالبان التي أقامتها أمريكا لتدمر المنطقة العربية ضربت أمريكا نفسها!!!! أمريكا خلقت نظام صدام حسين ودعمته بكل قوة، وسلحته بالأسلحة الخطرة التي قتل بها شعبه، ولما استنزفت صدام كل أهداف وجوده دمرته أمريكا التي صنعته. فهل نمجد أمريكا لأنها دمرت الطاغية صدام حسين أم نهاجم أمريكا التي خلقت صدام حسين كعميل لأمريكا؟ في قيام صدام حسين كان دم وظلم وفي القضاء على صدام حسين استلزم دم أكثر؟ والمجد لأمريكا!!!!!!
قتلت روسيا عشرات الملايين من المسيحيين لتثبيت الفكر الشيوعي ونشره في العالم. وبعد سبعين سنة ملأت خلالها الأرض من دماء المسيحيين وتعذيبهم في سيبريا، سقطت روسيا الشيوعية بسبب التعصب الإ


4 - سامي المصري
المعلم الثاني ( 2009 / 3 / 25 - 10:07 )
ما كتبت ياسيدي الأستاذ سامي المصري يدل على السمو و المثالية ..أقول بكل صدق كم أتمنى أن أكون مثلك بهذا التفاؤل...

هذا الايمان بقوة الحق والعدالة والانسانية لا يأتي سوى من الايمان بعقيدة دينية أو اديولوجية ، دين أو فلسفة أو فكر يعلّم أن الانسان خيّر بذاته أو بأن هناك قوة فوق الطبيعة توجه التاريخ نحو حتمية ما

أوافق ما ذكرت عن أن البطش عمل متخلف ضد الانسان...لكنني، و أمام أحداث مآسي التاريخ التي ذكرت بعضها لا اجد في نفسي الايمان اللازم في حتمية انتصار (الخير)!..

كان تعليقي للرد على المسألة التي طرحها الاستاذ حميد كشكولي وهي(هل تزول عقيدة بالاضطهاد) فكان جوابي (بنعم) دون تردد...واستعنت بأمثلة من التاريخ تؤيد كلامي

أوافقك على ما تقول بأن: -احترام الفكر والرأي المخالف هو أول خطوة في التحضر الإنساني-....و بأن -البطش والإرهاب سواء كان ديني أو مدني أو ملحد أو لأي سبب آخر هو عمل متخلف ضد الإنسان..- لكنني أتحفظ على باقي الجملة -و ضد التاريخ-...أقولها آسفا حزينا

أتفق أيضا مع قولك:-من أدراك يا من تؤمن بأي فكرة أن رأيك هو الوحيد الصحيح حتى تقتل كل من لا يؤمن به؟!!!- ....فأنا بالطبع لا أطالب بقتل كل ما لا يرى ما أراه لكنني أقرر ومن التاريخ أن العنف الذي ليس ق


5 - عنف يولد العنف
سيروان ( 2009 / 3 / 25 - 11:08 )
هکذا قالوا
اذا کان يستخدمون العنف لقمعک فماذا انت تفعل، هل تستسلم و تدعهم يفعلون مايريدون، لا ابرر أستخام العنف ولکن ماذا تفعل مع من جعلک کافرا و مرتدا و حلل دمک مسبقا، في هذه‌ الحاله‌ العنف هي الطريقة الوحيدة الکفيلة لردعها. و ماذا لوکان الاتحاد السوفيتي سلطة مسلمة کافغاستان او السعودية مثلا؟ وما التي فعلتها جمهورية الاسلامية الايرانية مع السجناء عهد الشاه‌ في سجن ايفين ، يقولون ان حراس الثورة استجابوا المسجونين فقط بسوال واحد هي( هل تؤمن بااللة و الثورة فاذا کان جواب نافيا قتلوا السجين و بالدم البارد حينها و دون تردد او التأخير. والحکومة العراقية استطاعت دحر حرکة تحررية العراقية و قتل کل الشيوعين و الاحرار وابعادهم عن الساحة السياسية لعشرات السنين وها هم الطائفيين و الاسلاميين احتلوا الساحة وقلبوا عملية رأسا علی العقب، العنف لايرد الا بالعنف ولا خيار سوی ذلک مع الاسف
تحياتي للجميع


6 - الشر لا يُقهِر إلا بالخيرأ
سامي المصري ( 2009 / 3 / 25 - 17:47 )
أخي الفاضل المعلم الثاني وأخي سيروان
أوافق تماما على كل ما تقولا فالعنف يولد العنف. كان لي أصدقاء في المدرسة من الفلسطينيين المهجرين منذ عام 1949. كانوا يتميزون بالطيبة الشديدة والجدية في العمل والمسالمة. كيف كيف تعلم هذا الشعب المسالم الإرهاب إلا بسبب الإرهاب والظلم الذي تعرضوا له.
لكن هناك وجه آخر للحقيقة هام جدا، فالشر لا يُقهِر إلا بالخير،
فغلبة الشر بالشر لا ينتج عنها سوى استمرار الشر الذي يحافظ على استمراره لأطول مدى بالشر المضاد. الشر زائل لا محالة وهو يدمر نفسه بنفسه، فالشر عمل ضد البقاء وضد الوجود، والبقاء للأصلح، والأصلح هو الخير. هتلر كان يملك أقوى قوة على الأرض لكنه زال بقوته وشره. فالخير والبناء والتقدم هم العناصر التي تصنع التاريخ. نحن نمر بأزمة تاريخية في عصر من أسوء العصور حيث استخدم العلم والتقنية في خدمة الظلم والقهر. ولكن حتما التاريخ يتحرك نحو نماء الوجود واستمراره لا اغتياله لذلك أؤمن أن الله موجود. أؤمن بما يقوله الكتاب المقدس -لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير- (رو 21:12)

لست أتصور أني أقف مكتوف الأيدي أمام من يهجم ويقهر بلدي بشكل مباشر، فلا بد من المقاومة حتى تقديم دمي من أجل حب شعبي وبلدي وأولادي. فالدفاع عن النفس ضرورة مشروعة. لكن العدوان

اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو