الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسمه الوحي

سعدون محسن ضمد

2009 / 3 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كنت احسب أن العلم، بأدلته المستندة على التجربة أو على الملاحظة المباشرة، غير قادر على الانسجام مع الخرافة داخل عقل واحد. فهما ضدان، ووجود أحدهما كفيل بسحب البساط من تحت الآخر كنت أعتقد ذلك إلى أن شاهدت، وبالمصادفة، برنامجاً على فضائية الـ(MBC1) يقدمه شاب يبدو عليه، من هيأته، أنه سلفي...
ما جعلني اتابع البرنامج رغم مظهر مقدمه هو موضوعه، الذي تعلق بالفلك. وفعلاً كان العرض مفيداً، لأنه استخدم آلية ممتعة. فقد بدأ ـ وهو بصدد الكشف عن سعة حجم الكون ـ بمشهد يجتمع فيه بعض الناس في مدينة البندقية، ورسم حول هذا المشهد دائرة، قال بأنها تمثل مساحة ما، ثم ضاعف حجم هذه المساحة ورسم دائرة أخرى، فبدت داخل هذه الدائرة الجديدة مدينة البندقية كاملة، وكرر العملية.. وأخذت كل دائرة جديدة تشتمل على مساحة أكبر من الأرض.. وهكذا إلى أن شملت الدائرة هذه المرة الأرض برمتها، ما جعل المدن والدول تختفي. ثم المجموعة الشمسية كلها ما حول الأرض لنقطة باهتة من الضوء. ثم استمرت العملية إلى أن شملت الدائرة مجرة درب التبّانة، وعندها لم يعد ممكن لا رؤية الأرض ولا كل المجموعة الشمسية، ثم شملت الدائرة العنقود المجري الذي تنتمي له مجرتنا، وعندها صارت المجرة وبما تشتمل عليه من ملايين الملايين من النجوم عبارة عن نقطة ضوء تافهة جداً. وبين كل دائرة ودائرة، كان مقدم البرنامج يغتنم الفرصة ليقف مع مشاهديه بلحظة تأمل تكشف لهم حقارة حجم الإنسان بالنسبة لحجم الكون الهائل.
إلى هذه اللحظة كانت العملية ممتعة وعلمية وذات فائدة كبيرة. لكن كانت المفاجأة كبيرة عندما انقلب مقدم البرنامج من كونه داعية علم إلى كونه داعية خرافة، وذلك عندما حول، وبخفة مهرج، هذا الكون العظيم إلى حلقة (=خاتم)، ورماها داخل كرسي الرب. هكذا وبصورة مفاجئة، ثم فسَّر الكرسي بأنه (المسطبة) التي يضع عليها الرب قدمه عندما يريد أن يجلس على عرشه...
يا إلهي.. (قلت لنفسي)، إذن العلم لا يستطيع أن يفعل للخرافة شيئاً وهو يجاورها داخل عقلٍ سلفي أكثر من أن يقبع عند قدميها صاغراً ومهاناً. هذه الحادثة ذكرتني بحقيقة أقرَّها حسن حنفي في أحد كتبه، عندما اعتبر الوحي بمثابة سقف يحجز أفكار المسلمين داخل مستوى (متدن) من الوعي لا يستطيعون تجاوزه، وبالتالي فمهما عرف هؤلاء المحجوزون تحت هذا السقف من معارف علمية فأنهم سيكونون مضطرين لسحبها إلى تحت وتحويلها إلى خرافة، بالأحرى إلى ظلمة لا يريدون مغادرتها. ظلمة الكون الذي يضعه ربه تحت قدميه...
لم تستطع عقلية الإنسان القديم أن تتخيل رباً بلا عرش يجلس عليه، وإلا جلس على التراب!! ولم تستطع أن تتخيل كوناً يكبر على هذا العرش، فكان أن طلعت بخرافة الرب الذي يجلس على عرشه واضعاً قدمه على كرسي كبير، وهناك، أي تحت قدم الرب، بحسب الخرافة التي يقدمها (العلم السلفي)، يختفي كون هائل نعيش نحن داخل كرة صغيرة سابحة بفضائه...
تُستخدم الفضائيات، عادة، والتي هي نتاج مباشر للعلم، لنصرته على الخرافة، لكن الذي يحدث عندنا هو العكس، والسبب أننا ما نزال محتجزين، وربما دون أن نشعر أو نريد، داخل سقف هائل من الخرافات.. نسميه (تراثاً) ونعتبره مقدساً، مع أن له اسماً آخر أكثر حساسية، يجب أن نقف عنده ونحاكمه طويلاً، وطويلاً جداً










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناشطون في كورك الأيرلندية ينظمون فعاليات دعما لفلسطين


.. كاميرا الجزيرة توثق استهداف الاحتلال سيارات الإسعاف في حي تل




.. الجيش الإسرائيلي يدمر منزلاً على ساكنيه في مخيم البريج


.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا




.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق