الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلام المسيح ونظرته السياسية الى المسيح

اميرة بيت شموئيل

2004 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحساسية المفرطة التي اظهرتها بعض الجماعات اليهودية تجاه فيلم الام المسيح الذي اخرجه المخرج والنجم السينمائي ميل جبسون كانت بسبب نظرته، السياسية والعلمانية نوعا ما، الى الساعات الاخيرة من حياة السيد المسيح على الارض . فالفيلم الذي اظهر الاوضاع المزية التي عاشها الشعب اليهودي في ذلك الحين اوضح مواقف وتحالفات مسؤوليه السياسيين والدينيين والمحتلين ضد ارادة الشعب في البلاد.

والفيلم عموما لم يتطرق الا الى البعض القليل من المواقف والاوضاع السياسية في ذلك الزمان، ولكن بما انه استنقى قصته من الكتاب المقدس، الا وهي جزء من حياة المسيح، اعتبر الفيلم مادة دسمة لاثارة الحساسيات المختلفة. وطبعا لابد وان تكون منبع هذه الحساسية، الجهات الدينية بالدرجة الاولى، والسياسية، التي اثارت القيل والقال حول الفيلم، خاصة وان علماني ( ميل جبسون) اثار الفيلم، والقاعدة تنص على عدم افساح المجال للعلمانيين بالتدخل لشرح بعض الامور من الكتاب المقدس، لان هذا يقع ضمن اختصاصهم.

الحقيقة اننا لو القينا نظرة سياسية على مسيرة السيد المسيح الاصلاحية ومنهجه، لابد وان نكتشف الثورية فيهما، في تجسده الانساني وكشفه للظلم في هذه الفترة، ومواقفه الثورية في جميع المراحل التي خلدتها الاناجيل الاربعة من بعده. فالمسيح جاء في الوقت الذي كان المجتمع اليهودي يعاني الامرين من ظلم الاحتلال الروماني من جهة وظلم مسؤوليه الدينيين والسياسيين، الذين فرضهم المحتل عليهم واخذ يحكم الشعب من خلالهم، بالاضافة الى ظاهرة الفقر والعوز الذي عاشه الشعب اليهودي في ذلك الوقت.

عندما عاد السيد المسيح من مصر، التي لابد وان كانت في ذلك الوقت، وبحسب التاريخ، دولة متحضرة، وجد الحالة المزرية التي يعيشها الشعب اليهودي تحت السلطات ( المحتل الروماني والمسؤولين الدينيين والسياسيين المنتفعين في البلاد)، واخذ ينتقد الاوضاع المتخلفة بشدة، اثناء جولاته العديدة في القرى والارياف التي سكنها الشعب اليهودي. انتقاداته كانت جريئة وامام الشعب، كما انه كافح لتثقيف من حوله، من خلال ارشاداته العديدة لهم واجوبته الاصلاحية عن اسئلتهم حول الحياة والاوضاع التي كانوا يعيشوها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما وجد مجموعة تحاصر امرأة خاطئة وتباشر برجمها بالاحجار حتى الموت، جاء انتقاده عنيفا بالنسبة لهم، لان هذه المجموعة لابد وان كانت تنفذ في المرأة عقوبة حكم الاعدام بأوامر من قياداتهم الدينية في ذلك الوقت، فقد اوقفهم ( اي السيد المسيح) عن تنفيذ الحكم بنقده : من منكم بلا خطيئة فليرجمها باول حجر. ثم وبعد ان ترك الجميع تنفيذ اوامر الحكم بالرجم، عاد ونصح المرأة الخاطئة عندما قال لها : اذهبي ولا تفعلي ذلك بعد الان.

وكلما ازدادت الحالات التي كان المسيح ينتقد اوامر وقرارات المسؤولين امام الشعب، كلما اشتدت عداوتهم له واشتدت معها خططهم للايقاع به، فقد كانوا يرسلون المرائين والمحتالين ليوقعوا به في شباك الرومان المحتلين، وهذا يظهر جليا عندما اقدم احدهم الى اعطاء المسيح عملة ورقية عليها صورة القيصر الروماني قائلا له: لمن نعطي هذه العملة ، فادرك المسيح على الفور مغزاه واجابه : اعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر.

الشعب اليهودي من المساكين والفقراء والمعدومين احبوا السيد المسيح، وقضوا الكثير من اوقاتهم يتبعونه من مكان الى اخر ويستمعوا الى ارشاداته وتعاليمه التثقيفية، التي كثيرا ما كانت تأتي على شكل حكم وامثال ليفهمها البسطاء ايضا، وكثيرا ما تحملت هذه الجموع التي كانت تستمتع باحاديثة من الصباح حتى المساء، الجوع والعطش، فليس من المنطقي ان تقوم نفس الجموع بالحاق الاذية به، عندما تم تعذيبه والتنكيل به قبل الصلب. لا بد وان تكون الجماعة المتجنية هي المجموعة التابعة للمحتل الروماني وللمسؤولين الدينيين والسياسيين، بالاضافة الى مجموعة القتلة والمجرمين من اتباع السجين برباس الذي طالبوا بتحريره بدل المسيح. اما الشعب من اتباع السيد المسيح، فلا بد وان يكون قد تم ارهابهم وابعادهم عن المنطقة التي اجريت فيها الادانة والتنكيل والصلب، وهذا نجده واضحا عندما حاول احد تلاميذه، سمعان، الدخول بينهم ، فقفوا له بالمرصاد، من كانوا يتفرسون في الوجوه ليتأكدوا من خلو الجمهور من اتباع المسيح.

اما مسألة ضلوع المحتل الروماني في الجريمة، فبالرغم من اضهار المسؤول الروماني وهو يغسل يديه من الجريمة، كدلالة على عدم مشاركته فيها، الا ان مشاركة جنوده الرومان العنيفة في تعذيب المسيح جسديا ونفسيا، وصلبه واخيرا غرس الرمح في جنبه، اكدت ضلوعه كمسؤول اعلى لهؤلاء الجنود.

حقيقة ان القاء نظرة سياسية على منهج السيد المسيح تظهر لنا بوضوح تجسيده لشخصية الانسان الثوري، الذي يحارب الظلم والطغيان داخل الانسان والمجتمع ليتمكن الجميع من رفض التبعية العمياء والعبودية والتسلط الخارجي عليهم.

ملاحظة اخرى حول اللغة العبرية التي استخدمت في الفيلم، فقد حاول المخرج تقريبها من اللغة العربية بشكل ملحوظ لاستقطاب اكبر عدد من المشاهدين اليهود والعرب، فقد كانت العملية في بعض المشاهد مبالغ فيها وجاءت في البعض الاخر متجنية على اللغة الارامية، التي كانت منتشرة ومتداولة في الكثير من الدول في ذلك الوقت. فالمسيح لم يقل : الهي الهي لما سبقتني ، كما لفضها الممثل في نهاية الفيلم ، المسيح قال : ايل ايل لما شبقتني ( الهي الهي لماذا تركتني)، لانه بيساطة ، قالها باللغة الارامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah