الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباشا والقضية الفلسطينية - 1 -

عدنان عاكف

2009 / 4 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كنا في مقالة سابقة قد تناولنا ما ورد في مقالة السيد شامل عبد العزيز " الباشا وستالين "، الحوار المتمدن، العدد 2601 ، 30/3/2009 ، بشأن الاقتصاد العراقي ، الذي كان مقدر له ان يحول العراق الى جنوب ايطاليا خلال بضعة سنوات. سنتوقف في هذا المقال عند موقف الباشا من القضية القومية وخاصة القضية الفلسطينية. يقول الكاتب :
" سوف نعتمد على مجموعة السيد عبد الرزاق الحسني ( تاريخ الوزارات العراقية ) الجزء السابع والجزء الثامن في مواقف الحكومة العراقية في العهد الملكي حتى يتبين هل نحن على حق في ماذهبنا إليه أم لا ؟ وماهي المواقف التي كانت تتبناها الحكومة العراقية في تلك الفترة ومن خلال أهم قضية ألا وهي قضية فلسطين ..."..
يتوقف عند مقررات مؤتمر بلودان، الذي أوصى الحكومات العربية بالدخول في مفاوضات مع بريطانيا حول القضية الفلسطينية. وافقت حكومة لندن على ذلك الطلب، لكنها اتخذت قرارا آخر بحق فلسطين ، مما أغضب الحكومة العراقية، فأصدر مجلس الوزراء في 15 آب بيانا شديد اللهجة يحتج فيه على تصرفات الحكومة البريطانية، وخاصة اعلانها عن خطة جديدة تجاه فلسطين ، وأعلن البيان بأن " الحكومة العراقية ليس في وسعها الموافقة على الدخول في مفاوضات مع الحكومة البريطانية " ما لم تتأكد من مجموعة من النقاط، منها : ترفض التفاوض مع اليهود ولا تعترف بأي حق للهيئة الصهيونية العالمية في فلسطين . ولا تعترف بأية صفة رسمية للحكومة الأمريكية في موضوع فلسطين... عدم الاعتراف بقرارات اللجنة الأنكلو – أمريكية، ولن تقبل بالخطة المقترحة من الخبراء الانكلو – أمريكيين التي أعلنتها الحكومة البريطانية مؤخرا .. تستنكر الاقتراح بتعويض عرب فلسطين وتقديم القروض للدول العربية .
ويشير السيد شامل الى ان كتاب الإسناد الملكي بتأليف الوزارة السعيدية العاشرة حصر مهمة هذه الوزارة بالدرجة الأولى في قضية فلسطين وصرف كل الجهود والإمكانيات لإنقاذها من محنتها وتنفيذ مقررات مجلس الأمة الصادرة في 28 تشرين الثاني، والتي كانت تتعلق بتحديد خطة دقيقة وواضحة لتحديد الأعمال الخاصة التي ينبغي القيام بها للقضاء على أية محاولة لتكوين دولة يهودية في فلسطين ومن ضمن ذلك الخطة التي يجب إتباعها لمقاومة أي قرار تتخذه هيئة الأمم المتحدة لتكوين دولة يهودية في فلسطين . وينهي الكاتب حديثه عن موقف الحكومة من فلسطين بالجملة التالية: والمعلوم للجميع كذلك ما قام به الجيش العراقي في تلك الفترة من أعمال عسكرية بجانب الجيش المصري والأردني في الجبهتين الجنوبية والوسطى ..
قبل الخوض في تفاصيل هذه المعلومات، التي أراد السيد شامل من خلالها ان يكشف عن المساعي التي بذلها العراق للوقوف الى جانب الفلسطينيين، لمواجهة المخططات الصهيونية، المدعمة من قبل بريطانيا وأمريكا، ، لا بد في البداية من معرفة الموقف الحقيقي للكاتب من مواقف الباشا والحكومة العراقية ومعها الحكومات العربية الأخرى من المشكلة الفلسطينية ومن الحلول التي كانت مطروحة آنذاك. الذي فهمته ان الكاتب يشيد بصلابة موقف الحكومات العربية في مؤتمر بلودان التي رفضت تقسيم فلسطين واقامة الدولة اليهودية, وقد ورد في القرارات السرية للمؤتمر ضرورة " اتخاذ احتياطات عسكريه على حدود فلسطين لحماية عروبتها من المنظمات اليهوديه الارهابيه عند أنسحاب الانكليز من فلسطين ". ومن الواضح ان تلك الاجراءات كانت تعني الاستعدادات الأولية للحرب التي دخلتها الحكومات العربية بعد ان أصبح قرار التقسيم ساري المفعول. ومن الواضح أيضا ان السيد شامل يتفق مع كل هذا. ويذهب أبعد من ذلك حيث يثني على الحكومة العراقية التي ساهمت الى جانب مصر والأردن في الحرب ضد اليهود.
الذي أعرفه من خلال اطلاعي على ما نشره الكاتب سابقا انه عبر، بشكل غير مباشر، عن رفضه لمثل هذا الموقف وكل ما يترتب عليه. فقد سبق له ان عبر عن تأييده لموقف السيد طارق حجي حين نصح سوريا أن تأخذ بالموقف العقلاني الوحيد الممكن لحل مشاكلها مع اسرائيل وان تحذو حذو الرئيس السادت. في حينها أشرت الى هذه الحقيقة، وقد رد السيد شامل بقوله :
" الموضوع الذي ورد في مقالة الاستاذ حجي هو الصراع العربي الاسرائيلي وقال على سوريا أن تحذو حذو السادات وإلا فانها سوف لن تنجو وسوف تغرق .نحن مع هذا الرأي . السادات في هذه النقطة كان مصيباً.. قد ترأه أنت وغيرك عكس ذلك .. ولكن أسالك منذ أكثر من 60 عاماً ماذا فعل العرب تجاه القضية الفلسطينية ؟ لقد أصبحت اسرائيل هي الشماعة لكل مصائبنا ..".
هناك لبس وعدم وضوح في الموضوع. من ناحية نحن نشكك بما فعله العرب تجاه القضية خلال ستين عاما، ومن ناحية أخرى نشيد بما حققته الحكومة العراقية خلال أقل من عام واحد، وهو الفترة ما بين مؤتمر بلودان وما بين ارسال القوات الى فلسطين. ثم ماذا نفعل بقرارت مؤتمر بلودان، التي رفضت موقف السادات من قبل أكثر من 60 عاما ؟ جدير بالذكر ان موقف السيد حجي كان صريحا وواضحا ولا لبس فيه حول الصراع العربي الاسرائيلي، وهو موقف لم يتغير في الماضي وفي الحاضر. حجي واضح بان الموقف الصحيح الذي كان على العرب ان يتخذوه منذ الأربعينيات هو القبول بالشرعية الدولية والموافقة على التقسيم وقيام دولة اسرائيل. لقد سبق ان نشر مقالة قبل فترة قصيرة على الحوار المتمدن، تحدث فيها عن موقف الأحزاب الشيوعية العربية التي أعلنت عن موافقتها على قرار التقسيم حال صدوره. ومما ورد في تلك المقالة:
" في ديسمبر 1947 نظم الحزب الشيوعي العراقي مظاهرات صاخبة ضمت كل أعضائه وأنصاره وطافت المظاهرات في شوارع بغداد وغيرها من كبريات المدن العراقية معلنة تأييدها لقرار تقسيم فلسطين ومؤيدة لفكرة إقامة دولة يهودية، وفي مقدمة كبرى هذه المظاهرات سار عضوان بالحزب الشيوعي العراقي، أحدهما مسلم والآخر يهودي وقد تشابك ساعداهما كرمز للصداقة والمعايشة التي يدعو لها-منذ ذلك اليوم فقط-الحزب الشيوعي العراقي ويباركها....
لقد كان الشيوعيون العرب وعدد قليل للغاية من الليبراليين العرب مع قبول قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة عربية ودولة يهودية. أي أنهم كانوا مع "الشرعية الدولية". وكان أوضح الليبراليين العرب في موقفه إسماعيل صدقي الذي رأس الوزارة في مصر من 1930 إلى 1933 ثم مرة ثانية خلال سنة 1946. ... ومع ذلك فليس بين الكتاب العرب من لديه الشجاعة ليقول أن إسماعيل صدقي كان حكيماً وذا رؤية صائبة."!!
تُرى هل يمكن للسيد شامل ان يخبرنا أي من الموقفين هو الموقف الصحيح، موقف الباشا العراقي، الذي عارض قيام الدولة اليهودية، ووقف مع الحرب، ووجه قوات بلاده لتساهم في الحرب، أو موقف الباشا المصري الذي أيد قرار التقسيم ووقف مع الشرعية الدولية، كما يقول السيد حجي ؟
مع ان موقف الأحزاب الشيوعية ليس موضوعنا، لكن من الضرورة التنويه الى ان المعلومات التي أوردها السيد طارق حجي بشأن موقف الحزب الشيوعي والمظاهرة التي نظمها تأييدا لقرار التقسيم تتنافى مع جميع المصادر المتوفرة حول الموضوع. وقد نوهت الى ذلك في مقالة سابقة نشرت على الحوار المتمدن، العدد 2584 – 13/3/2009، وكنت أتمنى لو ان الكاتب عقب على ماذكرته. المظاهرة التي شهدتها بغداد في ديسمبر 1947 ( بعد أيام من صدور القرار) لم ينظمها الشيوعيون، بل مظاهرة طلابية كانت ضد القرار وقد ساهم بها الشيوعيون، كما يذكر حنا بطاطو. وفي مطلع ديسمبر أصدر الحزب بيانا واضحا وصريحا أعلن فيه معارضته الشديدة للقرار، وتمسك بموقفه الثابت ، وهو اقامة دولة ديمقراطية واحدة للعرب واليهود. ويشير الأستاذ جاسم الحلوائي الى ان جريدة "الأساس"، التي صدرت في أواسط آذار من عام 1948، وكانت ناطقة بلسان الحزب ويحرر مقالاتها الإفتتاحية الفقيد زكي خيري، تولت الدفاع عن موقف الحزب الرافض للتقسيم، ورفعت شعارات تحريضيةً ومساندة للحرب ضد اسرائيل مثل: "أبناء شعبنا! كافحوا للحفاظ على عروبة فلسطين وهزيمة مشروع الدولة الصهيونية" والآن نعود الى سؤالك: " ولكن أسالك منذ أكثر من 60 عاماً ماذا فعل العرب تجاه القضية الفلسطينية ؟ لقد أصبحت اسرائيل هي الشماعة لكل مصائبنا ..".أنت على حق. لم يفعل العرب أي شيء، و حكومة الباشا، التي تشيد بمواقفها، ليست استثناء. انا اتفق كليا مع ما ذكره قبل أيام الكاتب المصري المعروف صلاح عيسى في برنامج بثته الفضائية المصرية، حيث أشار الى ان ما نحن فيه من حالة استسلام لا يتحملها الرئيس السادات لوحده، بل القادة العرب الآخرون. لقد تشتتنا بين مستسلمين منبطحين ومقاومين رافضين. ولكن في نهاية المطاف لم نفعل أي شيء.
مرة أخرى أتمنى لو أعرف أي من الموقفين هو الأصح: موقف اسماعيل باشا أو موقف نوري باشا ؟؟
للموضوع صلة. في الحلقة القادمة: عن مؤتمر بلودان وجهود الحكومة العراقية " لإنقاذ فلسطين "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين التناقض؟
زائر الليل ( 2009 / 4 / 2 - 22:56 )
ليس هناك أي تناقض يا سيدي، أنا أقول لك كيف وكيف أن الموقفين صحيحين...الفكرة هي إعادة الإعتبار للأرذال، لذا يكون موقف السادات صحيح وموقف نوري السعيد صحيح وموقف الملك فاروق صحيح في مسلسلة أخرى...لايهم كيف تبرهن أنه صحيح..إنه جزء من مسلسل إعادة الإعتبار لحثالاتنا، وكل ما يساعد على إنجاز ذلك فهو -صحيح-...هل زالت الغشاوة وذهب التناقض وثبت الأجر إن شاء الله..؟ أطلبك 5 دولارات لإضاعتك وقتي..

اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس