الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنعود من منتصف الطريق؟

جان كورد

2004 / 4 / 9
القضية الكردية


مما لا ريب فيه أن القضية الكردية في سورية قد اتخذت بعداً لم تأخذه من قبل منذ أن انتفضت مدن الجزيرة وعفرين وكوباني والأحياء الشعبية الكردية في حلب ودمشق.. ولست هنا بصدد إثبات كردية هذه المدن المنتفضة والمناطق التي تتواجد فيها الجماهير الكردية الغاضبة، فالحقيقة هي على الرغم من كل المقالات والدعايات التي نشرها وينشرها بعض عشاق الآثار الآشورية القديمة عن الجزيرة "الآشورية" التي تسكنها "أقلية كردية!"، ورغماً عن أنف الذين يتحدثون عن عروبة كل البلاد السورية دون رؤية الواقع المنظور، فإن الذين ثاروا على طغيان الدولة الأمنية وحكومة الاستخبارات السورية قد حددوا دون قصد بما سماه بعضهم ب"الشغب القومجي الكردي" أين يقع الجزء السوري من كردستان، وبذلك أراحوا الجغرافيين والسياسيين على حد سواء وأزالوا كثيراً من غموض التاريخ وأكاذيب الكتب المدرسية التي تنكر وجود هذا "الشيء الكردي" في البلاد السورية. وها هم المثقفون السوريون من عرب وكرد ومنتسبي أقليات قومية ودينية يتحاورون بعد أن هدأت العاصفة في ظل شجرة الولاء للوطن عما إذا كانت تلك الرجة الشديدة زلزالاً أرضياً شديداً حسب مقاييس الباحثين، أم "انتفاضة قومية" أم "ثورة غضب شعبية" لا علاقة لها بالكرد وكردستان، أم أنها كانت من تدبير بول فولفيتز وبول بريمر ومن والاهما من الكرد في الخارج!!..
ومهما تكن الحقيقة متدثرة فستظهر في يوم من الأيام ناصعة كالشمس التي تزّين العلم القومي الكردي، ولذا من الأفضل سماع كل الآراء والأفكار ومناقشتها بروح رياضية وسعة صدر، فلا يمكن أن تكون نظرة البعثي المتخم على حساب الدولة إلى "ثورة جياع الجزيرة" كنظرة الوطني الكردي الذي يعلم حقيقة ما كان يجري ولايزال يجري مع الأسف بين الدولة المتمردة على "الحضارة الإنسانية الديموقراطية" وبين المنبوذين من رعاياها والمجردين من جنسيتهم السورية، أجيالاً وراء أجيال.. كما لا يمكن أن تكون نظرة الحالمين بعودة المجد النبوخذي والبني بعلي إلى بلاد ما بين النهرين الذين لايرون الأكراد سوى زمرة من المخربين المجرمين الخارجين على الدولة في كل مكان كنظرة السياسي الدمشقي الواقعي الذي يقبع في زنزانته في سجن من سجون سوريا الشهيرة بطول الاقامة فيها نظراً لمفاتنها وراحتها، أو نظرة الهارب إلى أقصى بقاع الأرض منذ عشرين سنة خوفاً من التقارير المدوّنة بحقه من قبل جاره.. ولكن الكردي الذي احترق بنار السياسة العنصرية الشوفينية لأكثر من أربعين عاماً له أيضاً نظرة في هذا "الحدث!!" الهائل الذي هربت الدولة بعد وقوعه بأجزاء من إدارتها من منطقة كوباني "عين العرب!!" مثلاً إلى مدينة حلب البعيدة...وعلى الباحث عن الحقيقة أن يحترم هذه النظرة أيضاً كما يحترم نظرة السفير السوري، صاحب المدائح الشعرية الرائعة عن الرئيس الأبدي، الأستاذ رياض نعسان آغا...
وحسب ما نسمعه كل يوم من الأكراد الذين أنتجوا هذا "الحدث!!" فإن ما قاموا به كان "انتفاضة" ذات سمات انتفاضية، لأنها كانت موجهة ضد نظام سياسي مستبد بهم، وشملت أكثر من سبع مدن، ودمرّت فيها أدوات سلطة وأحرقت مبان حكومية ورموز للقائمين على أمر البلاد، واستخدم فيها أسلحة وآليات حكومية ضد من سماهم النظام نفسه بالمتمردين.. ولايمكن أن نعتبر ما حدث في العراق في زمن البعث البائد من "أحداث!!" انتفاضة وما حدث في القامشلي مثلاً "أعمال شغب" أو أن نحصر "الانتفاضات" في العرب وحدهم دون غيرهم من الشعوب والأقوام، فنرى ما يقوم به الفلسطينيون في فلسطين والصدريون والفلوجيون في العراق "انتفاضة" وما يقوم به الكرد السوريون مجرد "حدث!!" على حد ادعاء بعض فطاحل السياسة الانبطاحية في سورية. والحدث كلمة محايدة وليست وصفاً دقيقاً لما جرى حقاً في المناطق الكردية بدءاً من 12/3/2004 ، ولكن علينا أن لا ندّعي بأنها "ثورة لتحرير كردستان الغربية" كما زعم بعض الكرد غير الواقعيين، فمواصفات الثورة غير مواصفات الانتفاضة، لأن الثورة تكون نتيجة تخطيط مسبق وتقودها طليعة ثورية معينة ، وتكون لها أهداف تحريرية واضحة، وهذه الأمور لم تكن متوفرة حقيقة في هذه الانتفاضة الشعبية العارمة التي جاءت تعبيراً عن حالة سخط وتنج واحتقان سياسي – اجتماعي طويل العهد.
على كل حال يجب مناقشة كل التصورات والاستنتاجات والمناظرات حول ما جرى وما يجري من سياسة قمعية واسعة النطاق تقوم بها أجهزة الدولة وتزج فيها كل مؤسساتها الإدارية والأمنية والعسكرية والدعائية للتقليل من حجم الكارثة وترهيب السكان الكرد وتفتيت قواهم السياسية وإرغامهم على ابتلاع العلقم الذي يقدّم إليهم بذريعة "الحفاظ على أمن الدولة ووحدة التراب الوطني ومراعاة ظروف سوريا العصيبة..." وقبل كل شيء بنثر الوعود المعسولة أمام "الحركة الوطنية الكردية" التي فقدت مصداقيتها إلى حد كبير لما اتخذته من مواقف غير مناسبة لتضحيات الجماهير وخسائرها الجسيمة مع الأسف الشديد.
وعليه يبقى لدينا سؤال يجب أن نبحث له عن جواب، ألا وهو: وماذا الآن؟ وقبل أن يجيب عنه الديموقراطيون السوريون الذين يهمهم أمر ترتيب البيت السوري وإيجاد توازن في العلاقات بين مختلف قطاعات الشعب وفئاته المسحوقة عموماً من قبل النظام، فإن على الحركة الوطنية الكردية الإجابة عن هذا السؤال الذي يطرحه كل مواطن كردي على نفسه وعليهم؟ فماذا يجب أن يفعله الكرد كمواطنين سوريين وكأصحاب قضية عادلة، لهم مطالب قومية وحقوق مسلوبة منذ عقود من الزمن، فشلوا في استردادها رغم كل المذكرات والاحتجاجات والاعتصامات والتظاهرات والجلسات السرية مع مسؤولي أمن البلاد وراء الكواليس؟.
على هؤلاء الذين وصفوا انتفاضة شعبهم بالحدث أن يقولوا الحقيقة، كل الحقيقة لشعبهم الذي سالت دماء أبنائه وبناته على أيدي منتسبي النظام البعثي العنصري، إلى أين وصلت حواراتهم مع السلطة التي لا تزال تمارس أشنع سياسة ضد مواطنيها وتعتقل وتعذّب وتهين المواطن في عقر داره لتحاسبه على كرديته وعلى رفضه الاستبداد، هذا الرفض الذي هو حق إنساني، بل واجب بحكم كل الشرائع العادلة؟. هل النظام مؤّهل حقاً لاجراء تحقيق شامل وعادل فيما جرى من سفك للدماء؟ وهل هو قادر فعلاً على أن يقوم بواجب الدولة تجاه الرعية كما تمليه القوانين الدولية ولائحة حقوق الإنسان العالمية وميثاق الأمم المتحدة التي وقعت عليها سوريا كدولة مستقلة؟ وإذا لم يكن هذا العدل متوافراً في هكذا نظام فما الذي يجب أن تقوم به هكذا حركة وطنية تدّعي لنفسها تمثيل الشعب الكردي في كردستان سورية؟
كثير من المثقفين الأكراد الذين يتصلون بالخارج يقولون لأصدقائهم ومعارفهم الكرد الذين يعيشون في المهاجر: "نحن لم نعد نثق بقيادات الحركة الكردية فهي تنفذ إرادة النظام البعثي وتتبعه كالظل يتبع صاحبه!!" ومنهم يرى أن لا مناص من نقل القضية الكردية نقلة نوعية إلى وعي الرأي العام العالمي ووضعها عارية كما هي أمام الحكومات والمنظمات الدولية، دون مواربة أو مداهنة.. ومنهم من يعتبر أي تأخير هو إطالة عمر سياسة التعذيب والتهديد وإهانة الكرد والاستمرار في التضييق عليهم وغمطهم حقوقهم الإنسانية بشكل أشد وأبشع، وفضح هذه السياسة واجب يقع على كاهل الكرد في خارج البلاد قبل قادة الحركة المنهمكين في إعادة الأمن إلى المناطق الكردية جنباً إلى جنب مع مرؤوسي النظام ومؤسساته القمعية.
وماذا إذا لم يأت كل ما يفعله قادة الحركة بنتيجة إيجابية في مجال استرداد الحقوق القومية المسلوبة للشعب الكردي؟ هل سيوّحدون أحزابهم الضعيفة والمنقسمة على بعضها بعضاً ليصبح حزباً قادراً على مواجهة المسؤوليات الجسام؟ هل سيتخلى عجائزهم عن مناصبهم القيادية بعد أن أثبتوا فشلهم الذريع حتى الآن؟ هل سيتخلون عن المسار التوافقي مع النظام؟ هل سيعترفون بأن سياسة أشد حزماً ستكون أفضل من هذه السياسة "الانبطاحية"؟ أم أن هذه القيادات ستعود إلى اجترار مشاكلها القديمة من نزاعات على الشرعية والانشقاقية والآيديولوجية والعلاقات مع النظام، بعد أن تهدأ الأوضاع وتعود السلطة إلى متابعة سيرها التبعيثي التعريبي التخريبي في كردستان سوريا...؟ هل نعود من منتصف الطريق؟
طبعاً نحن لا نملك وصفة طبية أو "راجيته كردية" كالتي تركها الشيخ بديع الزمان النورسي (سعيد الكردي) لشعب كردستان أثناء انهيار الامبراطورية العثمانية، ولكن يحق لنا أن نوجه الأسئلة على من يدّعي تمثيل شعبنا في هذه الظروف الحرجة ونحن لم نقم بعد بمراسم أربعينية شهداء هذه الانتفاضة، فلا تؤاخذونا..!! وأملنا كبير في أن نسمع منكم أجوبة صادقة في القريب العاجل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خالد أبوبكر: أمريكا وأوربا تجابه أي تحرك بالأمم المتحدة لدعم


.. موجز أخبار الرابعة عصرًا - الأمم المتحدة تشدد على ضرورة إدخا




.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة: قرار واشنطن وقف بعض شحنات الأسل


.. بعد إعلان إسرائيل إعادة فتح معبر كرم أبو سالم.. الأمم المتحد




.. كاميرا العربية ترصد أوضاع النازحين في مخيم المواصي