الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدس.. والصراع الجغرافي والديموغرافي المتجدد

ماجد الشيخ

2009 / 4 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يبدو أن القدس اليوم، باتت تقف على أبواب المباشرة بتنفيذ قرار سياسي إسرائيلي بتسريع تهويدها، خاصة وهي تخوض صراعا جغرافيا وديموغرافيا لا هوادة فيه، وذلك على خلفية ما أعلنه رئيس بلدية القدس نير بركات، من أن اليهود سيصبحون أقلية مقارنة بسكانها الفلسطينيين في غضون 25 عاما، وأن هذا الانخفاض مرده استمرار الهجرة المعاكسة. ولهذا باشرت سلطات الاحتلال، ترافقها شرطة البلدية يوم 22 شباط /فبراير الماضي بتنفيذ مخطط جديد، يرمي إلى تهجير المواطنين الفلسطينيين من المدينة، حيث تلقى نحو 1500 مواطن أوامر من بلدية القدس بإخلاء منازلهم الـ 80 تمهيدا لهدمها، بحجة عدم وجود تراخيص لها، رغم أنها شيدت قبل احتلال المدينة عام 1967.

وتقع المنازل المهددة في حي البستان في قرية سلوان جنوبي المسجد الأقصى، في حين يوجد نوايا أيضا لاستهداف حي الشيخ جراح شمالي الأقصى. ويشكّل ما قامت به سلطات الاحتلال مؤخرا، من إغلاق للبوابات الحديدية والفتحات التي كانت تربط الرام وضاحية البريد بالقدس، مخططا منسجما يندرج ضمن سياسة التخلص من المواطنين المقدسيين وإخراجهم خارج المدينة، سعيا لتجريدهم من مواطنتهم المقدسية (الفلسطينية)، ومثل هذه الخطوات أدت وتؤدي إلى عزل أكثر من 60 ألف مواطن مقدسي عن مدينتهم، مقدمة لتجريدهم وعشرات آلاف آخرين غيرهم من مواطنتهم وحقهم بالإقامة في المدينة.

مصادرة الأرض

منذ اليوم الأول لاحتلال القدس، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي سياستها الرّامية للاستيلاء على الأرض؛ مع أقل عدد من المواطنين الفلسطينيين، بهدف تغيير الميزان الديموغرافي فيها، ففي الحادي عشر من حزيران (يونيو) من العام 1967 أقدمت سلطة الاحتلال على هدم حي المغاربة، وآخر يحيط بالمسجد الأقصى. وكان حي المغاربة يضم 135 مبنى بين بيت ومدرسة ومسجد ومنشأة. وفي محيط الحرم القدسي هدمت قوّات الاحتلال 200 بيت ومبنى، ثمّ هدمت في الفترة نفسها قرى اللطرون الثلاث الواقعة شمال غربي المدينة والتي كانت تضم خمسة آلاف بيت ومبنى.

وقبل فترة قريبة أخذت معركة الاستيطان الكبرى الدّائرة في القدس أبعادا جديدة، فقبل ساعات من الانتخابات البلديّة (11/11/2008) التي أجمع الفلسطينيون على مقاطعتها؛ كونها تشكّل غطاء للاحتلال، وتفتح على مصادرة المزيد من أراضي المقدسيين وضمّها أو لإقامة المزيد من المستوطنات عليها، ذهبت هذه المعركة حدّ بدء عمليّات طرد 28 عائلة من منازلها في حي الشّيخ جرّاح، على أن يعقب ذلك طرد المزيد من العائلات، بعد أن كانت المحكمة الإسرائيليّة العليا قد "شرّعت" لذلك عبر إصدارها منتصف تمّوز (يوليو) العام الماضي حكما لمصلحة المستوطنين، بحجة أنّ الأرض في ذلك الحي مملوكة لشركة يهوديّة تدعى "كنيست إسرائيل" التي قدّمت إلى المحكمة الإسرائيليّة وثائق من العهد العثماني؛ تفيد أنّ الأرض تابعة لها قبل العام 1948، وهو ما نفته الحاجة فوزية الكرد صاحبة أحد المنازل التي جرى بالفعل طردها منها بالقول: "أنّه لو كان الأمر كذلك، فلماذا عرضوا علي مبلغ عشرة ملايين دولار لإخلاء المنزل؟".

وكانت بعض الأصوات الإسرائيليّة قد أعادت ما جرى في القدس خلال العام الماضي من عمليات مسلحة؛ إلى كونها ردود فعل طبيعيّة على ممارسات وسلوك إسرائيل تجاه "مواطنيها العرب"!، ومحاولات تهويدها وضمّ الشّرقيّة منها إلى الغربيّة. إلاّ أنّ الرّئيس السّابق للكنيست إبراهام بورغ يلفت إلى "غياب أيّ مشروع إنمائي في القسم العربي (الشّرقي) الخارج في الواقع تماما عن سيطرة إسرائيل". في ما يقول الباحث والخبير في مسائل القدس ميرون بنفنيستي باستنكار واضح: "ننتظر منهم أن يتصرّفوا كإسرائيليين جيّدين، لكنهم عرب، ونبحث عن تفسيرات عقلانيّة عند وقوع اعتداءات"!! آخذا على إسرائيل إغلاق المؤسّسات الفلسطينيّة التّابعة للسّلطة في القدس ما أحدث فراغا شغلته حركة حماس.

يجري هذا في ظلّ تضاعف عدد المستوطنين في القدس والضّفة الغربيّة 39 مرّة خلال 35 عاما بين العامين 1972 و 2007، غالبيّتهم تركّزوا في القدس. وفي هذا السّياق يذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره السّنوي الّذي صدر في الثّالث من آب (أغسطس) العام الماضي، أنّه في نهاية عام 2007 بلغ عدد المواقع الاستيطانيّة في الضّفة الغربيّة 440 موقعا، منها 144 مستوطنة و96 بؤرة داخل حدود المستوطنات و109 بؤر خارجها و43 موقعا مصنّفا على أنّه مواقع أخرى و48 موقعا عسكريّا.

وقد تركّزت غالبية المستوطنات في القدس (26 مستوطنة) 16 واحدة منها ضمّت إلى إسرائيل، ثمّ في رام الله والبيرة (24 مستوطنة) ثمّ جنين بواقع خمس مستوطنات، وطولكرم بواقع ثلاث مستوطنات، بحسب التّقرير الّذي أشار إلى أنّ نسبة المساحة المحظورة على الفلسطينيين بلغت 38،3 في المئة من مساحة الضّفة.

ويفيد التّقرير أنّه في نهاية عام 2007 بلغ عدد المستوطنين في الضّفة 483،453 مستوطنا مقارنة مع 466،005 مستوطنا عام 2006، وذلك بنسبة نمو مقدارها 3،74 في المئة، مشيرا إلى أنّ عدد اليهود في فلسطين التّاريخيّة وبقيّة الأراضي العربيّة المحتلّة تضاعف مرّتين خلال 35 عاما.

ويذكر التّقرير أنّ غالبية المستوطنين تركّزوا في القدس بنسبة 53 في المئة من مجموع المستوطنين في الضّفة، أكثر من نصفهم في الجزء الّذي ضمّته إسرائيل عنوة بعيد احتلالها للضّفة عام 1967، ثمّ في رام الله والبيرة (نحو 82 ألف مستوطن) ثمّ في بيت لحم (50،5 ألف مستوطن) ثمّ في سلفيت (نحو 31 ألف مستوطن).

وكان أولمرت قد أمر باستكمال شبكة الأسوار والحواجز، التي تقام في إطار جدار الفصل العنصري في القدس بحلول عام 2010، ما يعني تقطيع أوصال المدينة بالتهام أجزاء هامّة من القدس الشّرقيّة. الأمر الّذي يعيق التّوصّل لأيّ تسوية ممكنة. ومن أصل شبكة أسوار وحواجز تمتدّ بطول 790 كيلومترا يبنيها الاحتلال في الضّفّة الغربيّة وحولها، فإنّ خمس الجدار العنصري يمرّ حول القدس، متضمّنا مناطق شرقيّة مهمّة من المدينة التي من المفترض أن تصبح عاصمة لدولة فلسطينيّة مستقلّة.

ولأنّه "ضروري لأمن إسرائيل" حسب أولمرت، فقد أبلغ ممثّلين لوزارة الحرب الإسرائيليّة خلال جولة لتفقّد مواقع الإنشاء في 23 ديسمبر الماضي، أنّ الحاجز في منطقة القدس الكبرى يتعيّن استكماله بحلول نهاية العام 2009. ولا يبدو أنّ نهاية فترة أولمرت سوف تؤثّر على الاستمرار ببناء الحاجز، في حين لا يبدي نتانياهو أي رغبة في تغيير السّياسة المتعلّقة بالحاجز أو بالجدار العنصري، أو حتّى بالكتل الاستيطانية الكبرى في القدس وفي الضّفّة.

إلا أنّ الإتّحاد الأوروبي لم يستطع الصّمت، إزاء المزيد من عمليّات تكثيف الاستيطان، ما دعاه للإعلان، وردّا على قرار الحكومة الإسرائيليّة ببناء مئات الوحدات السّكنيّة الجديدة في منطقة القدس؛ أنّه يقوّض مصداقيّة عمليّة السّلام، وقد جاء هذا الموقف، بعد يوم واحد من إصدار عطاءات لبناء 447 وحدة استيطانيّة في مستوطنة في القدس المحتلّة. وأفاد بيان صادر عن الرّئاسة الفرنسيّة للإتّحاد أنّ التّحرّك الإسرائيلي أثار قلقا شديدا لدى الإتّحاد، وأنّ البناء الاستيطاني يعتبر غير قانوني وفقا للقانون الدّولي، علاوة على أنّه يحكم مسبقا على نتائج مفاوضات الوضع النّهائي، ويؤثّر سلبا على جدوى "حلّ الدّولتين"، داعيا إسرائيل إلى تجميد النّشاط الاستيطاني.

فشل المعركة الديموغرافية

وفي هذا الإطار لم يعد طرد المواطنين الفلسطينيين من المدينة (القدس) الآليّة الإسرائيليّة الوحيدة لتهويد المدينة، بل إنّ هناك سياسة تمييز موثّقة في عمليّة التّخطيط والبناء والتّجريد من الملكيّة والتّدمير، وكلّها تستهدف سحب الإقامة من الفلسطينيين، وتذكر منظمّة "بيتسيلم" الحقوقيّة الإسرائيليّة أنّه في الفترة بين العامين 1967 و 2006 سحبت إسرائيل الإقامة من 8300 مقدسي، موضّحة أنّ عدد الّذين جرّدوا من إقاماتهم كان في تزايد مستمر؛ أي 16 شخصا في العام 2004، و222 في 2005، و 1363 في العام 2006.

رغم ذلك، فإنّ الرّئيس السّابق لبلديّة القدس ميرون بنفينستي يرى " أنّ الإسرائيليين فشلوا في معركتهم الدّيموغرافيّة " فيما يقرّ الوزير الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ أن الحكومة تسعى فعلا إلى أن يشكّل اليهود غالبيّة السّكان في المدينة، لأنّ القدس "عاصمة إسرائيل".

وخلال العقود الأربعة الماضية ارتفع عدد سكان القدس من 265 ألفا إلى 750 ألف نسمة، تراجعت نسبة اليهود فيها من 74 إلى 66 في المائة، بسبب ارتفاع معدّل الإنجاب لدى المواطنين الفلسطينيين وبسبب هجرة اليهود، حسبما قال المحلّل سيرجيو ديلابرغولا، متوقّعا أن تنخفض هذه النّسبة إلى 61 في المائة بحلول العام 2020. وتوضّح متحدّثة باسم وزارة الداخليّة سابين حدّاد "أنّ إسرائيل تسحب هويّات المقدسيّين إذا حصلوا على إقامات في أماكن أخرى، أو إذا أقاموا في الخارج سبع سنوات متواصلة، ولم يقوموا خلالها بزيارات دوريّة إلى القدس"، على أنّ الخارج هنا يبدأ من الضّفّة الغربيّة وليس من أيّ مكان آخر في دولة مجاورة.

وزينة عشراوي (ابنة حنان عشراوي) ليست سوى حالة من نحو أربعة آلاف فلسطيني (تقديرات 2004) جرّدوا من حقّهم في الإقامة في القدس بذرائع مختلفة، جميعها تستهدف إقصاء الفلسطينيين من المدينة لأهداف ديموغرافيّة، وكانت زينة قد جاءت في زيارة إلى مدينتها مستخدمة إقامتها المقدسيّة، لكن سلطات الاحتلال ألغت إقامتها ومنحتها تأشيرة سياحيّة لثلاثين يوما، باعتبارها مواطنة أميركيّة بعد حصولها على البطاقة الخضراء، الأمر الّذي رأت فيه زينة إلغاء لكل حقوقها في فلسطين وإلغاء لحقوق طفلها.

وتسلّط قضيّة زينة عشراوي في هذا السّياق؛ ضوءا ساطعا على سياسة الاحتلال الإسرائيلي، الهادف إلى تهجير تدريجي لمواطني المدينة وإحلال المستوطنين محلّهم. هذا رغم ما يقوله خبراء قانونيون من أنّ "الهويّة الإسرائيليّة" التي يحملها مواطنو القدس هي مجرّد "بطاقة ساكن مقيم" ولا تشير أو تعني أنّها لمواطن من أبناء المدينة.

ولهذا توظّف سلطات الاحتلال موارد ماليّة وبشريّة هائلة لزيادة عدد المستوطنين في المدينة، إذ أعلنت عام 2008 إقامة 7600 وحدة استيطانيّة جديدة، في خطوة تهدف إلى فرض المزيد من "حقائق الأمر الواقع" على الأرض قبل التّوصّل إلى تسوية سياسيّة موعودة. ويقول الخبير في شؤون الاستيطان خليل التوفكجي أنّ عدد المستوطنين في القدس الشّرقيّة يصل اليوم إلى 191 ألفا. في حين اعتبر أن أوامر الهدم الـ 55 في مخيم شعفاط التي اتخذت في أوائل آذار (مارس) الجاري ليست مرتبطة بموضوع جدار ولا بقضية ترخيص، وإنما هي مؤشر إلى بدء صراع تهويد القدس، والذي يمكن أن نعتبره صراع ما قبل النهاية. إذ أن الجانب الإسرائيلي بدأ يأخذ على محمل الجد المسألة الديموغرافية في القدس. فبعد أكثر من 41 عاما ورغم كل عمليات التهويد ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتحويل جزء كبير من أراضي القدس الشرقية إلى أراضي خضراء، وفتح الشوارع ومصادرة الأراضي، إلاّ أن الفلسطينيين ازدادوا حتى وصلوا إلى 35 بالمائة من السكان. في حين أن التقارير الإسرائيلية تقول أن المواطنين الفلسطينيين في عام 2040 سيكونون 55 بالمائة من المجموع العام للسكان. ومن هذا المنطلق بدأت السلطات السياسية والبلدية الإسرائيلية تأخذ منحى الحسم في قضية القدس، وذلك من خلال هدم المنازل وطرد المواطنين وسحب الهويات ومن ثم استكمال جدار الفصل العنصري.

وبهدف السّيطرة على القدس مع أقلّ عدد ممكن من المواطنين الفلسطينيين، عملت سلطات الاحتلال على فرض قيود صارمة على بناء وإقامة المواطنين الفلسطينيين في المدينة، بهدف دفعهم إلى العيش خارجها، عبر سحب بطاقات هويّتهم وحرمانهم من العودة إليها، فبعد أن سلبتهم الوطن والأرض؛ ها هي إسرائيل تعمد إلى سرقة الهويّة من مواطني أرض تعرف أنّها لم تكن يوما إلاّ فلسطينيّة، أمّا "الهويّات البديلة" فهي ليست أكثر من أوراق ثبوتيّة لا تغيّر في طبيعة انتماء الإنسان إلى أرضه، ولا في طبيعة انتماء الأرض إلى إنسانها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن