الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مجنون ليلى بين الطب والادب-

عبد العزيز الخاطر

2009 / 4 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



استمتعت كثيرا بقراءة كتاب الدكتور حجر احمد حجر البنعلى الاخير "مجنون ليلى بين الطب والادب" لما له من اسلوب جذاب وسهل وممتع لغير المتخصص فى الطب, وجزالة فى اللفظ وارتقاء بالذائقه اللغويه تأخذ بيد غير المتخصصين فى الاد ب كذلك وتعلى من شأن الادب ذاته.التقاء العلم بالادب سواء كان فكرا اوشعرا ام نثرا فى معظمه يمهد لشخصيه استثنائيه لايقتصر تأثيرها على المختبر معملا او على المكتبة بحثا وقراءة. وظاهرة الطبيب الاديب ليست غريبة على المجتمع العربى الحديث على الاقل رغم ندرتها وعدم تكرارها نسبيا. كم منا يعرف ان ابراهيم ناجى شاعر الاطلال كان طبيبا ماهرا وكم منا يدرك ان مصطفى محمود الفيلسوف صاحب رحلة الشك الطويله كان طبيبا متخصصا فى الامراض الصدريه وعلاجها. اجتماع الادب بالعلم يقلل من جفاف النظريه العلميه ويؤممها للعامه كما ان للعلم ان يكشف لنا خفايا نفس الاديب شاعرا كان او ناثرا او فيلسوفا ويفسر لنا سبب بروزه وتميزه ا وانعكاساته وربما شذوذه عن مجتمعه سلبا كان ذلك ام ايجابا.
لقد جاء كتاب الدكتور حجر عن " مجنون ليلى" خارج الاطار التقليدى سواء للطب ام للادب فقد تعامل مع هذه القصه التى نسج الخيال حولها بيوتا كبيت العنكبوت جاعلا" اى الخيال" من شعره اداة لذلك ومصدرا لتأويل احداثها فهو"اى الكتاب" اشبه بالمزيج بين النفس والبدن والحاله الاجتماعيه والربط بينهما بشكل علمى حديث. ففكك مصطلح الجنون لدى صاحبها ونزع الاسطره عن قصة حبه وانسنها ووضعها فى اطارها الانسانى. كانت الصفه الغالبه لصاحب هذه القصه هى صفة الجنون الامر الذى افقد شعره قيمته الحقيقه كونه يصدر من مجنون. يجرى التعامل مع الاسطوره فى العقليه العربيه بشكل خام مما يزيدها غموضا ومركزيتة للتأويل بعيدا عن حقيقتها وواقعها لذلك تاتى هذه الدراسه محاولة لكسر ذلك وتفكيكه واسقاط المعرفه العلميه المتحصله اليوم على هذه القصه لتبرير سلوكها وادخال فى نطاق المعقوليه. لقد اتضح لنا بعد قراءة هذا الكتاب القيم بان المجنون" ليس مجنونا بالمفهوم العلمى للجنون او الطبى وانما وصل الى مرحله متقدمه من "العشق" تسمى بالجنون. وان السقوط فى ذلك خارج ارادة الشخص ويصعب تفسيره مفندا كثيرا من النظريات النفسيه كالفروديه التى ترجع كل السلوكيات الى الدافع او الرغبه الجنسيه بل ان الحب الرومانسى لاعلاقة له بالرغبه الجنسيه وهدفه مختلف حيث يسعى للوصال العاطفى وغالبا ما يستمر فترات طويله ولايهدأ بالاتصال الجسدى كالرغبه الجنسيه. واوضح لنا كطبيب اعراض العشق العضويه كالنحول والهزال وشرود البال التى هى اساسا انعكاسا لحالة العاشق النفسيه او مايسمى بالامراض" السايكو سوماتك" وبان الرجل مات متأثرا بتصلب فى الشرايين واختلال بالنبضات الكهربائيه للقلب نتيجه لهذا العشق الذى يعتبره الطب النفسى اليوم مرضا نفسيا قد يقود بصاحبه الى الجنون. ثم قدم شرحا لحالات خليجيه اكثر معاصرا شبيهه لما كان يعانى منه "مجنون ليلى" احداهما اشهر من نار على علم فى منطقتنا وادبياتها وهو محمد بن عبد الوهاب الفيحانى الشاعر العاشق الذى مات متيما بعشقه والاخر " لمجهول" عاصره الكاتب كصديق اعواما عديده. ثم وباسلوب سلس تناول ما يحدث فى جسم العاشق من تغييرات فسيولوجيه ونفسيه نتيجة لافرازات كيماويه تقوم بها العديد من الغدد داخل الجسم نتيجة لحالة العشق لديه مثل هذه المعلومات يستفيد منه القارىء الغير متخصص دونما تعقيد وتزيد من تثقيفه بما يدور فى جسمه فنحن لانرى سوى السلوك الظاهر ولاندرك كيف تتعامل الحاله النفسيه مع الحاله العضويه سويا وتبادليا داخل اجسامنا لاظهار ما يسمى حاله مرضيه.
فى اعتقادى ان كتاب " مجنون ليلى بين الطب والادب" للدكتور حجر كتاب مفصلى فى حياتنا الثقافيه للاسباب الاتيه:
اولا : انه يؤصل لدراسة الاسطوره او ما اصبح اسطوره بفعل التراكم والنقل دراسه علميه وعدم تناولها خاما وتصدريرها للاجيال القادمه كذلك
ثانيا: انه دعوه لمشاركة اهل الاختصاص العلمى والبحوث العلميه فى الحياه الثقافيه وان لاتكون حكرا على اهل الادب وحدهم فيزيدوها تراكما على تراكم.
ثالثا: انها دعوه لتقليل مساحه اللامعقول فى حياتنا من خلال اخضاع الظواهر الاجتماعيه للدراسه العلميه والبحث العلمى المختبرى ويكفى ان نعرف ان "المجنون" كما تناوله تاريخنا لقرون حتى اليوم لم يكن كذلك رابعا: دعوه لايجاد لغه مشتركه بين العلم والادب يستفيد منها العامه بحيث لايبقى التخصص حكرا على اهله يختفى باختفاءهم نحن بحاجه الى تأميم العلم كما اننا بحاجه الى علماء يدركون ذلك.
خامسا: انه دعوه للتمسك بالتراث بعد تمحيصه وفرزه وباللغه العربيه كوعاء جامع للامه وبأهم روافدها وهو الشعر العربى والارتقاء بموضوعاته.
سادسا: المراجع الكثيفه العربيه والانكليزيه خلف كل فصل تنم عن عمق التجربه فى المجالين الطبى والادبى هو مانفتقده بشكل كبير فيما يسمى دراسات او بحوث.
اخيرا اود ان اشير بعد قراءتى لهذا الكتاب قل تعاطفى مع صاحب موال قديم كنت اسمعه واردده فى شبابى الاول:
لى فى محبتكم شهود اربع وشهود كل قضية اثنان
خفقان قلبى واضطراب جوانحى ونحول جسمى وانعقاد لسانى
وادركت ان صاحبنا يعانى من اعراض عضويه اصلها حالته النفسيه وبالتالى علاجه متوفر وشفائه محتمل. يبقى ان اشير كذلك الى سؤال يحتاج بالضروره الى تلازم العلم والادب معا كما فى حالة الدكتور حجر للاجابة عليه وهو
هل يمرض المجتمع مرضا عضويا اسبابه حالته النفسيه ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية في فرنسا: اكتمال لوائح المرشّحين وانطلاق ال


.. المستوطنون الإسرائيليون يسيطرون على مزيد من الينابيع في الضف




.. بعد نتائج الانتخابات الأوروبية: قادة الاتحاد الأوروبي يناقشو


.. ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟




.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد على الجبهة الشمالية