الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف – الحلقة الرابطة لديمومة الروح التاريخي للأمم

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 4 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن انجاز المثقف المبدع مهمة البرهنة العملية على أن الإبداع الحقيقي هو سر يتكشف معناه في مجرى إدراك الأجيال والأمم لأبعاده الأبدية، يعني بلوغ إبداعه ذروة الكمال الذاتي. الأمر الذي يجعل منه إشكالية متجددة في وعي الذات القومي والثقافي. وتستمد هذه النتيجة مقوماتها من الحالة الكامنة في تمثله لحقائق المرجعية الأبدية للروح. مما يجعل من إبداعه مفتاح الإطلالة الخاطفة على الأبد. من هنا طلوعه الدائم على تجارب الأجيال المتجددة كما لو انه ملاك الرحمة والغضب، يداعب ما فيهم من أفراح وأتراح زمن الانتصار والهزيمة، كما لو انه المرافق النجيب لمصيرهم! وهي مرافقة لا مجاز فيها لغير جوازها الفعلي القائم في كون إبداعه الخاص هو معزوفة الألحان الفردانية لصوت الأبد. من هنا ملازمة إبداعه للمصير الذائب في غيب المجهول ومستقبل الأحلام، كما يمكن تحسسه وإدراكه في الحركة. فالحركة فعل متنوع غير متناه. والإبداع كذلك. والمثقف المبدع من يدرك كيفية انسيابه فيها. وهي كيفية تصنع شياطينها كما كانت العرب تقول في الجاهلية، وأربابها كما يقولون في مرحلة الإسلام. وليس مصادفة أن تتوصل المتصوفة إلى الفكرة القائلة: من عرف نفسه عرف ربه! وهي عبارة حالما يجري إرجاعها إلى جذر الكلمة ومضمونها الأول، فإنها تبدو جميلة للغاية. بمعنى من عرف نفسه فقد عرف من رباه ويربيه ويرعي تربيته. والرب هو مرجعية التربية. ومن ثم فهي على قدر ما في المرء من معاناة واكتشاف لها. والمثقف الحقيقي، وأصحاب الفكر الحر، والتفكر العميق، والتفكير المنظومي هم أرباب، أي مرجعيات التربية الذاتية. وهو السبب الذي يجعل من المثقف المبدع إمكانية لا تتناهي في سلسلة الروح.
إن تحول المثقف المبدع إلى حلقة في سلسلة الروح، هو الأسلوب الوحيد لتراكم وعي الذات التاريخي الثقافي. وهو وعي يصنع عوالمه ومعاييره الخاصة في الإبداع. وعلى أطرافها تعتاش وتتساقط قشوره اليابسة، بوصفها العملية الطبيعية أيضا لوجود الأشياء. فإذا كان الأبد لا يجد طريقه إلى إبداع المثقف دون استرقاق السمع إليه في كل مكونات الوجود، فان قشور الوعي الثقافي هي العيش على فتات العابر. وهو الفرق بين الإلهام والالتهام. كما انه خلاف واختلاف لا ينتهي. ولكل منهما معاييره وغايته. كما أن لكل منهما مظاهره وشخصياته. فإبداع الأبد هو وداعة الملاك. وما هو على خلافه وديعة الشيطان! والشيطان أيضا ملاك، لكنه تائه! وهي الصورة الرمزية التي أكثر من يمثلها في تاريخ الثقافة المعاصرة مثقفو الأحزاب، أي صنيعة الزمن الميت والالتهام البهيمي. وهو خلاف واختلاف لكل منهما تقاليده الخاصة في حضارات الأمم.
فعندما نتأمل تاريخ الوجود الإنساني بمعايير تلازم وتناقض الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، فإننا سوف نقف أمام صورة يصعب حدها بمقاييس أية مدرسة فكرية أو فنية. مما يشير بدوره إلى تعقيد هذه الثنائية المقلقة للعقل والوجدان. بحيث جعل منها على امتداد التاريخ الإنساني إشكالية ترافق وجود الإنسان من أول صرخة يطلقها في الوجود إلى آخر واحدة يرافقه بها الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والأعداء. بل أن الوعي الإنساني قد رفعها في محاولاته تحديد المعنى الجلي والمستتر في وجوده وأفعاله إلى مصاف البداية الأزلية. وهي صيغة عصية على المنطق، لكنها معقولة برغبته في تفسير ما يكمن في أعمق أعماق نزواته المتكسرة في إرادة ما يريد، وما يعانيه من نفي منطقي أو أخلاقي لما يعتقده فضيلة تسمو على ما في طبيعته.
وفي كلتا الحالتين لم يفلح في التوصل إلا إلى مفاهيم جلية بمعايير اللغة، عصية بمعايير المنطق والمطلق، كما وضعها في مفاهيم الطبيعة والفطرة. بحيث لصق بالأولى ما يقترن بالغريزة، وبالثانية ما ينأى عنها في سمائها. بمعنى انه حوّل الطبيعة "الأرضية" إلى فطرة "سماوية". وفيما بينهما حاول السباحة في عالم تتصارع فيه قوى الخير والشر، والفضيلة والرذيلة. الأمر الذي جعل من وجود الإنسان دراما معنوية اشد تعقيدا على الوصف والتحديد من دراما الوجود مع أنها حياتنا. وفي هذا كانت وما تزال وسوف تبقى فيما يبدو إشكالاتها ما بقي الإنسان يولد باكيا وأهله يتضاحكون!
فهي المفارقة التي جرى رفعها إلى مصاف الصراع الأزلي، وذلك لأنها كانت تحمل في جيناتها الوجودية ما دعته ثقافتنا التاريخية بوحدة عوالم الملك والملكوت والجبروت، أي الطبيعة وما وراء الطبيعة والإرادة الإنسانية. رغم أن القضية تبدو واضحة وجلية للعيان عندما ننظر إليها بعين الحقيقة. والمقصود بذلك عندما ننظر إلى وجود الإنسان على انه وجدان ما يعانيه بين بداية جلية ونهاية اشد جلاء. فالحياة الإنسانية محكومة بالولادة والفناء، وما بينهما لا شيء غير جبروت الإرادة في تحدى كل ما يعترض مساعيها من اجل بلوغ ما يعتقد الإنسان والجماعة والأمة المثل الأعلى والغاية المرجوة والسعادة المثلى. وفي هذا يكمن سر تحول الحياة إلى دراما مع أن بدايتها ونهايتها جلية. وذلك لأن بداية الوجود الإنساني ونهايته ترتقيان إلى مصاف اليقين. وما بينهما فقط يمكنه أن يكون "سر الأسرار" الذي اقلق الوعي الإنساني وما زال يشغله في محاولاته بلوغ اليقين. لكنه يقين لا يخلو من القلق!
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هنيئا لأمتنا
سناء الشيخلي ( 2009 / 4 / 7 - 09:52 )
أهنئ أمتنا العربية المجيدة بظهور فيلسوفها و مفكرها العظيم ميثم الجنابي محذرا في الوقت نفسه أبناءها الميامين من مؤامرات الصهيونية و الأكراد حسدا وغيرة


2 - فلسفة أم سفسطة
طالب عبد ارحمن ( 2009 / 4 / 7 - 14:11 )
أرجو من السيدة سناء الشيخلي أن تشرح لنا معنى الفقرة الأولى من المقال وإذا لم تتمكن من شرحها فاني أعتبر هذا الكلام سفسطة وليس فلسلفة وهذه هي الفقرة
إن انجاز المثقف المبدع مهمة البرهنة العملية على أن الإبداع الحقيقي هو سر يتكشف معناه في مجرى إدراك الأجيال والأمم لأبعاده الأبدية، يعني بلوغ إبداعه ذروة الكمال الذاتي. الأمر الذي يجعل منه إشكالية متجددة في وعي الذات القومي والثقافي. وتستمد هذه النتيجة مقوماتها من الحالة الكامنة في تمثله لحقائق المرجعية الأبدية للروح. مما يجعل من إبداعه مفتاح الإطلالة الخاطفة على الأبد.


3 - الى الأخ طالب
سناء الشيخلي ( 2009 / 4 / 7 - 16:26 )
یاعینی ! ما تسأل الأستاذ ميثم عن المعنى؟
صدگني لو گایله ما فاهمه شی جماعته راح
یگولون علیه ثوله
الحمد لله واحد مثلک هم ما فاهم شی ههههههههههههه
وترید الصدگ اعرف کلش زین الفیلسوف میثم شراید یگول بس ما یسوه الحچی بهای المسائل

اخر الافلام

.. حزب الله يعلن تنفيذ هجوم جوي على قاعدة إسرائيلية جنوب حيفا


.. من واشنطن | صدى حرب لبنان في الانتخابات الأمريكية




.. شبكات | هل قتلت إسرائيل هاشم صفي الدين في غارة الضاحية الجنو


.. شبكات | هل تقصف إسرائيل منشآت إيران النووية أم النفطية؟




.. شبكات | لماذا قصفت إسرائيل معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسو