الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-طقوس الإشارات والتحولات- لسعد الله ونوس: للمرة الأولى على الخشبة السورية، وبأسلوب بريختي

مايا جاموس

2009 / 4 / 7
الادب والفن


طقوس الإشارات والتحولات، مسرحية سعد الله ونوس التي كتبها سنة 1994، تشكّل تعريةً وفضحاً لبنية المجتمع والسلطات المتحكمة فيه: الدينية والسياسية والاجتماعية والأمنية، إنها لعبة داخل السلطات، وفي الوقت نفسه هي عمل يكشف دواخل الإنسان وأهواءه، من خلال حكايات مجموعة من الشخصيات التي تسير جميعها إلى الهاوية: مؤمنة- ألماسة، المفتي، العفصة، النقيب، وردة، وآخرين.
يلقي قائد الدرك عزت القبض على نقيب الأشراف عبدالله وهو في خلوة مع غانيته وردة، بتدبير من رجال المفتي، وتنتشر الفضيحة بين الناس فيتدخل المفتي لحل المشكلة حفاظاً على سمعته التي طالها التلوث بسبب سمعة النقيب نفسه، إذ يقوم بوضع زوجة النقيب الفاضلة مؤمنة، مكان الغانية وردة، ويزج قائد الدرك بالسجن لأنه ارتكب خطأ حين اعتقل رجلاً مع زوجته. على إثر هذه اللعبة، تكشف (مؤمنة) عن رغباتها وشهواتها التي قمعها المجتمع وتسعى إلى انعتاقها وتحررها، وتقرر بإرادتها أن تصبح غانيةً. المفتي الذي تغيب معالم روحه في السلطة وألعابها، يسعى إلى تحريرها ويعترف بشهواته الجسدية أمام ألماسة. العفصة وهو رجل قوي من رجال المفتي أيضاً يصل إلى الانعتاق من القيود التي كبّلته زمناً ويعترف بمثليته الجنسية، أمام عشيقه عباس، لكن المجتمع، وفيه عباس، يرفضون عفصة وينبذونه، النقيب عبد الله يتزهد بهيئة مجنون، وعزت يجن وهو يبحث عن الحقيقة: (زوجته أم غانيته؟!)
مؤمنة، وهي الشخصية الأكثر تميزاً وإثارة في نص ونوس، وخلال بحثها عن التحرر تكشف عن فساد المجتمع الذي قمعها وكبّلها بقيود القيم والأعراف والقوانين، خارقة تلك القيم، ومتحولةً إلى (ألماسة) قضية المجتمع، أو كما يريد ونوس أن يجعل منها حين تتمرد وترفض (قوةً مخيفة تزلزل استقرار البيوت وتنشر الفوضى حولها)، تُنهي المسرحية وهي تؤكد لأخيها قاتلها صفوان أنها حكاية وقضية وبالتالي لن تموت.
بأسلوب إخراجي بريختي تُعلَن المَسرَحة منذ البداية، من خلال الديكور المتغير أمام عيون الجمهور ووجود محرك الديكور على الخشبة معظم زمن العرض، كما التجريد في الديكور.
ويأتي أداء الممثلين في السياق ذاته، بريختياً بامتياز: خارجياً جامداً، بعيداً عن الانفعالات، وكأن الممثلين قد حفظوا أدوارهم عن ظهر قلب، أو كأنهم دمى أو وسائل وأدوات تنطق بالحوارات السردية، وكأنهم يعلنون: نحن نلعب أمامكم أيها الجمهور، نحكي لكم حكايةً و نعيد صياغة ذلك التاريخ أو الحكاية، وأنتم عليكم أن تقوموا بتفسير ما يُعرض أمامكم وأن تتعلموا منه.
من خلال السرد وعرض الحوادث التي تبقي المتفرجين خارجها، وتجاور المَشاهد، تعتمد المسرحية (أسلوب الأسلبة( والتغريب البريختي.
يتجاوز المخرج وسام عربش التفاصيل التي يهتم بها ونوس في طقوس الإشارات والتحولات إلى الخط العام والحكاية، وحتى الشخصيات التي تُختصر حواراتها، تفقد غناها وكثافتها النفسية، وهذا أيضاً يُفقِد الحبكة بعضاً من متانتها ووضوحها ووضوح الشخصيات وبنيتها، وهواجسها. إلى جانب تجاوز-حذف بعض الشخصيات التي وضعها ونوس في النص، منها شخصية الوالي، وأعتقد أن هذا التجاوز إنما يقوم بتخفيف الدلالات السياسية للنص، فالنص في الآخر هو لعبة داخل السلطة وهرمها، بدءاً بالمفتي مروراً بنقيب الأشراف عبد الله، وقائد الدرك عزت، وصولاً إلى الوالي الذي هو قمة ذلك الهرم. مروراً بأشخاص كان لهم دور و تأثير في الخط السياسي العام كأعيان المفتي، وخصيان الملك، وهؤلاء أيضاً تجاوزهم العرض، مبقياً فقط على رموز السلطة كمتحكمين أساسيين في اللعبة. كما تجاوز المخرج عوالم دمشق القرن التاسع عشر حيث عوالم النص، ليصل بها إلى مرحلة حديثة إنما دون تحديد دقيق، فالملابس معاصرة، لكنّ المذياع من الطراز القديم. وقد أشار ونوس في مقدمة هذه المسرحية إلى راهنية الأسئلة والمشكلات التي تطرحها المسرحية. وتماشياً مع خيار تقديم النص معاصراً، لجأ المخرج إلى التخلي عما هو شعبي أو فولكلوري مما استخدمه ونوس في نصه من أغان ورقصات باستثناء رقصة مؤمنة في السجن مع زوجها النقيب.
هذا كله أيضاً ساهم في إفقاد العرض المتعة والغنى اللذين يخلقهما النص.
في السينوغرافيا التي صممها بيير أندريه فيتز، إذ وُضِع مجسّم بثلاثة طوابق مكشوفة غير مسوّرة، وهو تجسيد لفكرة الهاوية والتأرجح عند الحافة من جهة، ومن جهة أخرى لتوزيع التمثيل والأحداث بين المستويات الثلاثة، بدا التقسيم في بدايات العرض ذا دلالات مباشرة، حيث السجن في الطابق السفلي، والطابق الثاني بدا في لحظاتٍ للبوح عن الدواخل، أما خارج الديكور فكأنما كان لأشخاص متحكمين في اللعبة، لكن سرعان ما توزع التمثيل على هذه المستويات دون أي دلالة أو إيحاء، إذ يتقاسم الطابق السفلي والأوسط ليكونا السجن. أما لعب الساسة فيكون في الأول والثاني وخارج كتلة الديكور، وليكون الطابق الثالث أيضاً لمشهد الشيخ والد مؤمنة-ألماسة وابنه، ولتبقى لتلك المستويات أو الطوابق مع أدراجها دلالة مكثفة على التوتر، وعدم الاستقرار في الحدث والمشاعر والدواخل. دون أن يُستفاد من تلك الطوابق والأدراج أو من غيرها لإبراز التصاعد في الحدث، وحقيقةً دون أن يكون في العرض أي تصاعد في الحدث أو المشاعر، فكل شيء يسير بوتيرة واحدة وبضمنه أداء الممثلين، مبتعداً بذلك عن مسألة التشويق وترقب الحدث والنتائج المترتبة عليه، ومخلاً بتشويق
وسحر الحكاية التي هي عنصر هام وأساسي في المسرح الملحمي كما الدرامي، ولنضف أن حذف العديد من المشاهد والحوارات قد ساهم بتجريد الحكاية من متعتها.
ولعل تقديم سعد الله ونوس على المسرح السوري وبشكل خاص نص إشكالي مثل هذا، يتجاوز المقدسات المحرمات الثلاثة ويكشفها، هو بحد ذاته خطوة هامة، وأعتقد أن حذف العديد من المشاهد ذات البوح الشهواني الجنسي أو تقديمها من خلف الستارة، وحذف عدد من الحوارات المتعلقة بالموضوع ذاته (سمسم، والعفصة، وألماسة، ووردة مع النقيب عبد الله)، على أهمية تلك الحوارات والمشاهد فإن ذلك وإن كان يشكّل فلترةً لنص ونوس، ويخيّب الآمال تجاه مسرح متجرئ ومتحرر، فإن ذلك كله لا يلغي أهمية تقديم ذلك النص في سورية بعد زمن طويل على كتابته، خاصةً أن الراحل سعد الله ونوس كان يأمل أن يرى نصوصه على الخشبة ولم يتسنَّ له ذلك لأسباب رقابية بالدرجة الأولى.
المسرحية إخراج وسام عربش، تمثيل سيف أبو أسعد، سعد لوستان، كفاح الخوص، حلا عمران، ناندا محمد، الفرزدق ديوب، أسامة حلال، جمال المنيّر، تيسير إدريس. سينوغرافيا وإخراج بيير أندريه فيتز. أُنتج العرض بمشاركة وزارة الثقافة السورية- مديرية المسارح والموسيقا، والمركز الثقافي الفرنسي في دمشق، ومسرح لوف آديبا، بدعم من بعثة المفوضية الأوربية في دمشق، وكولتور فرانس واتفاقية كولتور فرانس-ريجيون سنتر وبلدية أورليان.

مايا جاموس
جريدة النور- العدد 383 :: 1/4/2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة