الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أرى الفيل الذي في الحجرة: حالة الإنكار لدى المدافعين عن الإسلام

مستخدم العقل

2009 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


غالباً ماتدور نقاشاتي مع العديد من الأصدقاء حول أن الإسلام – مثله مثل أي فكر آخر – كان يعبّر عن أخلاقيات مرحلة زمنية معيّنة بما لها وما عليها وأن العديد من الثوابت الإسلامية لم تعد صالحة للعصر الذي نعيشه فيه والذي يستمد معاييره الأخلاقية من الخبرات والدروس التي تراكمت في ذاكرة البشرية عبر آلاف السنين قبل الإسلام وبعده وبالتالي لايجوز أخلاقياً أن نكفر بالنعمة التي أسبغتها علينا تلك الدروس التي دفعنا ثمنها غالياً ونكتفي في المقابل بالمباديء الأخلاقية الإسلامية التي لم تتطوّر منذ آلاف السنين. وقد كنت أسوق لأصدقائي العديد من الأمثلة التي توضّح التباين بين المباديء الإسلامية الجامدة من جهة وبين الدروس الأخلاقية الواعية التي رسخت في وجداننا عبر تجارب البشرية من جهة أخرى. أحد أهم الأمثلة التي اعتدت النقاش حولها مع هؤلاء الأصدقاء هو عدم ممانعة الإسلام في سبي زوجات الأعداء واغتصابهن جنسياً واعتبار ذلك رزقاً من الله بينما أخلاقنا العصرية تعتبر ذلك جريمة حرب يُعاقَب من يرتكبها. مثال آخر هو الاستهزاء بمقدّسات الآخرين وإهانتها وذلك من واقع قصة ابراهيم وأصنام قومه الورادة في القرآن. مثال ثالث اعتدت أن أذكره هو قصة سليمان والهدهد الواردة في القرآن والتي تعطينا دروساً أخلاقية تخالف معاييرنا الأخلاقية الحالية كمثال تهديد الدول الأخرى الغير معتدية بهدف نشر المذهب الديني الذي نعتنقه.

في أثناء نقاشاتي تلك مع الأصدقاء كنت دائماً أتعجّب من عدم فهمهم للحقائق القرآنية والتاريخية والمنطقية التي أسردها عليهم والتي تبدو لي غاية في البساطة وذلك بالرغم من مستواهم الثقافي والتعليمي الذي يضع العديد منهم في صفوة المثقفين ، ولكن تلك الدهشة والتعجّب تحولت لديّ الى شعور بالشفقة بعد أن قرأت كتاب رائع صادر عن مطبوعات أوكسفورد بعنوان The elephant in the room: silence and denial in everyday life وهذا الكتاب يشرح بالتفصيل أسلوب الإنكارDenial الذي يلجأ اليه معظم الناس باعتباره من أبسط وسائل الدفاع التي يلجأ اليها الإنسان حين يواجه فكرة (أو حقيقة) تصدمه عاطفياً. فلاشك أن الإنسان في أمّتنا العربية والإسلامية البائسة يشعر بالكثير من الإحباط واليأس بسبب الأوضاع المعيشية والسياسية والاجتماعية البالغة الصعوبة وبالتالي فإن بصيص الأمل الوحيد لذلك الإنسان البائس هو الانغماس في التديّن بحيث يعطي لنفسه بعض الأمل في أن يحقق أحلامه المهضومة في عالم آخر هو عالم ما بعد الموت. كذلك فإن الدين يعطي لذلك الإنسان البائس بعض الشعور بالعزّة والثقة بالنفس ... فهو حين يرى العالم من حوله شرقاً وغرباً يتقدم للأمام ويتجاوز الخلافات ويتعلم من أخطائه ويحاول أن يستمتع بحياته فلابد لذلك الإنسان من أن يشعر بالمزيد من الإحباط ولذلك يكون عزاؤه هو الدين فيفكّر قائلاً إنه لابأس من أن يستمتع الآخرون بالدنيا طالما هو سيستمتع بالآخرة.

أنا هنا أتكلم عن الإنسان في عالمنا العربي بصفة عامة ... وبالطبع فإن المرأة في عالمنا العربي الإسلامي تعاني بصفة خاصة من كبت للحريات وانعدام شبه تام لوسائل الاتصال بالعالم من حولها والنظر اليها باعتبارها مجرد أداة للجنس ... وجميع تلك العوامل تجعل المرأة أكثر تمسكّاً بالدين باعتباره هو الأمل الوحيد في حياة آخرة تعوّض مافاتها في الدنيا (وهو كثير) ، وبعد كل ذلك حين تجد تلك المرأة المسكينة أن الدين (الذي هو طوق النجاة الوحيد بالنسبة لها من أجل حياة عاطفية وعقلية شبه متّزنة) قد يكون مجرد سراب أو أوهام عاشت فيها فلاشك أنها ستلجأ الى أبسط وسائل الدفاع النفسية وهي الإنكار ، فهي ستحاول بكل قوتها أن تنكر أية اتهامات منسوبة الى دينها الحبيب (طوق نجاتها) تماماً كما لو أنك شاهدت رجلاً يخون زوجته فحاولتَ أن تُخبر تلك الزوجة المسكينة بخيانة زوجها لها ... زوجها الذي تحبه وتعتمد عليه عاطفياً واقتصادياً ... فهي ستلجأ في البداية الى إنكار تلك الحقيقة واتهامك بالكذب ... فإذا عرضتَ عليها الدلائل القاطعة التي تؤكد خيانة زوجها قد تظل غير مصدقة لك بل وقد تتهمك بتزييف الدلائل ... وفي النهاية حين لايستطيع عقلها أن يقاوم الفكرة أكثر فإنه سيلجأ لتكتيك آخر بأن يحاول التماس العذر للزوج الخائن وتحاول أن تتذكّر الأشياء الجميلة التي فعلها لها قبل ذلك وذلك فقط لكي تستطيع أن تُقنع نفسها باستمرارية المعيشة معه طالما أنها لاتستطيع الانفصال عنه. هذا المثال يكاد ينطبق بحذافيره على علاقة المرأة العربية المسلمة بالدين. فهي لاتريد أن تصدّق أن الدين (الذي هو أملها الوحيد) هو مجرد وهم وبالتالي فإنها تدافع عنه بكل قوتها وتحاول إنكار صحة الروايات (الدلائل) التي تؤكد خيانة ذلك الدين لها ... فإذا كانت تلك الدلائل بالغة القوة بحيث لاتستطيع إنكارها فإنها ستحاول التماس أي عذر لذلك الدين الخائن (كمثال أن تجد مَن يقول إن الرسول كان يقتل معارضيه لأنهم كانوا يتطاولون عليه ممّا يستوجب قتلهم).

بعد أن قرأت ذلك الكتاب الرائع وبعد قيامي بإجراء المزيد من البحث عن أسلوب الإنكار لاحظت أن السيناريو العقلي الذي سردته عاليه يكاد ينطبق بحذافيره على جميع أصدقائي من المثقفين المدافعين عن الإسلام ، ففي البداية هم يتهمونك بالجهل (حالة إنكار) ، ثم قد يتهمونك أيضاً بليّ عنق النصوص (أي تزييف الأدلة وهي أيضاً حالة إنكار) ، وبعد ذلك يحاولون التماس الأعذار بشتى الطرق (أيضاً حالة إنكار) ... فإذا لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك فإنهم يحاولون تناسي الموضوع الذي تتحدث فيه ويتحدثون عن فوائد الدين في موضوعات أخرى (وهي بالطبع حالة إنكار واضحة).

والنتيجة التي وصلت اليها في النهاية هي أن ظني بأن فشل حواراتي مع هؤلاء الأصدقاء حول الدين هو بسبب عدم قدرتهم على الفهم هو ظن خاطيء منّي حيث يبدو أن السبب الحقيقي لفشل تلك الحوارات هو بسبب عدم رغبتهم في الفهم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - برافو
جميل ( 2009 / 4 / 6 - 21:46 )
سرد منطقى وعقلانى
صحيح-مستخدم العقل- بصحيح
اسم على مسمى
تحية وتقدير


2 - عين العقل يا استاذ
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 4 / 6 - 22:58 )
الشك ملح التفكير كما يقال ومن لا يشك لايفكر وبالتالي فهو خارج دائرة الإنسان العاقل


3 - حفظ التوازن النفسي
كنعـــان ايرميا ( 2009 / 4 / 7 - 01:12 )
الدين ضروري لحفظ التوازن النفسي للانسان الشرقي اما فرضة على الاخرين بالقوة فهو تهديم لتطور البشرية ويجب عدم التساهل اطلاقا مع من يهدف اعاقة تطور البشر . حرية الشك حرية التفكير اساس لكون مايصنعه البشر


4 - حقيقة الاسلام
Zagal ( 2009 / 4 / 7 - 04:42 )
الدين عند البعض يقع فى دائرة الايمان الاعمى -لاتسالوا عن اشياء ...- وبالتالى هذا الجزء يسميه البعض النقطه الحمراء وخاصة اذا كانت مؤيده بحد الرده
ورائحةالدماء و...
والمسلم الذى يفكر يشك فى الايمان .. ولكن لايعلنه للجميع خوفا على حياته ... فالخوف مصيبة المسلم وخاصة اذا كان الشخص ليس متدينا.
فالانسان المتدين المسلم يكون اقوى من المسلم العادى اذا فهم حقيقة الاسلام ... وحقيقة الاسلام نعرفها من كتب التراث والتاريخ ... ولذلك المسلم الغير عربى الذى لايعرف شيئا من كتب التراث يكون اخطر ارهابا من المسلم العربى.


5 - تحية
سالم النجار ( 2009 / 4 / 7 - 18:03 )
تحية وتقدير للكاتب مقال رائع واسلوب سلس مقنع


6 - دعوة الى العقل
المتابع ( 2009 / 4 / 7 - 19:38 )
عزيزي مستخدم العقل تحياتي وتقديري واحترامي لارائك اوافقك الراي ولكن انصافا للحقائق والموضوعية علينا ان نسال هل يحق لنا ان نحمل نبي الاسلام مسؤولية احباطنا وتخلفنا وفشلنا اليوم سيدي العزيز محمد في حركة التاريخ محاولة اجتماعية يمكن تاشيرها تحت عناوين مختلفة اصلاحية ثورية سلطوية وليسميها كل ما يشاءتماهت وقبلت مع ثقافة محيطها قبل خمسة عشر قرنا من يوم الناس هذا وتوافرت لها فرص الغلبة والنجاح لاسباب عديدة غالبها معلوم ليس محل بحثه حصل هذا النجاح لاخرين غيره من مدعي النبوة مثل موسى وعيسى ونجح اهل اديان ودعوات اخرى وفشل اخرون ولم يبقي لهم التاريخ شيئا هاما وهجرهم مريديهم لاسباب عديدة مثل النبي ماني
جميع هؤلاء اشترك وعمل ونجح في تغيير افكار وسلوك ومصير مجتمعاتهم والبشرية ايضا وكانت وسائلهم متنوعة ومباحة سواء بالدعوة السلمية او بحد السيف وفناء المعارض وعمت الاديان كل الارض القديمة اسيا واوربا وافريقيا اليوممن يتحمل مسؤولية تخلف المسلمين لم يكن موسى العهد القديم ارقى من محمد في مقاييسنا الان ولم يكن محمد سوى امتداد لتعاليمه ولم ياتي

عيسى بغير العهد الجديد استكمالا لعهد موسى وتعاليم ربه الحضارة اليوم تعمل على تجاوز الوهم الذي خلفته الاديان بعد ان زالت ضر

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان