الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يعيش المغرب حالة بارانويا دينية ؟

أحمد عصيد

2009 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يخوض المغرب معاركه الدينية على عدة واجهات:
1) معركة تدبير الشأن الديني و التمكين لـ "إمارة المؤمنين" أمام غلواء الإسلام السياسي الراديكالي المنازع للسلطة في " شرعيتها الروحية" .
2) معركة ملاحقة الإرهاب و تفكيك خلاياه النائمة و اليقظة .
3) معركة مواجهة المدّ الشيعي و خطر الإختراق الإيراني .
4) معركة ترويض العدالة و التنمية و تيارات الإسلام السياسي المعتدل في حدود مرامي السلطة و حساباتها.
5) معركة محاربة التبشير المسيحي و طرد المبشرين الأجانب .
6) معركة إحياء الزوايا و إنعاش الأضرحة و المواسم و كل وسائل التخدير القديمة لمواجهة ثقافة الموت و الإنتحار الوهابية .
7) معركة ملاحقة المثليين و اضطهادهم لحماية ما أسمته السلطة " أخلاق الشعب المغربي و قيمه الدينية ".
و يبرهن الحكام المغاربة بهذه المعارك كلها على حسن استيعابهم لقاعدة " و داوني بالتي كانت هي الداء"، فلمكافحة الأمراض الدينية و أشكال الشذوذ العقائدي التي سببها إقحام الدين في السياسة و غياب أسس الديمقراطية الحق، تعمد السلطة إلى مزيد من الجرعات الدينية بما فيها تلك التي قد تؤدّي إلى أعطاب مزمنة في الدماغ و ضمور في ملكة الفكر و الإبداع.
و لا ينتبه المغاربة إلى أنّ بعض البديهيات التي يلوكونها ليل نهار قد أصابها التقادم، و أصبحت بمثابة الوصفة الطبية التي تجاوزها المرض فأصبحت من أسباب تفاقمه، فحديثهم عن إمارة المؤمنين المنقذة من التطرف باحتكارها للسلطة الدينية قد انكشف عن تناقض كبير مع الواقع، حيث يتزايد عدد الأشخاص الذين يعمدون إلى الدين لممارسة المعارضة الراديكالية للسلطة، و تهديد أمن المجتمع و حقوق الأفراد، مما يعني أنّ الناس ليسوا بلهاء، حيث لا يحق للسلطة أن تستعمل الدين في السياسة دون أن يعمد غيرها إلى فعل نفس الشيء ضدّ مبدأ " حلال علينا حرام عليكم".
إن مقدار الخوف و التشنج الذي يصيب السلطة من موضوع الدين لا يسمح لها بأن تنتبه إلى تناقضاتها، فالسياسة المتبعة عن عمد في مجالات التربية و التعليم و الإعلام و الشؤون الدينية هي بمثابة الوقود اليومي للتطرف، حيث لا تعطى أية فرصة للمواطن ليستدخل بعض مبادئ الفكر الحي و الإنساني و قيم المواطنة على أنها ثقافته و قيم مجتمعه، لأن أبواق الخطابة الدينية و التعنيف الوعظي اللاإنساني تحاصر المواطن من كل جهة، و تجعل قيم المواطنة تبدو كما لو أنها أجنبية، و إن كانت الضامنة لكرامة الإنسان و مصالحه.
و لأن السياسة الدينية للدولة لا ترمي إلى أكثر من تدبير الظرفي، و تخلو من أي حس استراتيجي أو مستقبلي، فإنها لا تنتبه إلى ما في توجهاتها من خطر على ذهنية المجتمع، إذ التوجه العام الحالي سينتهي لا شك إلى خنق الفكر العلمي (العلم بمفهومه الحديث) و إشاعة الخرافة و الغيبيات و إضعاف حس الإنتماء إلى العصر، و تقوية النزوع السلفي و الثقافة الحربية ـ ثقافة الممانعة ـ ضد ثمرات الحضارة العصرية، مما يضعف الإنتاجية و يجعل المجتمع غارقا في حروب نفسية و ثقافية تنتهي إلى إحداث شلل تام بأطرافه الحيوية، و عاجزا عن الإندماج في السياق الحضاري الراهن، و سيكون ذلك أكبر خسارة لبلد لا يبعد عن أوروبا إلا بـ 13 كلومترا.
إن حالة الطوارئ التي ما فتئت الدولة تعلنها في الشأن الديني، و التي يبدو أنها ستتزايد مع ما لها من تبعات في قمع للحريات و إشاعة لمناخ مكهرب و غير متسامح، هي نتيجة طبيعية لربط الدين بالدولة ربطا عضويا لم يعد طبيعيا في أي بلد من بلدان العالم ، و الدليل الساطع على ذلك هو مقدار الحروب التي تخوضها الدول الإسلامية بقوتها و غلبتها و عنفها للحفاظ على وضع غير سليم.
إن المكان الطبيعي للدين هو الحياة الشخصية و أماكن العبادة و ليس دفة الحكم و مؤسسات الدولة، و إن الشرعية السياسية لا تأتي من السماء بل من الأرض، من العدل بين الناس و المساواة بينهم بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو لونهم، و هو ما يضمن حقوقهم كاملة غير منقوصة. و للناس على الدولة حماية حقهم في ممارسة طقوسهم التعبدية الدينية في أمن و سلام بدون أن يغصبهم على ذلك أحد أو يرذعهم عنه راذع، كما ليس على الدولة و لا يحق لها فرض دين ما على الناس و إشاعته لوحده في قنواتها الرسمية و محاربة غيره لأهداف سياسية تنتهي كلها إلى ترسيخ الإستبداد و التسلط .
إن الإعتقاد في أن اختيار الأفراد لأديان أو مذاهب أخرى يمثل خطرا على الدولة إنما مصدره حرص السلطة على استعمال الدين بتأويل معين لأغراض سياسية ، و ليس الحرص على استقرار المجتمع، لأن الناس في النهاية مستعدون لاحترام بعضهم البعض في ظل المساواة ، و في ظل قوانين تحمي بعضهم من بعض .
لقد ثبت بأن معظم حالات حروب التطهير الديني و العرقي مصدرها تحريض السلطة في إيديولوجياها الرسمية للبعض على البعض الآخر لأهداف سياسية و بخطط مسبقة. و لهذا لم تصل أوروبا و دول العالم المتقدم إلى توطيد أمنها الروحي إلا بعد أن فصلت الدين عن الدولة، و لم تنكو من جديد بنار التطرف الديني المهدد لاستقرارها إلا بعد أن زحفت إليها إيديولوجيا الدين المسيّس من بلاد المسلمين، التي يبدو أنها تعيش عسرا كبيرا في هضم ثمرات الحضارة العصرية.
لقد شكل فصل الدين عن الدولة خطوة جبارة في تاريخ البشرية في اتجاه احترام الفرد و اختياراته الحرة، و تثبيت الإستقرار و الأمن الروحي للجميع، و أصبحت هي الحل الوحيد و الحتمي من أجل العيش المشترك ـ رغم الإختلافات ـ تحت سقف واحد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تضبيب الرؤيا
اوشهيوض هلشوت ( 2009 / 4 / 7 - 22:47 )
دخول السلطة في حرب على عدة جبهات(ارهاب-تشيع-تنصير-شدود...) ليس هدفه حماية المجتمع وتحصينه بل فقط من اجل الهائه عن النظر الى واقعه السوسيواقتصادي البئيس حيث البطالة والفقر والتشرد استشرت بشكل مهول في اوساط المجتمع واصبح الحديث يدور مرة اخرى عن ًالسكتة القلبيةً

اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل