الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من سبيل للقضاء على الشكاوى الكيدية؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2009 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد تتفق المجتمعات حول مفهوم الشكوى ولكنها تختلف حين يتعلق الأمر بأشكالها وأهدافها. فالشكوى سواء كانت مكتوبة أو منطوقة هى عبارة عن وسيلة يسعى الفرد من خلالها أن يرفع الظلم ويسترد الحقوق. ففى المجتمعات التى تقوم على علاقات صحية بين الأفراد حيث يعرف كل فرد دوره وواجباته نحو المجتمع لا يتقدم الفرد بشكوى إلا بعد أن يستنفد كل السبل الودية ويحرص ألا تتضمن الشكوى سوى المعلومات والحقائق التى تساعد على إحقاق الحق. أما فى المجتمعات التى تعانى من الأمراض الاجتماعية والنفسية فإن الشكوى تتجاوز المطالبة بالحق ورفع الظلم لتتخذ شكلا آخر عبارة عن سلاح يدمر به الشاكى صورة الآخرين ومكانتهم فى المجتمع. وهذا الشكل يقودنا إلى شكل مقيت من أشكال الشكوى وهى الشكوى الكيدية التى قد تتضمن كما هائلا من المعلومات الكاذبة والمدمرة والتى من شأنها أن تنال من شرف ونزاهة الآخرين وهى فى نفس الوقت لا تحمل توقيعا ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتوصل لمصدر الشكوى أو أن تتعرف على شخصية المرسل.

الجدير بالذكر أن انتشار الأشكال المختلفة للشكوى قد يختلف من مجتمع إلى آخر داخل القطر الواحد. قد لا يعرف مجتمع من المجتمعات الشكاوى الكيدية وقد لا يتقن أفراده مفردات هذا الشكل الردىء غير الأخلاقى الذى يفتقد ممارسوه الشجاعة حيث لا يجرؤ أحدهم على الكشف عن هويته. لقد قضيت فى مدينة قنا أكثر من ربع قرن حيث عملت بالتدريس بإحدى كلياتها وطوال هذه الفترة لم يحدث أن تقدم شخص بالشكوى ضد شخصى الضعيف سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وفى المقابل فقد انتقلت منذ خمس سنوات فقط للعمل فى محافظة أسوان حيث تقيم أسرتى وحيث يقيم كتاب مهرة فى الشكاوى الكيدية إذ لا يمر يوم من دون أن يتسلم أحد المسئولين فى مصلحة من المصالح شكوى كيدية. قد يدعى أحدهم بأن فلان الفلان يفعل كذا وكذا أو قد يتقمص الشاكى شخصية الآخرين حين يرسل الشكوى باسم أحد أفراد المصلحة. لا جدال أن الشكوى قد تحتوى على معلومات حقيقية تقود إلى كشف جرائم ومخالفات ترتكب فى مصلحة ما غير أن هذه الشكاوى فى معظم الأحيان قد تشتمل على معلومات كاذبة لا تمت للحقيقة بصلة. لقد اطلعت على شكوى من هذا النوع يتهمنى كاتبها زورا وبهتانا بأننى أتحيز للطلاب المنتمين لفئة معينة فى المجتمع ويتهم أحد زملائى بأنه يقوم بإلقاء دروس خصوصية على سطح منزله (!!). ربما لا يعرف كاتب الشكوى أن المسئول الذى تلقى الشكوى علم بكيديتها وخلوها من الحقيقة ومن ثم لم يلتفت إليها. لقد أدرك المسئول بحصافة وحنكة أن كاتب الشكوى يتسم بالجبن والغباء إذ ليس من المعقول أن يجهر أستاذ جامعى بارتكاب مخالفة عقوبتها الفصل من الخدمة وهى المخالفة التى أدعى الشاكى أن الأستاذ يمارسها فوق سطح المنازل.

ورغم أن الشكاوى الكاذبة لا تلقى أذانا مصغية لدى بعض المسئولين غير أنها تترك أثارا سلبية تبقى فى النفوس فترة طويلة. ومن الآثار السلبية التى تتركها الشكاوى الكاذبة هى انتشار ظاهرة الشك فى الآخرين. فالضحية يبدأ مرحلة من الشك حول كاتب الشكوى ومصدرها حيث تستبد به الظنون والهواجس: أن فلان هو كاتبها. وهذا فى حد ذاته يعمل على تعكير الأجواء بين أفراد المصلحة: فالكل يشك فى الكل. وفى نفس الوقت فإن هذه الشكاوى تعمل على تفشى ظاهرة الانتقام لنظل فى دائرة مفرغة لا نعرف سبيلا للخروج منها إذ ينتقل الضحية من مرحلة الشك إلى مرحلة الانتقام حيث يبدأ فى إرسال سلسلة من الشكاوى الكيدية ضد من يظن أنه مصدر الفرية التى نالت منه. ومن المعروف أن العاملين فى كل مصلحة من المصالح يدركون كل الإدراك أن هناك أشخاص معروفين ومتخصصين فى مثل هذه الأمور الانتقامية. أما ثالثة الأسافى فهى أن بعض رؤساء المصالح قد يسعون لتفادى شرورهم واستقطابهم من خلال التغاضى عن مخالفاتهم أو منحهم مكافآت لا يستحقونها وهذا من شأنه أن يخلق أجواء غير صحية قد تزيد من عدد محترفى هذا النشاط لإدراكهم بالمميزات والامتيازات التى ترتبط بهذا العمل البذىء.

ومما سبق يتبين لنا أن اهتمام المسئولين بالشكاوى الكيدية التى تشير عباراتها إلى الكذب قد يؤدى إلى زيادة أعداد ممارسى هذا النشاط الذى يعرقل سير العمل. ومن الواضح أن تجاهل هذه الشكاوى ووضعها فى أقرب سلة مهملات هو السبيل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة التى باتت منتشرة فى بعض مجتمعاتنا. روز اليوسف، عدد 1141، 6 إبريل 2009، ص9.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الظلامين
احمد الجعافرة ( 2009 / 4 / 8 - 21:47 )
اعتقد ان الشكاوي الكيديه يقوم بها هيآت ومنظمات سياسيه تجتمع وتخطط ثم تنفذ
وهؤلاء من يمكن تسميتهم بخفافيش الظلام حيث لا يتحركوا الا بعد مغيب الشمس وهم هنا يعملون على استغلال شبكة الاتصالات (النت والخط الساخن وغيرها من الوسائل )التي تجعل حركتهم غير مرئيه للجمهور
اما الشرفاء والصادقين فانهم يواجهون الخطأ مباشرتا ولا يردعهم في قول الحق لومة لائم
فطوبى للشرفاء والخزي والعار للظلامين

اخر الافلام

.. تسارع وتيرة الترشح للرئاسة في إيران، انتظار لترشح الرئيس الا


.. نبض أوروبا: ما أسباب صعود اليمين المتشدد وما حظوظه في الانتخ




.. سبعة عشر مرشحا لانتخابات الرئاسة في إيران والحسم لمجلس الصيا


.. المغرب.. مظاهرة في مدينة الدار البيضاء دعما لغزة




.. مظاهرات في تل أبيب ومدن أخرى تطالب بالإطاحة بنتنياهو