الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية والدين

صباح مطر

2009 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ينفر الكثيرون لسماعهم مصطلح العلمانية لاقترانها حسب وعيهم وما ثقفواعليه بالإلحاد بعد أن توهموا أو أوهموا بذلك تحت تأثير المماحكات الكلامية للسلطات الاكليروسية المتزمتة والتي لاتريد للعقل الجمعي الانفلات من سلطان دائرتها المحكمة الانغلاق على من فيها والتربص بكل الخارجين عنها وعليها ورميهم بأحكام جاهزة كالمروق والزندقة والخروج على الملة أو الكفر والإلحاد كي لا تخسر الاكليروس أي السلطة الدينية هيبتها وبالتالي فقدان الامتيازات التي خلعتها على نفسها أو خلعت عليها عبر العصور بمساندة الحكومات المنتفعة هي الأخرى بدورها من استمرارية وضع كهذا يدفع ثمنه المجتمع محاباة وفرقة وجوراً واستبدادا مشرعنا بالفيض الإلهي والحاكمية الإلهية وظل الله في الأرض وكما يؤكد ذلك أبو جعفر المنصور العباسي بقوله (أيها الناس أنا سلطان الله في أرضه ،أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحرسه على ماله اعمل فيه بمشيئته وإرادته،وأعطيه بأذنه ،فقد جعلني الله قفلاً عليه....الخ) .
والعلمانية مصطلح غير معلوم على وجه الدقة كيفية دخوله على اللغة العربية وكيف انتشر في الآداب الاجتماعية والسياسية المعاصرة فقد كانت صفة مدني تطلق على المؤسسات اللادينية وقد سمي الخليفة بالحاكم المدني كما ورد عند الشيخ محمد عبده وقد دخلت العلمانية في التداول في عشرينيات القرن الماضي وثبتت في أعمال ساطع الحصري كما يقول الدكتور عزيز العظمة في كتابه(العلمانية من منظور مختلف-الدين والدنيا في منظار التاريخ-) مشيراً إلى إن تاريخ العبارة أي العلمانية ليس وحده المتسم بشيء من الغموض فمن غير الواضح أيضا كيف تم اشتقاقها وهل كان من العلم (علمانية بكسر العين) أم من العالم (العلمانية بفتح العين) بناءً على ان الاشتقاق الأول هو الأولى فهو ذو أساس في اللسان العربي ومندرج في قاعدة صرفية واضحة ،وهو ما نراه أكثر موائمةً للعقلية العربية .
المراد بهذه العبارة أو كما أشرنا إليه بالمصطلح هو فصل الكنيسة عن الدولة كما ظهر في أوربا بعد نضالات مريرة وتضحيات جسام قدمتها الجماهير للخلاص من عبودية سلطة الكهنوت أو الكنيسة قادها أدباء و مفكرون عباقرة منهم مارتن لوثر الذي شن هجومه المعروف على الكنيسة لبيعها صكوك الغفران وتعليقه بيان الإصلاحات على باب كاتدرائية فورمز وزواجه وهو الراهب السابق من راهبة سابقه وقيامه بتفجير حركة الإصلاح البروتستانتي .
لاقت العلمانية ولا زالت الرفض من قبل الكثيرين عند محاولة نقلها إلى مجتمعاتنا العربية والإسلامية كونها اقترنت بالاستعمار وورودها مع قدومه إلى المنطقة إضافة إلى المخاوف من مسخ الانتماء الديني أمام بهرجة الحضارة الغربية وإباحيتها إضافة إلى ما أظهرته الأحزاب العلمانية من تعالي على معتقدات الناس والسخرية منها على اعتبارها موروث متخلف متأتي من أساطير مستغرقة في الغيبيات ومن الغوص بعوالم أخرى لاوجود مادي لها، هذه الأسباب ساهمت مع غيرها في حالة النفور من هذا المسمى رغم وجود عدد من الحكومات المتبنية له ظاهرياً أو بالأحرى إعلامياً في حين هي في حقيقتها تتبنى وتعمل بأفكار تجعلها على مقربة من متبنيات المؤسسة الدينية التي تنتمي إليها الحكومة المعينة والتي غالبا ماتكون طائفية تغمط حقوق الآخرين وتنال من معتقداتهم على اعتبارها مالكة للحقيقة التي كلا يدعي بها وصلا ...فسوء الفهم للعلمانية وسوء تصرفات بعض أدعيائها إضافةً إلى موقف المؤسسات الدينية التي تخشى على امتيازاتها الخاصة كل هذه عوامل ساهمت في تشويه المفاهيم فصورت العلمانية نداً خطيراً للدين أو للإيمان بصورة عامة متناسين فيما يخص النصرانية القول الذائع الشهرة - ما لقيصر لقيصر وما لله لله-وما يقابلها الكثير الذي يحمل ذات الدلالة في إسلام القرآن لافي إسلام الفقهاء ونحن إذلانريد ان نقف موقف مع أو ضد
من العلمانية بقدر ما نريد أن نطرح ما لها وما عليها إن استطعنا إلى ذلك سبيلا فالعلمانية تعمل على أن يكون التعامل على أساس المواطنة فهي حق لكل فرد لاينتقص منه انتمائه لدين معين أو طائفة معينة ولا يزيد وهذا الحق هو للمؤمن وللملحد وللا ادري وللغنوصي وللجميع بغض النظر عن المعتقد كونه يقع ضمن الحريات الفردية ،فللإنسان أن يؤمن أو لا يؤمن وان يكون على اي دين أو مذهب يشاء فلا سلطة لأحد عليه إن أراد تغيير دينه أو مذهبه فالإيمان عقد سري غير مكتوب بين الإنسان والهة يمتلك حق الإيفاء به أو فسخه متى يشاء، وليس للحكومات الحق بان تصرف من المال العام على كل ما له علاقة بالديانات كون هذا المال للجميع على مختلف أديانهم ومذاهبهم وحتى الملحدين منهم فلا يجوز صرفه لان نفعه بهذه الحالة لا يعم الجميع وهذا ما موجود بالعلمانية الفرنسية على اعتبارها الأكثر تشدداً وصرامة في التطبيق في حين لايرى مثل ذلك في دول أخرى مثل ألمانيا- (فكنائس الشعب)*تتمتع في ألمانيا بضريبة دينيه 8%على الدخل وهي تتدخل بإشكال عديدة في الحياة العامة أي في مجال مراقبة الأوساط الإعلامية الكبرى ،والحال إن جميع الألمان ليسوا مؤمنين فعملية دنيوة الكنائس دون العودة إلى الصيغ التقليدية للاكليروسية الكاثوليكية ينسب إليها بالرغم من كل شيء بسبب قنصها للسلطة العامة وبسبب الامتياز المؤسساتي الممنوح لعقائد ليست إلا جزء من السكان عندئذ يكون مبدأ المساواة هو المستهدف -.
وكذلك الحال في دول أخرى كاسبانيا أو الدنمارك وفيها الكنيسة اللوثريه وهي كنيسة الدولة وحتى العلمانية الأمريكية التي لا تظهر التشدد كما رأينا في ما أثير حول مسألة الحجاب في فرنسا في حين اعتبر في أمريكا حق شخصي والمهم ان لادين رسمي للدولة وان ما هو رسمي هو حقوق المواطنة وواجباتها في مجتمع ديمقراطي يؤمن بالتعددية وبالحريات العامة حيث لاديمقراطية بدون العلمانية لان لاوجود لمجتمع متجانس تماما في معتقده وعلى افتراض وجوده جدلا فان درجات الإيمان والفهم والالتزام بذلك المعتقد أو الدين تتفاوت من مواطن إلى اخر وبذا لابد من وجود قانون وضعي تكتبه مجموعة متخصصة محايدة من الوطنيين يكون حاكما للجميع في حين يرى المناهضون للعلمانية في ذلك تجاوز على سنن أديانهم التي تنظم علاقة الإنسان بمجتمعه وبربه في دار الدنيا على امل الفوز بالآخرة وعلى إنها عمليةغربنة بالنسبة للمجتمعات غير الغربية وإجهاز على جميع موروثاتها الدينية والقيمية باشاعة وتطبيق هكذا افكار لا تتلائم مع البيئة الاجتماعية والمزاج السيكولوجي العام الذي لايرتضي اهتزاز ثوابته المتسالم عليها عبر اجياله السالفة اضافة الى العقدة المجتمعية المزمنة التي تظهر الرفض مقدما لكل ما هو جديد في السلوكيات والمفاهيم خاصة مع فترة المد الديني لاسيما السلفي منه الذي لا يؤمن بالزمن ويلغي الحراك التاريخي للشعوب وجرها برجوع ٍ قهقري الى ما قبل عشرات القرون السالفة بعودة الى مجد تليد يتوهمونه ووضع الحاضر على مقاساته التي تجاوزها المنجز الفكري البشري ووضعت في إرشيف التاريخ المحنط الذي لايمكن العودة اليه ،والانظمة الدينية أو الانظمة السائرة في فلكها تطرح نفسها كما يعبر عنها- محمد اركون - على اساس انها انظمة تشتمل على مجموعة من الاعتقاد واللا اعتقاد ، اي انظمة تشتمل على مجموعة من المعتقدات الاساسية التسليمية وتنفي ما عداها والانظمة الدينية تمارس فعلها على هيئة الحقائق المطلقة التي لا يمكن تجاوزها.
وما بين كون السلطة قميص البسه الله لايجوزخلعه،
وأنا سلطان الله في أرضه-أبو جعفر المنصور- ،
ومقولة لويس الرابع عشر -الدولة أنا الدولة،
ومقولة الدين لله والوطن للجميع،والحديث النبوي الشريف انتم اعلم بأمور دنياكم،وما بين التنويريين والمحافظين والسلفيين ، وما بين أهل الوعي والحداثة وبين المتخلفين المتحذلقين تبقى العلمانية سجالا قاسمه المشترك الدين هل يحافظ على قدسيته وثوابته وينأى بنفسه عن السياسة ودهائها ومناوراتها ومتغيراتها حسب ما تقتضيه المصالح أم ينغمس بالسياسة وأحابيلها كما تريد له المؤسسات الدينية المختلفة لتفوز بنعيم الدنيا بينما أتباعها يحالون إلى الآخرة.
......................................................................
*هنري بينا-رويث(ما هي العلمانية!)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية يلتقي بضيوف الرحمن من المسجد الحرام


.. استطلاع: 61% من اليهود الأميركيين يؤيدون بايدن| #أميركا_اليو




.. الكنيست الإسرائيلي يمرر قانون استمرار إعفاء اليهود #الحريديم


.. كيف صعد الآشوريون سلّم الحضارة ؟




.. أبو بكر البغدادي: كواليس لقاء بي بي سي مع أرملة تنظيم الدول