الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة الداخلية للعشائر العراقية في الوسط والجنوب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ( القسم الأول )

عبد الجبار منديل

2009 / 4 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



لم يكتب عن الهجرة الداخلية للسكان وحركة العشائر العراقية في وسط وجنوب العراق الا النزر اليسير . ومرد هذه الشحة بالمصادر الى تفشي الجهل انذاك والفوضى التي تضرب اطنابها في كل انحاء العراق ، مع تدني مستوى الثقافي وعدم وجود دولة بالمعنى الحقيقي وانما كانت فترة انتقالية للحكم من ايدي المماليك الذين والت دولتهم بحلول 1830 بعد ان كانت تعاني سكرات الموت خلال قرن من الزمان ، وعودة السيطرة العثمانية وان كانت هي الأخرى على المدن الرئيسية الثلاث في العراق ( بغداد والبصرة والموصل ) وتركت بقية مناطق العراق التي يعشعش فيها الفقر والجهل والمرض دون رعاية او اهتمام .
من المصادر النادرة في هذا الباب كتاب الكاتب الإنكليزي ( لونكريك ) – ( اربعة قرون من تاريخ العراق ) وكذلك كتاب المؤرخ العراقي عباس العزاوي ( العراق بين الإحتلالين ) وكتابه الأخر ( عشائر العراق ) وكتاب رسول الكركوكلي ( دوحة الوزراء في تاريخ بغداد الزوراء ) اضافة الى ما كتبه السواح الأجانب الذين زاروا العراق في تلك السنين واغلبها ملاحظات سريعة لا تعطي صورة واضحة . كما كانت هناك ايضا الحوليات العثمانية التي كانت تصدر من السلطة العثمانية وتنشر اخبارا قصيرة عن الإضطرابات الداخلية والتمردات التي تقوم بها العشائر العراقية . و مشكلة هذه الحوليات هو انها مكتوبة باللغة التركية القديمة التي كانت تستخدم الحروف العربية قبل ان يغيرها مصطفى كمال اتاتورك في العشرينيات الى الحروف اللاتينية . لذلك فإنه يصعب اعتبارها كمراجع في الوقت الحاضر .
كان العراق في هذين القرنين يغرق في فوضى حقيقية من افتقاد للإدارة الحكومية وغياب لأي شكل علمي مكتوب يرصد بدقة اوضاع البلد الداخلية الإجتماعية منها والإقتصادية والإدارية .
كانت العشائر تشكل اغلبية السكان في وسط وجنوب العراق خلال هذه الفترة وكان البدو الرحل يشكلون اكثر من نصف السكان . وكانت هذه العشائر منظمة في اتحادات غير ثابتة وغير دائمية . وكل اتحاد يعمل كوحدة سياسية ذات حكم ذاتي بشكل من الأشكال . وقد عززت الحملات العسكرية العثمانية ضد هذه العشائر روح الجماعة في هذه الإتحادات . وكانت اقدم هذه الإتحادات العشائرية في جنوب ووسط العراق هي المنتفق وزبيد والدليم والعبيد والخزاعل واتحاد شمر في عفك والدغارة وبني لام والبو محمد وربيعة وكعب . وكان ابناء العشائر الرحل هم البدو من مربي الإبل والأغنام ، اما المستقرين فهم اما من المزارعين او من سكان الأهوار من مربي الجاموس والصيادين .
لقد نزحت اغلب هذه العشائر من الجزيرة العربية . واذ كان العراق منذ القدم - وقبل ظهور الإسلام – هو قبلة هذه العشائر بسبب توفر الماء والكلأ ، فقد زادت حركة النزوح والهجرة خلال هذين القرنين ولاسيما بعد ظهور الحركة الوهابية واعلانها الحرب في عام 1746 ضد كل اولئك الذين يؤمنون بمدأ الشفاعة والتبرك بأضرحة الأنبياء والأولياء والأئمة باعتباره شرك بالله وكذلك ضد كل اولئك الذين لا يشتركون معها في مفهوم التوحيد معتبرة اياهم كفارا مرتدين عن الدين يستحقون القتل ما لم يتبنوا المفهوم الوهابي .
لقد هاجرت الى العراق خلال هذه الفترة الكثير من العشائر مثل شمر طوقة وشمر جربة وعنزة والظفير وغيرهم .
وقد لعبت المدن المقدسة ( النجف وكربلاء ) دورا مهما في حركة العشائر داخل العراق كما لعبت حركة المياه وتحولات الأنهار بأتجاه هذه المدن نفس الدور .
يقول الرحالة البرتغالي ( بيدرو تيكسيرا ) الذي زار النجف في عام 1604 ان النجف مدينة خربة بسبب شحة المياه وعزلتها في الصحراء . فعدد سكانها لا يتجاوز 500 نسمة انذاك . وعلى الرغم من انه قد شقت قنوات من الفرات الى النجف في عهد الشاه اسماعيل الصفوي و الشاه طهماسب خلال الإحتلال الصفوي ثم في عهد الحاكم العثماني ابراهيم باشا ( 1681 – 1683 ) فإن هذه القنوات قد جفت نتيجة للطمي .
في بداية القرن التاسع عشر استكمل حفر قناة الهندية التي ساعدت على امداد المدينة بالماء بشكل منتظم وعززت من دور النجف كمركز اكاديمي شيعي ومركز تسويقي عشائري ومركز جذب لإستقرار العشائر حول القناة الجديدة .
اما بالنسبة الى كربلاء فقد تمتعت بامدادات المياه بشكل افضل نسبيا من النجف . ففي اعقاب الإحتلال العثماني عام 1533 امر السلطان سليمان الأول بشق قناة الحسينية لنقل الماء الى كربلاء . وكانت قناة الحسينية تنبع من الفرات قرب المسيب وحتى كربلاء .
ولكن بعد سنوات من اهمال تنظيف القناة جفت وعانت كربلاء مرة اخرى من شحة المياه . ولم تتمتع بإمدادات منتظمة من الماء الا بعد بناء سد في صدر قناة الحسينية في عهد والي بغداد العثماني حسن باشا ( 1704 -1723 ) وبذلك ابتدأت تجتذب العشائر في مواسم زيارات الأئمة او كمركز للتسوق .
ان شق قنوات الري للمدينتين المقدستين لم يساهم فقط في بعث الحياة في هاتين المدينتين بل ساعد على جذب المزيد من العشائر للإستقرار كمزارعين قرب القناتين . وهذا ما كانت تهدف اليه السلطة العثمانية وهو تشجيع المزيد من القبائل الرحل على الإستقرار كمزارعين قرب القنوات المائية الفرعية .
( يليه القسة الثاني و الأخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبهة خاركيف شمال شرقي أوكرانيا تشتعل من جديد


.. بعد عامين من اغتيال شيرين أبو عاقلة.. متى تحاسب دولة الاحتلا




.. الطلاب المعتصمون في جامعة أكسفورد يصرون على مواصلة اعتصامهم


.. مظاهرة في برلين تطالب الحكومة الألمانية بحظر تصدير الأسلحة ل




.. فيديو: استيقظت من السبات الشتوي... دبة مع صغيريْها تبحث عن ا