الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من لينين إلى نجيب الكيلاني

لطيفة الشعلان

2009 / 4 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قطعا هو التشيع للمصطلح لا الجهل الذي يجعل أحدهم – بدرجة أستاذ دكتور- يضع (دفء الليالي الشاتية) لعبدالله العريني جنبا إلى جنب مع (عصفور من الشرق) لتوفيق الحكيم و (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح و (الحي اللاتيني) لسهيل ادريس ضمن الرواية التي تتناول إشكالية الصراع بين الشرق والغرب، مع ان مافعله العريني من خلال (حدوتة) مبتعث سعودي إلى أميركا كان سلسلة متواصلة من المقارنات المباشرة بين نظافتنا وقذارتهم، وبرنا وعقوقهم، وطمأنينتا وانهياراتهم النفسية، وترابطنا وتفككهم، ونظامنا في العقوبات ونظامهم، وأمننا المستتب و عصابات السلب لديهم في وضح النهار، وهكذا دواليك. أي أنه وهو الوكيل البار لرائد الأدب الإسلامي نجيب الكيلاني- إذ كانت أطروحته في الماجستير عن رواياته- كان دون معلمه بكثير، فعجز حتى كأضعف الإيمان عن استدماج خطبه الوعظية في بنية النص.
رغم ذلك سأفترض جدلا ان (دفء الليالي الشاتية) هي (رواية) ترتفع إلى مصاف مايمكن تسميته برواية تقابل الحضارات، وسأضعها في مقارنة مع رواية طالت هذه الإشكالية عن الشرق والغرب، وتزامنت مع (رواية) العريني في الصدور هي (كم بدت السماء قريبة) للعراقية بتول الخضيري. بمعايير النقد الأدبي ستنجح بتول بإمتياز ويتخلف العريني بإمتياز، بل إن المقارنة بين أدبية العملين لاتصح أبدا إلا على سبيل التجاوز في هذا السياق الشارح. أما بمعايير المصطلح فسينعكس الوضع تماما لمصلحة العريني لإن عمله أداة هدي وعظة ودعوة، ودفاع عن الشخصية الإسلامية. المعنى ان النقد الذي يلتزمه أرباب المصطلح لن يقدم العريني بموهبته البسيطة وأدواته السردية البدائية، على بتول الخضيري وحسب، بل سيقدمه على واحدة من أكبر الأديبات العربيات في العصر الحديث هي غادة السمان، وهو يعرف ذلك تمام المعرفة حين وصم أدبها في أحد حواراته بأنه "عبث وتعدّّّ". المعايير اللاأدبية واللافنية لهذا المصطلح، ستتوج أقل شعراء الدعوة الإسلامية موهبة، في حين ستسقط النواسي الذي يتقدم بموهبته الفذة شعراء العربية قاطبة. إنه ذلك المصطلح الذي منح العريني في (روايته) الأخرى (مهما غلا الثمن) مشروعية ان يسرد في عشرين صفحة متتابعة رسائل من خادمة في الرياض إلى أهلها في إندونيسيا كلها عظة في الأمانة، والإحسان، ونعم المولى على السعوديين، وضرورة توزيع الفائض من الطعام على المبرات الخيرية.
معظم خصوم الأدب الإسلامي ينطلقون من موقف أيديولوجي معاكس لأيديولوجية أنصاره، بينما المصطلح حري به ان يناقش في ضوء مفهوم واسع هو (الالتزام في الأدب) أو (الأدب الملتزم). فقد أنتج بعض الإلزام الماركسي أدبا تبشيريا متواضعا في نفس مستوى الأدب الإسلامي. وإن كان وهج الإلزام الماركسي في الأدب العربي قد خفت بتراجع الماركسية – وهذا ماحدث فعلا- فإن الأدب الإسلامي ظل في مكانه المتأخر لم يتقدم رغم صعود نجم الأصولية والإسلام السياسي، ورغم الرابطة والمجلة ومئات الندوات والإصدارات، مما يدلل على ان الأدب بطبيعته يأنف الإلزام، فإن ألزم رغم أنفه، جاء كسيحا سخيفا مثل إذاعات المدارس الصباحية التي تبقى جماهيريتها محدودة بأحواش المدرسة. وقبول دعواهم بأن المصطلح لايحد من المخيلة ولايضع قيدا على الإبداع، ينقل السؤال إلى سبب هذا الضعف والإهتراء في غالب نصوصهم الوعظية التي فرغت الأدب من الأدب، إلا إن كان المصطلح بسذاجته لم يجذب له في الغالب الأعم سوى ضعاف الموهبة، وهذا سيفتح عليهم بابا مثل سابقه.
إن بعض النقد الماركسي قد قرأ النصوص الأدبية في ضوء التزام الأديب من عدمه، أو قلد النياشين لأنصاف مبدعين لمجرد التزامهم الأيديولوجي، أو أسقط مبدعين يستحقون لمجرد عدم التزامهم، وهذا عين مايفعله الناقد المنتمي لمصطلح الأدب الإسلامي تفسيرا وتصنيفا. والطريف هو حين تتأمل مثلا في التشابه بين الأديب والناقد الإسلامي نجيب الكيلاني والناقد الماركسي حسين مروة في بعض مقولات الإلزام، إلى حد أنه لن يضير وضع اسم أحدهما مكان الآخر. بل ستخرج بالنتيجة نفسها لو قابلت بين البند الرابع من تعريف الأدب الأسلامي الوارد في موقع رابطته على شبكة الأنترنت، الذي ينص على ان الأدب "طريق مهم من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح" وبين عبارة للينين بشحمه ولحمه "تقوم مهمة الأدب في مساعدة المجتمع على تربية الشباب تربية صحيحة".
الذي أريد قوله، ليكن للدراسات الموجهة أو البحوث أو الخطب أو المقالات إلزاماتها الفوقية أو الخارجية. لكن الإلتزام في الأدب ينبع من الداخل، من الأنا وقلقها وصراعها واشتغالاتها الفردية أو على صعيد الجماعة. أما التأثير الفج للإلزام الأيديولوجي في مستوى وقيمة النصوص الأدبية، أو في تحليلها وقراءتها، فإنه متقارب سواء كان الإلزام ثوريا أم طبقيا أم دينيا أم قوميا، فهو يحيل على هذه الإكراهات الخارجية، مع ان الفن لحظة كثيفة من الحرية. يحيل على الرسائل الأخلاقية أكثر مما يحيل على الأدبي أو الفني أو الجمالي، إلى درجة ان تصبح الرسالة الأخلاقية كونية، فكل أديب مسلم عليه إنقاذ البشرية كلها، حسب تعبير عبدالرحمن العشماوي، الذي كان أكثر كرما من الرابطة التي قصرت مسؤولية الأدب في إنقاذ الأمة الإسلامية وحدها. وهكذا (يا بخت من نفع واستنفع)، فسيدخل في ذلك الإلزام الشمولي، كتحصيل حاصل، الإلزام الاشتراكي نحو العمال والفلاحين والكادحين في أرجاء المعمورة.
لكم أخشى ان نكون أيضا أمام ذلك النوع من الإلزام الأخلاقي الذي يجعل من تزوير التاريخ عملا أخلاقيا في سبيل الدفاع عن المصطلح. الناقد الإسلامي حلمي محمد القاعود يزعم ان الأدب العربي ظل قائما على (التصور الإسلامي) إلى مطلع العهد الاستعماري حيث بدأ منذ القرن الثامن عشر باحتضان " تصورات غربية مادية بعيدة عن روح الإسلام ومقاصده". ورغم أني طالما وددت لو أعرف هل هذا (التصور الإسلامي) الذي يقول به نقاد الأدب الإسلامي ورابطته من دون ان يوضحوا، يشمل عموم التصورات المذهبية والطوائفية أم هو يقتصر على السلفي تحديدا، إلا أن هذا ليس بيت القصيد، فبيته اني لا أحسب القاعود يجهل ما للعرب من تراث قديم ايروتيكي وإلحادي يجعلهم في صدارة الأمم. وكذلك لا أحسبه يجهل صنوف المتع المحظورة في أدبنا القديم التي تورط فيها فقهاء وشعراء إلى عمائمهم، وبلغت في مكاشفتها وتوظيفها في الأدب حدا يجعل قوله لايخرج عن محاولة الإيهام بأن لإلزاماتهم أصولها في تاريخ الأدب عند العرب والمسلمين وليست شيئا من بدعهم المعاصرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله