الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية الدون كيشوت للمخرج السوري مانويل جيجي: الدونكيشوتية طريق فردي مسدود؟!

مايا جاموس

2009 / 4 / 14
الادب والفن


الدون كيشوت رواية سرفانتس الشهيرة، التي تحدث فيها عن شخص (من جذور إقطاعية( كان يقرأ كثيراً، لم يتمكّن من الانسجام مع واقعه، فهرب منه، بعد أن اختار لنفسه هيئة فارس من القرون الوسطى، وجعل من خادمه سانشو حاملَ حربته، وذهب في مغامرات وهمية لمحاربة الشر.
في المسرحية هنا يهرب الدون كيشوت من رجال الدين وجباة الضرائب وجنود الوالي والعاهرات واللصوص.. وكل ما هو مخيف في مجتمعه، يهرب من الكون المتهتك. ويذهب لتحرير الأميرات، ويدخل بمعارك خاسرة مع كل من يلتقيهم ويتخيلهم مقاتلين أشراراً وعمالقة. إذ يتهكمون به ويركلونه ويسببون له المزيد من الخيبات والأحزان ويضربون سانشو. لكنه منذ البداية يدرك (أنه مهزوم، وأن العالم خرِب، يدرك أن كل شيء قد انتهى وأن الوضع لم يعد يحتمل). ورغم ملاحقات الناس ومطارداتهم له وخسارته في كل معركة، إذ يتعرض للضرب والركل وينهار ضعيفاً على الأرض، إلا أنه يصر على إصلاح الوضع.
سرفانتس الذي كتب الدون كيشوت في فترة تحول اجتماعي طبقي في إسبانيا، حيث الإقطاعية في بداية القرن السابع عشر كانت تتراجع باتجاه الانهيار، لتحل مكانها البورجوازية الحديثة. وقُرِئت الرواية باعتبار الدون كيشوت لم يتمكن من التكيف مع هذا التحول المجتمعي، لذا عاد إلى الماضي وإلى الصورة المثالية منه، إلى قيم وبطولات الفروسية التي يعرفها من خلال القصص والروايات. هنا في المسرحية لم يكن تقديمه ضمن سياق لتغير طبقي مجتمعي، بل جاء الأمر ليكون أكثر تعميماً، إنه يهرب من كل القيم السلبية في المجتمعات على مر تواريخها: الظلم، قسوة رجال الدين، الانحلال الأخلاقي، الفساد، جنود الوالي بكل ما هو معروف عن مفهوم الوالي (الحاكم ( وحَرَسه الخاص، ويمكننا أن نتصور قيماً أخرى نعرفها لم يذكرها العرض: الاحتلال، الاستبداد والقمع، الإرهاب... مع ذلك أبقى الكاتب والمخرج خيار عودة الدون كيشوت إلى قيم الفروسية. ليأتي الدون كيشوت هنا بطلاً فردياً يحارب ويناضل وحده وسط خراب وتفسُّخ مجتمعي، ولكن كأنما لا يحارب سوى طواحين الهواء، وكل نضالاته كأنما لا جدوى منها، وفي الآخر حتى لو لم يمت كما عند سرفانتس لكنه يعترف بهزيمته وينهار. وهنا هل يريد العرض أن يقول إن خيارات الصراع مع تلك الفئات هي خيارات فردية ولا جدوى منها؟! هل يريد القول إن الناس المصارعين من أمثال الدونكيشوت دربهم مسدود ومهزومون أساسا ً؟!
حتى عندما يركب سانشو الحصان الخشبي وينتهي العرض وقد أخذ مكان الدون كيشوت ليتابع مهمته، تبدو فكرة الدونكيشوتية لا جدوى منها، لأن سانشو خيار مماثل للدونكيشوت، رغم التطورات الإيجابية التي طرأت على شخصيته خلال العرض ليبدو أقل غباء وأكثر وعياً ليختار الدونكيشوتية، فإنه يبقى غبياً، والأهم أنه أيضاً خيار فردي. فهل يريد العرض أن يقول إن الدونكيشوتية ستبقى خياراً فردياً؟! وهي خيار مريض مجنون أو غبي؟! أليس من حقنا أن نرى حلولاً ومعالجات أخرى للدونكيشوتية، بحيث ألا تتحول إلى خيار فردي مريض غبي، أو ألا تبقى آليات العمل فيها فردية؟
العرض الذي يحافظ على الحكاية الأصلية للرواية وبعض المفاصل فيها، متجاوزاً محاورَ في الأحداث ومضيفاً أخرى، رغم تركيزه كما ذكرت على تقديم الدون كيشوت هارباً من قيم سلبية محددة لها وجود فعلي في الحياة؛ فإنه يقوم بالدمج بين رؤى للشر لها وجود حقيقي على أرض الواقع، ورؤى خيالية وهمية مثل طواحين الهواء التي تخيلها على هيئة محاربين، ليبدو أن الدون كيشوت وإن كان قد تلمَّس مشكلات مجتمعه وسعى إلى محاربتها، فإنه في الوقت نفسه مريض نفسي يعاني الفصام والأهلاس.
الخادم سانشو يقدمه العرض بالصورة التي عرفت في الكوميديات الكلاسيكية وبشكل خاص الإسبانية منها، شخصية تولّد الإضحاك وتكشف أوهام صاحبها. الاختلاف الوحيد هو أن دوره ليس ثانوياً بل يبدو بطولياً حتى لو كان محور العرض هو الدون كيشوت، أدته سوسن أبو عفّار بطريقة محببة كوميدية نمطية إلى حد.
أيضاً كان تقديم الدون كيشوت فيه مسحة كوميدية من خلال المفارقات بين أوهامه والواقع.
أوهام دون كيشوت جسّدها ديكور نعمان جود بمجسماته ذات الجدران شبه الشفافة، إذ تكون ستاراً بين الواقع والوهم، يتم الأداء وراءها أحياناً، كذلك الأمر بطواحين الهواء شبه الشفافة ذات اللون الأبيض. العرض على المستوى الإخراجي البصري والسمعي، لم يقدم ما يشير إلى قبح الواقع أو الأسباب التي تجعل من الدون كيشوت يهرب إلى واقع آخر متوَهَّم، بل جاء ذلك من خلال الحوار، وحتى إساءة المعاملة له من قبل من يلتقيهم من جباة الضرائب وجنود الوالي وشخوص الحانات من عاهرات وقوادين، فإنهم يسخرون منه باعتباره مجذوباً مجنوناً، بل جاء العرض ليقدم الحكاية بشكل أساسي، مجسَّدةً من خلال أداء الممثلين الواقعي الإيهامي.
المسرحية تأليف طلال نصر الدين، إخراج مانويل جيجي، تمثيل مصطفى الخاني، سوسن أبو عفار، نهال الخطيب، زيد الظريف، وفرقة إشارات للرقص المعاصر، ديكور نعمان جود، موسيقا غزوان زركلي.
جريدة النور- 384 (8/4/2009(








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟