الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الإله - القبلي الثأري وتأثيراته في االواقع العروبي المعاصر

عادل الخياط

2009 / 4 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يُقال في سِير قبائل العرب إن قبيلة ما قد غزت قبيلة أخرى وقتلت كل مُكونات تلك القبيلة من النساء والرجال , ماعدا الأطفال , وشيخ ربما كان مُختفيا في مُنحدر ما .. ومرت الأيام والسنين وظل هذا الشيخ يُدرب أولئك الأطفال على فنون القتال والفروسية ويحقن في رؤوسهم الثأر القبلي الذي هو أصلا مفهوم متوارث , وأن بلاد العربان تعده من ضمن أكلها وشربها وجنسها وجميع أشياءها .. إلى أن صاروا أولئك الأطفال شبابا أشداء تقدح الأرض جمرا تحت صهيل حماستهم .

حين ذاك , وعندما أدركت تلك القبيلة التي غزت هذه بمقدار القوة والفروسية التي يمتلكها أولئك الفرسان الشباب , أرسلت الوُفود والبعران أو الأباعر لرشوة هذي القبيلة . وعندما وصل الوفود وأباعرهم لتلك القبيلة لرشوها بالأباعر وجلسوا في الـ " مضيف الكبير " وقف ذلك الشيخ الكبير الذي درب أولئك الفتيان على الفروسية والقتال , وقف مُنشدا قصيدة تقول أبياتها الأولية :

أتحلبون دماً ونحلب إبلا وتحسبون ان الثأر قد ذهبا
هُم جردوا السيف فإجعلهم لها جُزرا وأضرموا النار فإجعلهم لها حطبا
لا تقطعن ذنب الأفعى وتتركها إن كنت شهما فألحق رأسها الذنبا

وعندما أنهى قصيدته نهض الفرسان الفتيان وذبحوا جميع الوفود وفرشوا جثثهم في الديوان ووضعوا عليها السماط , ثم أحضروا الأباعر مشوية وفرشوها على جثث الموتى وأخذوا يأكلون !!

هل إشمأزت نفسك ؟؟

إله أو نبي صحاري بلاد العربان على ذات الشاكلة, يؤمن بالثأر القبلي بكل شرارة تقدح في شرايينه . وقف على جثة عمه " الحمزة " بعد موقعة " أُحد " وهي ممزقة مسروقة الكبد , فتوعد سارقي الكبد بقصاص لا تُدركه بلاد العربان ! تراجع بعد هذا الوعد براغماتيا , لكنه واجه " هند بنت عُتبة سارقة وآكلة الكبد " بعد فتح " مكة " , واجهها بالقول : هنود آكلة الكبود ".. فردت عليه بذكاء يفوق آياته ووحيه : أنبي وحقود !؟" , لعله لهذا السبب أن الأمويين قد تقلدوا سلطة الله البدوية بعد ذلك .

وقال أحدهم لـ " الحُسين " في واقعة كربلاء : ألا تنزل على حُكم بني عمك ؟" فأجابه الحُسين بالقول : أتريد أن يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مُسلم بن عقيل ؟!
ووقفت " زينب بنت علي بن أبي طالب " بين خراب خيامها المنهوبة بعد تلك الواقعة مُتسائلة لقبائل العربان : يا آل بكر إبن وائل , أتُسلب بنات رسول الله , لا حُكم إلا لـ الله , يا لـ ثارات رسول الله !!

عاطفيا , نحن معك يا إبنة الأطياب أو الطيبين , لكن عن أية ثارات تتحدثين ؟ هل جدك تتملكه عقلية الثأر , وإذا كانت كذلك , فمن اين تأتت له هذه العقلية القبلية , هل هي من هذا العرق القبلي ؟ وإذا لم تك من العرق القبلي , فإنها بالتأكيد صادرة عن إله محمد , وإذا كانت كذلك : فيا له من إله قبلي هذا ! إله لا يحتكم إلى القانون , إنما إلى الثأر القبلي !

لكن على أي حال فإنه ثأر مُتسامي أو " ميتافيزيقي " كما يُسميه أحد الفلاسفة المُعاصرين , ثأر يبثه الله في رموز بعينها مثل " المختار الثقفي " و " مُقتدى الصدر " , لكن الفيلسوف المُعارض لتلك الميتافيزيقية أو التسامي والذي يؤمن بقوة وجبروت الدولة قديما وحديثا سوف يقول عكس ذلك , سيقول ان التسامي يكون على هذا الشكل

: ان " عبد الملك بن مروان , وبسمارك , وصدام حسين " هم أعظم رجالات للدولة القوية , لأنهم إستطاعوا أن يقضوا على كل حركات التمرد , والصمود أمام كل الأزمات وأن يُوحدوا دُولهم . إلى الحد الذي جعل كل دول الأرض تعطيهم وزنا خاصا وتحسب لهم أعظم حساب !! .. وعلى هذا سوف يتواصل تجرع السموم للخلق بين تلكما الفلسفتين , في زمن الإنعتاق والإنفتاح والحقوق المدنية والبنسلين وإختزال العالم في قرية صغيرة و .. ونواصل جردنا المُختزل لعالم الثأر القبلي لنقول :

وعندما سقط المُلك الأموي , وطارد العباسيون فلول الأمويين وقبضوا على آخر السلاطين " مروان بن مُحمد المُلقب بالحمار وعائلته " قالوا لهم , أو في البدء سألتهم عائلة السلطان المخلوع : نسألكم الغفران " فأجابتهم جحافل العباسيين المُنتصرة بعون الله وعزم القائد " أبو مسلم الخراساني " , أجابوهم بالقول : نغفر لأية واحدة ؟ نغفر لمقتل الحسين شر قتلة وسبي عائلة رسول الله , نغفر لمقتل " زيد بن علي " الذي حفرتم قبره وصلبتوه وهو ميت , نغفر لهذه وتلك وتلك وهذه .. لأية واحدة نغفر ..؟ وبعدها جرى الذي جرى ..

وهؤلاء وأولئك هم ذاتهم سليلو "عبس وذبيان " و" بكر وتغلب " رُواد حربين دامتا لعشرات السنين أو ما يقرب المئة عام لأجل فرس وبعير !! كذلك هم نفسهم بعينهم وأفخاذهم وسروجهم الذين تغنوا في قصائد شعر لا حصر لها عن بطولاتهم في غزواتهم على بعضهم البعض , والتي .. ماذا .. ؟

نعم , قد تكون تجارب الأمم في منحنيات التاريخ لها تماثلات بذات المستوى , وكذلك نعم ان فكرة الثأر هي فكرة سايكولوجية في المقام الأول , لكن الأكيد كذلك , إن التحضر البشري كان قد أخذ يروض هذه الحالة . فالكنيسة التي كانت تذبح الناس بإسم الإله قبل قرنين من الزمان , فبإمكامك اليوم أن تدخل أية كنيسة في عرض البلاد ومكعباتها وتعلن أنك مُلحد ولا تؤمن بأية ديانة على هذي الأرض , حينها سوف يُقال لك : أنت حُر ولا شأن للآخرين بك , ولا شأن للكنيسة بك ." والطبيعي والمعروف إن
الكنيسة في أوروبا لم تضمحل وتتلاشى لوجه " عيسى أو حزقائيل " ,الكنيسة إنتهت نتيجة وضع طبيعي , إنه تطور أوروبا نحو البرجوازية الصاعدة وما طرحته من قيم الحرية بعد الثورة الفرنسية .. وما عقب ذلك من تطور تلك البرجوازية إلى رأسمالية أكثر إستشراءً ونفوذا , ومن ثم كيف أحالت الناس إلى روبوت إستهلاكي قد , قد تكون تواجدت وإختلطت به قيم القُبح والجمال ! ؟ وعلى أي حال نحن لسنا بخصوص مجموع القيم في ذلك العالم , إلا إننا بخصوص كيف إن النوازع البشرية تتلاشى , أو تنكمش في واجهة الحياة المُتجددة , وتلك نتيجة سبب سايكولوجي , إجتماعي , إستهلاكي إقتصادي , أو ترابط كل تلك الأشياء مع بعضها .
لكن مع التفكير في الواقع العربي , يظل السبب المستفحل هو الشعور بالحيف لما جرى في هذا الواقع ! , الحيف والحقد على عالم الغرب بأنه أساس كل مأساتهم , ومهما حاولت كل رموزهم الثقافية تشذيبهم عن تلك الفكرة فإنها سوف تظل حاضرة في كل إعلامهم المرئي والمسموع والمكتوب ! ولأن إعلامهم بكل أصنافه هو أصلا قبلي عشائري مُتخلف مهما تطور في تكنولوجيته , ولأن شعوبهم صدى لذلك فسوف يظلون أو تظل رؤاهم إزاء العالم الآخر مبنيا على تشنج غير طبيعي !

وهذا من الأرض إلى السماء ليس تخرصا على أبناء جنسنا , ومن الممكن أن تستشفه في الواقع الموضوعي للعالم العربي , أو في اسوأ الأحوال في مواقع الإنترنت العربية .. فهل ثمة من مُغيث لذلك العالم المشجوج أو الملصوق في وحل رمال التعصب القبلي المُتحركة !؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف