الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نداء من أجل الحرية

أحمد عصيد

2009 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما أكثر أخطاء السلطة، و ما أجمل تلك الأخطاء حينما تزهر و تثمر عكس ما ترمي إليه السلطة، تفتح الأبواب و النوافذ، و تسمح لأصوات الهوامش المعتمة أن تتخلص من غصتها و تصرخ عاليا بنداء الحرية.
ذكرني البلاغ التهديدي الذي أصدرته وزارة الداخلية يوم السبت المنصرم، و الذي أعلنت فيه نيتها في مصادرة كل المنشورات و الإصدارات التي تعبر عن قيم مغايرة لما تراه بأنه القيم الدينية و الأخلاقية للشعب المغربي (كذا!)، ذكرني بقضية الشباب الذين حوكموا قبل سنوات بتهمة "الشيطنة" أو "التشيطن"، الذي يعني في سجلات السلطة و محاضرها " محاولة زعزعة عقيدة مؤمن"، و هي محاولة تمثلت آنذاك في لبس أقمصة سوداء و حيازة خواتم و أساور و عزف موسيقى معينة و تلقي معلومات عبر الانترنيت إلخ...
كما ذكرني البيان المذكور بما حدث بمدينة "القصر الكبير" السنة الماضية، عندما كشفت الغوغائية صنيعة التدين البدوي عن وجهها الحقيقي و عبأت أتباعها الذين تجمهروا أمام بيت مواطن يرشقونه بالحجارة ـ تماما كما كان يحدث في العهود القديمة ـ انتقاما من ميوله المثلية و من نمط حياته الخاصة، و قد تدخلت السلطة لا لرذع الغوغائيين الذين تقمصوا دور السلطة في الدولة الدينية القديمة، بل لمعاقبة المواطن المثلي على تنظيمه لحفل داخل بيته. و يطرح علينا اليلاغ الجديد للوزارة أكثر من سؤال، لا سيما و أنه تضمن تعابير خطيرة وردت على العموم دون أن يخص ظاهرة محددة، مما يجعلنا نطرح الأسئلة التالية:
1) هل تستعد السلطة في المغرب للدخول في مرحلة جديدة تعود فيها إلى نظام الحسبة القديم الذي يراقب حتى حركات الناس و سكناتهم و ألبستهم في الأماكن العمومية و في حياتهم الخاصة ؟
2) هل من حق الدولة المغربية اليوم حراسة الأخلاق التقليدية على أنها منظومة نمطية و نهائية مفروضة على الجميع ؟ من أعطاها هذا الحق ؟
3) ما الذي يسمح للوعاظ و الخطباء الدينيين ـ بمن فيهم البعيدين كليا عن الفضيلة في سلوكهم اليومي ـ بالعمل يوميا على إشاعة الأخلاق من منظور ديني سلفي ، ثم يسعى في نفس الوقت إلى تكميم أفواه من يخالف الرأي هؤلاء الخطباء و لا يرى الفضيلة بمعيارهم، و لا يقيسها بمقياسهم ؟
4) هل الإيمان المحروس ببنادق السلطة هو إيمان حقا ؟ و هل فضيلة الخوف و التقية هي فضيلة حقا ؟
5) هل السكوت عن ظواهر المجتمع و إخفاؤها و تحويلها إلى طابوهات حساسة و باعثة على الخوف من السلطة هو الخيار الذي يسمح للمغرب بالتطور؟
6) أليس بلاغ وزارة الداخلية دعوة صريحة إلى إشاعة النفاق الإجتماعي و وضع الأقنعة عوض البت في قضايا المجتمع و كل ما يطرأ فيه بعقلانية العصر الذي نحن فيه مسلحين بعلومه و معارفه التي تشهد انفجارا لا مثيل له قي أيامنا هذه ؟
7) هل الدعاية للتشدّد الديني و ترويج الخرافات و إلهاء المواطنين بسفاسف الأمور في " إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم" مثلا هو المقصود بأخلاق الشعب المغربي و قيمه ؟
8) كيف ينسجم خطاب السلطة مع توقيع المغرب و مصادقته على اتفاقيات و عهود و إعلانات دولية تحث على احترام الحريات و حقوق الأفراد في إطار من المساواة بغض النظر عن الإختلافات في الدين و العقيدة و اللون و اللغة و الجنس و العرق و النسب ؟ ما محل الأخلاق الدينية و الخصوصيات المذهيبية من الإعراب عندما نوقع على اتفاقيات دولية يعلم الجميع أنها تتعالى فوق الخصوصيات من كل نوع ، و تنظر إلى الإنسان في جوهره من حيث هو إنسان لا إلى عقيدته أو عرقه أو لغته ، و التي هي أمور قد يختلف فيها عن غيره ؟
تتعلق هذه الأسئلة كما هو معلوم بجوهر النظام السياسي المغربي، بعلاقة الدين بالسياسة، و بعلاقة الأخلاق بالفضاء العمومي، و بحقوق المواطن، كما يتعلق أيضا بالتربية التي هي هنا بيت القصيد.
9) ما الذي يدفع بشكل أفضل في اتجاه التطور و الدمقرطة المطلوبين، هل تملق قوى التقليد و فرض اختياراتها على الكل بالعنف السلطوي ، أم إرساء قوانين ديمقراطية تحترم حقوق المواطنة و الحريات للجميع متدينين و غير متدينين، و العمل على أن يحترم الكل تلك القوانين ، أي أن يحترم الناس حقوق بعضهم البعض و هم مختلفون ؟
لا شك أن القوى المحافظة التي ما زالت تحلم بعودة مجتمع بائد تحكمه المطلقات ستجد في بلاغ الداخلية ما يثلج صدرها إذ يؤكد لديها "حسن سلوك" السلطة في القيام بالواجب في "حفظ الدين" الذي هو عندها غاية الغايات، كما لا شك أن السلطة ستجد نفسها في وضعية مطمئنة، فهي ستقدم نفسها أمام عيون القوى التقليدية المتربصة كحامية للدين، مما ينزع فتيل فتنتها و لو إلى حين، لكنه بالتأكيد يعتبر لدى مناضلي حقوق الإنسان و لدى القوى الديمقراطية تراجعا غير مبرر.
إن مهمة السلطة هي حماية الحريات في حدود القانون و ليس حراسة الإيمان و الأخلاق التقليدية التي هي منظومة نمطية مغلقة و نهائية، و عندما نقول القانون لا نعني قوانين المنع و المصادرة و الترهيب السلطوي، لأن هذه قوانين ينبغي تعديلها طال الزمن أو قصر، و إنما نقصد قوانين دولة الحق، التي تحترم الفرد في كل حقوقه الأساسية و التي أولها الحق في التعبير و الحق في الإعتقاد أو عدمه و الحق في اختيار نمط الحياة الشخصية الذي لا دخل للآخرين فيه.
إن الإنقلاب الذي يخشاه السلفيون و دعاة التقليد عموما في القيم و الأخلاق ، سواء منهم المتواجدون بالسلطة أو في المجتمع ، هو عملية جارية و لا يمكن إيقافها، و الحلّ الذي تقترحه السلطة في بيانها التهديدي ـ أي عودة الإستبداد و القمع الوحشي و مصادرة الفكر و حرية الصحافة و التضييق على الحريات ـ قد يؤخر لظرف وجيز استمرار هذه العملية، لكنه سيسرع وتيرتها في النهاية بشكل مضاعف، بعد أن تقوى الضغوط و الإحتجاجات على شطط السلطة و غلوائها. و السبب في ذلك واضح لا لبس فيه، أن جميع الظواهر التي تسير في اتجاه سير العالم المتقدم ـ الذي يقود الحضارة المتفوقة حاليا ـ هي ظواهر تجد السياق الملائم للتطور و الإنتشار، و عكس ذلك فكل الدعوات إلى النكوص و العودة إلى نماذج سابقة سياسية و اجتماعية و قيمية مآلها الفشل مهما توفر لها من أتباع و مريدين و مصادر تمويل، و هذا ما يفسر اصطدام قوى التقليد الإسلامية بالواقع و بالمؤسسات في جميع بلدان العالم، و هو اصطدام يؤدي إما إلى انكسارها أو إلى تراجعها عن منظورها الأصلي و قيامها بنقد ذاتي يقربها بالتدريج من الخيار الديمقراطي العلماني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت


.. 143-An-Nisa




.. المئات من اليهود المتشددين يغلقون طريقا سريعا في وسط إسرائيل