الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاخلاق والمحظور

جعفر الغرابي

2009 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



لا يكاد موضوع الاخلاق ان يسلم من نقد الفلاسفة ومتبعي الاتجاه المادي في تفسير المظاهر الحياتية بتنوعها.فقد تبدو فلسفة الاخلاق بالنسبة لكثير من الماديين كبوابة عظيمة يجب تدميرها من اجل استقرار نظرياتهم على النحو الصحيح.علماً ان المنهج الاخلاقي يُعتبر من اهم البنى التي يقوم عليها كيان المجتمع.ولكن الاتجاهات المادية ابت ان تذعن لهذه البنية واهميتها في تسيير الفرد وخلق فيه روحية الدوافع الكمالية.اضف على ذلك بأن الاخلاق تمثل تدابير نفسية للحيطة دون الوقوع في الاخطاء والسبل المريضة في الحياة الاجتماعية.ويتحصل ذلك كونها مرجعاً لتسهيل الصور,وخرائطاً تحمل بين طياتها الاتجاه السليم.حيث ان الانسان بطبعه يبحث عن الكمالات,والاخلاق واحدة من هذه الكمالات التي تشكل هدفاً وسبيلاً في آن واحد.وهذا ما يجعلنا ان نقف بحذر امام هذا النقد الغير جدير بان يكون اتجاهاً علمياً صحيحاً,والذي لايساهم في خدمة العلم اكثر مما يلتفت الى انحيازاته العاطفية التي خاضت قتالاً مبالغاً فيه تجاه المبادى الاخلاقية.ولربما واحدة من الامور التي جعلت المفكرين ان يتخذوا هذا التوجه هو الموقف من الدين والسلطة الدينية التي فرضت هيمنتها على الشعوب بصورة راديكالية,هذا بالاضافة الى الحروب التي جرت بين البروتستانت والكاثوليك والتي خلفت دماراً هائلاً يُصعب تأويله الى المدى السياسي,او حصره في بوتقه خلاف عابر.


المواضيع الاخلاقية

تنقسم الاخلاق الى ثلاث عناوين وهي,الجائز,وغير الجائز,والواجب.وتُدرج تحت هذه العناوين جميع المجالات الاخرى,والتي تشكل تصنيفات لحالات وافعال, كالبخل والكرم والمحرم والمحظور,وتلعب هذه التصنيفات ادواراً عديدة من خلال ارتباطها بالكيان الاجتماعي,والذي يقع على الافراد اولاً واخيراً,حيث يلتزم الفرد بالمنهج المُحدد من قبل المجتمع,ويتوارث الفكر تبعاً للمعطيات المتوفرة,من ثم تصبح جميع التصورات والاعراف في حال اندماج نفسي ذاتي بعدما كانت مطروحة بالشكل الموضوعي.وقد يُشكل البعض من علماء النفس والفلاسفة حول قضية التعاطي مع الاخلاق بأنه لايتم بصورة علمية وموضوعية بقدر ما يكون فكراً متوارثاً له علاقة بأحداث وخيالات انمزجت عبر السنين الطويلة لتصدر كوثيقة تتحكم بالشعوب وتدين افعالها.اما اشكالهم الاخر فكان نابعاً من تنوع قوانين الاخلاق من حيز الى اخر,والذي ادى بنظرهم الى عدم ثبوتية النمط الواحد الخلقي,هذا بالاضافة الى التناقضات والنسبية في مفاهيم الخير والشر من وضع الى اخر.وفي الواقع ان هذا النقد وان طال مداه ليتعمق فلسفياً وتاريخياً في مفاهيم الاخلاق فهو لاينم الا عن خلط في عدة اساسيات,اولها الفرق بين علم الاخلاق والمذهب الاخلاقي,فالاول يتناول الاخلاق بالنحو الاعم ودراسة ماهيتها وحاجة المجتمع اليها والعلل التي ادت الى خلق النظم الاخلاقية.اما الاخر وهو المذهب فهو يعبرعن طريقة خاصة يتخذها مجتمع معين من احكام وتقاليد تمثل اتجاهه وطبائعه كما هو الحال في تقاليد واعراف العراقيين.والخطا الفادح الذي وقع به المفكرين في هذا الجانب هو دراستهم لمذهب اخلاقي معين من ثم الانتقال نحو النقد العام للبنية الاخلاقية.اما الاخر فلا يكاد ان يكون الا قراءة خاطئة في مفهوم النسبية حول مفاهيم الانتزاع,مثل الخير,او الكرم,او الشجاعة,فالطبيعة النسبية وان وجدت فهذا لايعني النقص في الموضوع الاخلاقي بقدر ما يكون الامر مرتبطاً بالواقع الموضوعي.يقول نتشه في كتابه فلسفة الاخلاق-لقد فهمت اخلاق الشفقة السائدة التي استولت حتى على الفلاسفة وجعلتهم مرضى بوصفها صفة مشؤومة للحضارة الاوربية التي اصبحت هي نفسها مشؤومة-.اقول يبدو بوضوح الانحياز العاطفي والموقف السلبي تجاه الدين هو المنطلق الذى ادى بنتشه للوقوف هذه الوقفة امام الاخلاق وقد تجلى بصورة اوضح في كتابه -عدو المسيح- لكن الاغرب من ذلك اعتباره ان الشفقة خطأ جسيماً.اما وليم فونت فلديه تصوراً اخر عن موضوع المحرم والمحظور,وقد يبدو غريباً الى حد ما اذ كتب يقول- كتاب علم نفس الشعوب-ان الحرام ينبع من المصدر نفسه الذي تنبع منه غرائز الانسان الاكثر بدائية والاكثر ديمومة من الخوف من تأثير قوى الجن والعفاريت-.ولانعرف بصراحة ما هي الرابطة الضرورية التي تجمع المحظور مع الجن,والتي توصل لها فونت في ابحاثه ولم تطلها ايدي الباحثين.وقد علق فرويد على هذه النظرية في كتابه-الطوطم والحرام-اذ كتب يقول-ان التفسير الذي يقدمه لنا فونت لايقع منا موقع الرضا التام,فتفسير الحرام على هذا النحو لايعني الرجوع الى مصدر التصورات الحرمية بالذات وبيان جذوره العميقة ,فلا الخوف ولا الجن والعفاريت يمكن ان تعد في علم النفس علل اولى-.وفي الحقيقة ما ان عبر فرويد عن عدم قبوله لهذه النظرية حتى اذعن بها في الصفحات اللاحقة حيث يقول-نفس المصدر-لقد اعلنا اختلافنا مع فونت في تصوره القائل ان الحرام ليس الا تعبيراً عن الخوف الذي يوحي به الجن والعفاريت,ومع ذلك تبنينا التفسير الذي يرجع حرمة الموتى الى الخوف الذي توحي به نفس الميت وقد صارت من الجن.-وبعدما اذعن فرويد للتناقض الذي وقع فيه راح يصرح من جديد بأن موضوعية الجن لها مدار الصحة,لكننا لانعتقد بأنها العلة الاولى,فهناك علل اعمق من هذا المجال قد قادت المجتمع الى فرض المحظورات والمحرمات,وهي اسقاطات المشاعر العدائية التي يكنها الاحياء للاموات.وفي الحقيقة استطيع ان اقول بثقة تامة ان التفسيرات التي وضعت من قبل فونت وفرويد لاتمت الى الواقع بأي صلة,ويشوبها الانطباع الخرافي.ولو تمعنا النظر بدقة في التفسيرات التي ظهرت يكون بأمكاننا ان نسترشد بالسبل والاثار التي سلكها كل من فرويد وفونت,وهي ما ذكرناه في بادى الامر,من دراسة مجتمع على نحو اخص ثم تعميم الدراسة على جميع المجتمعات.ودراسة فرويد بالذات اخذت على عاتقها هذا الجانب,مع فرض نظرية يكون من المحال قبولها الا وهي المشاعر العدائية تجاه الاموات كمسبب رئيسي للمحرم والمحظور,مع تحصين هذه النظرية بالمصطلح الذي يرواد فرويد في جميع كتاباته,وهو-اللاشعور-حيث اعتبر ان هذا العداء بالاصل لاشعوري.ولانعرف واقعاً ان كان هذا العداء مظمور ومتستر بهذه الصورة فكيف شعر به فرويد؟,ولو سلمنا بهذا التفسير فهذا يعني ان الطابع العدائي محمول في نفس الوقت الذي نحمل به المحبة لامواتنا,فيلزم منه الوجود الفطري في ذات الانسان وهذا محال,او يخلق بالاكتساب مع حالات معينة وهذا ممكن,لكن يبقى تعميمه امراً مستعصياً.ومن هنا نفهم ان نتيجة التفسيرات المتناولة بين فرويد وفونت لاتنفعنا بشئ علمي,ولم تكن الا ابعاد المحظورات الخلقية عن عللها الرئيسية وارجاعها الى اسباب تصورية,بعيدة كل البعد عن السبب العميق الذي كان دافعاً وحاكماً في نفس الوقت الا وهو الدين..

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا