الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤسسة السجناء السياسيين.. إرث أُمة، ومشروع نهضّة!

كريم الشريفي

2009 / 4 / 16
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


الأمم الحيّة تحتفي دائماً بطلائعها المتميزين في كل حقل من الحقول والمجالات التي قدمو بها وعملو فيها وزادوا إليها عطاءً أو ابداعاً أو تضحيةً. علينا الأحتفاء بتلك الطلائع وبما قدموا من انجازات ،وأعمال وبطولات تستحق التبجيل والثناء ،لاسيما قوافل من ضحايّا الفكر الذين كانوا أكثر من الآخرين عرضةً للتنكيل بعد الشهداء طبعاً .بلا شك هؤلاء انتزعوا حقوقهم دستورياً الآن ولو على كفاف .لكن على الدولة أن تقّر لهم بحقوق كاملةً غير منقوصة معنوياً ومادياً ،بتأمين لهم العيش بكرامة تليق على اقل تقدير بتصديهم وتضحياتهم للطغيان والأستبداد بحزم قل نظيره مما أوقع بهم خسائر كبيرة. عبر التأريخ المدونّ عرفنا أن الأستبداد الشرقي هو من أعنف انواع الأستبداد في العالم ،لان يغلب عليه طابع الوحشية والتشفي والقسوة ،و في الأغلب هناك طغمة غاشمة تحكم وتتحكم بأشباه الرجال ا من الذين لا يعرفون أي رحمة لتجعلهم أدوات بطش وقتل .وهذا ما رأيناه ابان الحقبة البعثية برئاسة الطاغية المقبور (صدام). كان ازلامه شديدي القسوة يمارسون التعذيب ضد ضحاياهم بشذوذ معبرين عن خلوهم من الأخلاق والقيم.لان حواضنهم هي عبارة عن مراتع للرذائل والضغينة والجبن، والخوف ، والنفاق ، والكذب ، والرياء،والمداهنة وعدم الأخلاق والوشاية حتى على بعضهم البعض . كلهم يعانون من مركبات نقص واضحة في شخصياتهم خصوصا مركب ازدواج الشخصية . أن هؤلاء الجلادة كبروا بالخوف وترعرعوا على الرذيلة وتعلموا أخس ما في الأخلاق من سوء. لانهم عاشوا على التزلف وتمجيد رئيسهم والتغني بمناقبه الكاذبة رغم عدم ولائهم الحقيقي له لانهم يخافون منه .. لكن الخوف من وشاية الآخر تدفعهم الى التعسف والظلم والقسوة اذا وقع ضحية بين أيديهم. ليبرهنوا على اخلاصهم للجلاد الكبير وبالتالي ينالوا الثناء على مسخ ضمائرهم . أن هذا السلوك هو بالحقيقة انهيار فاضح للأخلاق، بينما الضحية مع حجم الألم الذي يواجهه من أمثال هؤلاء يشعره بكرامة نفسه، وصلابة قيميه وعدالة مبادئه ، و هو في هذا الظرف العصيب بين يدي الجلاد يسعى بأن يحافط على شرف قضيته بقدر المستطاع واضعا أمامه الكثير من النماذج التي تعرضت الى أسوء مما يتعرض له حتى يكون عوناً على تخطي الصعاب وهو يعرف أن هناك اشراقات رائعة بالتضحية في تأريخنا يستذكرها ليستمد منها الثبات والعزيمة والأصرار لكي يحافظ على مبادئه وقيمه التي جاءت به الى الأعتقال .(( دخل أحد الخوارج وهذه ـ غمزة للتنكيل ـ على الوليد ابن عبد الملك وهو خليفة غاشم وكان جالساً عنده اشراف الشام وأعيان المشايخ فقال للرجل : ما تقول بّي؟ قال أنت ظالم، جائر، جبار! فقال ماتقول بعبد الملك ؟ قال جبار عاتِ! فقال ما تقول بمعاوية؟ قال ظالم ! فقال لسيافه الريان أضرب عنقه فضرب عنقه في الحال . هذه الفدائية وروح الأستشهاد لمثل هؤلاء علينا ان نرصع ارثنا بها ! بالحقيقة لو لا أمثال هذه النماذح لا أصبحت أمتنا أمة عاقرة ، خانعة ، خاضعة، مستسلمة للطغاة والمستبدين والمتجبّرين . ولدينا مثال آخر لايقل فدائية عن الأول بالدفاع عن آرائه ومعتقداته وهو (أبو الحسين ابن منصور الحلاج) الذي ضرب مثلاً بالبطولة بتحّديه الجلادة حيث كان يترفع عن عذابات الجسد اذا ما عرفنا مقدار الآلام التي عاناها .. وعليك أن تتخيل الآلام لجسد يتعرض للتمزيق والفتك ، وقطع الأعضاء بشكل بشع.. والغريب لم يتأوه اطلاقاً يقول الخطيب البغدادي في كتابه ـ تاريخ بغداد ـ .(( أُخرج الحلاج الى رحبة أمام الوزير وأمر الوزير بضربه بالسوط ألف مرة دون ان يتأوه ،أو يستعفي ثم قطعت يداه ورجلاه وعُلق على الصليب ثم حزّ رأسه ، وأحرقت جثتهُ، ولما صارت رماد ألقيت بنهر دجلة وبقى الرأس يومين معلق على الجسر ببغداد)). لا أعرف هل هذه جهادية أم بطولة أم مجد ...! نعجز بوصف هذه التضحية وتصنيفها لانها المنتهى لأشكال التضحية. أكيد يوجد امثال هؤلاء كثيرين في تأريخنا لكن للأسف لم يدون التاريخ تضحياتهم وأنصافهم لانهم كُثر ومجهولين .هناك الكثيرين من الذين واجهوا الموت تعذيباً ببسالة على يد عصابات البعث وجلاديهم ولم يتنازلوا عن الدفاع عن مبادئهم منهم محمد حسين الرضي (سلام عادل) الذي استشهد عام 1963 ومثلوا به تقطيعاً .السيد الشهيد محمد باقر الصدر الذي استشهد بالزنزانات البعثية عام 1980 وغيرهم الكثير . ان هؤلاء الشهداء كانو نموذجاً للتطابق بين الحقيقة الفكرية التي يؤمنون بها ويدافعون عنها وبين الواقع الذي جعلهم يتحملون ما جلبت لهم هذه الحقيقة وبالتالي ازدادوا إيماناً بتحمل العذاب. كل ماتقدم هنا نريد ان نقول لمؤسسة ضّحايا الفكر ، عليكم القيام بأرشفة هذا التراث وجعله نموذجاً مشرفاً ناصعاً لأجيالنا القادمة حتى لا نبخس مآثر شهدائنا وسجنائنا حقهم وتضحيتهم.نريد أن نمجد هؤلاء الضّحايا بتدوين بطولاتهم المتفردة بالصمود والمواجهة ، رغم أن كُتاب التأريخ لا يتذكرون قوافل الضحايا والشهداء ،لانهم يكتبون فقط عن المستبدين والطغاة ، لذلك نريد أن ندون عن ضحايانا ونخص بالذكر هؤلاء المجهولين منهم الذين سقطوا بالزنزانات الرطبة ، وأقبية الموت ، أو بالسجون الظلماء ..هؤلاء لهم الحق علينا ..لهم المجد والفخر والبطولة.
نريد بشكل ملح من (مؤسسة السجناء السياسيين) أن تفتح باباً للتوثيق العلمي من قبل الضحايا المسجلين لديها وحسب التسلسل الزمني بتدوين أي حكاية أو قصة أو رواية أو حدث لضحية فكر لتكون جزء هام من ارث الأمة العراقية وتراثها لتتعلم الأجيال القادمة من تلك القصص والروايات الحقيقة والحرية ويمجدون أبطالها.لان فيها معرفة كبيرة من تعدد الصور ، وتفسير الأحداث، وشرح الأمكنة وتسجيل الأزمنة ابتداءً من مراحل التهمة الى الأستنطاق ثم التعذيب والأحتضار وصراع البقاء ، ونزاع الحياة واستمراريتها هذه من أهم المراحل التي يمرّ بها ضحية الفكر . لذلك نريد تدوين كل الشهادات لكي نزرع مفاهيم جديدة لصيانة الأنسان ، وقيم جديرة بأحترام حقوق هذا الأنسان وصيانة حريته الفردية . قبل أيام كنت استمع الى شهادة السيد أحمد المرزوقي من المغرب في برنامج شاهد على العصر وهو يروي شهادته عن الظلم والتعذيب الذي واجهه مع رفاقة في سجن( تزمامارت) الصحراوي .. لو لم أكن سجينا من قبل ورأيت من الهول الكثير لم اصدق ذلك ..لدرجة شعرت بقشعريرة في بدني وأنا اتخيل الصور والأحداث التي يرويها وبعد ذلك جفّ فمي وانتابتني حمى قوية في جسدي وهو يروي استشهاد رفاقه وهم يعيشون غاية بالبؤس والحرمان مقطوعين عن العالم لمدة 18 سنة . هذا حصل في زمن ملك المغرب الحسن الثاني . لكن بهّمة هؤلاء السجناء بعد تحررهم قاموا بتأسس منبراً مهماً لهم تخطى المحلية والأقليمية وأصبح عالمي. حيث تم اطلاق سراحهم من قبل الملك محمد الخامس وحصلوا على تعويضات مجزية رغم أن التعويضات مهما كانت كبيرة فهي لا تجزي شهر واحد من الأعتقال وسلب الحرية . لكن هؤلاء الأخوة الذين نعلن تضامننا معهم كضّحايا فكر .. استفادو من تأطير منظمات فاعلة وادارتها بنجاح . خصوصا ان السيد ادريس ابن زكري الذي قضى 17 عام اصبح رئيس( لحركة العدل والمصالحة ) وفي نفس الوقت رئيس حركة ( حقيقة وعدالة) أهم عمل قامو به هو أحصاء وتبويب أكثر من 22 ألف ملف من انتهاكات حقوق الأنسان من 1956 الى 1999 . وتبويب أكثر من 4200 سجين سياسي منها 200 حالة إعتبرت الأكثر فضاعة حيث تضّمت تفاصيل مرعبة للتعذيب ،وكرسوا لهذه الحالات مدة ساعتين بث تلفزيوني لكل حالة سجين واحدة ليروي ماشاهده وما رآه وما مورس عليه من حرمان . حتى أصبحت المنظمات الدولية تأتي لزيارتهم ودراسة حالاتهم واضافتها كمنهج في بعض الجامعات الغربية . بهذا الأخوة المغاربة سبقونا بالتدوين المفيد لقصص ضّحايا الفكر عندهم . نطمح من (مؤسسة السجناء السياسيين) في العراق ان تحذو حذو (حركة الحقيقة والعدالة) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أليكسي فاسيلييف يشرح علاقة الاتحاد السوفييتي مع الدول العربي


.. تضامناً مع غزة.. اشتباكات بين الشرطة الألمانية وطلاب متظاهري




.. طلبة محتجون في نيويورك يغلقون أكبر شوارع المدينة تضامنا مع غ


.. Peace Treaties - To Your Left: Palestine | معاهدات السلام -




.. اشتباكات عنيفة واعتقال عدد من المتظاهرين المؤيدين لغزة قرب م