الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة الداخلية للعشائر العراقية في الوسط والجنوب خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ( القسم الثاني والأخير )

عبد الجبار منديل

2009 / 4 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد عملت السلطة العثمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على تشجيع استقرار العشائر ذلك ان قبائل الرحل كانت تهدد الأمن وتعيث بالأرض فسادا في حين ان المزارعين المستقرين هم اميل الى احترام القانون والخلود الى الحياة الهادئة بعيدا عن الغزوات والحروب التي لا تنتهي سواء بين القبائل البدوية نفسها او مع السلطات المركزية او قيامها بإقتحام المدن وسلبها ونهبها حتى المقدسة منها .
في عام 1706 هاجم حسن باشا بعض القبائل العابثة والتي هاجرت الى العراق منذ سنوات قليلة وبعد عدة سنوات من المعارك افلح في اقناع بعضها على الإستقرار ومنها شمر طوقة التي استقرت فيما بعد بالمنطقة الواقعة بين ديالى والكوت في حين استقرت عشيرة المسعود في المنطقة القربية من كربلاء والمسيب .
وقد تم شق قناة الهندية في نهاية القرن الثامن عشر لتوفير المياه لمدينة النجف من ناحية وللمساهمة في استقرار العشائر من ناحية ثانية . حيث استغرق شق هذه القناة الفترة منذ ثمانينات القرن الثامن عشر وحتى عام 1803 بتمويل من الشيعة الهنود لذلك سميت الهندية . ولكن هذه القناة لم تساهم فقط في ازدهار مدينة النجف في القرن التاسع عشر بل وساهمت في احداث تغيرات اجتماعية وبيئية مهمة في جنوب العراق ووسطه . وكانت تتفرع من الفرات في منطقة تبعد عدة كياومترات جنوب المسيب . وبعد سنة 1860 بدأت تستنزف مياه الفرات بشكل تدريجي واخذ القسم الأعظم من مياه الفرات يتدفق في مجرى الهندية مغيرة مجرى نهر الفرات .
وفي عام 1890 اقام العثمانيون سدا على مجرى النهر بهدف زيادة حصة نهر الحلة ولكن هذا السد فشل بالكامل بل انه بحلول عام 1903 تسبب في توجيه كل مياه الفرات باتجاه قناة الهندية وبجفاف شط الحلة بالكامل تقريبا .
لقد كان لتغير مجرى النهر اثار اقتصادية واجتماعية خطيرة حيث اخل بالتوازن المائي التقليدي بين فرعي النهر الشرقي والغربي وادى ذلك الى هجرة سكانية واسعة من الديوانية والحلة والسماوة باتجاه فرع الهندية . ومن هذه العشائر بني حسن وبني مالك وبني زريج وخفاجة وال علي وال فرج والعوابد والحميدات وال ابراهيم وال فتلة وقريط . كما ان بعض العشائر هاجرت باتجاه العمارة والكوت ، فقد جف نهر الحلة والديوانية ونهر الدغارة وعفك والفوار. ولم تعد المياه الى شط الحلة وشط الدغارة الا بعد استكمال بناء سد الهندية عام 1913 باشراف المهندس الإنكليزي (يلكوكس) وبذلك عادت بعض العشائر التي هاجرت في حين استقر القسم الاعظم في الأماكن التي هاجرت اليها .
ان كيان عشائر العراق لم يكن دائما موحدا وثابتا ، فقد انشطرت قبيلة زبيد الى عشائر متعددة منها في نهاية القرن السابع عشر اتحاد عشائر الدليم واتحاد عشائر البو محمد والبو سلطان والجحيش . ثم انبثقت عشيرة كعب من ربيعة وعشيرة العبيد من العشائر الحميرية القديمة . ويعتبر الخزاعل وبني لام من العشائر التي انبثقت من قبيلة طي . وكانت قد سبقتها الى ذلك بقرون عشيرة شمر بفرعيها (شمر طوقة وشمر جربه ) . كما انبثقت من قبيلة شمر جربه عدة اتحادات عشائرية منها اتحاد عشائر شمر في عفك واتحاد عشائر الأقرع في الدغارة .
خلال القرن التاسع عشر استقر قسم كبير من عشائر العراق واتجه نحو ممارسة الزراعة على نهري دجلة والفرات وفروعهما . وفي حين ان عشائر بني تميم وفروعا من شمر والدفافعة وبني عامر قد اظهرا ميلا للإستقرار خلال ولاية داود باشا اخر ولاة المماليك ( 1816 – 1831 ) فإن استقرار باقي العشائر ازداد بعد ان تزايدت سيطرة العثمانين المباشرة على العراق وتشجيعهم المزيد من العشائر على الإستقرار والإتجاه نحو الزراعة . وفي الوقت الذي كانت فيه نسبة البدو الرحل في العراق هي 50% من مجموع الشكان انخفضت هذه النسبة لتصل الى 19% فقط عام 1905 .
لقد ازدادت عملية التمدن ( تشكيل المدن ) خلال الشطر الأخير من القرن التاسع عشر على ضفاف النهرين ( دجلة والفرات ) ومنها مدينتا العمارة والناصرية بعد ان كانتا قرى صغيرة . على الرغم من ان هناك مدن تأسست منذ القرن الثامن عشر مثل السماوة والديوانية والحي والزبير وسوق الشيوخ .
لقد كان ارتباط العشائر بالأرض والمياه واستحداث مبدأ التسجيل العقاري ( الطابو) في العهد العثماني الأخير بداية لتشكيل نمط جديد من انماط الملكية الزراعية هو النظام الإقطاعي وتحولت بعض بيوت رؤساء العشائرالى بيوت اقطاعية كبرى مثل بيت الياسين رؤساء عشيرة المياح الذين اصبحوا من كبار الإقطاعيين في الحي وبيت السعدون رؤساء المنتفق في الناصرية وكذلك الأمر بالنسبة الى بيت الحبيب رؤساء ربيعة في الكوت وبيت الجريان رؤساء البو سلطان في الحلة ...الخ .
وعلى الرغم من ان طابع العلاقة قد تغير بين ابن العشيرة ورئيس العشيرة بالنسبة الى بعض العشائر حيث تحول رئيس العشيرة الذي استفاد من قانون الطابو العثماني وتحول الى اقطاعي وبذلك اصبحت العلاقة هي علاقة الفلاح المعدم بالمالك ، فإن الأغلبية من العشائر بنت العلاقة على اساس صلة الرحم والدم وابناء العمومة بين ابن العشيرة وشيخ العشيرة على الرغم من امتلاك الأخير للأرض .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان