الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كياناتنا الدينيّة والمدنيّة.. ذاتُ الفلقتيْن

جلال القصاب

2009 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


توحيد القلوب، والأوطان، والأمة.. "سنّةٌ" رحمانية، وتفريقُها "بدعةٌ" شيطانية، لذلك تنتظم المبادرة الملكية بإطلاق سراح رموز معارِضة ومساجين الرأي ومعتقلي أحداثٍ أمنيّة.. كخطوةٍ سامية وصحّية لأمن الوطن وسلم أهلِه، ولِلمّ أطيافه، وتخفيف توتّراتها، آملين أن تتخلّص السياسةُ ومعتركاتُها من ألاعيب الارتياب والمكائد، لتتوحّد الجهود وتتحاور بإخلاص لتعزيز الإصلاح والحرّيات والعدالة الاجتماعية والتنمية والرخاء، للوطن والأمة.
وعلى "سنّة التفريق"، أطلّ بالأمس مُفسِدٌ (ينسب نفسه لأهل "السنة والجماعة") والأليق به مِن أهل "السمنة والمجاعة": "سمنة" القشور و"مجاعة" القيَم، قام يُسمّي مواطنين "شيعة" بالمنطقة الشرقية والبحرين والكويت، ويُعدّد مؤسّساتهم التجارية ويُعرّف بها، مطالباً طائفته ("السنية" بزعمه!) بمقاطعتهم.. أسوةً بالمراكز والمنتجات الصهيونية!
فقلنا: أحمق، وربّما إصبعٌ صهيونيّ عابث منتصبٌ للتحرّش والتحريض!
واليوم، سلّمنا أنّ طوائف "شيعيّة" و"سنّية" يرون "أحكام أُسرة" المذهب الآخر غير لائقةٍ بهم، مع أنّ مشرّعها الأوّل نبيَّنا الكريم(ص) استهلّها سهلةً وواضحةً وموسَّعة، وخطّها قرآنُ الله بأسلوب مبينٍ مُبيّنٍ فيها قواعد الأسرة والزواج، ومحارم النكاح، ومنظومة الحقوق والمواريث والمعاملة..الخ، بل وثبّت سورةً كاملة لضمان حقوق النساء -مخاطبًا الرجال بها- سمّاها "سورة النساء".
أمّا الذي لا نسلّم به فأن يتدنّى حالُنا كأمّةٍ، وكوطنٍ، وكطوائف، لنتفرّق بمدوّنتيْن لقانون الأسرة، تعرّضاً لذمّه سبحانه: (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، فلكلٍّ مرجعيته الدينية.. وسلّمنا بها، ولكن أليس الوطن والدين جوامع؟ ألا تُوجد وسيلةٌ حضارية للدفع بقانون موحّدٍ -بضمانة دستورية تنفي تبديله بغير المختصّين- يحتفظ لكلّ طائفة بخصوصيّاتها "الاجتهاديّة".
انتفخت الفرائد والخصوصيّات حتى صارت أصلاً، فالشيعي ليس الذي يشهد الشهادتين ويصلي ويزكّي ويتخلّق بالخلق الحسن ويعرف الله ويخافه كما كان العترةُ(ع) وكما أرادوا، بل ذاك الذي يتوضّأ بالكيفية إيّاها، ويُقبّل التربة، ويجيز المتعة، ويعتقد بالوصيّة، وبكسر الباب والضلع، والسنّي ليس المسلم المستنّ بسنّة النبيّ(ص) خُلقاً وتسامحاً، بل المدّاح لأبي بكر وعمر وعائشة(رض) وبالتالي المناكف والقدّاح للشيعي بوصفه مفضّلاً عليهم غيرهم، وأحسبُ لو البشيرُ النذير(ص) بيننا لأوعز لأحد أصحابه بصفع وجه الاثنين ليفيقا مِن سكرتهما.
الأمة يُحاصرها التمزّق والخوَر، و"الدينُ" المعروضُ تعتوره شُبَهُ التخلّف والجمود، وهؤلاء.. الواحدُ ينفخ خصائصه المذهبيّة بوجه أخيه، المؤامراتُ تتوالى على المتديّنين والمُصلحين والثائرين والموحِّدين وعلى أوطاننا، والصهيونية تتربّص بالمقاومات الشريفة التي ضبطتْ بوصلاتها ولم تنشغل بمذهبيّات فارغة، فمرّغت جبين الصهاينة بأوحال الهزائم والإخفاقات، وقام نظامُ الرجعيّة العربي يُناوش بما عجزت عنه الآلة الصهيونية العسكرية واستنكفت عنه آلتُه الإعلامية.. باتّهام سماحة السيد نصر الله أشرف المقاومين والمتديّنين والوطنيّين الوحدويّين، بأنه جنّد أناساً بقصد إرهابٍ وقلقلة نظام وتبشير بمذهب خاصّ! معزوفةٌ مشروخةٌ منكَرة يجترّها إفلاس نفوس منهزمة، فتُطلق للخلف على المُقاوم بدل العدوّ.
كم بغيضةٌ سجالاتُ "سنةٍ" و"شيعةٍ" بالمنتديات والفضائيّات الطائفيّة، وتطاولُهما الجارح على مقدّسات بعضهما، ونتيجتُها تدنيسُ قيَم الدين وتوغيرُ صدور المؤمنين، قذارةٌ باسم صيانة المذهب والانتصار للصحابة أو العترة، وسخافةٌ تكشف ضحالة الوعي مهما بلغ علمُ وحجمُ لحى أصحابها، فبعضُهم جهّال وآخرون مدسوسون على الدين والأمّة.
وكم مُفرحٌ مشهدٌ بالصُحف لصورةِ نائبيْن متجاوريْن ("سنيّ" و"شيعيّ") يتفاكهان، أو يتحالفان على قضيّة وطنيّة، هذه حسنةٌ تُكتَب لبرلماننا الذي -وفق تركيبته الطائفية- لا يسرّ العقلاء.
فالسؤال: ما جدوى تجزئة "قانون أسرة" وتمريره وإحالته بشقٍّ "سنّي" على برلمان "متطأفنٍ" أصلاً؟ أهي لعبة سياسية تنتهج "سنّة التفريق" والتشطير للمجتمع؟ أم إحراجٌ "للصفّ" الشيعي ليبدو كالفوج الرجعيّ الممانع تقنين قانون مدني ديني عادل يضمن كرامة المرأة وحقوقها، فيُبرز نوابهم كتوابع وأصداء حوزوية، لا كنوّاب للشعب بطائفتيْه وجنسيْه ذكَرهم وأنثاهم؟!
فسواء كانت عصبيّة طائفية، أم مسرحًا لجهاد أشخاص بميادين غير مُكلفة تحقّق لهم سلطة معنويّة، فقد تمّ الاستنفارُ ضدّ تدوين "قانون الأسرة" أوّلاً وكأنه الباب الذي سيطمّ البلد بالفجور (البلد الذي صُنّف –خطأً أم صواباً- كثامن مدن البغاء والدعارة، رغمَ غياب قانونِ أسرة!!)، ثمّ مع اشتداد الضغوط السياسية والحقوقية تغيّرت النبرة تجاه التدوين لكن بضمانة دستورية وبتدويله لموافقة المرجعيات الدينية للطائفة، وتمّ النفير باسم "الشرعيّة" و"حفظ الأنساب" والاحتياط من جهنّم..الخ، وكأنّ قانون الأسرة معادلاتٌ دقيقةٌ لتخصيب اليورانيوم، وليست مسائل منطقيّة تنسجم ويُسريّةِ ديننا الحنيف وسماحة نبيّه(ص)، بمقدور أيّ "فُقَيْه" –ولو باكستاني- لمّها وضبطها ضمن موادّ قانونية، بيّن هذا مؤخّراً (ومتأخّراً) سماحة المرجع السيّد السيستاني.
لقد أضحى دينُنا ألعوبةً وتنفيراً، والمذهبياتُ صارت بيارقَ للتشطير وللتلاعب بالضمائر والعقول، اشتقنا ليسريّة ما أكرمنا به النبيّ(ص)، يحتاج ساستنا لاستبصار نتاجات خرابهم التي يطحنون مصائر الناس فيها، تعوزنا حكمةُ عليّ(ع) –عليٍّ الحقوقيّ غير الطائفيّ، ربيبِ محمّد(ص) وابنِ الإسلام- حين جاءته امرأتان يتنازعان أمومة رضيع، فدعا بسكينٍ ليشطره بينهما، فجزعت الأمُّ الحقيقية وصاحتْ: دعوه لها... فحكَم (ع) للتي قلبُها على الولَد.
الذين يرتضون تشطير هذه الأمّة فئتيْن، والعرب معسكرين: ممانعة واعتدال ("اعتلال".. كما يُوصّفه البعض)، والدين دينين: سنيّ وشيعيّ، والجسم الصحفي، وكادر التمريض.. "فلختيْن" وشعبتيْن، والمنظّمات الحقوقية "شلختيْن"، ويتبعها تجزئةُ "قانون الأسرة" في الوطن بفلقتيْن، أولئك يتناسون سماحة محمّد(ص) وحكمة عليّ(ع)، يفتقدون فطرة قلبِ تلك الأم الرؤوم، ويجهلون اشتراطات واجب توحيد الأمّة، والوطن، والقلوب.. مهما طنطنوا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي