الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هَذَيان شيخ جامع

فيصل البغدادي

2009 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- "شيخ عبدلله ... يا شيخ عبدلله عيني يَلّة تَرة ما ضّل وَكِت على آذان الظهر، كوم توضئ ووذّن بالناس" .
اه كيف يستطيع الشيخ عبدلله ان يَفلت من صوت زوجته الثانية ، اصبحت تُذّكره قبل كُل صلاة وكانها مَعنيّة اكثر منه في إقامة الآذان ، اغلّق شاشة المحمول وتوجه الى الحمام ، بدأ بغسلِ يديه كما تعود مُنذ صِباه ، لكنه وبدلاً من ترديد الادعية وجد نفسه يردد:-
- " عجيب والله هذا "الفيس بوك" يعني شتريد أكو بيض، سُمر، على البحر كاعدات ،او بالغرف نايمات ،هممم ... اكيد حسابي على" الفيس بوك" راح يوفر لي فرص مجنت احلم بيهه، هواي راح يضيفوني لقائمة اصدقائهم خصوصا واني هم أخترت اسم جذاب كُلّش ، وصورة اختاريته من موقع تركي ،مَصارلي اسبوع وهلكد تعرفت على اصدقاء وانفتحوا وياي بالحجي ، َيله منو يدري اني شيخ جامع ، هاي فرصتي جنت ادور عليهه من زمان اعيش حياتي بعيد عن الواقع الي لكيت روحي بيه ، استغفر الله .. استغفر الله "
إرتدى الشيخ عبدلله زيه الابيض وخرج من رواق منزله باتجاه حرم الجامع ليُقيم الآذان ، ثم كان عليه ان يَؤمّ الناس بالصَّلاة اليوم ، فهو في العادة يَؤمّ الصَّلوات جميعها ماخلا صَّلاة الجمعة حيث يؤمها أحياناً شيخ محمد.
ما لبث ان اكمل حتى عاد للبيت لتناول الغداء ،أجلّس امامه زوجته واطفاله ، كانوا ينظُرون له بخوف كبير ، علَّه هذا اليوم لن يسمح لهم بتناول الغداء معه او انه سيضربهم كعادته او على الاقل سيكتفي بشتمهم وبتوبيخهم ، ربما هو لم ينتبه لكن اطفالهُ السبعة وزوجته الثانية اعتادوا الهرولة باتجاه التلفاز كلما خرج للصَّلاة وكلما عاد منها ، فبخروجه تكمن الفرصة بالنسبة لهم لمشاهدة الاغاني والافلام ، وَبِعودته تعود القناة الدينية لتصدر الشاشة، واليوم وحال فتحه الباب ركضت البنت الصغرى لتحويل القناة. لكن الشيخ في الحقيقة لم ينتبه كان جائعا جداً وكان متلهفاً للعودة الى كومبيوتره المحمول هذه المرة ليس فقط ليتاكد من صندوق بريده الاكتروني بل ليفتح صفحته الخاصة على "الفيس بوك"، عالمه الثاني الذي يطلق لنفسه العنان فيه بالحديث للفتيات والفتيان بدون قيد، كم تمنى لو ان هذا الموقع يُتيح للمُشتركين بتبادل القُبل او اللّمس، او ربما تبادل المواقع ، يستغفر الشيخ عبدلله دوماً حينما ترده مثل هذه الافكار. اكمل طعامه وولَج الى غرفة نومه .
يتبسم الشيخ عبدلله كلما دخل الغرفة ووقعت عينه على حاسوبه المحمول والقابع جنبا لجنب مع االقُرآن الكريم على الطاولة الجانبية. بدأت قصة الشيخ عبدلله مع هذا المحمول منذ سنوات فقط ،فهو لم يسبق له ان عرف سوى الراديو والتلفاز الذي اشتراهما مُرغماً بعد زواجه الثاني وقبلُ كان يرفض حتى الاستماع الى ولده الوحيد من زوجته الاولى وهو يتوسل،
- " بابة هاي مزامير الشيطان وحرام ، عندك القُرآن وعِندك المدرسة وبراسك مسؤولية خواتك البنات "، في ايام شبابه لم يعرف الشيخ عبدلله سوى االقُرآن وحلقة الدرس في الجامع ، جاوز عمره الخمسة والاربعين وبلغ اطفالهُ السبعة عمر الفتوة والمراهقة لكنه يحرص على ان يبقيهم جميعاً في فناء المنزل ، البِنت الكبرى لم تُكمل تعليمها لكنهُ زوجها للشيخ خالد صديقه وجاره ، اما البنات الخمس الاخريات فاثنان منهن تركن المدرسة والثلاثة الاُخر مازلن في مراحل الدراسة الابتدائية ، هو يفكر في ان يزوجهن جميعاً في اقرب فرصة .
قبل ستةِ سنوات كان يجلس في المنزل الذي يشكل ركن من جامع كبير بُني في اوآخر الثامانينيات في هذا الحي الراقي غرب بغداد ، وقتها كان الجيش الامريكي قد اكمل احتلال بغداد . دخل عليه جَمعٌ من ابناء المنطقة مفزوعين قالو له :
- "المدرسة ومركز الشرطة ينهبها الناس حولنا واحنه نريد نحمي ممتلكات المدارس". " والله ادري بس شنكدر نسوي ،دولة ماكو ولله المشتكى ". رد عليه احد الشباب " شيخ عبدلله خلي نجيب الغراض هنا بالجامع واحنة يمك نحمي الجامع، والجامع اصلا محد يكدر يدخله . اي ابني بس مثل متشوف تره ماعندي مكان جبير هنا ، الجامع ماعدا الحرم كُله حديقة وبالطرف بيتي ومابيه غير غرفتين ، اجاب اخر نعم شيخنة بس ترة والله حرام تروح المكيفات والكومبيوترات وغيرها حرامات على الاقل بيت الله اولى بيهه".
قَبل الشيخ عبدلله الامر مُرغماً وسمح لهم بخزن هذه الاغراض في جامعه ، ومن هنا كانت البداية ، حيث بمرور الوقت اقنعه ابنه احمد ذي الخمسة عشرة ربيعاً بضرورة ادخال بعض الاجهزة الى داخل البيت والا تعرضت للتَلَف ، وافق الشيخ بشرط ان توضع كل المكيفات والسجاد في حرم الجامع وادخل للمنزل فقط حاسوب وبعض الاثاث . هذا بالاضافة الى ربط منزله بمولدة كهربائية ،وبدا احمد يستخدم الحاسوب والتفت الشيخ عبدلله لهذا الجهاز العجيب فهو اداة كتابة رائعة وطلب من احمد ان يعلمه استخدامه ، ثم شائت الصدف ان يقترح احد المقربين من الشيخ عبدلله تاسيس جمعية خيرية تُعنى باليتامى والمحتاجين وضحايا الحرب ، اُعجب الشيخ عبدلله بالفكرة ولكنه لاقى صعوبة في تفهم كيفية عمل هذه الجمعيات. اعانته مكانته واحترم اهل الحي له على تقديم بعض المساعدة وهكذا توالت الدعوات للشيخ عبدلله لحضور ندوات وورش عمل ، في الحقيقة كان الشيخ عبدلله يستخدم مهارته الخطابية ومعرفته في االقُرآن والحديث لتدعّيم مداخلاته عن السلام والحوار وإعانة المظلوم ، ابتعد عن السياسة وآثر ان لايدخل مع اي من الاحزاب ، هذا هو ماتعلمه منذ زمان حتى انهم كانوا يدعونه في زمن النظام السابق الى تقديم دروس في الحملة الايمانية للسجناء ، يقول شيخ عبدلله :
- " والله يابة حملة لاايمانية بس جنة نخاف نروح ونكول للمسجون بابة احفظ قران تطلع من السجن وكان اغلبهم يبوس ايدي الشيخ ويكُلة شيخنا انتة رحمة اللنة ترة هنا نشوف الموت كل ساعة ضرب وتعذيب.كان الشيخ يتجنب التعليق ويردد اخي اذكر الله كثيرا واكثر من قراءة االقُرآن". كان الشيخ يُطَرز كل خطبه في وقتتها بمدح الرئيس اليوم عليه فقط ان لاينسى الوحدة الوطنية وان يعرج على الشفافية .
حقق الشيخ استفادة كبيرة من معرفته في الكومبيوتر حتى انه فتح له قبل عامين بريداً الكترونياً كي يتسنى له الاجابة على الدعوات ، مرة دُعي لبيروت واُخرى للقاهرة وفي احدى المرات دُعي لاوربا ، المشكلة تكمن بانه معروف كشيخ جامع ، كان يتمنى انه لو خلع جبته وركض بين الناس او انه قد جرب النبيذ الاحمر او انه قد قبل النساء قُبلة التحية التي شاعت بين كل الوفد العراقي الذي زار اوربا معه ، كل ذلك لم ولن يكون ممكنا. لذا كان اكتشاف موقع "الفيس بوك" بالنسبة لهُ ملاذاً لممارسة ما كان ممنوعاً عليه في الواقع. لكن ما كان يقلقه حقا هو الوسواس الذي ياتيه كلما فتح حاسوبه المحمول الذي اهدته له احدى المنظمات غير الحكومية الدولية . في مرة وبعد ان استغرق في البحث في المواقع المتعددة اتته فكرة غريبة ،
- " لما لا يستفيد الله من هذه التقنية ؟ لما لايكون لديه موقع الكتروني وفيه ابواب متعددة حتى ان فيه قائمة للاشتراك كعضو تصلك من خلالها ادعية ومواقيت صلاة وغيرها . حقاً ان ذلك انفع من الآذان بشكله الحالي، مللت رفعه خمس مرات في اليوم ، بالرغم من اني طلبت مرات عديدة من الشيخ خالد والشيخ محمد ان يعينونني عليه ولكنهم مرة يعتذرون بسبب المرض ومرة كونهم يُعيدون صديق وهكذا ... ، ما نفع هذا الآذان الان ؟ يمكن للجميع ان يوقت موبايله او ان يشاهد قناته الدينية. لو نفذ الله موقعاً الكتروني مخصص له ،وممكن ان يُضّمنه شيئ عن حياة اهل الجنة، صور للحور العين ولنهر الخمر ، لم أجرأ يوماً بسؤال شيخي ومعلمي عن كيف للجنة ان يكون فيها نهرٌ من الخمر ،اليس الحرام حراماً والحلال حلال؟ ، خفتُ ان يطردني من حلقة الدرس، ثم ماذا عن الجواري ، والله ما عَرفتهُ عن حقوق المراة والمساواة وحقوق الطفل كله كلام مُقنع ، والله حيرةَ ، طيب ان قُلنا انهن حورٍ عين فماذا عن الغلمان، ارجو ان يكونوا مخصصين فقط للخدمة وليس لاشياء اخرى فهم صبية جميلون وو..."
- استغفر الله عدت للهذيان ثانية. طبعاً اقللت من قراءة االقُرآن ومن الذكر والتسبيح .
اغلق الباب وفتح شاشة المحمول ، حتى زوجته لا تجرُؤ على فتح الباب بدون استئذان ، المحرج انه كلما دخلت عليه وجدته ممسكا في المحمول ومبحلقاً في شاشته ، حسنناً موسم الحج قد اقترب وهو انسب وقت لتفريغ كل ذنوبه ماتعلّق "بالفيس بوك" وما تعلّق بالهذيان . لحين موعد السفر للحج لاباس بان يستمر في متعته في التجول عبر المواقع الالكترونية،
- " ايه هنا المشاهد كلها مثيرة ومضحكة في اليوتيوب ، تباً لم اشتري بعد الهيدفون علي ان اوطئ الصوت الى اقل درجة ،ايه ما اجمل هذا الفيديو وهو يصور الرقص الشرقي، اه لو كنت أجرُأ على ان اطلب من زوجتي ان ترقص لي ، هي زوجة صالحة، نعم انها سمراء قليلاً وقصيرة بعض الشيئ و لم تلد لي غير البنات ولكنها اهون من الاولى كانت دميمة ولا تُعير شهواتي اي اهتمام ، وكانت تحب قراءة القُرآن حتى في الفراش ، الحمد لله ماتت"
لم يسمح لها حتى بروئية الطبيب " حرام بابة وهاي كلهه بيد الله ، مو الشيخ عبدلله الي يكشف زوجته على غربة، اكعدي وسكتي كله يومين وتصيرين زينة"
اعتبر الشيخ عبدلله ان الله قد التفت اليه اخيرا حينما ارسل ملك الموت لزوجته ، نعم سرطان الثدي كان مُتعب ومُوئلم ،لكنه شخص مؤمِن ثم انه قد فكر بالزواج اصلاً ، وموت ام احمد فسح له المجال .
- "مشكلة اذا كانت الجنة راح ترجّع ام احمد الي مرة ثانية ، يكولون بالجنة الامور تختلف بس ما ادري الزواج هم جَبر لو الواحد يكدر يختار ؟. اكو اختيار لازم واذا رجعولي ام احمد اكيد ارفضهها ، هسة بلكي يودوهه للنار واخلص "
- استغفر الله استغفر الله
تعود اليّه الافكار مجدداً، هذه المرة فكرة ان يسافر لوحده الى دولة اوربية وان يطلب لجوء، لكنه سيحرص على ان لايقول بانه امام جامع عسى ان يفتح ذلك الباب امامه ليعيش حياته هناك حيث النساء والحرية ولن يطلب منه احد ان يكرس وقته للجامع ولن يراقب الجميع حركاته وسيكون بوسعه ان ينزع قناعه للابد ، لكن اين يذهب من رقابة الله ،
- "اه لو اعرف حقا كيف يتسنى لله ان يراقب كل ابناء ادم ، في احد المواقع قرأت ان تعداد سكان الارض تعدى الستة مليارات / كيف يتابعهم جميعا ؟، اليس من الاجدى له ان ينتبه الى ما يعبدون بالهند والصين، لما يركز على الشيخ عبدلله، اه لو اعرف لماذا يداهن ابناء الغرب ، كم مرة دعيته ان ينتقم منهم وان يخسف بهم الارض لم يلتفت لي ولا الى الوف اخرين دعو بمثل ما دعيت، يُغدق عليهم بالخير ويغدق علينا بالحروب والمرض ، ربما كان عيسى حقا ابنه وهو يتحيز له او ربما انه ببساطة ترك الامر كله لمساعديه ويغط في نوم عميق ، نوم اي نوم لا اعتقد ان الله ينام ممكن ان يكون لديه "كونكشن" ويقضي وقته في تصفح المواقع ، اففف اللعنة ربما يكون هو ايضا في "الفيس بوك" ، اه اين اذهب".
يعود صوت زوجته ليُذكره
- "شيخ عبدلله ... يا شيخ عبدلله عيني يَلّة تَرة ما ضَّل وكت على آذان العصر، كوم توضئ ووذّن بالناس" .
- استغفرالله ، استغفر الله ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah


.. 236-Al-Baqarah




.. 237-Al-Baqarah