الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماقاله بندر عن صدام : بعض مايعنيه ان نكون مجتمعا مأزوما

سلام العيسى

2009 / 4 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من ضمن الشعارات الجوفاء التي نلقيها نحن العراقيون عن انفسنا هو ادعائنا الذكاء والتفوق على الاخرين دون ان نجد دليلا واحدا يدعم هذا الادعاء ، الشئ الوحيد الذي نلجأ اليه هو الهروب الى التاريخ مخترعين وهما اسطوريا عن عظمة ما يقرها تاريخنا الممتد رغم حقيقة اننا فعليا الامة الوحيدة التي مارست قطيعة شبه كاملة مع هذا التاريخ . ولست هنا بمعرض الدخول في جدال عراقي فقد اخترت منذ زمن الاعتكاف عن المشاركة في كل ماهو سائد من اسفاف وادلجة وتنظيرات بين الكتاب والكتبة والمستكتبين العراقيين الذين يعجزون في النهاية عن اخفاء غاياتهم الضيقة ونوازعهم الشخصية خلف ستار الافلاطونية الكاذبة والنبل المزيف ، استثني من ذلك قلة لااريد ذكرها لانني قد اندم يوما .
انني اعتقد خلافا لما يتصور البعض ، ان اعادة احياء الهوية العراقية لاينبغي ان يمر ، كما تقول الحكمة السائدة ، عبر التفاخر الوطني او القومي بكل ماتحمله كلمتي وطني وقومي من تباين حد التضاد في الحالة العراقية ، بل ربما انها يجب ان تمر عبر التواضع الوطني ، عبر التخلي عن البهرجة اللفظية الفارغة من اننا رواد الحضارة فليس بيننا الا من يعدون بالاحاد من الذين يمكنهم ان يكتبوا اكثر من ثلاثة صفحات حول حضارة مابين النهرين القديمة ذلك اننا منذ دخول الاسلام ارضنا انسلخنا تماما عن ذلك الماضي ولم نعد ورثته الشرعيين باي معنى ، فالذين اخترعو الكتابة وسنوا اول القوانين الانسانية ليسوا اجدادنا بل اناس عاشوا قبلنا على هذه الارض ونحن نعرف عن تاريخ الفراعنة اكثر مما نعرف عنهم لأن الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها اسندت هويتها على انكار لأي حاصل تاريخي سبق الولوج العربي-الاسلامي للعراق .
اما التفاخر بمنجز الحضارة العربية-الاسلامية عندما كانت بغداد عاصمتها فهو تفاخر ينطوي على نفاق بين ، فالحقيقة ان ذلك المنجز تحقق لسبب واحد ورئيسي ، ان جزءا من ارض العراق اصبح انذاك مصدر الثراء والرخاء كما امريكا واوربا اليوم وتحول الى عنصر جذب للمبدعين والعلماء الذين تقاطروا عليها وصنعوا منها ماصار يسمى بالحضارة العربية – الاسلامية لكنها بالقطع كانت حضارة لانها قامت على هذا الاستيعاب للاخر المهاجر والمختلف قوميا وعرقيا وحتى دينيا ، انها كانت بوتقة لاتلغي اختلاف الاخر بل تتغذى وتعتاش عليه ، اما نحن فان معظم جدلنا المعاصر يقوم على قضية الهوية بتعريفها الضيق العنصري الملئ برغبة الاقصاء للاخر وبالنظر الدوني لكونه مختلفا . ثم مع حقيقة ان تلك الحضارة العربية-الاسلامية رغم تقدمها في مجالات العلوم والفن والابداع عجزت عن ان تنتج فلسفة سياسية-اجتماعية كونية او مثالا لنظام اجتماعي متفرد افقد تلك الحضارة قدرا كبير من الريادة التي تحققت فيما بعد لحضارة التنوير الاوربية التي تعاملت مباشرة وبلاوجل مع سؤال وجودي اساسي هو ذلك المتعلق بقضية السلطة فانتجت مع هوبس ولوك نظرية العقد الاجتماعي ، واكبر دليل على فشل الحضارة العربية الاسلامية في التعامل مع هذه القضية والاهم من ذلك على انفصام تلك الحضارة عن حاضرنا هو ان غالبية العراقيين ينتمون الى مذهب ديني يتخذ موقفا سلبيا من الزمن السياسي الذي ازدهرت فيه تلك الحضارة ، اي العصر العباسي .
ما نحن بحاجة اليه هو التواضع والتخلي عن الاستعارات الكبرى دون ان يعني ذلك التخلي عن التاريخ ، ماعنيته فقط ان ندرك انفصالنا عن هذا التاريخ وازمتنا الراهنة كنكوص عنه ، وعجزنا في عمق هذه الازمة ان ندرك مدى نكوصنا وبالتالي هروبنا اللامبرر الى ادعاء التفوق ونحن دونه في كل معيار قابل للطرق ..
مناسبة هذا الحديث هو انني اردت ان انقل للعراقيين مااعتقد انه ضروري كي يطلعوا عليه ، ليدركو جانبا مهما من جوانب امسهم القريب المظلم والمعبر عن فداحة ازمتهم الاجتماعية وتفردهم بين الاخرين في احتكار التعبيرات الاكثر تطرفا عن النكوص العربي-الاسلامي ، فمع حقيقة ان كل البلدان العربية محكومة من نظم ديكتاتورية قمعية ، الا ان العراق من بين هذه البلدان جميعا خضع ولاكثر من ربع قرن لحكم سادي لاتتعدى حكمته مستوى ماينتجه زعماء المافيا من حكمة بعد زمن طويل من معاشرة القتل وادمانه . ولست هنا بمعرض اجترار مايعرفه الجميع عن صدام حسين ، بل بمعرض النقل ، او بعبارة اصح الترجمة (ببعض التصرف) من الانكليزية للعربية لبعض من كلامه الموثق من قبل اهم الصحفيين الامريكيين المعاصرين بوب وودوارد ، في كتابه المهم حالة انكار ، حيث ينقل عن عراب التحالف الامريكي-السعودي وأحد اهم اللاعبين في مسرح السياسية الاقليمية خلال العشرين عاما الاخيرة ، السفير السعودي السابق لدى واشنطن والصديق المقرب من عائلة الرئيس بوش ، بندر بن سلطان ، تقييمه لصدام الذي ماكان سيبدو مهما لولا انه مشبع بالاقتباسات عن صدام حسين في لقاءات جمعت الاخير ببندر او بمليكه فهد بن عبد العزيز ، والمهم في هذه المقتبسات انها تعكس حالات لم نلحظها مباشرة نحن العراقيين من انسجام صدام مع نفسه ، والاهم من ذلك ، تعكس مدى الدرك الاجتماعي والثقافي الذي عانينا منه ومازلنا عندما انتج مجتمعنا حاكما من هذا النوع ، وكم كنت اتمنى ان وقتي يسمح لي بترجمة الكتاب باكمله لكنها مهمة قد يتصدى لها من هو اقدر واكثر تفرغا .
التقى بندر بصدام شخصيا عدة مرات بين عامي 1985-1990 وقد نقل انطباعاته عن الرجل خلال اجتماعه بالرئيس بوش في البيت الابيض بتاريخ 27 اب 2002 . استذكر بندر محادثة جرت بين صدام والملك فهد بعد حادثة تشرين الثاني 1979 حيث استولى المئات من المسلحين على المسجد الكبير في مكة وهاجموا الحكومة السعودية متهمين اياها بانها اصبحت ليبرالية جدا وصديقة جدا للغرب . صدام كان قد اصبح للتو رئيسا وكان يحضر اجتماع القمة العربية ، وعند حديثه مع فهد حول الموضوع قال له:
اقتل هؤلاء ..
فهد قال ان قادة المجموعة سيعدمون والبقية سيسجنون ، فرد صدام مستغربا : اشعر بالاحراج من تعليقك.
استفسر فهد من صدام عما كان يعنيه ، فقال الاخير " لااعتقد انك ستبقي على قيد الحياة ايا منهم . بالنسبة لي ذلك امر مفروغ منه . اسمعني جيدا ، اي شخص في هذه المجموعة لديه اخ او اب اقتل اخاه او اباه ، اذا كان لدى اي منهم ابن عم وصل عمره مرحلة قد تمكنه من الانتقام ، اقتله . يجب ان تنشر الخوف الى كل من يرتبط بهم ، وبهذه الطريقة فقط تستطيع النوم ليلا".
يقول بندر ان صدام كان يطلب من حراسه الشخصيين ان يقوم كل منهم بعملين لاثبات الولاء ، ان يقتل شخصا من قبيلته وشخصا اخرا من قبيلة اخرى ، بحيث انه سيكون معرضا للانتقام من الطرفين .
في حادثة اخرى وخلال اجتماعه بفهد اشار صدام الى من يحيطون به وقال انهم الاكثر ولاءا لي ، فاجابه فهد انه من الجيد ان يكون محاطا بالموالين ، الا ان صدام استدرك قائلا:
لا لم اقصد ذلك ياجلالة الملك . قلت لك انهم موالين لي جدا لان كل واحد منهم يده ملطخة بالدماء ، كل واحد منهم يعرف انني عندما ساموت فانه لن يتمكن من العثور على قطعة ولو صغيرة من جسدي ، سيتم تقطيعي اربا واذا ماحصل ذلك لي فانهم جميعا سينتهون .
في احد المرات عندما كان بندر يجتمع بصدام في الثمانينيات اخبره الاخير :بندر ، كل هؤلاء الناس موالين لي ، انني اعرف الانسان بمجرد النظر الى عينيه ، واستطيع ان اعرف ان كان مواليا ام خائنا ، اذا مااطرقت عيناه ، اعرف انه خائن واقضي عليه في الحال.
بندر قال له : انك رجل له حضور طاغ ، لن اتفاجأ ان احد ضباطك او وزرائك المساكين سيشعر بالخوف ، انه امر طبيعي . هل تقول لي انك ستقتل شخصا ارتبكت عيناه لمجرد انه خائف منك؟
ضحك صدام ورد قائلا : افضل ان اقتل شخصا لااكون متاكدا من كونه خائنا ، على ان اترك خائنا ينفذ بخيانته . ( حالة انكار 89-91) (انتهت الترجمة) .
ليس لدي شك بمصداقية بوب وودوارد الذي كشف فضيحة ووترغيت وهو ليس محسوبا على مؤيدي الحرب او مسوقيها باي حال ، وليس لدي شك بصدق بندر دون ان يعني ذلك احتراما له بقدر حقيقة انه رجل ذا نفوذ وليس لديه سبب ليكذب .
مااريد قوله فقط ، ان صدام ، الرجل الذي كان يقول هذا الكلام لزائريه ، حكمنا لاكثر من ربع قرن ، كان بقائه تعبيرا لا فقط عن سادية سلطوية لدى شخص ملئ بالعقد النفسية ، بل عن مجتمع متأزم اندمج بعلاقة تبادلية مع هذا الحاكم ، قد يكون مصدرها الخوف او الخضوع او عدم الاحساس بالامان او حتى الكراهية ، لكنها كانت تبادلية بمعنى ان هذا الرجل كان في اعلى الهرم معبرا وان بتطرف عن ماكان في ادناه.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - کلام قاس ، من النوع الذي نحتاج الی سماعه اذا اردنا الش
شولبان علي ( 2009 / 4 / 20 - 08:20 )
ان حقيقة صدام معروفة بالنسبة للعراقيين، ما هو جديد في هذه المقالة هو مواجهتنا بتلک الحقيقة التي تقول باننا رغم کرهنا الشديد لصدام فان کل واحد منا يحمل جزءا من تراثه المخزي.. فلم يکن صدام فقط نتاجا لمجتمع قاس لا يتحمل الاختلاف، بل اننا اصبحنا ايضآ نتاجا لعصر صدام ، ربما لامتداد الفترة الزمنية لذلک العصر او لقساوة اساليبه... فاصبحنا( المجتمع و صدام)نتعايش بالرغم من التناحر المتفاقم... اتذکر و بخجل باننا الهاربون من جحيم صدام و المعارضون له کنا نتعامل مع زملاؤنا من الدول العربية باسلوب کان يستوحي الکثير من اساليب صدام و حکمه.. طبعا لا اقصد التصفية الجسدية .. ولکننا کنا لا نرفض التصفية المعنوية لهؤلاء الزملاء .. بمعايير العمل ربما کان الحق الی جانبنا.. ولکننا لم نسأل يوما انفسنا : هل ان شرعية المطالب تمنحنا الحق لتلک القسوة في التعبير عن الاحقية؟ هذا الموضوع يحتمل نقاشا طويلا و هو ضروري اذا کنا نرغب بالشفاء من العلل التي تنخر في نفسيتنا العراقية الابية

اخر الافلام

.. عالم مغربي: لو بقيت في المغرب، لما نجحت في اختراع بطارية الل


.. مظاهرة أمام محكمة باريس للمطالبة بالإفراج عن طالب اعتقل خلال




.. أكسيوس: مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوافق على توسيع عمليا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من الطلاب المتضامنين مع فلسطين ب




.. مئات المحتجين يحاولون اقتحام مصنع لتسلا في ألمانيا.. وماسك ي