الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والسياسة ...... اشكالية العلاقة بين الفكر والواقع

احسان حمدي العطار

2009 / 4 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعتبر مقولة ماركس الشهيرة عن تغيير الواقع بدلا من تفسيره نقطة محورية ميزت الفلسفة الماركسية وخاصة مع مقولة البراكسيس أي الممارسة والتي لاتنفصل عن الفكر في الماركسية . ولذلك اكتست الماركسية بعدا سياسيا واجتماعيا مكنها من طرح مشروع سياسي تابع لأسسها النظرية وبالرغم من الانحراف الذي أصاب الماركسية في نسختها السوفيتية – الستالينية إضافة إلى النواقص النظرية التي اعترت رؤية ماركس لمستقبل الرأسمالية في أوربا ولكن تبقى للماركسية رؤيتها السليمة في أسس العلاقة بين الفكر والواقع , بين المعرفة والسياسة . حيث لاينفصل فهم الواقع عن تغييره وبالتالي الوحدة والاستمرارية بين النظرية والتطبيق ( وهذا ما ينقض ما يقوله بعض الماركسيين المتشددين عن سوء التطبيق بمقابل سلامة النظرية وهذا ما تنفيه الماركسية نفسها بتأكيدها على وحدة النظرية والتطبيق ) . ومن هنا تأكيد التو سير على ان المعرفة بالواقع لا تنفصل عن ارادة تغييره وهو بذلك يعيد استئناف رؤية ماركس في كتابه ( قراءة في رأس المال) وذلك بتوسيعه لمفهوم الممارسة النظرية مع استفادته من الحركة البنيوية وتأسيسه الماركسية البنيوية .
لذلك الثقافة لاتنفصل عن السياسة بل يجب ان لاتنفصل لان أي انفصال يعني وضع السياسة تحت رحمة الرؤية الغير صحيحة للواقع القائمة على تحقيق الاهداف الانية دون اخذ الاهداف بعيدة المدى بعين الاعتبار؛ ولكن لماذا ابتعاد السياسة عن الثقافة والرؤية الفكرية يعني عدم رؤية الاهداف الكبرى والاكتفاء بالاهداف البرغماتية اليومية ؟
للإجابة عن هذا التساؤل علينا بيان معنى الثقافة والرؤية الفكرية ثم معنى السياسة واهدافها والياتها .
الثقافة والمشتغلين في الحقل الثقافي حسب اعتقادي نوعين :
الأول يمارس الأدب ( من شعر و نثر ) والفنون ( من رسم وتشكيل وموسيقى وغيرها ) وهؤلاء يعبرون بأساليبهم عن رؤيتهم للعالم ومشاعرهم المرهفة اتجاه الواقع المر كان أو السعيد . وبهذا فهم مرآة الواقع الأكثر تكبيرا سواء سلبا اوايجابا . ولكن الأدب والفن قد يعبر عن الواقع بصورة سحرية وقد يثور عن الواقع بمقاطعته ( عن طريق التصوف مثلا ) وبذلك فان هذه الطريقة في التعبير عن الواقع أدبا وفنا تبقى أسيرة لنظرة الفرد الممارس لهذا الفعل الإبداعي أو ذاك . ولو نظرنا الى الفن في القرن التاسع عشر أو العشرين لوجدناه ضدا من التقدم العلمي الذي أحرزه التنوير ويلبي ذاك الفن دعوة للعودة الى زمن الفضيلة مثلا أو الى زمن تطابق الإنسان مع الطبيعة –أي قبل بزوغ الحضارة نفسها –وغيرها من الدعوات الرومانسية التي مثلت حاجة الإنسان الى استراحة لاعقلانية بعد الإبحار الصعب في بحار العقلانية الواسعة . إذن الفن والأدب تعبير عن شعور واستجابة على شكل شطحات لواقع الانسان في كل العصور لذلك تعبر عن مفاهيم الجمال أكثر ما تعبر عن مفاهيم التقدم والعقلانية .
أما الشكل الثاني من الثقافة فهو الفكر الفلسفي والعلوم الاجتماعية والإنسانية والتي تقدم معرفة منظمة وعقلانية للواقع الإنساني بما تملكه من أدوات تحليل متطورة و تحاول إيجاد مواطن الخلل التي تعتري الإنسان ومسيرته في تنظيم نفسه داخل المجتمع وتطرح تلك العلوم اشكالياتها أي أنها تحاول صياغة انكسارات الواقع بصورة علمية تحليلية بحيث نستطيع بذلك إصلاح تلك الانكسارات واستئناف مسيرة التقدم البشري ؛ لذلك يمكن تحديد تعريفنا لهذا الشكل المتطور من الثقافة بأنه معرفة الواقع بصورة معمقة وتقديم حلول واقعية لحل مشاكله .
ولو انتقلنا إلى السياسة فهي تنصب على سوس الناس وإدارة مصالحهم فهي ترتبط بجلب المصلحة ودفع المضرة ومن هنا فأن السياسة تتعامل مع الواقع ( مثلها مثل الثقافة ) بحيث إن المعطيات التي يتعامل معها السياسي هي نفس المعطيات التي يتعامل معها المثقف إذن أين يكمن الاختلاف ويفترق السياسي عن المثقف ؟
إن الاختلاف يكمن في الفعل السياسي الذي يغلب عليه اليومي الآني أما الفعل الثقافي ( ونقصد بالفعل هنا تعامل السياسي أو المثقف مع معطيات الواقع أي في معالجة البيانات المدخلة بحيث تخرج عن هذه المعالجة نتائج) فهو يجرد اليومي في معطيات الواقع من يوميته بحيث يستخرج (عن طريق التجريد) الكلي من الجزئي ويحاول استكناه الحقيقة الرابضة خلف الظواهر البسيطة القادمة من معطيات الواقع .
المشكلة إن الفعل السياسي وان يتعامل مع اليومي ولكنه تعامل مؤقت أي إن تكامل الفعل السياسي في يوميته ينتج لنا نتائج على المدى البعيد أي إن الفعل السياسي عبارة عن عمارة أو ناطحة سحاب تبنى فتبدأ من الأساس وترتفع تدريجيا حتى الاكتمال وعند اكتمال البناء بعد زمن طويل يتبين لنا سوء البناء من أساسات أو أعمدة وهنا تظهر نتائج الفعل السياسي اليومي الخاطئ . أما الفعل الثقافي فهو يتصور منذ البداية عن طريق آلياته المتطورة وأسلوبه في التجريد والدراسة المعمقة كامل البناء من معطيات تأسيس الأساسات حيث يمكن أن يدرك إن هذا الفعل السياسي اليومي اوذاك سوف ينتج عنه هذه النتائج اوتلك وبالتالي فهو يعطي فرصة لإصلاح حركية الفعل السياسي وتحريره من يوميته فأن الثقافة تعطي للسياسة فرصة معرفة نتائج عملها ووضعها في صورة شاملة وكاملة باتجاه تحقيق السياسة لأهدافها في تحقيق منفعة الناس .
إذن هل يمكن فصل السياسة عن الثقافة ؟
الجواب بعد ما قلناه يفيد بالنفي فلا سياسة صالحة بدون ثقافة واقعية واعية تحاول فهم الواقع لتغيره . وهنا علينا الابتعاد عن تلك النظريات الفكرية التي تتعالى عن الواقع لتطرح مشاريع طوباوية فاشلة وعند هذا الفشل تتعذر بسوء التطبيق ولكن لاوجود لتطبيق من دون اختبار النظريات وتحويرها وقولبتها من جديد فلا نظرية بدون سياسة وهنا يمتزج الواقع بالفكر فالفكرة واقعيتها أما الواقع فهو حصيلة تعامل أفكارنا معه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة