الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيطان في المعنى الاسلامي

مهدي النجار

2009 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشيطان في المعنى الإسلامي

" ان زل أحدهم قال إنما استزلهم الشيطان. وان نسي أحدهم قال فأنساه الشيطان.
وان عمل أحدهم قال هذا من عمل الشيطان. فأنا حمّال أوزار المذنبين. وحمال أثقال الخاطئين”
عز الدين المقدسي: تفليس إبليس



مهدي النجار

كل شعوب الارض لديها شياطينها ولا تختلف كثيراً هذه الكائنات من شعب لآخر وترتبط جميعاً بصورة جوهرية في اصل واحد من حيث مجال اشتغالها ووظيفتها وهو مجال الشر ووظيفة الغواية، ولايعنينا في هذه الورقة فيما إذا كانت هذه الكائنات حقيقية وواقعية صنعها الله كما تذهب اغلب الديانات ام انها كائنات وهمية واسطوريه صنعتها خيالات الانسان الخصبة وملكاته الخرافية كما تذهب اغلب بحوث الميثيولوجيا، لقد ورد الشيطان او الإبليس باللغة العبرية "سيتن" وتعني المقاوم لانه يقاوم مشيئة الله، وبالاغريقية "سيتاناس"، وبالآرامية "سيتانا" ويشير هذا المصطلح في الآرامية الى احد اعيان الجن المقربين من الله الى أن داخله الغرور فلُعن وطرد من السماء. وفي الديانات السماوية فان الشيطان كيان شرير كان احد المقربين من الله ثم تمرد عليه وطرد من رحمته الى يوم القيامة، وقد تكرر ذكر "الشيطان" بمشتقاته المختلفة نحو 88 مرة في القرآن الكريم، وفي لسان العرب فان كلمة الشيطان مشتقة من "الشطن" اي بعَدَ عن الخير وطال مكثه في الشر وفي منجد اللغة نجد ان إبليس هو اسم جنس للشيطان وجمعها أبالسة او أباليس وجاء في مختار الصحاح للإمام الرازي ان الكلمة مشتقة من فعل بَلسَ: أبلس بمعنى يئس من رحمة الله عندها يكون معنى إبليس هو (اليائس) لذلك سمى " إبليس" وكان اسمه "عزازيل"، ويقول مختار الصحاح: كُلُ عاتٍ متمردٍ من الإنس والجنّ والدواب فهو شيطان.وياتي فعل بَلسَ ايضاً بمعنى خدع، عندها يكون معنى إبليس هو الذي يُلبس (يخدع).
بعد تلك النبذة عن المعنى اللغوي لكلمة "الشيطان" يمكننا الآن ان نتعرف على التصورات التي يحملها المسلمون في اذهانهم عن نشأة الشيطان وسيرته والعداوة الازلية بينهم وبينه ومدى مقدرته على غوايتهم وإفسادهم اعتماداً على النصوص القرآنية الكريمة:
اولاً: خلق الشيطان وعصيانه
نلاحظ ان الشيطان حسبما جاء بالنصوص كان ينتمي الى عائلة الملائكة وكان يعيش في ملكوت الله ولكن حين عصى ربه لعنه الى يوم الدين وطرده من الجنة وقد اشارت الآيات بوضوح الى سلالته الملائكية، اما عن معصيته فقد لخصتها الآيات بعدم طاعته لأوامر الله وذلك حين أمره ان يسجد لآدم:
* " وإذا قُلنا للملائكِة إسجدوا لآدمَ فسجدوا إلا إبليسَ أبى وأستكبَر وكانَ من الكافرين" [البقرة:34 ] .
كان إبليس يبرر عصيانه بعدم تنفيذ أوامر الرب وامتناعه عن السجود لآدم من وجهة نظره وعلى لسانه كالآتي:
1 – عدم إقتناعه بأن يكون آدم خليفة الله في الارض وكان على رأس المعترضين على هذا الإجراء الرباني، بل استغرابه واشمئزازه منه: " وإذا قال ربك للملائكة اني جاعلٌ في الارض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من ُيفسدُ فيها ويسفكُ الدماء" [البقرة:30 ].
2 – تَكبر إبليس واستهانته بالمادة التي خُلق الله منها آدم وهي الصلصال (طين يابس كالفخار) والتباهي بالنار التي خُلق هو منها وتفضيلها على الطين: " قال ما منعكَ ألا تسجدَ إذ أمرتكَ *قال أنا خيرٌ منهُ خَلقتني من نارٍ وخلقتهُ من طينٍ" [الحجر: 12 ].
ثانياً: الوظيفة الشيطانية
من هذه اللحظة، لحظة التمرد والعصيان،أُخرج إبليس من الجنة وأُنزل الى الارض ولكن قبل خروجه طلب من الرب ان يؤخره ويمهله الى يوم يبعثون فأستجاب لطلبه وقد أعلن إبليس صراحة الغاية من هذا الطلب فبدل ان يُعلن عن توبته واعتذاره لخالقه، تحداه بأرتكاب المزيد من المعاصي وان يغوي الناس اجمعين رداً على غواية الله له: " قال رَبِّ فأنظرني الى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم * قال رَبِّ بما أغويتني لأُزيننَ لهم في الارض ولأغُوينّهم أجمعينَ * إلا عبادك منهمُ المخلصينَ..." [ الحجر:36 -40 ]/ وايضاً: " قال أنظرني الى يوم يبعثون* قال انك من المنظرين * قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن ايمانهم وعن شمائلهم ولا تجد اكثرهم شاكرين" [الاعراف:14 -17].
ان اول افعال التحدي التي فعلها إبليس ومن أخطرها على الاطلاق قبل هبوطه الى الارض ووسط الملكوت الإلهي وعلى مرأى ومسمع من الرب هو الإيقاع بآدم وزوجته حواء ودفعهما الى ارتكاب الخطيئة الاولى مما تسبب بطردهما هما ايضاً من الجنة وإنزالهما الى الارض:
" وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجكَ الجنةَ وكلا مِنها رَغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا ظالمين * فأزلهُما الشيطانُ عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقُلنا اهبطوا بعضكم لبعض عَدوٌ ولكم في الارض مستقرٌ ومتاعٌ الى حين" [البقرة:35 – 36 ].
وعلى الارض أنيطت للشيطان مهمات كبيرة وهائلة للتدخل بشؤون البشر تتصادم وتتضاد في كثير من الاحيان مع قدرات الله نفسه: " الشيطان يَعدُكمُ الفقرَ ويأمركم بالفحشاء واللهُ يعدُكمُ مغفرةً منه وفضلاً واللهُ واسعٌ عليمٌ" [البقرة:268 ].
إن هذه القصة المفجعة التي يرويها القرآن الكريم وغيره من الكتب الدينية عن تورط إبليس في المعصية وتحوله (هو وطائفته) من ملاك رحيم الى شيطان رجيم، ومن ثم توريط آدم وزوجته حواء في الخطيئة وطرد الجميع من الجنة لها رموز ودلالات لايمكن التعامل معها خارج مجالها الغيبي/ الايماني، ولا يمكن سبر القصد الإلهي المتعالي عن مدارك البشر من مغزى خلق الشيطان. وأي استفسارات تنطلق من المجال الوجودي/ العيني ستخدش ذاك المجال (الغيبي/الايماني) وتفزعه، فسؤال مثل: ألا يمكن لرب العزة، وهو القادر على كل شئ، ان يُشفق على الناس فيحد من نشاط هذا الكائن الجبروتي الخارق ويُلغي وظائفه الشريرة التي تنتهك أمنهم وسلامهم وأطمئنانهم، فيخلصه ويخلص منه البشرية، وهل يستطيع الشيطان ان يفعل اي شئ دون الله، لماذا يدعم سبحانه المُّنزه هذه القوة المخيفة الآثمة ؟!! بالتأكيد ان مثل هذا السؤال، (وغيره من الاسئلة) تجرح قداسة الحكمة الإلهية وتتجاوز على عصمة الشأن الرباني، فكل ما يمكن الحديث عنه او البت فيه حول السؤال الآنف الذكر لايتخطى مجال الغيب، ومن النماذج الممتازة للجواب عنه نجده على لسان إبليس كما ورد في قصة "الشهيد" التي كتبها توفيق الحكيم، يقول إبليس: " وجودي ضروري لوجود الخير ذاته، نفسي المعتمة يجب ان تظل هكذا لتعكس نور الله!...سأرض بنصيبي المحقوق من اجل بقاء الخير ومن اجل صفاء الله..."
إن الفكرة الشائعة عن مقدرة إبليس لا تنحصر في مجرد اعتباره مصدر أغواء الناس عن سلوك الطريق القويم بل تتعدى ذلك لتشمل قوى واسعة وقدرات عظيمة لو اخذناها بعين الجد لظهر لنا ان إبليس يُسير قسماً كبيراً من مجرى الاحداث ويعتبر مسؤولاً عن معظم الحركات الفكرية والفنية والسياسية في تاريخ الحضارة. على ضوء هذا المعنى يذهب المسلمون المتشددون ابعد من ذلك فيعتبرون حضارات ومدنيات الاقوام الاخرى غير الاسلامية هي من صناعة الشياطين، بل هي الشيطان الاكبر كما تسمى امريكا مثلاً وفق تعبيراتهم، لذا توجب تكفيرتلك الحضارات والمدنيات ورفضها وعدم التعامل معها وهدمها فوق رؤوس اهلها، وبالتالي اقامة حرب ضروس ضدها وحتى قيام الساعة، هي حرب تُختزل بين المسلمين الاخيار من جهة وشياطين الارض من جهة اخرى، ولا يقتصر الامر على غير المسلمين، بل تتعداه ثقافة الشيطنة لتعمل داخل الساحة الاسلامية نفسها فتشيطن هذه الطائفة او تلك وتكفر وتُطرد من الملة. لا نعتقد ان الذين يفهمون الامور بهذا الشكل التبسيطي وينظرون الى العالم والى الناس عِبر ثنائية: (الشيطان/الملاك) يَقدرون على فهم الحداثة، ولا حتى فهم كلامنا هذا، لا يستطيعون الاندماج مع امم الارض والصعود في عجلة التاريخ الانساني السائرة على الدوام الى الامام، انهم يتقهقرون بمنأى عن اسئلة العصر وابداعاته، سيظلون مثلهم مثل اولئك القابعين في ظلامية كهوف تورا بورو يُصَدرون هذياناتهم الشيطانية بعيداً عن الشمس، والأعوص من ذلك يريدون ان تقبع المجتمعات الاسلامية جميعها في تلك الظلامية التي تنخر العقل وتمزق الروح وتسلب العافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سوأل؟
رشدى على ( 2009 / 4 / 25 - 02:41 )
الشيطان ملاك اي انه جميل وهذا طبيعي, فالغواية لا تنتج الا عن الجمال....ولكن كيف اصبح شكله مرتبطا بأقبح صورة يمكن تخيلها؟ أهو تعاطف مع الله؟ ام لانه السبب في خروجنا من الجنة؟ ام ان الرسول وصف الشيطان لاصحابه؟ فالآيات اعلاه لم تصف لنا شكله, نقول:دميم كالشيطان, اليس من المفروض ان نقول:حسناء كأنها الشيطان؟ كيف حدث هذا على مر التأريخ؟ ليت الاستاذ النجار يجيبنا على سوألنا. وشكرا


2 - مسخ الشيطان
مهدي النجار ( 2009 / 4 / 25 - 12:59 )
صديقي العزيز رشدي اشكرك على متابعة كتاباتي، سؤالك مهم جدا،كما في المعنى القرآني فان الشيطان بعد ارتكابه المعصية وهي عدم السجود لآدم فانه اخرج من الجنة وتبع هذا الخروج سلخه من العائلة الملائكية اي مسخه من ملاك جميل الى مخلوق قبيح الصقت به كل الصفات الشريرة والقبيحة. مع اعتزازي

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال