الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل وقعنا سلاما انفصاليا مع الامبريالية ؟؟؟

نعيم حيماد

2009 / 4 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا تخفى على أحد حقيقة دور التربية، فحيثما حل نمط من التربية إلا و سعى إلى جعل الوضع مألوفا عند الجميع، ليحل السلام والسعادة محل الحرب و البؤس. لكن الغريب، وهو ما تكشفه الثنائية الغربية مع أن الغرب يدعي تجاوزها، هو أن يكون السلام واجهة لحرب قائمة. ففي الوقت الذي يتهاوي فيه الوجود العراقي ليكشف عن تصدعاته، يعيش الوجود الأمريكي أيامه البطولية الذهبية الواقعية، ولكن حين تزامنت الانتخابات مع تورط أمريكا في الحرب-بعد أن حصلت بالفعل على نفط العراق- يراهن المرشحون الجدد للرئاسة على سحب القوات من العراق ومعهم ما يكفي من الثروة ليعيثوا فسادا امبرياليا، ويدمروا ما تبقى من الطبيعة، ويُعبئوا شعبهم بالأمل و السعادة إلى أن يحين وقت احتلال جديد. والسؤال الكبير الذي يحمل إلينا قلق الذات هو: هل وقََّعنا لا شعوريا على سلام انفصالي مع الدول الامبريالية على الطريقة المصرية- في واشنطن عام 1979-؟

من الغرابة كذلك أن تنشرح صدور الدول العربية للحلم الأمريكي، هذه العلاقة النرجسية تجعل أفراد المجتمعات العربية مع بعض الاستثناءات، ينسجون أفضل أنا يتبدى لهم في المرآة الأمريكية. وهذا يدل على إرادة حياة تأمل في العبور إلى الضفة الأخرى مع دعوات لأجل أن يحترق الوطن بمن يسكنه. الذي يتعرض للقنابل العنقودية ليس كمَن أمِن شرها، والذي عانى ويلات الحرب وتشرد مختلفٌ تماما عمَّن وجد له سقفا يحتمي به. ومن لم يطََّلع على الأحداث المُُتلفزة ويفهم هذه المتراجحة، فلينتظر فالغد ليس ببعيد . هل حقا كما قال هيدجر أننا سننتهي إلى الدمار ما لم يتدخل إله جديد يختلف عن كل الآلهة التي عرفناها إلى الآن؟ لا أعتقد أننا بحاجة إلى شيء كهذا ، بل إلى معرفة ما يُعيق تواصُلنا. لا أنكر أن نوعا من التواصل تجسد في حرب تموز وكانت النتيجة أن هُزم الجيش الذي لا يُقهر. إن المسألة لا تتعلق بالدعوة إلى امتلاك رغبة شن العدوان، هذه الرغبة التي ورثتها اسرائيل من معاناتها في ألمانيا أيام النازية، على العكس من ذلك أرى أن يأخذ الواحد ما يحق له و ألا يرغب فيما ليس له. هذا إن كانت فعلا الكائنات الانسانية أعلى نوع على الاطلاق في سلم التطور.

يعتقد جورج أورويل أن المساواة صارت مع سياسة القرن العشرين ممكنة تقنيا، إنه القرن الذي تحققت فيه بالفعل نجاحات تتلخص في التخلي عن بعض الممارسات المشينة وعن عولمتها، مثل السَّجن بدون محاكمة، والتعامل مع أسرى الحرب كعبيد، والاعدام الجماعي، والتهديد بالرهائن و إجلاء السكان، في اعتقاده أن كل هذه الممارسات خضعت لمبدأ التسامح وهوجمت من قِبل أناس يعترفون ويصفون أنفسهم بالمتنورين والمتقدمين. حسب مبدأ القابلية للتكذيب الذي يعتمده كارل بوبر في صدق النظريات العلمية ، فإن المشهد العظيم الذي رسمه أورويل يفقد عظمته، ويبدو أن نظرة هذا المُُنظِِّر ضيقة، لأنها لا تشمل أجزاء من العالم تعيش استبدادا وقهرا وفقرا. إن كان حلم سياسة القرن العشرين جميلا أو بالمعنى الفلسفي يوطوبيا، فإنه بعيد عن تشخيص المرض العضال الذي ألَمَّ بالدول المهزومة، وحين يفشل التشخيص، فإن العلاج قد يودي بحياة المريض.

إن كان التاريخ سيعيد نفسه إلى حد لا تسترجع عنده الذاكرة غير ذات الذكرى، فأي طاقة خلاَّقة ستحرر الانسان من أزمات وعِلل التاريخ؟. إن الناس الذين كانوا يعيشون مع الآلهة في الأساطير لم يحظوا كلهم بعْْد الحلم بنفس الحظ الجيد ، معظمهم صاروا خدما، أما الأقلية القليلة فتمتعت على الدوام بحق إلهي. وهذا الحق لم يفقد قوته رغم عمليات الهدم التي استهدفته. إننا ننسى أن للتاريخ أيضا ثوابت. فمهما تغيرت اللغة، ومهما بلغت درجة تدنيس المقدس، هناك شيء ما يظل عصيا عن الاقتحام.

سنضحي جميعا لأجل الانسان الأخير، حتى لا تُبعثر الرياح أصوات كل مناضلي الانسانية. سنظل نُراكم نضالاتنا لنغير وجه الأرض. وإن كان الناس ينتظرون الوقت الذي يتبيَّنون فيه الحقيقة، أقول لهم، إن التاريخ سيستعجل لحظاته، وستنمو قدرة الانسان على الفهم، وسنعتذر عن كل سلام انفصالي مع الامبريالية. حينها، سنكون قد سجلنا أول تصحيح في مسار التاريخ.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية