الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الأسرة والمدرسة

أحمد السعد

2009 / 4 / 27
التربية والتعليم والبحث العلمي


لعل الحديث عن التربية قد يجرنا الى أبراز الحقائق التى افرزتها علوم النفس والأجتماع والتربيه وعلى كل سأحاول تحليل العوامل التى تؤثر سلبا أو أيجابا فى تكوين شخصية الطفل وبالتالى استعداده لتقبل المعلومات التى سيتعلمها خلال المراحل القادمه من عمره.
حقيقة انه عندما تريد أن تملآ وعاءا بمادة ما عليك أولا تهيأة هذا الوعاء لكى يستقبل الماده التى ستسكبها فيه ورغم أختلاف ما أنا بصدده عن هذه الموضوعة الفيزيائبه سأبرر ذلك بما سأسوق من دلائل وهى أن الطفل فى السنوات 4-10 من عمره يكون أكثر تأثرا بمحيطه وبيئته الأجتماعيه والأسريه فهومستعد كليا لتلقف وتعلم وأكتساب ما يرى ويسمع من سلوكيات وعادات وتصرفات يقوم بها من هم حوله فى محيطه الأسرى خصوصا ابويه وأخوته الأكبر وأقرانه فى المحله وهنا تبرز أهمية البيئة الأجتماعيه لتكوين عقلية الطفل وشخصيته وهذه البيئة الأجتماعيه تتشكل فى وعى الطفل أنعكاسيا أستقرارا أو أضطرابا. فالبيئة ألأجتماعية الهادئه المنسجمه الآمنه تشكل مناخا نموذجيا لنمو عقلية الطفل ووعيه بشكل طبيعى أكبر من البيئة المضطربه التى تكثر فيها الأضطرابات والمشاكل والخلافات والضجيج وفوضى العلاقات حيث ينعكس ذلك سلبا على شخصية الطفل وأستقراره النفسى وتكوين وعيه وأدراكه وبالتالى بناء شخصيته وصيرورتها وينعكس ايضا فى قدراته الذهنية وأستعداده لتقبل المعرفة ويتجسد ذلك التأثير السلبى فى ضعف القدره على التركيز والأستيعاب كما تتجسد فى ردود أفعاله التى تكون فى طبيعتها عدائيه ومتشنجه فى علاقته بأقرانه أو ينعكس بشكل مغاير تماما حيث يصبح الطفل سلبيا وميالا الى الأنطواء والخمول ويصبح فهمه وأستيعابه للمعرفة بطيئا ويؤدى بالضروره الى أنخفاض مستوى أداءه اليومى ونشاطه الحياتى حيث يبدأ بالمعاناة من عوارض صحيه ومرضيه ناتجه عن تخلفه عن التعايش مع واقعه ومحيطه الجديد – المدرسه-.
تستلم المدرسه الطفل فى سن السادسه بعد أن تكونت مدركاته الأساسيه لتعتمد هذه الخلفيه أساسا لغرس مفاهيم العلم والسلوك والأنضباط والأمور الأخرى وفى حالات معينه ومحدودة ، تنتصر هذه الأرادة ويتخطى الطفل أشكالات بيئته الأجتماعيه ويتمرد عليها ويتحول الى متلقى جيد وأيجابى لعملية ضخ المعلومات التى تقوم بها المؤسسه التعليميه رغم مشاكله العائليه والبيئيه ليجد الخلاص فى التحصيل الدراسى ولكن فى الأعم الأغلب لتحصل هذه الظاهرة الا فى حالات ضيقة ، حيث تنعكس حالة الفوضى فى حياة الطفل الأجتماعيه و تركيبته النفسيه على أداءه الدراسى متثلة بحالات الشرود الذهنى وعدم التركيز خصوصا أذا أهملت المدرسه تعويض هذا الجانب من خلال التعامل مع الطفل بحذر وحكمة وأشعاره بأن المدرسه هى الحضن الأكثر دفئا وحميميه ومحبه أو أن تساهم المدرسه فى التقرب من مشاكل الطفل العائليه وأنعكاساتها النفسيه ومحاولة حلها والتعويض عن الأحباطات بتنمية المواهب وأمتصاص الأنفعالات والغضب وتفريغها فى ممارسة الألعاب والموسيقى والنشاطات الأخرى كالسفرات المدرسيه أو الدروس العمليه ويسهمذلك ايضا فى اكتشاف المواهب وتنميتها ودعمها وتبنيها من خلال المعارض والمسابقات وغرس روح المنافسه والتحدى لدى الطفل لتنمية شخصيته وتعزيز ثقته بنفسه وبالعالم.
كيف أذن تتوزع المسؤوليات بين المدرسة والبيت وكيف يمكن للمدرسة أن تنهض بمسؤوليتها مع دعم البيت أوحتى بدونه وهل يمكن للمدرسة أن تعوض دور البيت فى حالة أخفق فى مهمته سواء فى أعداد الطفل أجتماعيا ونفسيا لتقبل المعرفة وما تقدمه له المدرسه من معلومات وأنضباط . والحقيقه انه فى الدول الفقيره ، خصوصا عندما يكون مستوى الأبوين الثقافى متدن حيث ينشغل الأب فى تحصيل الرزق وتنصرف الأم الى الأنغماس فى الواجبات المنزليه وتربية الأطفال وهموم المعيشه لن يجد الطفل كفايته من العنايه والأهتمام – حيث يتوزع بالتساوى بينه وبين أخوته – ولن يجد التزجيه الذى يحتاجه لذلك يفتقد هذا الطفل الأستعداد النفسى والعقلى لأستيعاب المادة الدراسيه وسيواجه مشاكل كثيره فى أكتساب المهارات المتعلقة بالمواد الدراسيه خصوصا ما يتعلق بالمواد النظريه دون أن يجد من يعينه على استيعابها وأحيانا كثيره لايلتفت المعلمون الى هذه الحالات – على كثرتها- بينما هذا الطفل يجد ذاته أكثر فى اللأمور العمليه كالرياضه والرسم والأعمال اليدويه والهوايات والمهارات الأخرى ويرجع السبب فى ذلك الى أن عقليته لم يتم أعدادها مسبقا لتقبل المواد العلميه والتى يحتاج فهمها الى صفاء ذهن ودقه ووضوح فى التفكير وهو ما يفتقده بعض الأطفال نتيجة للعوامل التى ذكرت . وتجلى هذه الحقائق على الواقع العراقى حيث يلعب العامل الأقتصادى دورا حاسما فى تكوين شخصية الطفل ونفسيته ,استعداده للتعلم حيث لاتستطيع الكثير من الأسر تلبية وتطمين حاجات أبناءهم من الملابس والأحتياجات الأخرى خصوصا فى حالة وجود أكثر من خمسة أو ستة اولاد وبنات فى العائله الواحده ناهيك عن أن الكثير من العوائل بدأت تعزف عن أرسال ابناءها الى المدارس لعدم تمكنها من تحمل أعباء دراستهم فترسلهم للعمل فى الشوارع والساحات والورش ليكسبوا رزقهم ويساعدوا عوائلهم حيث تصبح عملية أرتياد المدارس نوعا من الترف لاتستطيع هذه العوائل تحقيقه لأبناءها . أننا نتحدث عن مسؤوليات البيت والمدرسه فى تكوين شخصية وأدراك ووعى الطفل وتوجيهه فى بيئه سليمه تتيح للطفل التمتع بطفولته والأنصراف الكامل لممارسة حياته الدراسيه المكفولة اصلا بما يديم أستقرارها وأستمرارها وهذه الظروف تعتبر مثاليه أذا ما تحدثنا عن الوضع العام لبلدان العالم الثالث ومنها العراق .
وفى الوضع المستقر ، أى حينما يكون الطفل مؤمن الحاجات الأساسيه من مأكل وملبس ويعيش فى بيئه أجتماعيه مستقره حينئذ نستطيع التكلم عن عن العلاقة بين المدرسه والأسره ومسؤولية كل منهما فى تنشئة الطفل وأعداده علميا وعقليا ونفسيا وأجتماعيا ايضا . المسألة الأخرى والتى تتعدى حدود البيت والمدرسة وهى الوضع العام والموضوعى الذى يعيش وينشأ فى وسطه الطفل ومدى أستقراره ، أعنى الأستقرار السياسى فى البلد المعنى وماهى التأثيرات التى يمكن أن تؤدى الى تخريب هذا الأستقرار ولاسيما الحروب والأنقلابات والفوضى ومظاهر التسلح ناهيك عن الكوارث الطبيعيه وتقلبات الطقس والفيضانات ...الخ .لقد تبين التأثير المدمر للحروب وما يرافقها من مظاهر الخوف والرعب ومشاهد الموت وأصوات الأنفجارات والدمار فى تكوين شخصية الطفل ووعيه وما يخلق لديه من أضطرابات تنعكس فى سلوكهم وأدائهم الدراسى ومستوى أستيعابهم بل وحتى مستوى أنضباطهم وعلاقاتهم مع أقرانهم ولو أجريت دراسه علميه ودقيقه على أطفال العراق منذ 1980 حتى 2004 لظهرت نتائج كارثيه من تدنى واضح وملموس للمستوى العلمى للطلبه العراقيين كنتيجة طبيعيه لثلاثة حروب مدمره عصفت بالبلاد وأدت الى تعطيل الحياة وخلقت آلافا من الظواهر التى لم تكن موجوده فى العراق من قبل .ومن بين هذه الظواهر ضعف قابلية الطلبه العراقيين العلميه وأنخفاض نسب النجاح فى الأمتحانات الوزاريه . ومن خلال التماس مع هؤلاد الطلاب ، وجدنا أن نسبة 70% منهم لايركز أثناء الدرس أو يعطى أجوبه غير صحيحه وغير دقيقه أو يتلعثم فى كلامه ويفتقد الشجاعة الأدبيه بينما يميل فى ذات الوقت الى تفريغ شحنات الغضب والأحباط فى تحطيم الأثاث المدرسى وتمزيق كتبه ولوازمه المدرسيه أو التعامل بعنف مع أقرانه أو مع العاملين فى المدرسه ويتأخر فهمه وأستيعابه للمواد العلميه كلما تقدم فى مراحل دراسته وللأسف يعمد بعض المعلمين الى أستخدام العقاب النفسلى والجسدى أحيانا مع هؤلاء الطلاب مما يزيد من عزلتهم ويزيد من تخلفهم الدراسى وكرههم للمدرسه ويؤدى بالنتيجة الى تكرار التغيب عن المدرسه والهروب منها أثناء الدوام والتملص من الواجبات المدرسيه والأمتحانات والواجبات بحجج المرض ...الخ.
من كل ما تقدم يتضح الدور الأساسى للمدرسه وأحيانا على حساب مسؤولية البيت فى أعداد الطفل وتهيئته ليس علميا فقط بل أجتماعيا ونفسيا وعقليا وينبغى لذلك الأهتمام بما يسمى الأرشاد التربوى فى مدارسنا اى الأستعانه بمتخصصين فى شؤون التربية وعلم النفس وفتح أضباره خاصه لكل طفل – ولقد باشرت وزارة التربية العراقية بطرح البطاقه المدرسيه وكام مشروعا يمكن أن يكتب له النجاح فى حالة متابعته جديا ولكن الأهمال ونقص المعلومات والحروب والفوضى وتنقلات الطلاب بين المحافظات وهجرة العوائل بسبب العمليات الأرهابيه وعدم وجود المتخصصين الذين تقع عليهم مسؤولية متابعة البطاقه المدرسيه كل هذه العوامل ساهمت فى أفشال التجربه ووأدها – وعليه لابد أذن من وجود قسم للصحة النفسيه يلحق بالمراكز الصحيه التى تقع قرب المدارس لكى يجرى تنسيق مع أدارات المدارس للتباحث حول المشاكل السلوكيه والنفسيه للأطفال فى مرحلة الأبتدائيه أو المراهقين فى مرحلتى الدراسة المتوسطه والأعداديه وتكون بمثابة مراكز أستشاريه تساهم فى التقليل من المشاكل التى تواجه الأدارات المدرسيه فى مواجهة الحالات المختلفه ولكى يجرى الأنصراف بشكل كامل للعملية التربويه والتعليميه حيث يكون الطفل أو المراهق موضع رعاية وأحتضان ليعيش فى بيئة تربويه سليمه حتى لو أفتقد البيئه الأجتماعيه السليمه فى بيته وضمن أسرته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون