الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتلصص: للحقيقة لست مقتنع بكلامك بأن القراءة والكتابة لها فعل التطهير

كريم الهزاع

2009 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



هل تنطبق على " مثقف العزلة " تسمية " رجل الجرذان " مريض فرويد الذي له من العمر ثلاثون عاماً ، والذي قد اضطر إلى الانقطاع عن كل نشاط في مضمار الحياة العملية على الرغم من نباهته وذكائه وثقافته نتيجة أنه كان يعاني من اجترارات ذهنية مرضية ( وساوس ) يحاول اتقاءها بإنجاز طقوس معقدة وأفعال قهرية ينقض بعضها بعض ، وهل المثقف الذي يعيش حالة نكوصية وانسحابه إلى جدار ( الدين ) من خلال الفعل المتمظهر بوساوس الغسيل والنظافة وترديد عبارات أو تعاويذ بشكل اجتراري أو حركة " مسواكية " مستمرة تتعقبها بصقات قليلة وخفيفة تنطبق عليه هذه الحالة ؟ وهل ستكون ردة فعله قوية لدرجة أن يتبنى العنف وسيلة له في تعبيره عن كراهيته لمجتمع لم يستطع أن يتواءم معه ؟
استميحكم العذر لأني لا أستطيع ، في الواقع ، أن أقدم تاريخاً كاملاَ للمعالجة . إذ أن ذلك سيقتضي مني أن أخوض في حياة تفاصيل مريضي أكثر ، وهذا الذي لن أفعله حماية له من الفضول المتطفل ، الذي يجعله أكثر قسوة ، إلى جانب أنه سيقطع علينا الطريق في إدخاله في حالة " التطهير " ، ولكن هذا لا يمنعني من ذكر ( أطيافه ) بشكل عابر لكي تساعدوني في المعالجة ، هو يؤمن بالشعوذة ويصدق حديث الذبابة ويعتبره إعجاز علمي ، ويكتب نص نثري حداثي ( مودرن ) ، ويتغزل بالمرأة وحريتها ، ويجالس المثقفين رجالاً ونساء ويجتر الكلام كثيراً عن الحرية إلا أنه يصاب بالرعب حينما يصادفه أحد أصدقائه وهو برفقة زوجته المنقبة ( العورة ) والتي كلما لامسها عليه أن يتوضأ ، والتي عليها أن تتبعه بالريموت كنترول إلى صناديق الاقتراع لكي تمنح صوتها الانتخابي لمن يحب ويريد .

لكن في نهاية الأمر فأنا أقر وأعترف بأني لم أتمكن إلى الآن من النفاذ إلى البنية البالغة التعقيد لحالة خطيرة من العصاب الوسواسي من هذا النوع ومن استجلاء أمرها يأتم الوضوح . ومن جهة أخرى لا أحسب أن في قدرتي أن أجعل القارئ يستشفّ بوضوح كامل ، من خلال عرض لحالة من حالات التحليل النفسي .
لكنه هو يشبه إلى حد ما نموذج فرويد ( رجل الجرذان ) وهو يسرد حكايته في حالة ( تبئير ) سحبنا حبلها لنفك أول عقدها القديمة ، وحينما كلمته عن تلك المعالجة قال لي بأنه يحب ( النفاثات في العقد ) ثم راح يسرد حكايته :

- ( كانت عندنا مربية شابة جميلة، وذات مساء متمددة على أريكة، متخففة اللباس، مستغرقة في القراءة. فاستأذنتها في أن أندس تحت تنورتها . فسمحت لي بذلك ، بشرط ألا أخبر أحداً بالأمر . كانت لا تكاد ترتدي شيئاً، فلمست أعضاءها التناسلية وبطنها التي بدت لي غريبة مدهشة. ومنذئذ استبد بي فضول عارم ومعذّب إلى رؤية الجسم الأنثوي . ولا أزال أذكر ما كان يستبد بي من جزع ونفاذ صبر شديدين وأنا في الحمّام أنتظر أن تأتي المربية، وقد تعرت، لتدخل إلى الماء. كان ما يزال يؤذن لي عهدئذ في الذهاب إلى الحمّام مع أخوتي ومربيتي ، يحدث ذلك بعد أن كانت تسمح لنا بالدخول إلى حظيرة الدواجن و جاخور الغنم وكانت تمسك لي التيس لكي أمسد لحيته بالمشط الخشبي . ذكرياتي أشد وضوحاً ابتداء من عامي السادس وكانت أول شيء تفعله تفرك أسنانها بمادة خشبية حمراء تشترى من العطار تسمى ( الديرم ) ثم تقوم بحركة " ديرمية " مستمرة تتعقبها بصقات قليلة وخفيفة ، ومنذ ذلك الوقت كلما تذكرت الموقف تناولت السواك ( المسواك ) ونظفت به أسناني بقوة إلى جانب أن كل تفاصيل المشهد أصبح لها ما يعادلها في حياتي من تفكير وفعل وكلام بشكل متماهي أو مضاد له ، و لا أنسى قسوة والدي حينما كان يمنعني من إطالة لحيتي ، متوعداً أياي وهو يقول لي : " لو كل من لحيته طويلة عبقري لكان التيس فيلسوف " ، ومنذ نعومة أظفاري ، وعلى مدى سنوات طويلة ، كانت تشغل ذهني أفكار عن موت أبي فتسبب لي اكتئاباً شديداً ، حيث أن والدي توفي وأنا عندي عشرون عاماً ، لكن عليك أن تعرف بأني أبن امرأة مطلقة ، ولكن والدي كان ملتزم بزيارته الأسبوعية لنا ، ومع ذلك لم أكن أكره والدي ، لكن أكره خالي الذي كان يحبسني في غرفة مظلمة بعد أن يضربني بقسوة إلا أني أتعاطف معه كثيراً ونتشارك أنا وهو حبنا لهتلر ولصدام حسين فيما بعد ، ولكن خالي توفي هو الآخر ولم يشاركني حبي لأبن لادن ، كان خالي يسمح لي وشقيقي بمشاهدة التلفزيون والرسوم المتحركة وبالذات " ميكي ماوس " وكان يحرم أبنه – أبن خالي – من مشاهدته عقاباً له لأنه كان يقول بأن خالد بن وليد أعظم من هتلر، وأن خالد بن الوليد بعد أن أتكل على الله تناول سماً ولم يصب بشيء كما قال له خطيب الجمعة ذات يوم ، وأبن خالي أصبح الآن شيخ دين منبري وكان صوته يلعلع في المساجد وأحتفل بفتوى " الميكي ماوس " وهلل وأستبشر خيراً واحضر مجموعة صوّر لميكي ماوس و والت ديزني وأحرقها أمام الجميع ثم اختطف التلفاز من أمام أولاده وهشمه في الساحة بينما أبنه الكبير يرجوه فقط أن يكمل الحلقة الوثائقية عن جائزة نوبل ، التفت لأبنه يخبره بأن جائزة نوبل مشبوهة وعمرها لم تمنح لأي فقيه أو شيخ دين بينما تعطى للخزعبلات كالطب والفيزياء والعلوم الوضعية ، أن جائزة نوبل لو لم تكن مشبوهة لانحصرت هذا العام في زغلول النجار وعمرو خالد والقرضاوي و.... ، لكن مع ذلك الله لم يترك الكفرة يفلتون على فعلتهم هذه وابتلاهم بالأزمة الاقتصادية وهي بسبب الربا وليست بسبب الرهن العقاري كما يدعون ثم هتف : الله أكبر ، النصر لنا ، الجنة لنا والجحيم للآخرون وبكرم حاتمي أختتم الاحتفال بتوزيعه على كل واحداً منا ثلاثة قناني من ماء زمزم وعود سواك وكيس صغير من حبة البركة ، ونسيت أن أخبرك بأني متزوج ، وهذا هو زواجي الثاني بعد أن فشل زواجي الأول لأسباب كثيرة أحداها بأني كنت أخفي عن زوجتي الأولى أني كنت أعمل بشرطة المباحث سابقاً ، وتحت إلحاح الأصدقاء تزوجت للمرة الثانية وأعترف بأنه قد خفف الزواج احتقاني وتوتري وشكوكي ووسواسي اتجاه الآخرين إلى حد ما ، لكني ما زلت أحب " التلصص " ، و التلصص على النساء بالذات ، وللحقيقة لست مقتنع بكلامك بأن القراءة والكتابة لها فعل التطهير، وأعترف بأن كل ما كتبته ونشرته هو بدافع الغيرة من الآخرين ومن أجل أن أجالس المثقفين وأتباهى بمعرفتهم ، ونسيت بأن أخبرك بأن لي أخ يصغرني أستمر متديناً مؤمناً صادقاً في تدينه حتى سن الخامسة عشرة ، حين وفاة والدي ، لقد أخبره أحد المشايخ بأن والدي سيدخل النار وبأنه سيعذب بسلسلة طولها سبعون ذراعاً لأنه لم يسمح لأبنه ( أنا ) بتقصير ثوبي وإطالة لحيتي .
بعد أسبوع من وفاة والدنا عرفت بأن أخي أصبح أحد الملاحدة إذ سألني : هل الله قاس لهذه الدرجة ؟ وماذا تعرف عن الحياة في الآخرة ؟ ماذا يعرف عنها الآخرون ؟ .. لذت بالصمت حيث لم تكن لدي إجابة.. حينها قال لي : بما أنه من المستحيل معرفة شيء عنها ، وبما أنك لا تجازف بشيء ، إذن فافعل مثلي ولا تأجل المسرات ، أردت أن أخبر أبن خالي الشيخ بالحادثة ولكني شعرت بأن أخي عرف بماذا أفكر فتراجعت ، إذ حينما كنت في السابعة من عمري كنت أخشى أن يحرز والدي أفكاري ، وقد لازمني هذا الخوف طيلة حياتي .

إن الظاهرات التي وصفها لنا مريضنا ، والتي يرجع زمنها إلى سنته السادسة أو السابعة ، لم تكن كما يعتقد بداية مرضه فحسب ، بل هي مرضه بالذات . فهي عبارة عن عصاب وسواسي كامل ، لا يفتقر إلى أي عنصر أساسي ، وهي في الوقت نفسه نواة عصابه اللاحق ونموذجه الأول ، وبنوع ما كيان عضوي ابتدائي لا نستطيع بغير دراسته أن نفهم التنظيم المعقد للمرض الراهن . فنحن نرى ذلك الطفل الواقع تحت سلطان مقوّم محدد من مقومات الغريزة الجنسية ، وهو التلصصية VOYEURISME ولا شيء آخر سواها . ولكن لو تصورنا بأن تلك الأفعال مركبة في شخصية واحدة بينما كل فعل واحد أو تصرف من تلك التصرفات أو العقد هي تخص شخص ما ، يا ترى ماذا سنطلق من تسميات على كل حالة من تلك الحالات ؟ و هل كلها في نهاية الأمر تنتمي لمرض واحد أسمه " انفصام الشخصية " أو " الشيزوفرينيا " Schizophrenia ؟

كان لمريضنا موقف بالغ الخصوصية من الموت . فقد كان يشارك بحرارة في كل مأتم ، ويشترك بكل ورع في الجنازات ، حتى صار لقبه بين أفراد أسرته " غراب البين " ، وكان في خياله لا يتوقف عن قتل الناس كيما يتمكن من الإعراب عن تعاطفه الصادق مع أهل الفقيد . و كانت وفاة أخت أكبر منه ، وكان له آنئذ من العمر ثلاث سنوات أو أربع ، تلعب دوراً كبيراً في تخيلاته ، وقد تكشفت هذه الوفاة عن أنها وثيقة الصلة بالسيئات الطفلية الطفيفة التي اقترفها في ذلك العمر.

وبعد أن غادر المريض العيادة قلت للسيد سيغموند فرويد ، بما أننا كتبنا نص مشترك من وحي دماغ " المتلصص " أسمح لي أن أطرح عليك هذا السؤال : برأيك ما الذي جعل الإنسان العربي مصاب بتلك العلل ؟ وماذا نفعل لكي نخلصه من فصاميته ؟ .. أجابني :
- تتم تعبئة الإنسان عموماً بيولوجياً وسيكولوجياً بنص يسيطر عليه ويحركه ، وكما لكل حضارة نصوص تحركها فالإنسان العربي لديه نص يحركه ، ولكن نصه مع الأسف مصاب بالشيزوفرينيا ، والنص الأول لديه هو النص الديني ، لذا من الضروري إعادة صياغة مفهوم ماهية الدين والذي يعتبر بفهمه الحالي حجر عثرة في طريق الحريات والديمقراطية في الوطن العربي ، هذا الفهم الجديد سيؤدي إلى فصل الدين عن السياسة كما حدث في الغرب قبل قرن من الزمن وعلى ضوءه تم بناء مجتمع مدني منفتح ، وبناء مؤسسات ترعى المجتمع والفرد وحقوقه حيث يكون جميع المواطنين سواسية أمام القانون ، ونزع الاحتقان الطائفي والذي يجب أن يتم باستخدام مبيدات القوارض ومكافحة هذه الآفات الملعونة لأنها تسبب الطائفية وتدعو إلى المذهبية لأنها لم تجد ما تقرضه فالقوارض أساس بلاءنا خاصة إذا حصلت فيها تطورات جينية تحولها إلى شيخ مفت في الدين يأمر وينهي ويحلل ويحرم ولديه عصابات تأتمر بأمره ، هكذا نوع من القوارض كارثة دولية محققة . ستنتهي الفتنة الطائفية يوم يختفي الشيوخ والقسس والرهبان من على وجه الأرض ، الذين يدعون أنهم أصحاب الحقيقة المطلقة ، علينا أن نتركهم وراءنا ونعبر العتبة وندخل التاريخ وإلا سننقرض.
- و ماذا نفعل لكي نعبر تلك العتبة ؟
أجابني دون تردد :
- يقول مفيستو في فاوست .. ( لإبطال سحر هذه العتبة ، لابد لي من سن جرذ ، عضة أخرى من السن وينتهي الأمر ) .
- طيب ، أستاذ فرويد ما الذي تتمناه الآن ؟
- بودي أن أعود مرة ثانية إلى الحياة الغريزية للعصابيين الوسواسيين ، لأبدي بشأنها ملاحظة أخرى بعد .
- ما هي لو تكرمت ؟
- لقد كان لمريضنا بالإضافة إلى سائر سماته الأخرى ، " شماماً " ، فكان في مستطاعه في طفولته ، مثل الكلب كما قال ، أن يتعرف أي إنسان من رائحته ، وحينما شب عن الطوق بقيت الأحاسيس الشمية تحتفظ بالنسبة إليه بأهمية تزيد مما هي عليه لدى غيره من الناس . وقد وجدت شبيه هذه الوقائع لدى عصابيين آخرين ، من الوسواسيين والهستيريين على حد سواء ، وانتهيت إلى أن آخذ في اعتباري ما يكون اللذة الشمية ، الخامدة منذ الطفولة ، من دور في تكوين العصاب . وفي نهاية الأمر لا يسعني طي صفحة مريضنا قبل أن أتكلم عما تركه فيّ من انطباع من أنه كان منشطراً إلى ثلاث شخصيات : شخصية لا شعورية ، وشخصيتين فبشعوريتين بينهما يتأرجح شعوره . فقد كان لا شعوره يضم نزعات كبتت في وقت مبكر من عمره ، ويمكن لنا أن نسميها أهواءه وميوله الشريرة. وكان مريضنا في أحواله العادية ، طيباً ، محباً للحياة ، ذكياً ، مرهفاً ومثقفاً ، لكنه كان ، في تنظيمه النفسي الثالث ، يتبدى متطيراً زاهداً ، بحيث كان يمكن أن يكون له رأيان في الموضوع الواحد وتصوران مختلفان للحياة يعلنهما في مكانين ولكن بشكل شفاهي لأن الشكل الكتابي يعريه أو ربما يحدد موقفه من الحياة ويحرمه من لونه المفضل ، اللون الرمادي ، إذ أن شخصيته القبشعورية الأخيرة هذه تشتمل أساساً على تشكيلات ارتجاعية مضادة لرغباته اللاشعورية ، وكان من السهل أن نتوقع ، فيما لو أن مرضه طال أمده أكثر ، أن تبتلع شخصيته هذه شخصيته العادية .
- وكيف لنا أن نخرجه من حالته الرمادية هذه ؟
- بأن نخلصه من وصاية المقدس و الصنمية والنص الواحد وبأن يعرف بأن الحقيقة مطلقة ونسبية وعليه أن يبحث عنها بكل حرية ودون حرس أو قناع يفكر بالنيابة عنه في ظل مجتمع مدني منفتح على ذاته والآخر ، حيث أن العقل هو خليفة الله على الأرض .
- وإذا لم يفعل ويفكر بكينونته و الوجود ، ما هو المصير الذي ينتظره برأيك ؟
- معقد ومشوّش أو مدمن مخدرات أو إرهابي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطاعن في المحبة
مخلص ونوس ( 2009 / 4 / 25 - 21:29 )
أعتقد أن الجميع ضحايا النص( المقدس) وبالتالي فالمرض وبائي

ربما يشمل _ بالضرورة_ الجميع. لقد تم تشويه كل شيء

وجعلوا من الله مجرد جلاد. قليلا من الرأفة بالمرضى والذين

تتفاوت حالاتهم السريرية مابين محتاج لعناية مركزة، ومابين

.ميئوس منه، ومابين محتاج لبنادول معرفي

مزيدا من صرخاتك أيها الطاعن في المحبة

مخلص
25-4-2009

اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز