الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية والخبز - أيهما اختياره أولا؟

خالد يونس خالد

2009 / 4 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قال الفيلسوف البريطاني (برنتراند راسل) الحائز على جائزة نوبل في الآداب: ‘‘على المرء أن يحترم الرأي العام بالمقدار الذي يبعده عن الجوع والسجن. الاحترام الزائد عند ذلك هو استسلام طوعي للاستبداد‘‘. وعليه لابد من المواجهة، كما قال فولتير: ‘‘كل من ليس حيوياً ومستعداً للمواجهة فهو لا يستحق الحياة وأعتبره في عداد الموتى‘‘.

هنا يطرح سؤال نفسه: أي مواجهة في هذه الحال؟ هل هي ممارسة العنف؟ بالتأكيد لا، لأنه لا يمكن ممارسة الحرية في مجتمع مدني يحكمه العنف، سواء كان هذا العنف سيكولوجيا أو فيسيولوجيا.

هل هي الاستسلام؟ بالتأكيد لا أيضا، لأن المجتمع الحر هو المجتمع الذي يشعر بالأمان، في حين أن الاستسلام نوع من أنواع الذل والاستعباد. وقد أكد الفيلسوف الإيرلندي (برناردشو) بهذا الصدد، أن ‘‘الحرية هي المسؤولية، لذلك يوجد رجال يخشونها‘‘. وأكد المفكر (ألكس دي نوكفيل) أن ‘‘الطغاة أنفسهم لا ينكرون محاسن الحرية، ولكنهم يرغبون في الاحتفاظ بها كلها لأنفسهم‘‘.

هنا يطرح السؤال الملح نفسه: هل نحن بحاجة إلى الخبز والأمن الغذائي والاقتصادي أكثر من احتياجنا للحكم الرشيد والديمقراطية والمساواة داخل المجتمع أو يجب قبل كل شيء تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية ودمقرطة الدولة لأجل مجتمع اقتصادي متطور يوفر للمواطن الفقير الخبز والماء والهواء؟

وهنا يطرح سؤال نفسه وهو: ما هي آلية تحقيق الديمقراطية والرفاه الإقتصادي في المجتمع؟

في الحقيقة والواقع أن الديمقراطية والسلام توأمان لا ينفصلان. والسلام لا يتحقق في مجتمع القهر الاجتماعي والاقتصادي، لأن إشباع الحاجات الأساسية للمواطن ضرورة ملحة لاستقرار المجتمع. ومن أجل ذلك لابد من حق ممارسة الحرية على أساس أنها مسؤولية فردية واجتماعية. فإذا فكر الإنسان بالحرية وهو جائع تنعدم الطمأنينة، وبانعدام الطمأنينية تسيطر الفردية والأنانية على المواطنين، فتؤدي بهم إلى الهروب من الحرية كما قال السوسيولوجي أريك فروم في كتابه ‘Escape from freedom

هنا نوجز القول، أنه عندما يكون الإنسان في مجتمع مدني (ديمقراطي) يشعر بمواطنته، ويعرف حقوقه وواجباته، يمارس الحرية، وفي هذه الحال يساهم في الإنتاج حتى يكون عضوا كامل النمو في المجتمع، لا أن يكون تُرسا في آلة. إنه يرفض أن يكون جائعا لأنه ينتج، ويرفض أن يكون عبدا لأنه حر، ويرفض الاستسلام لأنه يمارس حقوقه وواجباته. رفاهية المجتمع المدني المستقر والسلمي هي رفاهيته أيضا، وهو يعتز بها ويدافع عنها لأنه مواطن مسؤول في المجتمع. ولهذا ينبغي أن تتوفر الطمأنينة في المجتمع إلى جانب الحرية، وهذه الطمأنينة يجب أن تكون اجتماعية واقتصادية، على سبيل المثال السويد.

إذاً من اجل أن نحقق الديمقراطية على أساس أنها شيئ عقلاني في النهاية، لابد من تحقيق العدالة في إطار السلام. ومن هنا يعتبر غاندي أن "الشرط الأول لعدم العنف هو العدالة في كل ناحية من نواحي الحياة. إن عدم العنف هو التحرر من الخوف، ذلك أن العنف ليس سوى الوسيلة للصراع ضد سبب الخوف". (ينظر: فاروق سعد، بعد الأمير، ص314).

لنرجع إلى الأذهان كلمات المربي الأميركي مارتن لوثر كنج في خطبته الشهيرة بتاريخ 3 أبريل/نيسان 1968 ‘‘لقد آن أوان تحقيق وعود الديمقراطية، لقد آن أوان الخروج من ظلام ووحشة نفق التفرقة، إلى ضوء طريق العدالة لمختلف العناصر. لقد آن أوان الإرتفاع بشعبنا من وعث الظلم العنصري إلى هضبة الإخاء الصلبة. لقد آن الأوان أن نجعل العدالة حقيقة لكل أبناء البشر‘‘. إذن المهمة تقع على عائق الأنسان، وأهم حق من حقوق الأنسان هو حق المعرفة، ‘‘فلا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلاّ إذا كنت منحنيا‘‘.

أبدع التربوي البرازيلي باولو فرايري في دراسته التربوية لحياة المظلومين في مجتمعات العالم الثالث، ما جاء في كتابه ‘‘تربية المظلومين‘‘: "هناك مَن يخاف من الحرية، وهناك مَن لا يرى في التغيير رمزا للحياة بل رمزا للموت والفناء. حقا هو يرغب في دراسة التغيير ولكنه لا يرغب في دراسته من أجل تطويره بل من أجل وقفه". وقال: "فالحرية ليست مطمحا يعيش خارج الإنسان أو فكرة تتحول إلى أسطورة وإنما هي في الحقيقة ضرورة لا غنى عنها من أجل كمال الإنسان . . . من أجل التغلب على ظروف القهر فإنه يتعين التعرف على أسبابه حتى يتمكن من تطوير موقف جديد يحقق فيه إنسانيته الكاملة".

وأخيرا أقتبس حكمة رائعة من الحكيم الصيني كونفوشيوس وهو يسجل في كتاب (الاغاني) حوارا بينه وبين (تزه-كونج) عن المجتمع والحكم. ‘‘يحدد كونفوشيوس في بداية الحوار مهمة الحكومة أية حكومة، ودورها في تحقيق ثلاثة أمور: أن يكون لدى الناس كفايتهم من الطعام، وكفايتهم من العتاد الحربي، والثقة بحكامهم. ويسأل (تزه-كونج) كونفوشيوس عن الأمر الذي يمكن التخلي عنه أولا فيما إذا كان لابد من الاستغناء عن أحد الأمور التي على كل حكومة تحقيقها؟ ويجيب كونفوشيوس أن الأمر الأول الذي يمكن التخلي عنه هو العتاد الحربي. ثم يسأل (تزه-كونج) عن أي من الأمرين الباقيين يمكن التخلي عنه أولا؟ فيجيب كونفوشيوس قائلا: فلنتخل عن الطعام، ذلك أن الموت منذ الأزل قضاءً محتوما على البشر. أما إذا لم يكن للناس من ثقة بحكامهم فلا بقاء للدولة". (فاروق سعد، تراث الفكر السياسي قبل الامير وبعده، الأغاني، في: نيقولو ميكيافللي، الأمير، دار الآفاق الجديدة، بيروت ط10، 1979، ص216-217.)


ملاحظة: كُتِبَ المقال بدعوة من معهد وارف للدراسات الإنسانية بواشنطن ضمن تحقيق أجرته هيئة تحرير المعهد بعنوان ‘‘الديمقراطية والخبز – أيهما اختياره أولا؟‘‘ ونشر في موقع المعهد المذكور في أبريل 2009.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة