الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروق الماركسية وغروبها

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2009 / 4 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الغاية التي يرمي إليها هذا المقال تقوم في استكمال فكرة النقد الاجتماعي لما يسمى بتجديد الماركسية، ولكن من خلال رفعها إلى "الحد الوسط"، أي الحد الذي يمهد لإعادة تأسيس المنطق الذاتي لآراء ماركس في موقفه من التاريخ وتكاملها في فلسفة تاريخية متميزة لها أصولها وجذورها المعرفية ونظامها الخاص. وبدون ذلك يصبح "تجديد" الماركسية أما تجديد أحلام في أفضل الأحوال أو تمديد أوهام وهو الغالب. والسبب الرئيس وراء ذلك يكمن في أن هذا "التجديد" عادة ما يفتقد إلى إدراك حقيقة المعاناة الفعلية القائمة وراء الاجتهاد المعرفي لماركس والاستعاضة عنه بيقين الجهاد الأيديولوجي. وهي المفارقة القائمة وراء محاولات "تجديد" الماركسية في ظل جهل شبه تام بماركس.
إن دعوى تجديد الماركسية تفترض أولا وقبل كل شيء معرفتها كما هي. ويفترض ذلك بدوره معرفة أصولها. بعبارة أخرى، إن ذلك يفترض أولا قراءة كل الأعمال الكبرى لماركس حسب تسلسلها التاريخي ثم استكمالها بمؤلفات أنجلس، من خلال وحدتهما في المؤلفات الكاملة لماركس وأنجلس إضافة إلى المخطوطات الاقتصادية الكبرى لماركس. والحصيلة حوالي 35 مجلدا من القطع الكبير!
إن القيام بهذه المهمة الأولية تستلزم بدورها إعادة دراستها المحترفة على مستويين، الأول وهو دراسة المؤلفات الماركسية الأساسية والتأسيسية بحد ذاتها، أي كما هي، والثاني ضمن تاريخها الثقافي والفكري، أي ضمن أصولها. مما يفترض بدوره معرفة الأصول العامة والخاصة. وأصول الماركسية العامة هي حصيلة الثقافة الإنسانية حتى تخوم القرن التاسع عشر، أما الأصول الخاصة فهي ما جرى الاصطلاح عليها بمكوناتها الكبرى، أي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية بشكل عام والهيغيلية بشكل خاص، والاقتصاد السياسي بشكل عام والانجليزي بشكل خاص، والفكر السياسي الأوربي بشكل عام والاشتراكي بشكل خاص بمختلف أنواعه (وليس الفرنسي فقط). وما وراء ذلك ينبغي تمثل التراث النظري (الفلسفي) العالمي والحصيلة الفكرية للمدارس والتيارات الكبرى للقرن العشرين، إضافة إلى معرفة دقيق وموثقة بالتاريخ القومي في مختلف ميادينه ومستوياته. وبدون ذلك يصبح ماركس مجرد غلاف أو وعاء جديد لاجترار أمور خربة ومخربة، بحيث دفعت الكثير من كبار فلاسفة القرن العشرين للوقوع في متاهة التقييم المبتذل لماركس. إذ نعثر، على سبيل المثال، في التقديم الذي كتبه بوبر للترجمة الروسية لكتابه (المجتمع المفتوح وأعداءه) موقفا بهذا الصدد بلوره كما يلي: "إن كلمة الرأسمالية التي حصلت على انتشار واسع بفضل ماركس والماركسية لم توجد في أي مكان وزمان على كرتنا الأرضية. أنها أشبه ما تكون بجحيم دانتي. أن "الرأسمالية" بمفهوم ماركس ليست أكثر من بنية نظرية فاشلة. أنها خيال أو سراب عقلي".
وفيما لو تجاوزنا جهل بوبر بتاريخ الاقتصاد السياسي وتاريخه، وعدم إحاطته الدقيقة بأعمال ماركس وأصولها، فان ماركس نفسه لم يستعمل في كل كتبه وأبحاثه ومقالاته كلمة "الرأسمالية" على الإطلاق. وأول من استعملها أو تنسب إليه هو الفرنسي لوي بلان (1811-1882)، لكنها حصلت على تأسيس تاريخي في كتابات المؤرخ وعالم الاجتماع الألماني فيرنر زومبرت (1863-1941) وبالأخص في كتابه (الرأسمالية المعاصرة). مما سبق يتضح خطورة الجهل بالشخصية وإطلاق الأحكام عليها. والسبب في الحالة المعنية ليس فقط في الجهل بماركس، بل وبحصره ضمن حدود "الاقتصادي" فقط. بمعنى اعتبار ماركس اقتصاديا فقط! وكون ماركس أحد اكبر وأعظم الفلاسفة الاقتصاديين أمر لا يشك فيه إلا مغالط، على الأقل ضمن سياق تطور الفكر الاقتصادي وإسهامه النظري فيه! وإذا كان الأمر كذلك فما بالك حالما يجري اعتباره سياسيا أو أيديولوجيا فقط؟
إن ماركس هو فيلسوف أولا وقبل كل شيء. بل حتى كتاب (الرأسمال) كتاب فلسفي من حيث الجوهر، أو أنه لا يمكن فهم حقيقته دون منهجه الفلسفي. ومن ثم فان (الرأسمال) هو كتاب فلسفي اقتصادي سياسي، أي تاريخي من حيث المبدأ والغاية. وذلك لأنه يحتوي ويولف بقدر واحد بين مضمون تاريخي، ووسيلة تاريخية، وغاية تاريخية. وليس مصادفة أن يفتقر أو يخلو كتاب (الرأسمال) من معطيات بيانية وإحصائية. كما انه الشيء الذي يمكننا رؤيته أيضا على مثال مقولاته ومفاهيمه وقيمه ومواقفه. لاسيما وأنها أمور جوهرية ليس فقط بالنسبة لمعرفة مصادر وكيفية تأسيس الفكرة، بل ولمعرفة حدودها النظرية ضمن منظومة الفيلسوف نفسه. وينطبق هذا بالقدر ذاته على طبيعة ومضمون نقده لأسلافه الكبار من رجال الفكر الاقتصادي. بمعنى كشفه عن خلل "الرؤية المستقبلية" في استنتاجاتهم الاقتصادية. وليس ذلك في الواقع سوى الوجه "الاقتصادي" في رؤيته التاريخية للمستقبل. لقد أراد ماركس من العلم الاقتصادي، كما هو الحال من نتاج جميع العلوم الاجتماعية والطبيعية أن تكون مؤيدا ومساندا وداعما لفكرة البدائل التاريخية، أي لتأسيس ودعم فكرة الضرورة التاريخية لعملية الانتقال إلى الشيوعية بوصفها التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية العليا في التطور الإنساني. بحيث نراه يطابق بينها وبين التاريخ الحقيقي. الأمر الذي جعله يفصل بطريقة اقرب إلى تقاليد الميتافيزيقيا المتسامية بين ما كان ويكون، أي ما كان قبل وبعد توكيدها وتأسيسها للفكرة، شأن تصورات وأحكام "الدين الحنيف" الجازمة في مواقفها من إشكاليات الوجود والخير والجمال والحق والحقيقة. وليس هذا في الواقع سوى الغلو العميق المميز للنزعة التاريخية في فلسفة ماركس.
إن تحويل ماركس إلى اقتصادي فقط، أو سياسي فقط، أو أي إلى مجموعة كيانات مستقلة ومختلفة فيما بينها يعادل ضعف أو انعدام المعرفة العلمية به، بوصفه كلا واحدا لصيرورة تاريخية فكرية ثقافية معقدة. إن تجزئة ماركس بهذه الطريقة يستعيد في حالات كثيرة جهاز التقييم القديم الذي يجد في تنوع الاختصاص فضيلة بوصفه الوجه الآخر للموسوعية. أما في الواقع، فأن هذا "التنوع" ليس إلا أحد مظاهر أو أجزاء التراكم التاريخي والمعرفي للشخصية الكبيرة، كما انه الممر الضروري والفردي لتكامل منظومة الأفكار الكبرى والمنهج الموحد والجامع لها، ومن ثم الغاية الخفية القائم وراء كل ذلك بوصفها "سر الأسرار" الكامنة فيما ينبغي للتاريخ اللاحق الكشف عنه وتبيانه. فقد أدت تجزئة ماركس إلى جعله مادة للتطفل الجاهل والتطويع الأكثر جهلا من مختلف أطراف المحبين والكارهين. وهي ظاهرة ليست معزولة عن النفسية الأيديولوجية وأحكامها الضيقة. أما بمعايير العلم فان ماركس يبقى جزء من أجزاء الكل الإنساني وحلقة من حلقات المعاناة العقلية في اجتهادها النظري وجهادها العملي من اجل تأسيس البدائل الإنسانية.
فقد جعلته الرؤية الأيديولوجية المؤيدة منها والمعارضة كيانا فاقعا. وليس مصادفة أن تسود الرؤية عند الطرفين من خلال إرجاع ماركس إلى (دون كيشوت) عصري في مواجهة أشباح الطواحين المخيفة للشيوعية، أو النظر إلى ما في (الرأسمال) على انه منشور سياسي صرف مهمته كشف شبح الرأسمالية المرعب. وكلاهما في الواقع مجرد رهينة صغيرة للعبارة البيانية التي كانت تميز كتابات ماركس آنذاك، كما نعثر عليها في (بيان الحزب الشيوعي). أما في الوقع فقد كانت عبارة بيانية لا تخلو، شان كل إبداع تاريخي كبير، من شطح يناسبها في المظهر والمظاهر.
لقد أدت هذه التجزئة المفتعلة والملازمة للوعي السياسي المتحزب وتقاليد العوام الراديكالية إلى إحراق اغلب الآراء الطرية والقابلة للنمو في منظومة ماركس الفلسفية على نار الالتهاب الثوري، وبالأخص في مجرى التحولات الدرامية الهائلة بعد موته. كما نراها على سبيل المثال لا الحصر في كتابات كاوتسكي ولوكسمبورغ في ألمانيا، وبليخانوف ولينين في روسيا، ولابريولا في ايطاليا وغيرها من المناطق الأوربية آنذاك. فقد جعلوا، وإن بمستويات ونوعيات مختلفة ومتباينة، من تصوراتهم عن الماركسية جوهر العقيدة العملية والأيديولوجية الثورية في القرن العشرين. الأمر الذي جعل من الماركسية عقيدة قاسية، تعمل بمقاييس "نحن" و"هم"، و"رفاقنا" و"أعداءنا" بوصفها الحالة "الطبيعية" لقداسة "التناقض" و"صراع الأضداد" و"الصراع الطبقي". من هنا ثنائيات الصراع الحادة في كل شيء. ومع كل نمو فيها كانت تنمو حراشف العداء والتخوين والتجريم. ومع كل تشدد فيها تصبح اشد تخريبا للعقل والضمير. بحيث يتحول تروتسكي وفكرته عن جوهر الماركسية باعتبارها "ثورة دائمة" إلى انتهازي وعميل ومجرم يجري تتبعه حتى المكسيك! (وهو يرفد هناك بحياة إمبراطورية!). ثم تتحول الستالينية إلى مجرد عبادة فرد يجسد في ذاته الحزب والدولة والحقيقة والمستقبل. وتتحول كتاباته إلى أناجيل الماركسية السهلة! مع أن ستالين رجل أمي بمعايير الفكر. فهو أيضا لم يكمل المدرسة الابتدائية! ثم الخروشوفية بكل حرارتها الراديكالية التي جعلت من الستالينية جريمة، أي من المقدس مدنسا! ثم يجري رميها بوصفها حماقة فلاحية! وهي عملية تتكامل مع مجرى الزمن لكي تتحول في نهاية المطاف إلى حلقات أحداها اضعف من الأخرى لتنتهي بالغورباتشوفية، بوصفها خروتشوفية "مجددة" مشهورة النتائج. وهي حالة يمكن رؤيتها في كل مكان مشابه (الدول الاشتراكية جميعا، الغربية منها والشرقية، المتطورة والمتخلفة، المندثرة والباقية. والاستثناء الوحيد للتجربة الصينية. لكن التحول الصيني المعاصر هو تحول قومي خالص. وهذه قضية لا علاقة لها بالفكر بقدر ما لها علاقة بالتجربة السياسية للدولة والأمة الصينية وتراثها القومي.
إننا نقف هنا أمام حالة نموذجية لشروق الأيديولوجية وغروبها التاريخي. فكل "نمو" لها هو الوجه الآخر لضمورها في الفكر. الأمر الذي يجعل منها ممرا ومختبرا في الأغلب لصعود أكثر واشد الناس جهلا وتعصبا لكي يكون "منّظرا" جديدا فيها ولها ومنها! وليس مصادفة أن نرى مستوى التدهور المعرفي مع ظهور كل "جيل جديد" من أولئك القادة الجدد في ميدان الايديولوجيا. إذ نلاحظ مع كل خطوة إلى الأمام رجوع قهقري في الفكر وتأسيسه. وهي عملية بلغت ذروتها في ابتداع شعوب الجبال والوديان الغارقة في الجهل والتخلف "مفكريها" "المجددين للماركسية!
وإذا كان الانطباع العام عادة ما يربط ذلك بتجارب الدمج أو التذويب القسري لماركس في أيديولوجية الحزب والسلطة، فان حقيقته أعمق من ذلك وأكثر تعقيدا. بمعنى انه نتاج تداخل معقد لسلطة الدولة وتقاليد الحزبية الضيقة من جهة، وعنف الأيديولوجية العملية من جهة أخرى. وحالما يلتقيان، فان قسوة التذويب والدمج "العقلاني" واللاعقلاني تصبح شيئا واحدا. وذلك لأنها إما تبرير وإما تأسيس أكثر حنكة لبلوغ الغاية والأهداف. وبما أن الأهداف جزء من رؤية أيديولوجية، أي جزمية و"واضحة" من هنا انكماشها الدائم ضد أي اعتراض وشكوك. بحيث يصبح الشك والاعتراض رديفا "للردة" و"الجبن" وما شابه ذلك، أي لكل الأشكال والصيغ الممكنة للاتهام والتجريم والتخوين. أما النتيجة فهي إغلاق كل أبواب الاحتمال بوصفها قلقا وشكوكا لا معنى لها ولا قيمة غير ثبط الإرادة وتهوين العزيمة. وهي حالة ليست غريبة ولا فريدة من نوعها. إذ يمكننا العثور عليها في كل المؤسسات المنغلقة بمعايير وقيم الأفكار "المتسامية" كما هو الحال في الكنيسة ومواقفها من الهرطقة، أو في الإسلام ومواقفه من الزندقة وغلق "باب الاجتهاد". أما الاجتهاد الممكن فهو مجرد تكرار واجترار.
وقد تعرضت آراء ماركس بعد أن تحولت إلى "ماركسية" إلى نفس المصير الحتمي الذي تتعرض له الأفكار الكبرى حالما توضع فكرة البدائل في مشاريع أيديولوجية عملية. بعبارة أخرى، إن تحويل ماركس إلى "نبي" ومؤلفاته واجتهاده النظري إلى "كتب مقدسة" قد أدى إلى نفي الروح النقدي لماركس. مع ما ترتب عليه بالضرورة من جعله جزء من ماركسية الدولة ومساعيها لتدعيم النظام والسلطة. وهي عملية يرافقها بالضرورة جعل مهمة التبرير والتأويل المتحزب لماركس "ماركسية رسمية". وهو المصير الذي دفع ماركس ثمنه، أي جعله جزء مطواعا ومتطوعا بدون إرادته في خدمة مصالح النخبة الجديدة، أي المترقية من حضيض الحثالة الاجتماعية إلى هرم الارستقراطية "الثورية". والشيء نفسه يمكن قوله عن مجرى تحوله إلى أيقونة الأحزاب الشيوعية ومختلف تيارات اليسار، الذي أدى إلى تبسيطه وابتذاله من اجل جعله مقبولا. لكنها كانت في الوقت نفسه عملية طبيعية، ترافق بالضرورة انتقال الأفكار العملية الكبرى إلى ميدان العوام. فالأغلبية المطلقة من أتباع اليسار، أي مجاميع "الكادحين" التي تحتوي على فئات يصعب تحديدها بمعايير العلم، ويسهل توظيفها بمعايير الايديولوجيا، لا يمكنها أن تفهم من ماركس سوى بعض الشعارات الرنانة. بعبارة أخرى إن حقيقة ماركس تغيب وتتلاشى وتضمحل بالنسبة للأغلبية المطلقة، وتبرز وتتوهج وتنتعش صورته الأيديولوجية السياسية والحزبية المتوافقة مع ذوق العوام.
لا تخلو هذه العملية المعقدة من دراما التاريخ و"مكر الله" أو "العقل المطلق". بمعنى أنها تحتوي بقدر واحد على ما في نزوع الفكر العملي صوب الجماهير من أقطاب متناقضة ترتوي من رحيق الفكرة الإنسانية الساعية صوب الحرية والنظام الأمثل من جهة، وتتعطش في مجرى سقيها لجفاف العقول النظرية من مخزونها المحدود. فالنظريات الكبرى عادة ما تعاني من نقص جوهري بمعايير التاريخ، ومنطقي بمعايير الحقيقة. وذلك بسبب مساعيها الذاتية للتعميم النظري. وهو "نقص" ضروري أيضا لأنه جزء من صيرورة الوجود والعدم الكبرى. وضمن هذه الرؤية يمكننا القول، بان ما جرى من تصنيع للماركسية، أو لماركسيات متنوعة ومختلفة ومتباينة ومتناقضة ومتصارعة هو نتاج لا علاقة لماركس به. بمعنى انه جزء من صيرورة الوجود الجديد لماركس معين وانعدام آخر. وهذا بدوره ليس إلا الحالة المرافقة لكل تأويل متجدد (بغض النظر عن مستواه ودقته وقدرته على الاستجابة لما يسمى بمتطلبات العصر). وهي حالة تلازم بدورها مسار الفكر والتاريخ الواقعي بقدر واحد. من هنا طابعها الدرامي بمعايير النظرية والتطبيق، والتاريخ والفكر، والواقع والبدائل.
مما سبق نستطيع القول، بأن ماركسية ما بعد ماركس من الناحية المجردة هي "ماركسية" إضافية، أي "مصطنعة". غير أن ذلك لا يلغي كونها جزء من رصيد الماركسية بوصفها تيارا عاما أو تيارات متنوعة، أي اجتهادات هي جزء من تقاليد ومصير العقائد الكبرى ومدارسها النظرية. تماما كما أن التشيع والتسنن، والخوارج والمرجئة، والمعتزلة والاشاعرة، والحنبلية وإخوان الصفا، والغزالي وابن عربي وما شابه ذلك هي نماذج "إسلامية" إضافية، أي "مصطنعة" رغم كونها جزء من التيار العام للإسلام وتقاليده. وينطبق هذا على كل شروق وغروب التيارات العقائدية الكبرى. وإذا كان الخلاف جليا، على الأقل من حيث الظاهر بين بقاء و"حياة" الأديان واندثار و"موت" المدارس الفكرية الكبرى، فان سببه لا يكمن في صواب الأولى وخطأ الثانية. بل على العكس تماما! أو على الأقل أن جذور هذا الاختلاف تكمن في أن حياة الأديان من "حياة" العوام، أي الأغلبية المحنطة والعائمة في زمن الوجود وفضاء التاريخ الروحي للعقائد، على خلاف المدارس الفكرية الكبرى التي لا يعني "موتها" سوى حياتها المتجددة في اجتهاد العقل النظري والعملي الدائم. بمعنى أنها الممثل والمتمثل الأكبر لحقائق الوجود بوصفه تاريخا، أي صيرورة أبدية للوجود والعدم.
وليس مصادفة أن يتحول ماركس الواحد بمعايير الحياة الشخصية والحياتية إلى أنواع وشخصيات عديدة. والسبب لا يقوم فقط في أن تاريخه الشخصي هو تقلب وتنوع واختلاف متراكم في مجرى البحث عن وحدة نظرية منهجية تطابقت في مجرى تكاملها الذاتي مع منظومته الفلسفية بوصفها منظومة تاريخية عن الإنسان والمجتمع والدولة والفكر، بل وكذلك بسبب انغلاق المسار التاريخي للشخصية والفكرة على ذاتها أمام التاريخ اللاحق. وذلك لان التاريخ "اللاحق" هو "معاصرة". من هنا تأثيرها المباشر وغير المباشر حتى على اشد المحاولات صرامة في رؤيتها التاريخية للماضي. بعبارة أخرى، إن المعاصرة عادة ما تبعد اشد الأفكار واقعية وموضوعية وعلمية عن الماضي حتى حالما تجعل منه موضوع تأملاتها النظرية ومادة تصنيعها العملي.
فالمعاصرة هي بمعنى ما طفو على الماضي. وفي هذا فضيلتها أيضا. كما أنها حالة انطولوجية ومعرفية بقدر واحد. من هنا لم يكن "تنوع ماركس" حالة غريبة. على العكس أنها تعكس المسار الطبيعي لتاريخ الفكر والعقائد الكبرى. من هنا بروز ماركس المعقد والصعب والفيلسوف والعالم، وماركس العادي والبسيط والنبي العملي. كما تظهر مختلف الصور المعقولة بمعايير التأويل عن ماركس الاقتصادي وماركس السياسي وماركس الفيلسوف، وماركس الأيديولوجي، وماركس المناهض للأيديولوجية، وماركس الإنساني وماركس الطبقي، وماركس النقدي وماركس غير النقدي، وماركس الثوري وماركس المعتدل. وان يجري وضع الخط بين هذه المكونات بما في ذلك بمعايير الزمن وابتداع الصورة الخلابة في الوقت نفسه عن ماركس الشاب وماركس الشيخ. مع أنها وحدة واحدة لا يمكن تجزئتها بمعايير الوجود الشخصي وتكامله الذاتي وصيرورة منظومته الفكرية. لكن مفارقة هذه الثنائيات الملهمة للجدل العقائدي تقوم في التهامها لاجتهاد ماركس عبر تحويله إلى جهاد أيديولوجي لم يبق من ماركس غير تأويلات لا تحصى جعلت من الممكن تحول ماركس إلى صبية على قارعة الطريق يمكن لكل عابر طريق ولص مغامر من الاستيلاء عليه واغتصابها.
لكن اغرب ما في المصير التاريخي لفكرة ماركس التاريخية وفلسفته التاريخية تقوم في بقاء وفعالية "ماركس الشاب" وضمور "الشيخ ماركس". وهي مفارقة غريبة. فقد كان "ماركس الشاب" يعمل من اجل "ماركس الشيخ". بينما تحول "الشيخ ماركس" إلى الشخصية الأشد فاعلية في تاريخ العالم الحديث. وبالمقابل يقي ماركس الشاب الأعمق بالنسبة للعقل والضمير. والسبب يكمن في أن "ماركس الشاب" كان ينتج بمعايير العلم الفلسفي الخالص والحدس الثقافي، بينما كان "الشيخ ماركس" يعمل بمعايير العقل العملي. من هنا تطويع نتاج الفكر والسباحة في تياره. وهو تيار لا يمكنه السير إلى ما لا نهاية بنفس عنفوانه وقوته الأولى لأنه اقرب ما يكون إلى سيل العرم، يبدأ بالمطر وينتهي بتخريب كل ما يقع أمامه. لأنه ينقل في مياهه المخبوطة الحجارة والقذارة أيضا!
إن هذه النهاية المأساوية للماركسية، التي جرى تتويجها بانهيار "الاشتراكية السوفيتية" يعكس المسار الدرامي والمعقد لحياة ماركس وفكره، أي المسار المعقد لماركس المصطنع. وهي إشكالية بمعايير التاريخ السياسي، لكنها حقيقية ضمن سياق العلاقة المتنافرة أحيانا بين التاريخ الواقعي والمنطق. وليس فكرة أن ماركس لم "يقرأ التاريخ" سوى إحدى الصيغ المبتذلة على ضفاف النقد المسطح للولع الأيديولوجي المتربي بحضن التقاليد الحزبية. كما أنها الصيغة التي تعكس مستوى الابتذال الفعلي في فهم حقيقة ماركس التاريخ وفلسفته التاريخية.
إن القيمة التاريخية الكبرى لفلسفة ماركس تقوم بالذات في رؤيتها التاريخية. كما أن مأساة الماركسية والخاتمة الدرامية لماركس هي أيضا النتاج المباشر لفلسفته التاريخية. وفي هذا تكمن إشكالية الماركسية والمصير التاريخي لماركس. وليس مصادفة أن تتأثر كل فلسفات التاريخ الكبرى للقرن العشرين بفلسفته عن التاريخ. إذ لا يمكن على سبيل المثال لا الحصر فهم كل البواعث الدفينة والعميقة لفلسفة ماكس فيبر التاريخية والاجتماعية بدون ماركس. إذ نعثر في رؤيتها التحليلية ومنطق تصنيفها للتاريخ الظاهر والباطن ومفاهيم "العملية الاجتماعية" و"المسار الحضاري" و"حركة الثقافة"، أي كل المكونات الجوهرية لفلسفته التاريخية على هاجس ماركس الكامن والعنيف فيها. وينطبق هذا في الواقع على كل التيارات والمدارس الفلسفية نقدية المؤثرة للقرن العشرين. بعبارة أخرى، إن ظهور هذه التيارات الكبرى ليس إلا نماذج متنوعة من إعادة "قراءة" التاريخ تحت اثر فلسفة التاريخ عند ماركس. وبقدر ما ينطبق ذلك على ماكس فيبر، فانه ينطبق أيضا على تراث التيار الفلسفي الداعي بالرجوع إلى كانط (الكانطية الجديدة) وبالأخص في مدرسة بادن واهتمامها النوعي بفكرة التاريخ وبالأخص عند كل من فيلهيلم فيندلباند وهنريخ ريكرت. والشيء نفسه يمكن قوله عن مختلف التيارات النقدية لليسار الجديد الذي اكتسح العالم على امتداد عقود، وبالأخص في ستينيات وسبعينات القرن العشرين، سواء في مدرسة فرانكفورت أو الوجودية (وبالأخص ياسبرس وتأملاته الفكرية عن التاريخ ومعنى التاريخ). وأخيرا كل نماذج وشخصيات "قراءة" التاريخ والنصوص من اجل إعادة بناء وتركيب الصورة التاريخية الفعلية للماضي والحاضر كما نراه عند غادامير وفوكو ودريدا وغيرهم. إضافة إلى مدارس التأويل الحديثة بل وحتى المناهضة للماركسية كما هو الحال على سبيل المثال عند والت وتمان روستاو في كتابه (مراحل النمو الاقتصادي – البيان غير الشيوعي)، أي ترديده لصدى الفكرة الماركسية عن مراحل التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في فكرته عن مراحل التطور التاريخي.
إن القيمة الكبرى لفلسفة ماركس تقوم أساسا في فكرتها التاريخية. فقد اخضع ماركس كل شيء لرؤيته التاريخية، بما في ذلك المنهج نفسه. بعبارة أخرى، أن ماركس قد يكون الوحيد من بين فلاسفة التاريخ الذي جعل من فكرة المنهج ذاتها بوصفها منطقا مجردا جزء من تاريخ العلاقات الاجتماعية والاقتصادية أيضا. وهي فكرة لا تخلو من ثغرات جدية بسبب ما فيها من استعداد لنقل هواجس السببية المشروطة بحياة الناس المادية إلى ميدان الفكر المجرد واجتهاده في استخلاص قواعد التحليل والدراسة. مع أن هذه القضية تبقى احدى اشد القضايا الفكرية تعقيدا بالنسبة لتحديد ماهية وحدود المنهج، لكنها تكشف عن الهاجس التاريخي في فلسفة ماركس، أي جوهرية الرؤية التاريخية في تفسير أصول الأشياء، كل الأشياء، من الإنسان إلى "الله". الأمر الذي كان يلازمه بصورة خفية تراكم الاستعداد الخفي لفكرة الحتمية وكمونها في كل شيء، بما في ذلك في الموقف من التاريخ. بحيث يمكننا القول، بان الاستعداد الأيديولوجي الكامن في فلسفة ماركس عن التاريخ كان يكمن أساسا في غلو نزوعها التاريخي. وذلك لان المضمون الفعلي والتأسيس النظري لفلسفة التاريخ عند ماركس كانت تقوم في محاولتها توحيد الماضي والمستقبل في كل واحد بوصفه صراعا. من هنا جوهري فكرة الصراع الطبقي بوصفه "القوة المحركة للتاريخ العالمي". وعليها جرى تأسيس فكرة انتهاء التاريخ المصطنع، أي تاريخ الطبقات والملكية الخاصة، حالما يجري بلوغ التاريخ ذاته من جديد. وهي فكرة "فعلية" للصيغة المجردة التي بلورها هيغل عن وعي الذات التاريخي بوصفه نفيا كليا في مسار الروح. غير أنها تأخذ صيغتها الواضحة والجلية من خلال تحويل فلسفة النفي المتكاملة في توليف نظري أسمى بتكامل جديد لوعي الذات الإنساني عبر النفي التاريخي (الانتقال) من مشاعية بدائية إلى مشاعية متطورة (شيوعية) من خلال نفي تاريخ الملكية الخاصة في تشكيلاتها المشهورة (عبودية وإقطاعية وبرجوازية).
إن نهاية تاريخ الملكية الخاصة يعني بداية التاريخ الفعلي، أي الانتقال إلى "ملكوت الحرية". حينذاك تتحول المفاهيم المتعلقة بالدولة والسلطة والاقتصاد والإنسان والحياة مع ما يلازمها بالضرورة من تبدل نوعي في القيم، أي كل ما كان يتراكم في مشروع "الاشتراكية العلمية" بوصفها إحدى فرضيات الأمل الواقعي. مما جعل من فلسفة ماركس بهذا الصدد فلسفة الأمل والتفاؤل المطلق، أي التفاؤل بلا حدود! من هنا احتواءها بقدر واحد على مزيج من طوباوية الأمل ومشاريع العمل الفعلية. لكن تحويل هذا المزيج النموذجي للعقل والوجدان إلى أيديولوجية العمل الحزبي قد جعل منه سبيكة "واقعية". وذلك لأنه أدى إلى رفع الفعل وتحسس قيمته المجهولة في الأغلب من قبل صانعيه، إلى واقع. وهي عملية عادة ما تلازم آلية فعل الايديولوجيا نفسها، مع ما يترتب عليه من ابتذال دائم للاجتهاد النظري بشكل عام والعملي بشكل خاص. وهو السبب القائم وراء شعور ماركس المليء بالنفور والقرف مما اسماه "بالشيوعية المبتذلة"، التي جعلته أيضا يقول، بأنه "ليس ماركسيا". أما محاولة توظيف هذه العبارة من اجل إخراج النفس من هذه الصيغة أو الصيغ المبتذلة، فانه يفترض الخروج على "الشيوعية المبتذلة" و"الماركسية المبتذلة" عبر رفعهما إلى مصاف الرؤية النقدية الحقيقية القادرة على تجاوزهما أو إعادة تفعيلهما بالشكل الذي يجعلهما طاقة فكرية روحية إضافية وايجابية بالنسبة للعقل والوجدان الاجتماعي. وهي عملية ممكنة فقط حالما يجري دمجهما النقدي الكلي بمنظومة جديدة للفكرة التاريخية والسياسية. غير أن هذه المهمة تبقى كما يقال من نوع وطراز آخر لا علاقة ولا قدرة للأحزاب بها، أيا كان نوعها وتاريخها وتراثها. فالأحزاب تنتهك وتبتذل الفكر حالما تسعى للتعبير عنه أو جعل نفسها ممثلة أو حاكمة له. وعلى العكس من ذلك كلما تقترب من الحياة الواقعية والفعلية وتعمل بمعايير الاجتهاد العقلي والنزعة الإنسانية كلما تقترب أكثر فأكثر من مشاريع الفكر المتسامي. والسبب يكمن في أن الفكر والحزب يختلفان من حيث الرؤية والوسيلة والغاية والقيم والمفاهيم.
وإذا كان من الممكن الحديث عن ماركس بمعايير الرؤية النقدية الفلسفية هنا، فان نقطة ضعفه الكبرى تقوم في استمراره بتقاليد العقل المطلق والنزعة الكونية المطلقة. لاسيما وانه اختلاف جلي أيضا بما في ذلك بمعايير ماركس نفسه. فقد كان النقد العقلاني الذي وجهه ماركس لهيغل يقوم بالذات في الكشف عن الخلل المنطقي والتاريخي في روح الديالكتيك وبلوغه النهاية المتعارضة مع مساره الذاتي في نماذج العقل المطلق. فالوحدة القائمة بين الروح العندي والروح الموضوعي والروح المطلق في الفلسفة الهيغيلية يفترض حسب منطقها الذاتي أن تكون مجرد حركة لا تنتهي ولا تتناهي بوصفها جزء من فكرة المطلق. غير أن الفيلسوف عادة ما يرغب في رؤية ثمار اجتهاده بوصفه نهاية الرؤية الحقيقة أو حقيقة التاريخ الفعلي بعد أن يكشف عن نفسه فيها. وهو الخطأ أو النقص الذي كان جليا لماركس منذ انتقاله من راديكالية الهيغيليين الشباب إلى تأملاته النقدية الأولية ونفيها اللاحق في محاولاته إيقاف الديالكتيك الهيغيلي على قديمه بعد أن كان يقف على رأسه. وهي مهمة أنجز ماركس صيغتها الأولية. لكنه أعاد تكرار نفس الخطأ الهيغلي ولكن من خلال إيقاف حركة الديالكتيك، وليكن على قديمه! فإذا كان الفرق بينهما يقوم في أن الديالكتيك عند هيغل يقف على رأسه وتوقف، فانه وقف على قديمه عند ماركس وتوقف عند مشروع لا يخلو من طوباوية إنسانية. وهو السبب الذي جعلها محببة لقلوب الحفاة ذوي القبضات المتشنجة في تحديها للأرض والسماء على السواء! وفي هذا تكمن أيضا قيمة ماركس التاريخية.
فقد كانت فلسفة ماركس من حيث الجوهر اجتهادا نظريا في تفسير الواقع الرأسمالي الأوربي آنذاك والبحث عن بدائل لتجاوزه. وبالتالي فهي إحدى النظريات النقدية الكبرى في مواقفها الاجتماعية والسياسية. من هنا جوهرية التاريخ والرؤية التاريخية فيها. وهو استنتاج لا يقلل ولا ينفي ولا يتعارض مع الحقيقة القائلة، بان نظرية ماركس عن المجتمع، بل عن كل شيء، هي نظرية تاريخية. كما أنها بالقدر ذاته فلسفة تاريخ من ألفها إلى يائها في تأسيسها ودعمها لرؤيتها المستقبلية. لقد وحدّت فلسفة ماركس في مقولاتها ومفاهيمها واستنتاجاتها النظرية منظومة خاصة سعت لتفسير كل ما كان يواجهها وتأسيس مهمة تغييره بمعايير التاريخ الواقعي وبمعايير المستقبل أيضا، بوصفه احتمالا واقعيا، أي تاريخا مستقبليا. (وهو ما سأتناوله في مقال لاحق...)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Marxism as a Patriarchal Science
Talal Alrubaie ( 2009 / 4 / 27 - 23:13 )
I read your article with interest and wish to add the following comments.
Popper refused to recognize Marxism, and incidentally psychoanalysis, as science because they failed his falsification criteria that determine his definition of what constitutes True Science as opposed to False Science. Hence, his stance on Marxism was not exclusively, or perhaps not even significantly, ideologically motivated. Rather, it was influenced by his adaptation of the principle of falsification as the criterion of differentiating science from other fields of knowledge. His stance on psychoanalysis, having been seen by dogmatic Marxists, biased towards Pavlov’s psychology and considering psychoanalysis a bourgeois non-science, reveals that his views were based on his philosophy of science, rather than on ideological motivation or ignorance of economics-this ignorance is not a flaw in any case as he was a philosopher of science, not an economist. This, however, does not mean that he personally was not disinclined against Marxism. Psychology of thinkers and scientists determine their theories in any


2 - اضافة وتوضيح
ميثم الجنابي ( 2009 / 4 / 28 - 09:22 )
إن الملاحظة والإضافة التي توردها سليمة ودقيقة فيما يتعلق بشخصية وموقف ومنهج بوبر. أما إبرازي لموقفه من الماركسية هنا فلم تكن مهمته إظهار جهله أو معدم معرفته أو حتى نقده، وذلك لأنها تخرج من مهمة هذا المقال. لقد كانت ترمي إلى شيء واحد فقط، وهو إمكانية الخطأ القائمة في أحكام الشخصية المفكرة حتى بحجم فيلسوف كبير مثل بوبر حالما تسير لسبب ما من الأسباب ضمن سياق فهم التيار العام للنمط الأيديولوجي السائد بوصفه الصيغة المعقولة عن -مؤسسي- الفكر، وفي الحالة المعنية -الماركسية- وماركس. وهي أشياء مختلفة. والحكم الذي نعثر عليه في مقدمة بوبر لكتابه لا يخلو في الواقع من أحكام أيديولوجية صرف. مع أن أحكامه بهذا الصدد تبقى في نهاية المطاف جزء من تقاليد مناهج العلوم، التي لم تكن بدورها بمعزل عن نقد الماركسية. وهو نقد لا علاقة له بتاريخ التقاليد الأيديولوجية الأوربية، لكنه لم يستطع التحرر منها بصورة تامة، أي منهجية من حيث الباعث والغاية. بعبارة أخرى، إن النقد البوبري كان موجها للماركسية من حيث كونها أيديولوجية وليس فلسفة ماركس كما هو. ولم يكن ذلك معزولا عن دراما التاريخ الدموي لأوربا النصف الأول من القرن العشرين. رغم أن جذور هذه الرؤية النقدية تكمن في طبيعة التحول العاصف لفكرة المناهج ورؤية ملامحها الخف


3 - ستبقى الماركسية مشرقة
جاسم الحلوائي ( 2009 / 4 / 28 - 12:42 )
أعتقد أن الماركسية لم تغرب، وهي كفلسفة تنطوي على طاقة فكرية وروحية وعملية لتحويل الواقع حتى تحقيق مشروعها. ومشروعها، المجتمع الشيوعي، ليس طوباوياً، كما يشير الأستاذ ميثم الجنابي، إلا إذا اعتبرنا ظاهرة استغلال الإنسان للإنسان، ظاهرة ثابتة وأبدية!
إن ظاهرة مضاعفة مبيعات المؤلف الرئيسي لكارل ماركس -الرأسمال- في الأعوام الأخيرة دليل واحد على عدم غروب الماركسية. وعدم غروب الماركسية لا يعني عدم دقة أو جفاف بعض جوانبها، ولكن ليس جوهرها الفلسفي المتمثل بالمادية الديالكتيكية التاريخية، أو أبرز اكتشافاتها مثل قانون فائض القيمة وما يترتب عليه من عواقب وخيمة على المجتمع، بسبب ركض الرأسمالي وراء أقصى الأرباح. وما نشاهده في الوقت الحاضر هو بعض تجليات هذه العواقب، وأقصد الأزمة التي يعاني منها النظام الرأسمالي العالمي في الوقت الحاضر وستتحمل تبعاته عوزاً وفقراً مئات الملايين من البشر. أما ما يخسره الرأسماليون فلا يتعدى سوى نسبة معينة من ملايينهم وملياراتهم!
مع تقديري


4 - ينقد بلا روح نقدية
Abu Ali Algehmi ( 2009 / 4 / 28 - 16:13 )
الفلسفة هي أكثر الأراضي خصباً بالنزوعات الطبقية وبحث السيد ميثم ـ وأنا أشاركه في احتقار مطوري الماركسية ـ فقد خلا بحثه من كل نزوع طبقي عدا أن بحثه بالمجمل هو نزوع طبقي . يقول أن الماركسية غابت بانهيارمعسكر الإشتراكية . العكس هو الصحيح فانهيار الثورة الإشتراكية على أيدي حثالات البورجوازية الوضيعة لهو أصدق برهان على تفوه لينين - الماركسية كليّة الصحة - ـ


5 - تعليق على بقاء الماركسية مشرقة
ميثم الجنابي ( 2009 / 4 / 28 - 17:02 )
ان مضمون المقال لا علاقة له بخسوف او كسوف الماركسية او ايما شكل اخر من اشكال التقييم السياسي. فالحديث يجري هنا اساسا عن افول المرحلة الايديولوجية في تصنيع الماركسية. واذا كان بالامكان الابقاء على ماركس مشرقا بوصفه احد عناصر او مكونات الفكر الانساني الحر والعقلاني (وهو ما يسعى المقال من حيث الجوهر اليه)، فان ذلك يفترض اعادة الاعتبار اليه ضمن سياق ما ادعوه بارجاع الفكر الى اصوله، وارجاع القارئ الى اصول الفكر. وهي الحلقة المفقودة في تراث الماركسية الايديولوجي. فالاخيرة كانت وما تزال احد الاسباب الكبرى في غروب ماركس ايضا وافول الماركسية الفعلي، مع ان فلسفة ماركس كانت احد مصادرها النظرية الكبرى. والمهمة الان تقوم في كيفية اعادة قراءة ماركس من اجل الا يكون مرة اخرى مادة للتحزب السياسي ايا كان شكله ومحتواه، او جعله صيغة نهائية لنماذج القيم المتسامية. بعبارة اخرى ان المهمة تقوم في جعله مصدرا من مصادر الرؤية النقدية وليس خاتمتها. وهي مهمة ينبغي متابعتها ليس من خلال تتبع كمية الاصدارات. فهذا لا يشكل بحد ذاته قيمة علمية. وللعلم ان ما جرى نشره عن اعادة نشر وبيع مؤلفات ماركس في الفترة الاخيرة (بعد الازمة المالية الحالية) هي اشياء اقرب للدعاية. بل يمكننا توكيد طبع نسخ تتجاوز الملايين لكتب لا تعادل


6 - تعليق على نقد بلا روح نقدية
ميثم الجنابي ( 2009 / 4 / 28 - 17:15 )
ان الحديث في المقال يجري حول قضايا منهجية متعلقة بالمفاهيم اولا وقبل كل شيئ. وبالتالي محاولة تخليص الرؤية من ثقل الاحكام القيمية (الايديولوجية). ان الحديث يجري عن ماركسية مصطنعة هي جزء من تداخل الاستعداد الفكري لما في اراء ماركس من جهة، وكيفية تغلغلها في الاوساط الاجتماعية الفاعلة بمعايير الرؤية الحزبية من جهة اخرى. وهو تناقض وجد انعكاسه في صعود وسيطرة وسقوط -الماركسية- وليس ماركس. لقد تعرض ماركس هناك الى ما يمكن دعوته بالرجوع الطبيعي الى مكانته الطبيعية بوصفه حلقة من حلقات الفكر النقدي الفلسفي الانساني. اما العبارة القائلة بان سقوط -الثورة الاشتراكية- (وتقصد النظام الاشتراكي) على -ايدي حثالات البرجوازية الوضيعة- فهو حكم سياسي وايديولوجي صرف. انه لا يفسر الظاهرة لانه بحاجة اولا الى تفسير كيفية وجود وسيطرة -برجوازية وضيعة- في بلد -الاشتراكية المتطورة-؟ كما انه لا توجد صلة بين سقوط التجربة الاشتراكية وكلمة لينين عن ان الماركسية صحيحة تماما. لاسيما وانها تشير الى عكس ذلك. عموما ان كل ذلك يدفع اولا وقبل كل شيئ مهمة التأمل النقدي للاشياء والظواهر والافكار، اي للاجتهاد النظري والمنطقي. حينذاك يصبح الاختلاف فضيلة لما له من اثر وقيمة بالنسبة للعقل والوجدان. كما انها المقدمة الضرورية بالنسبة


7 - غروب نهج المرتدين
ابو نبراس ( 2009 / 4 / 28 - 19:32 )
يحاول كاتب المقال حاله حال كل دعاة الرأسمالية من دس سموم أفكاره , والمرفهين والمتغابين من أمثاله ليس لهم القدرة على ايصال سمومهم الى عقول أصحاب المصلحة الحقيقية في الاشتراكية , أمريكا الجنوبية هي الدليل على صحة نهج الماركسية وشروقها المستمر , أما الخونة حلفاء غرباتشوف والنهج الخياني المدفوع الثمن مسبقاَ , لايمكنه ايقاف عجلة التاريخ وقانون الماركسية والمادية التاريخية ,
عامل عراقي

اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل